سيُودع الشرق الأوسط، بعد أقلّ من أسبوعين، هذا العامَ، بينما لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للحرب الإسرائيلية على غزة. كما أنّ ارتداداتها الإقليمية آخذة في التصاعد على عدّة مستويات؛ أهمها بؤرة الصراع الجديدة التي أشعلها الحوثيون في منطقة البحر الأحمر، واستمرار مخاطر انفجار حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله.

ومن المؤكّد أن الحرب وتداعياتها ستبقى مُهيمنة على أجندة الشرق الأوسط في العام الجديد.

إن السؤال الأكثر أهمية الذي يدور منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، يتمحور حول الكيفية التي ستنتهي بها، والآثار التي ستتركها على الأمن الإقليمي والجغرافيا السياسية الإقليمية؛ لأنه لا أحدَ بمن في ذلك إسرائيل، يستطيع تقديم إجابة واضحة حول الفترة الزمنية الإضافية التي ستستغرقها الحرب، وحول النتائج التي يُمكن أن تُحققها إسرائيل؛ إذ إنّ حالة عدم اليقين بشأنها ستستمرّ لفترة طويلة.

إن تحوّلًا محتملًا في المشهد السياسي الأميركي -يؤدي إلى هزيمة بايدن، وعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض- لن تنحصر آثاره الكبيرة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فحسب، بل سيشمل ذلك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط عمومًا

لقد بدا واضحًا أن الشرق الأوسط -الذي دخل عام 2023 بمزيد من المصالحات الإقليمية وباتفاق تاريخي بين السعودية وإيران بوساطة صينية؛ لإعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية وبمفاوضات سعودية- إسرائيلية برعاية أميركية؛ لإقامة علاقات دبلوماسية – لم يكن مستعدًا تمامًا لحرب السابع من أكتوبر. ليس فقط لأن التوقيت والشكل اللذين اختارتهما حركة حماس لتنفيذ هجوم "طوفان الأقصى" كانا مباغتين، بل لأن الفاعلين الأساسيين في الشرق الأوسط بدوا مفرطين للغاية في التفاؤل بشأن التحولات التي طرأت على العلاقات الدولية والإقليمية، وبأنها ستنقل المنطقة إلى مستوى جديد أكثر استقرارًا.

كما أن هذه الحرب أظهرت ثلاث حقائق كبيرة، وهي: أن تجاهل جوهر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لم يؤدِّ سوى إلى مفاقمته، وأن التطبيع العربي-الإسرائيلي لن يجلب السلام الإقليمي، إذا لم يكن نتيجة للسلام الفلسطيني-الإسرائيلي، وأن استقرار السياقات الإقليمية الأخرى غير مُحصن تمامًا، لذا فإن دول المنطقة سيتعين عليها الأخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق عند تشكيل الإستراتيجيات التي ستُدير بها سياساتها الإقليمية في العام الجديد.

إن الأولويات الإقليمية ستبقى تتركز على كيفية إنهاء هذه الحرب، ومعالجة التداعيات الإقليمية التي أفرزتها، لا سيما على المستوى الأمني، وهذا سيتطلب سياسات إقليمية أكثر قدرة على التأثير، مقارنة بما تبدو عليه الآن.

إن الكيفية التي ستسير بها الحرب في الفترة المقبلة، والطريقة التي ستنتهي بها، ستُحددان -على نحو كبير- جانبًا أساسيًا من معالم الشرق الأوسط الجديد بعد السابع من أكتوبر. هناك ثلاثة افتراضات أساسية يُمكن توقّعها في هذا الصدد:

الأول: أن تستمر الحرب لأشهر إضافية أخرى؛ بما يؤدّي إلى تكريس ستاتيكو عسكري تعجز فيه إسرائيل عن تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على حركة حماس، وهو ما سيعني أن الارتدادات الإقليمية للحرب ستبقى تسلك منحًى تصاعديًا في العام الجديد. والثاني: أن تتمكَّن إسرائيل من تحقيق نصر حاسم في الحرب في بضعة أشهر إضافية، لكنّه لا يبدو واقعيًا. وحتى لو تحقق هذا الافتراض، فإن سيناريوهات اليوم التالي لانتهاء الحرب، لن تكون أقل تعقيدًا من الحرب نفسها؛ لأن كلًّا من إسرائيل والولايات المتحدة لا تتفقان على تصور مشترك للمرحلة الجديدة، خصوصًا فيما يتعلق بالجهة التي ستُدير غزة في المستقبل، وبقضية إطلاق مسار سلام شامل يُفضي إلى تحقيق حل الدولتين. والافتراض الثالث: أن يؤدي العجز العسكري الإسرائيلي -في القضاء على المقاومة الفلسطينية- إلى تقليص قائمة الأهداف الإسرائيلية في الحرب.

