ماذا لو خسر بايدن انتخابات الرئاسة الأميركية القادمة؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
سيُودع الشرق الأوسط، بعد أقلّ من أسبوعين، هذا العامَ، بينما لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للحرب الإسرائيلية على غزة. كما أنّ ارتداداتها الإقليمية آخذة في التصاعد على عدّة مستويات؛ أهمها بؤرة الصراع الجديدة التي أشعلها الحوثيون في منطقة البحر الأحمر، واستمرار مخاطر انفجار حرب أخرى بين إسرائيل وحزب الله.
إن السؤال الأكثر أهمية الذي يدور منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر، يتمحور حول الكيفية التي ستنتهي بها، والآثار التي ستتركها على الأمن الإقليمي والجغرافيا السياسية الإقليمية؛ لأنه لا أحدَ بمن في ذلك إسرائيل، يستطيع تقديم إجابة واضحة حول الفترة الزمنية الإضافية التي ستستغرقها الحرب، وحول النتائج التي يُمكن أن تُحققها إسرائيل؛ إذ إنّ حالة عدم اليقين بشأنها ستستمرّ لفترة طويلة.
إن تحوّلًا محتملًا في المشهد السياسي الأميركي -يؤدي إلى هزيمة بايدن، وعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض- لن تنحصر آثاره الكبيرة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فحسب، بل سيشمل ذلك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط عمومًا
لقد بدا واضحًا أن الشرق الأوسط -الذي دخل عام 2023 بمزيد من المصالحات الإقليمية وباتفاق تاريخي بين السعودية وإيران بوساطة صينية؛ لإعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية وبمفاوضات سعودية- إسرائيلية برعاية أميركية؛ لإقامة علاقات دبلوماسية – لم يكن مستعدًا تمامًا لحرب السابع من أكتوبر. ليس فقط لأن التوقيت والشكل اللذين اختارتهما حركة حماس لتنفيذ هجوم "طوفان الأقصى" كانا مباغتين، بل لأن الفاعلين الأساسيين في الشرق الأوسط بدوا مفرطين للغاية في التفاؤل بشأن التحولات التي طرأت على العلاقات الدولية والإقليمية، وبأنها ستنقل المنطقة إلى مستوى جديد أكثر استقرارًا.
كما أن هذه الحرب أظهرت ثلاث حقائق كبيرة، وهي: أن تجاهل جوهر الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لم يؤدِّ سوى إلى مفاقمته، وأن التطبيع العربي-الإسرائيلي لن يجلب السلام الإقليمي، إذا لم يكن نتيجة للسلام الفلسطيني-الإسرائيلي، وأن استقرار السياقات الإقليمية الأخرى غير مُحصن تمامًا، لذا فإن دول المنطقة سيتعين عليها الأخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق عند تشكيل الإستراتيجيات التي ستُدير بها سياساتها الإقليمية في العام الجديد.
إن الأولويات الإقليمية ستبقى تتركز على كيفية إنهاء هذه الحرب، ومعالجة التداعيات الإقليمية التي أفرزتها، لا سيما على المستوى الأمني، وهذا سيتطلب سياسات إقليمية أكثر قدرة على التأثير، مقارنة بما تبدو عليه الآن.