وفي جميع الافتراضات الثلاثة، فإن السياسات الإقليمية تجاه الحرب، ستكون أمام اختبار كبير، وستتحدد بطبيعة الحال على ضوء أيّ من هذه الافتراضات الثلاثة سيتحقق. مع ذلك، فإن الحقيقة الواضحة هي أن فشل إسرائيل في الحرب وحده، هو ما سيجعل فرص إطلاق عملية سلام جديدة وشاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتحقيق حل الدولتين، مُمكنة، رغم أنها ستبقى معقدة بطبيعة الحال؛ بسبب النزعة العدوانية التي تُهيمن على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

كما أصبح واضحًا على نحو متزايد أن الموقف الأميركي من الحرب على وجه الخصوص، يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبلها. وهنا يبرزُ عامل آخر مُحدد للسياسة الأميركية في الصراع، يتمثل في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

إن تحوّلًا محتملًا في المشهد السياسي الأميركي -يؤدي إلى هزيمة بايدن، وعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض- لن تنحصر آثاره الكبيرة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فحسب، بل سيشمل ذلك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط عمومًا.

ومثل هذا التحول قد يؤدي إلى إعادة تشكيل علاقات واشنطن مع كل من إسرائيل، ومنطقة الخليج، وتركيا وإيران. لذلك، لن يكون من المبالغة تحديد أن أهم استحقاق سيواجه الشرق الأوسط في العام الجديد، يتمثل في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ففي حال استطاع بايدن الفوز بولاية رئاسية ثانية، فإن المسار الذي تسير عليه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، سيبقى مستقرًّا على نحو كبير، على عكس ما ستكون عليه في ظل عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض.

الافتراض الأكثر واقعية في هذا الصدد؛ أن العلاقات الإسرائيلية-الأميركية ستزدهر من جديد، وأن حالة الاستقرار التي حققتها إدارة بايدن في الصراع مع إيران ستنتهي، وأن الجمهوريين سيولون أهمية أكبر لإعادة الزخم للعلاقة مع منطقة الخليج.

وبالنسبة لتركيا التي واجهت بعض الأزمات الكبيرة مع واشنطن خلال ولاية بايدن، فإنها ستكون أكثر ارتياحًا لعودة محتملة لترامب إلى البيت الأبيض؛ لأنها من جانب ستسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب في تفاعلاتها مع واشنطن بشأن الملف السوري، ومن جانب آخر، ستكون في وضع مريح نسبيًا لناحية تراجع الضغط الأميركي عليها فيما يتعلّق بعلاقاتها مع روسيا.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الفلسطینی الإسرائیلی إلى البیت الأبیض فی العام الجدید فی الشرق الأوسط الأمیرکیة فی

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تحت النار.. الشرق الأوسط على شفا "الحرب الشاملة"

 

القدس الممحتلة - الوكالات

أعلن الجيش الإسرائيلي أن إيران قامت بإطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، وتم إطلاق صفارات الإنذار في جميع الأراضي المحتلة.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الهجوم الإيراني المرتقب سيستهدف 3 قواعد جوية ومقرات استخباراتية شمالي تل أبيب، تم إخلاؤها بالفعل.

وقال مسؤول أمريكي لرويترز إن مؤشرات أولية تشير إلى أن الهجوم الصاروخي الإيراني المحتمل قد يكون بحجم الهجوم الذي وقع في أبريل الماضي على الأقل، رغم صعوبة التأكد من ذلك.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري اليوم الثلاثاء إن أي هجوم صاروخي من إيران من المتوقع أن يكون على نطاق واسع وحث المواطنين على الاحتماء في غرف آمنة في حال حدوثه.

وأضاف أن وابلا من الهجمات الصاروخية التي استهدفت منطقة تل أبيب، والتي تسببت في إطلاق صفارات الإنذار، أطلقه حزب الله اللبناني.

وفي الأثناء، قال مراسل لموقع أكسيوس الأمريكي اليوم الثلاثاء على منصة إكس، نقلا عن مصدر غربي مطلع، إنه من المتوقع أن تهاجم إيران إسرائيل بصواريخ باليستية يمكنها الوصول إلى أهدافها في غضون 12 دقيقة وليس بطائرات مسيرة أو صواريخ كروز التي تستغرق وقتا أطول.