إن الكيفية التي ستسير بها الحرب في الفترة المقبلة، والطريقة التي ستنتهي بها، ستُحددان -على نحو كبير- جانبًا أساسيًا من معالم الشرق الأوسط الجديد بعد السابع من أكتوبر. هناك ثلاثة افتراضات أساسية يُمكن توقّعها في هذا الصدد:
الأول: أن تستمر الحرب لأشهر إضافية أخرى؛ بما يؤدّي إلى تكريس ستاتيكو عسكري تعجز فيه إسرائيل عن تحقيق هدفها المتمثل في القضاء على حركة حماس، وهو ما سيعني أن الارتدادات الإقليمية للحرب ستبقى تسلك منحًى تصاعديًا في العام الجديد. والثاني: أن تتمكَّن إسرائيل من تحقيق نصر حاسم في الحرب في بضعة أشهر إضافية، لكنّه لا يبدو واقعيًا. وحتى لو تحقق هذا الافتراض، فإن سيناريوهات اليوم التالي لانتهاء الحرب، لن تكون أقل تعقيدًا من الحرب نفسها؛ لأن كلًّا من إسرائيل والولايات المتحدة لا تتفقان على تصور مشترك للمرحلة الجديدة، خصوصًا فيما يتعلق بالجهة التي ستُدير غزة في المستقبل، وبقضية إطلاق مسار سلام شامل يُفضي إلى تحقيق حل الدولتين. والافتراض الثالث: أن يؤدي العجز العسكري الإسرائيلي -في القضاء على المقاومة الفلسطينية- إلى تقليص قائمة الأهداف الإسرائيلية في الحرب.وفي جميع الافتراضات الثلاثة، فإن السياسات الإقليمية تجاه الحرب، ستكون أمام اختبار كبير، وستتحدد بطبيعة الحال على ضوء أيّ من هذه الافتراضات الثلاثة سيتحقق. مع ذلك، فإن الحقيقة الواضحة هي أن فشل إسرائيل في الحرب وحده، هو ما سيجعل فرص إطلاق عملية سلام جديدة وشاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لتحقيق حل الدولتين، مُمكنة، رغم أنها ستبقى معقدة بطبيعة الحال؛ بسبب النزعة العدوانية التي تُهيمن على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
كما أصبح واضحًا على نحو متزايد أن الموقف الأميركي من الحرب على وجه الخصوص، يلعب دورًا حاسمًا في تحديد مستقبلها. وهنا يبرزُ عامل آخر مُحدد للسياسة الأميركية في الصراع، يتمثل في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
إن تحوّلًا محتملًا في المشهد السياسي الأميركي -يؤدي إلى هزيمة بايدن، وعودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض- لن تنحصر آثاره الكبيرة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي فحسب، بل سيشمل ذلك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط عمومًا.
ومثل هذا التحول قد يؤدي إلى إعادة تشكيل علاقات واشنطن مع كل من إسرائيل، ومنطقة الخليج، وتركيا وإيران. لذلك، لن يكون من المبالغة تحديد أن أهم استحقاق سيواجه الشرق الأوسط في العام الجديد، يتمثل في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ففي حال استطاع بايدن الفوز بولاية رئاسية ثانية، فإن المسار الذي تسير عليه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، سيبقى مستقرًّا على نحو كبير، على عكس ما ستكون عليه في ظل عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض.
الافتراض الأكثر واقعية في هذا الصدد؛ أن العلاقات الإسرائيلية-الأميركية ستزدهر من جديد، وأن حالة الاستقرار التي حققتها إدارة بايدن في الصراع مع إيران ستنتهي، وأن الجمهوريين سيولون أهمية أكبر لإعادة الزخم للعلاقة مع منطقة الخليج.
وبالنسبة لتركيا التي واجهت بعض الأزمات الكبيرة مع واشنطن خلال ولاية بايدن، فإنها ستكون أكثر ارتياحًا لعودة محتملة لترامب إلى البيت الأبيض؛ لأنها من جانب ستسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب في تفاعلاتها مع واشنطن بشأن الملف السوري، ومن جانب آخر، ستكون في وضع مريح نسبيًا لناحية تراجع الضغط الأميركي عليها فيما يتعلّق بعلاقاتها مع روسيا.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الفلسطینی الإسرائیلی إلى البیت الأبیض فی العام الجدید فی الشرق الأوسط الأمیرکیة فی
إقرأ أيضاً:
تركيا في الشرق الأوسط الجديد: لاعب أم صانع قواعد؟
تولي تركيا أهمية مركزية لمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها العمق الإستراتيجي لأمنها القومي العسكري والاقتصادي، وسعت أنقرة خلال عقود مضت عبر بوابات الطرق الدبلوماسية المرنة والأدوات الاقتصادية، ثم الخيارات العسكرية، لضمان مصالحها الحيوية الجيوسياسية في المنطقة، وخاصةً مع الدول المحاددة لها؛ حيث تعاملت مع هذه الدول كحقيقة جغرافية وتاريخية وعسكرية تربطها بها على امتداد قرون عديدة، وزاد من ظهور الدور التركي المؤثر وتصاعده خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تراجع قدرات دول عربية مهمة كالعراق، وسوريا.
علاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط جمعت بين السعي لإحلال السلام من خلال مساهمتها في تخفيف حدة المشاكل بينها وبين هذه الدول بغض النظر عن قربها أو بعدها عن حدودها، وفي ذات الوقت طرح نفسها كشريك استثماري يمكن الوثوق بقدراته بما يجعل من بوابة مشاريع التنمية الاقتصادية في دول الشرق الأوسط وبخاصة الإقليمية منها، مفتاح النجاح في تمكينها من الولوج إلى دوله كقوة مركزية اقتصادية هائلة.
ومثلما نجحت في إيجاد دور مهم لها في تطوير التنمية الاقتصادية، نجحت أيضًا في مطاردة أعدائها أو مواجهتهم عسكريًا، كما هو الحال مع حزب العمال الكردستاني المحظور، وأيضًا خلال أزمتها مع اليونان التي وصلت إلى حدود المواجهة العسكرية؛ بسبب تنازُع البلدين حول جزر في بحر إيجه في العامين: 1987، و1996، بما أظهر قدراتها العسكرية وجرأة قيادتها على اتخاذ القرارات الضامنة لسيادتها ومصالحها.
إعلاناقتصاديًا وبحسابات منهجية دقيقة سعت أنقرة إلى تقليص حدّة التحسس الإستراتيجي بينها وبين دول الجوار العربي، التي رأت في التوجه التركي محاولة "لعَثْمنة" المنطقة عبر بوابات الاقتصاد، فنجحت في إنشاء مجالس تعاون اقتصادية إستراتيجية مع العراق، سوريا، الأردن ولبنان، كما حقّقت نجاحًا لافتًا في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي شهدت تطورًا متسارعًا وصل إلى حدود إنشاء منتدى تركي- خليجي عربي، بات اليوم أحد مظاهر التوافق الإستراتيجي في مجالات الاستثمار متعدد التخصصات الصناعية، الزراعية، السياحية والعسكرية.
وسلطت المتغيرات الجذرية في الشأن السوري، الضوء على الدور التركي بشقَّيه؛ المعلن وغير المعلن، في التحضير لعوامل نجاح الفصائل المسلحة المعارضة في السيطرة وبشكل سريع ولافت على دمشق والمحافظات والمدن السورية، وأيضًا في تهيئة الأرضية السياسية لقبول هذه المتغيرات من قبل دول إقليمية وعالمية، باستثناء إيران التي تمثل -وفق رؤى هذه الفصائل ومن ورائها تركيا- الداعم الأساس لنظام الأسد طيلة أكثر من 13 سنة.
ما حدث في سوريا أبرز بشكل كبير وخطير الدور التركي المتوقّع في الشرق الأوسط الجديد، وهو أمرٌ حظي، وما زال، باهتمام كبير من قبل مراكز صنع القرار ومؤسسات الدراسات الإستراتيجية الأميركية والغربية، كما شكّل خارطة طريق جديدة لعلاقات أنقرة مع منظومة دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ولعدة أسباب أهمها المتغيرات الإيجابية الحاصلة في سوريا وبدعم تركي مثل تطورًا نوعيًا كبيرًا في تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة والذي تمثّل بإنهاء الدور الإيراني في سوريا، بما يعنيه من انحسار مشروعها الإستراتيجي في المنطقة.
تركيا الناجحة في تعاملها مع القوى الدولية كالولايات المتحدة، وروسيا، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، سعت لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال سياسة خارجية نشطة، تعتمد على مزيج من الدبلوماسية والقوّة العسكرية، والأخيرة كانت لمعالجة واحدة من معضلات الأمن القومي التركي التي تمثّل الجماعات الكردية في شمال العراق وسوريا مثل وحدات حماية الشعب (YPG)، وحزب العمال الكردستاني (PKK).
إعلانوتقف قضية الجماعات الكردية المسلحة المعارضة للدولة التركية والتي تصنفها كجماعات إرهابية، كأحد العوامل الرئيسية الدافعة للتحرك التركي بثقله المشهود في حسم الأمور لصالح الفصائل السورية المسلحة.
الجماعات الكردية المعارضة لتركيا التي حصلت خلال السنوات الأخيرة على دعم سياسي أميركي – إسرائيلي تمثل بالاعتراف والدعم اللوجيستي لقوات سوريا الديمقراطية (قسَد)، هذه القوات مثلت في فترة ما بعد الأسد (عقدة) الوفاق الوطني السوري.