ومن جهة ثانية، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الهجوم الإيراني المرتقب سيستهدف 3 قواعد جوية ومقرات استخباراتية شمالي تل أبيب، تم إخلاؤها بالفعل.

وقال مسؤول أمريكي لرويترز إن مؤشرات أولية تشير إلى أن الهجوم الصاروخي الإيراني المحتمل قد يكون بحجم الهجوم الذي وقع في أبريل الماضي على الأقل، رغم صعوبة التأكد من ذلك.

وقال متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الثلاثاء إن أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية مستعدة تماما لأي هجوم من إيران لكن لم يجر رصد أي تهديد في الوقت الحالي، وذلك بعد دقائق من تحذير الولايات المتحدة من أن هجوما قد يكون وشيكا.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري في بيان أذيع على التلفزيون إن إسرائيل وحلفاءها في حالة تأهب قصوى وإن أي هجوم من إيران سيكون له تداعيات.

وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض اليوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة لديها مؤشرات على أن إيران تستعد لشن هجوم بصواريخ باليستية على إسرائيل "قريبًا". وأضاف المسؤول أن الولايات المتحدة تدعم بشكل نشط الاستعدادات للدفاع عن إسرائيل ضد هذا الهجوم وأن أي هجوم عسكري مباشر على إسرائيل من جانب إيران من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على طهران.

فيما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الثلاثاء الإسرائيليين إلى الالتزام بتعليمات السلامة الصادرة عن قيادة الجبهة الداخلية، وذلك في وقت حذرت فيه الولايات المتحدة من هجوم صاروخي وشيك على إسرائيل.

وقال دانيال هاجاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إن أي هجوم إيراني على إسرائيل ستكون له تداعيات، موضحًا أن "أنظمة الدفاع الجوي لدينا جاهزة تمامًا".

وأضاف المتحدث أن القيادة المركزية الأمريكية متأهبة لأي تهديد إيراني، لكنه نفى رصد "أي تهديد جوي من إيران".

من جهته، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اليوم الثلاثاء إن الولايات المتحدة تتابع الأحداث في الشرق الأوسط عن كثب وملتزمة بالدفاع عن إسرائيل.

وتأتي تعليقات بلينكن بالتزامن مع بداية ما يُعتقد أنه توغل عسكري إسرائيلي في الأراضي اللبنانية.

وقالت إسرائيل إن وحدات من قوات المظلات والقوات الخاصة نفذت هجمات داخل لبنان اليوم الثلاثاء في إطار توغل بري "مُحدد الهدف"، بينما قالت جماعة حزب الله إنها أطلقت وابلا من الصواريخ في إسرائيل، بما في ذلك على مقر جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) على مشارف تل أبيب.

وذكر مسؤول أمني إسرائيلي اليوم أن العملية البرية، التي تنفذها القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان وبدأت ليلا، محدودة ولم تمتد إلا لمسافة قصيرة عبر الحدود، مضيفا أنه لم ترد أنباء عن وقوع اشتباكات مباشرة مع مقاتلي حزب الله.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري اليوم الثلاثاء إن القوات الإسرائيلية تنفذ عمليات في جنوب لبنان منذ أشهر، وكشفت عن أنفاق ومخابئ أسلحة لحزب الله أسفل منازل وعن خطط للجماعة اللبنانية لشن هجمات.

مقالات مشابهة

  • 19 موقعا بـ12 دولة.. أين تتمركز القوات الأميركية في الشرق الأوسط؟
  • ديفيد هيرست: الفوضى التي تبثها إسرائيل في الشرق الأوسط ستعود لتلاحقها
  • فرنسا تعلن تحريك قدراتها العسكرية في الشرق الأوسط
  • فرنسا تعلن "تحريك قدراتها العسكرية في الشرق الأوسط"
  • رهاناتُ العدوّ الإسرائيلي لرفع سقف أهداف الحرب
  • إسرائيل تحت النار.. الشرق الأوسط على شفا "الحرب الشاملة"
  • نهاية الحروب القصيرة.. هل أدخلت إسرائيل الشرق الأوسط في حرب بلا نهاية؟
  • دفاعاً عن النفس.. توجيهات للقوات الأميركية في الشرق الأوسط بـالرد السريع على أي اعتداء
  • نتنياهو مُخاطبًا الشعب الإيراني: إسرائيل تقف معكم.. ماذا قصد برسالته؟
  • توسيع إسرائيل الحرب في المنطقة يصعد بالنفط