لكن تركيا التي كانت ترفض أي صيغة تمنح الأكراد دورًا موسعًا في سوريا، باتت تدرك أن تجاهل القضية الكردية لم يعد خيارًا عمليًا، خصوصًا بعد نجاحها في إقناع زعيم حزب العمال، الكردي المسجون في تركيا عبدالله أوجلان بتوجيه رسالة حثّ فيها مقاتلي حزبه على التخلي عن السلاح وحظر نشاطه العسكري؛ لذلك شجّعت أنقرةُ دمشقَ على منح الأكراد حقوقًا متساوية مع بقية مكونات الشعب السوري، في خطوة تعكس توازنًا جديدًا في تعاملها مع هذا الملف، وكان ثمرة ذلك التوجّه التركي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقًا يقضي "بدمج" كافة المؤسّسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية والحقول النفطية والمنافذ الحدودية في إطار الدولة السورية، وتحت نظام المواطنة المتساوية.
لقد عززت مجريات الأمور من دور تركيا في الشرق الأوسط الجديد، فالقوتان الكبيرتان في سوريا الأسد إيران وروسيا، تعاملتا مع الدخول التركي المحكم لسوريا بشيء من الواقعية بغية الحفاظ على نفوذهما هناك بعد أن تستقرّ الأوضاع، وتتوضح صورة الموقف المضطرب في ذلك البلد.
ومع انحسار المشروع الإيراني وتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة، ولبنان، وسوريا، وربما إيران، تبقى تركيا الضامن الوحيد لدول المنطقة التي يمكن الركون إليها للتعامل مع واشنطن وتل أبيب لإيقاف هستيريا العدوان الإسرائيلي، والضغط باتجاه الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل خلال عملياتها الدموية والتدميرية ضد هذه الدول.
إعلانإسرائيل تراقب النفوذ التركي في سوريا بحذر شديد، حيث تقدر أهمية العلاقة مع تركيا وضرورة التعامل معها، بخصوصية لتجنب المشاكل الجدية معها؛ فآخر ما تخشاه تل أبيب أن تحادد تركيا عبر بوابة سوريا، كما تولي موضوع الشراكة الإستراتيجية بين دمشق وأنقرة والتي تشكّل قضية إنشاء قواعد دفاع جوي تركية عاجلة وسط البلاد لحماية الأجواء السورية جانبًا كبيرًا من المتابعة.
وهذا يفسّر قيام إسرائيل خلال الفترة التي أعقبت نجاح الثورة السورية بشنّ عمليات عسكرية عديدة داخل الأراضي السورية، كما قضمت مناطق أخرى تشكل مواقع إستراتيجية عسكرية مهمة داخل الأراضي السورية. إضافة إلى سعيها لإثارة ما يزعزع الاستقرار والأمن داخل سوريا لمشاغلة تركيا عبرها تحسبًا لأي تطورات جيوسياسية خلال السنوات المقبلة .
العراق الذي شهد أدوارًا متعددة للمليشيات الموالية لإيران، والتي تعتبر تركيا ندًا عقائديًا لها، تحرك رسميًا لكسب ودّ أنقرة لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بإطلاق الحصص المائية لنهرَي دجلة والفرات، وأخرى لكبح جماح المليشيات الكردية التركية في شمال العراق، وفسح المجال الجوي والأرضيّ والاستخباراتي لتركيا لملاحقتها، مع منحها التراخيص لإقامة معسكرات لقواتها في مناطق حيوية بمحافظات دهوك ونينوى كمنطلقات لأعمال عسكرية دائمة.
ومع كل ذلك فإنّ الحكومة العراقية تعلن إدانتها بعضَ العمليات العسكرية التركية داخل العمق العراقي في كردستان العراق. وأيضًا توسّع العمليات العسكرية في المنطقة، وزيادة الحضور العسكري والاستخباراتي في كل الشمال العراقي، لكن بذات الوقت لا تمتلك هذه الحكومة الكثير من أوراق الضغط على أنقرة لثنيها عن ذلك، خصوصًا مع تصاعد موازين التبادل التجاري بين البلدين والتي قدّرت بـ(20) مليار دولار، والمشروع الاقتصادي الإستراتيجي الكبير المتمثّل بـ(طريق التنمية) لربط ميناء الفاو العراقي بالحدود التركية بسكك حديد وطرق برية بقيمة 17 مليار دولار.
إعلانإيران، التي كانت حتى يوم سيطرة الفصائل المسلحة السورية على دمشق، تمثل القوة الرئيسية لنظام الأسد بما تعنيه (القوة) من معانٍ أمنية واستخباراتية واجتماعية وعقائدية، لكن، وخلال أيام معدودة وبشكل دراماتيكي انهارت هذه (القوة) لتحل محلها تركيا، وبشكل أكثر إحكامًا وتحكمًا بمجريات الأمور، وبات الدور التركي من حيث الوزن والتأثير في المشهد السوري والإقليمي، هو الأبرز والأكثر تنظيمًا.
وتتميز أنقرة عن طهران بقدرتها على الحوار الإيجابي في الساحة الدولية والإقليمية والمحلية من خلال قدراتها الاقتصادية والعسكرية المؤثرة في المنطقة دون الولوج في مشاريع مذهبية طائفية ميزت الحراك الإيراني.
كما أن الولايات المتحدة ترحب- خصوصًا بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الثانية- بسوريا المتوافقة مع تركيا، بما يعني تحجيم دور إيران في هذا البلد. سياسات ترامب المعلنة تجاه طهران والإستراتيجية التي ستتبعها إيران في مواجهة هذه السياسات ستعني الكثير في تمكين تركيا من الولوج بقوة إلى الشرق الأوسط الجديد، لأن أية عمليات عسكرية ستوجَّه نحو إيران ستعني تفرّد أنقرة بمشهد الشرق الأوسط المقبل.
لقد حرصت تركيا على طمأنة دول الخليج العربي بموضوع ملء الفراغ في سوريا بعد سقوط بشار الأسد لضمان مصالح جميع الدول، ووقفت المملكة العربية السعودية في مقدمة المؤيدين لهذا التغيير، وكذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي التي رأت ضرورة دعم السلطات الجديدة دوليًا، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا، ومنع الجماعات المتطرفة من نشر الفوضى فيها وفي المنطقة.
ونجحت تركيا إلى حد كبير في تحقيق التعاون مع الرياض لتنسيق رؤية مشتركة لمستقبل سوريا ومنع أي خلاف أو تنافس قد يؤدي إلى توترات بين البلدين، هذا التنسيق يعني فيما يعنيه كسب الاهتمام الدولي لرفع العقوبات المفروضة على سوريا الأسد والتعامل من النظام الجديد بإيجابية ودعم إعادة إعمار البلاد، وتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للشعب السوري، وهو موقف ما كان ليكون قبل أقل من عقد من الزمن، لكن نجاعة السياسة الخارجية التركية الفاعلة آتت تأثيرها في المشهد التركي- الخليجي بوضوح.
إعلانمنذ أكثر من عقدين من الزمن والعالم يسمع ترديد دول كبرى ومؤسسات بحثية عديدة، مصطلح "الشرق الأوسط الجديد"، وقد كانت هذه التلميحات أو الإعلانات بصيغها المختلفة تأتي من قادة تحرّكوا فعلًا تجاه الشرق الأوسط؛ بهدف تغييره مثل الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ووزراء خارجيته ودفاعه، بالإضافة إلى إفادات وتهديدات قادة إسرائيليين، ومحللين سياسيين، ومراكز دراسات المستقبلات.
وقد ظن الكثيرون عام 2003 أن إيران ستكون لاعبًا أساسيًا في مراكز قوى هذا الشرق الجديد بحسب القدرات التي منحتها لها ظروف سقوط نظام صدام حسين، واحتلال العراق، والتسهيلات الأميركية لانسياحها في هذا البلد، وسوريا، ولبنان وسواها.
لكن إيران لم تحسن التعامل مع هذا المتغير، وسعت إلى تأسيس مشروعها الشرق أوسطي المرتكز على مفهوم "تصدير الثورة"، بما تسبّب في زعزعة الأمن الإقليمي، وظهور التيارات الجهادية الإرهابية التي جعلت الشرق الأوسط منطقة غير آمنة ومصدرًا للإرهاب.
لهذا السبب، ومع تطلّعها النووي غير المرغوب به دوليًا وإقليميًا، فإن الدور التركي بإسلامه "العلماني"وتحالفاته الإستراتيجية مع حلف شمال الأطلسي، وعلاقاته الوثيقة مع المنظومة الغربية والشرقية، وأيضًا محيطه العربي، وتميزه اقتصاديًا كأحد أهم الاقتصادات الفاعلة عالميًا وإقليميًا، يبقى هو الخيار الأمثل لشرق أوسط جديد تعاد به موازنات المنطقة، وتتحدد فيه آمال وتطلعات دوله بما يسمح بظهور مناطق اقتصادية هائلة تجعل طريق السلام والاستقرار والأمن غاية جميع دوله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline