السعودية ومصر والإمارات.. لماذا نأت بنفسها عن حامي الازدهار في البحر الأحمر؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
تحت عنوان "حامي الازدهار" أعلنت الولايات المتحدة، الاثنين، إنشاء تحالف بحري جديد لردع هجمات الحوثيين التي تهدد سلاسل التوريد والتجارة العالمية عبر البحر الأحمر.
القوة التي كشف عنها البنتاغون تضم 10 دول، هي المملكة المتحدة والبحرين وكندا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشيل وفرنسا، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
ووفقا للبنتاغون، تتمثل مهمة هذه القوة العسكرية في التصدي المشترك للتحديات الأمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وضمان حرية الملاحة لجميع الدول وتعزيز الأمن والرخاء الإقليميين، وذلك بتنسيق من القوات البحرية المشتركة وقيادة فرقة العمل 153، بحسب تصريحات وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الاثنين، في إسرائيل.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية في القاهرة، محمد سالم أبو المجد، لموقع "الحرة" إن "ملامح هذا التحالف البحري الجديد لا تزال غير واضحة. وفي هذه المرحلة، يعد التحالف ببساطة امتدادا لواحدة من قوات العمل المشتركة الخمس التي كانت الولايات المتحدة تقودها بين البحر الأحمر والخليج العربي منذ حوالي 20 عاما، من قاعدة في البحرين، تضم القوات البحرية من 39 دولة أعضاء".
وأضاف أن " عملية حامي الازدهار ستكون تحت رعاية فرق العمل المشتركة 153، أي أنه من الناحية العملية، فإن جميع البلدان التي أعلن عنها البنتاغون مرتبطة بالفعل بواحدة أو أخرى من فرق العمل المشتركة هذه، وبعضها، مثل فرنسا وأسبانيا، لديها بالفعل سفن في المنطقة".
وفي ما يتعلق بغياب الدول الإقليمية الفاعلة في المنطقة، قال أستاذ العلاقات الدولية إنه "في منطقة مثل الشرق الأوسط، حيث تختلف المصالح وتشتعل الأوضاع بسبب حرب غزة، يبدو غياب العديد من الدول عن هذا التحالف واضحا".
وأضاف أن "مصر، على سبيل المثال، هي عادة عضو في قوة العمل المشتركة 153، بل إنها تولت القيادة لأول مرة في نهاية عام 2022، لمدة ستة أشهر. وفي حين تستمد القاهرة جزءًا كبيرًا من إيراداتها من حقوق المرور في قناة السويس (أكثر من 8.5 مليار يورو في عام 2022) وتعد واحدة من أكبر المتلقين، إلى جانب إسرائيل، للدعم العسكري الأميركي كل عام، فقد امتنعت مصر عن إدانة هجمات الحوثيين حتى الآن".
وأوضح أن "السبب وراء عدم مشاركة مصر في التحالف ربما يرجع إلى عدم رغبتها في التورط في أفعال ضد الحوثيين تفاديا لأي تصعيد محتمل من قبلهم، بالإضافة إلى أن استمرار إسرائيل في حربها على غزة قد يُظهر انضمام القاهرة لهذه المبادرة وكأنه تأييدا منها لهذه الحرب".
و"الشيء نفسه ينطبق على السعودية، إحدى القوى الكبرى في البحر الأحمر، وكذلك الإمارات"، بحسب ما قاله المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، لموقع "الحرة".
"الأزمة تكمن في أن هذا التحالف تكون في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة، بالإضافة إلى أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في هذه الحرب، جعل من الصعب انضمام المملكة لهذه المبادرة لأنه سيسبب ردود فعل سلبية بالتأكيد"، أضاف آل عاتي.
وتابع "في الوقت الذي يشتعل فيه الصراع بين إسرائيل وحماس، يدرك السعوديون أن الموافقة العلنية بالانضمام إلى الولايات المتحدة في مبادرتها يمكن أن يضر بالسلام الذي كانوا يتفاوضون عليه لعدة أشهر مع الحوثيين للخروج من حرب استمرت 10 سنوات في اليمن".
وأوضح الخبير السياسي السعودي أن "السعودية والإمارات تعاملتا مع التطورات الأخيرة المتعلقة بالحوثيين بحذر، حيث أنهما ستتحملان وطأة أي تصعيد إضافي، خاصة أن كلا البلدين لا يريد أن يتعرض لأي من هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات من دون طيار مثلما حدث مع السعودية خلال المراحل الأخيرة من حرب اليمن، بما في ذلك الهجمات على منشأة نفط سعودية في عام 2022".
وأشار إلى أن "السعودية تدرك أن مصالحها تتوافق مع مبادرة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الصديقة لها والمتمثلة في تأمين الملاحة في البحر الأحمر وسلاسل التجارة العالمية".
وأوضح أن "منطقة خليج عدن وباب المندب تعتبر ممرا مائيا أساسيا لمرور التجارة العالمية ومن المطلوب أن يقوم المجتمع الدولي بحمايته، وسبق للسعودية أن طالبت المجتمع الدولي بالمشاركة في الحرب لإعادة الشرعية في اليمن، وبوجود تحالف دولي وقوة رادعة لمنع تهريب السلاح الإيراني للحوثيين، وبتجريم جماعة الحوثي، لكن في ظل هذه التهديدات، رفعت واشنطن جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب".
وعندما اتفقت السعودية وإيران على إعادة علاقاتهما الدبلوماسية، خلال وقت سابق من العام الحالي، تعززت الآمال بالتوصل لسلام في اليمن. وخلال الأسابيع التي سبقت حرب غزة، تقدمت المفاوضات بين السعودية، التي تقود تحالفا عسكريا لدعم الحكومة المعترف بها دوليا في اليمن، وجماعة الحوثي التي تسيطر على أجزاء واسعة من اليمن، بما في ذلك العاصمة صنعاء منذ 2014.
وخلال أبريل، توجه السفير السعودي لدى اليمن، محمد الجابر، إلى صنعاء للقاء مسؤولين حوثيين، فيما وصفه بأنه مسعى لـ "تثبيت" الهدنة التي تم التوصل إليها برعاية أممية، منذ العام الماضي.
وفي سبتمبر الماضي، أجرى مسؤولون حوثيون محادثات في الرياض طيلة 5 أيام، في أول زيارة علنية لوفد حوثي إلى السعودية منذ اندلاع الحرب عام 2015.
ودخل الحوثيون على خط الصراع بين إسرائيل وحماس من خلال مهاجمة السفن في البحر الأحمر، وإطلاق طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل على بعد أكثر من 1500 كيلومتر من قاعدة قوتهم في العاصمة اليمنية، صنعاء.
وهدد الحوثيون باستهداف جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل مهما كانت جنسيتها، محذرين شركات الشحن العالمية من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية.
ويمر نحو 15 في المئة من حركة الشحن العالمية عادة عبر قناة السويس، وهي أقصر طريق ملاحي بين أوروبا وآسيا، لتعبر بعد ذلك أيضا البحر الأحمر قبالة اليمن.
لكن الاضطرابات عطلت التجارة البحرية، إذ أعادت شركات شحن توجيه رحلاتها حول أفريقيا بدلا من ذلك، ما زاد تكاليفها ومدتها.
وبشأن تأثير غياب القوى الإقليمية في المنطقة على مبادرة الولايات المتحدة، قال مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق وكبير الباحثين في مركز التقدم الأميركي، لاري كورب، لموقع "الحرة" إنه "بعد المشاركة في حرب اليمن لسنوات عديدة، لا ترغب حاليا أي من السعودية والإمارات بشكل خاص في التورط في أي تصعيد محتمل آخر، بالإضافة إلى أنهما لا يمتلكان قوات بحرية كبيرة بما فيه الكفاية للتأثير على عمل المبادرة أو إنجاحها من عدمه".
وبالنسبة لمخاوف السعودية والإمارات من أن حماية الشحن التجاري قد تستدعي تصعيدا للصراع إلى النقطة التي تقوم فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها بقصف اليمن ردا على الهجمات في البحر الأحمر، يرى كورب أن "الولايات المتحدة لا ترغب أيضا في إشعال خط مواجهة آخر مع الحوثيين في اليمن".
وأضاف أن "الهدف الأساسي من المبادرة الأميركية هو ضمان استقرار التجارة العالمية، خاصة بعد ارتفاع أسعار الطاقة خلال الأيام الماضية، وليس فتح جبهة حرب جديدة مع الحوثيين في اليمن أو إيران التي تدعمها، مشيرا إلى أن حكومة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تواجه ضغوطا متزايدة من الكونغرس بعد مطالبة عدد من الأعضاء بالرد على الحوثيين".
واستبعد مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق أن يتسبب التحالف في فتح جبهة حرب جديدة في اليمن أو مع إيران التي تدعم جماعتي الحوثي وحزب الله، قائلا إن "المبادرة تعطي إشارة واضحة على أنه ليست الولايات المتحدة وحدها التي تقف في وجههم بل ١٠ دول كبرى ومؤثرة، وهذا قد يُردع الحوثيين، لكن ليس من مصلحة أحد إشعال حرب أخرى حاليا في منطقة الشرق الأوسط".
ويرى كورب أن "إيران لن تتورط في حرب حاليا ضد هذا التحالف بقيادة الولايات المتحدة"، كما توقع أن تنأى روسيا عن التورط بسبب حربها على أوكرانيا، وبالطبع تركيا التي تعتبر عضوا في حلف الناتو لن تتخذ موقفا معاديا لأي من الدول المشاركة في التحالف".
وفي الوقت الحالي، ير ى كورب أن "واشنطن تواصل تبني نهج الاحتواء التقليدي، وهذا هو الهدف من تشكيل فرقة عمل بحرية على أوسع نطاق ممكن مع شركاء عالميين، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة التجارة العالمیة فی البحر الأحمر العمل المشترکة بالإضافة إلى هذا التحالف فی المنطقة فی الیمن إلى أن بما فی
إقرأ أيضاً:
هل تتحول اليمن إلى “مستنقع ” يستنزف الولايات المتحدة ؟!
حيروت -ترجمة ” الموقع بوست ”
وصف الرئيس دونالد ترامب، سابقًا، التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط بأنه “أسوأ قرار اتُخذ على الإطلاق”، وتولى منصبه متعهدًا بـ”إنهاء هذه الحروب التي لا تنتهي”.
وفي بعض المناطق، التزمت الإدارة بذلك. فقد بدأت الولايات المتحدة بخفض كبير في عدد قواتها في سوريا، مُحققةً بذلك هدفًا يعود إلى ولاية ترامب الأولى، وتُهدد بالانسحاب من الحرب في أوكرانيا، سواءً تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء القتال أم لا.
ولكن في الوقت نفسه، ورطت الإدارة القوات الأمريكية بهدوء في صراع مفتوح آخر في الشرق الأوسط، صراع يُهدد بالتحول إلى مستنقع مُستنزف ومُشتت للانتباه، وهو المستنقع الذي تعهد ترامب بتجنبه.
في 15 مارس/آذار، بدأت الولايات المتحدة حملة من الضربات الجوية، المعروفة باسم “عملية الفارس العنيف”، ضد الحوثيين، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران والتي تسيطر على جزء كبير من اليمن وتطلق النار على السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر منذ بداية الحرب في غزة في عام 2023.
نفذت إدارة بايدن، بالإضافة إلى الجيش الإسرائيلي، عددًا من الضربات ضد الحوثيين، لكن الحملة الأمريكية الجارية أوسع نطاقًا بكثير. فقد سُجِّلت ما لا يقل عن 250 غارة جوية حتى الآن، وفقًا لبيانات مفتوحة المصدر جمعها معهد دراسات الحرب ومعهد أمريكان إنتربرايز.
ووفقًا لبعض التقارير، قُتل أكثر من 500 مقاتل حوثي، بمن فيهم عدد من كبار القادة، على الرغم من أن الجماعة تميل إلى الصمت بشأن خسائرها. كما وثَّق مشروع بيانات اليمن، وهو مجموعة رصد، أكثر من 200 ضحية مدنية في الشهر الأول من القصف. وأسفرت أكبر ضربة حتى الآن، على محطة نفط رئيسية على ساحل اليمن، عن مقتل أكثر من 74 شخصًا الأسبوع الماضي.
وقال مسؤول دفاعي أمريكي لموقع Vox إن الضربات دمرت “منشآت قيادة وتحكم، ومنشآت تصنيع أسلحة، ومواقع تخزين أسلحة متطورة”.
وتبدو الإدارة راضية عن النتائج حتى الآن.
قال بيتر نغوين، مدير الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي، لموقع “فوكس”: “إن الضربات المستمرة ضد الحوثيين هي أول عملية بهذا الحجم تنفذها الولايات المتحدة ضد قوات الحوثيين، وهم الآن في موقف دفاعي”.
ردًا على الانتقادات الموجهة إلى بيت هيغسيث، وزير الدفاع المتعثر، بشأن استخدامه جهازًا شخصيًا لإجراء أعمال حكومية حساسة، طلب ترامب مؤخرًا من الصحفيين “سؤال الحوثيين عن أحواله”.
الصراع المُغفَل في اليمن، شرح موجز
باستثناء التسريب العرضي لخطط الحرب التي وضعتها الإدارة الأمريكية عبر تطبيق سيجنال الشهر الماضي، لم تحظَ العملية إلا بقدر ضئيل من الاهتمام أو النقاش العام، وهو أمرٌ لافتٌ للنظر بالنظر إلى نطاقها.
لا شك أن الحوثيين يتعرضون لأضرار جسيمة، لكن موارد الجماعة ومعداتها متناثرة ومخبأة على مساحة واسعة، مما يجعل استهدافها صعبًا. إن سجل القوى العظمى في هزيمة الجماعات المتمردة بالقوة الجوية ليس مُلهمًا.
صرح محمد الباشا، المحلل الدفاعي المتخصص في الشأن اليمني ومؤلف تقرير الباشا، لموقع Vox قائلًا: “بالضربات الجوية وحدها، لن تتمكن من هزيمة الحوثيين”، مشيرًا إلى أن الجماعة نجت من ثماني سنوات من حملة جوية عقابية شنتها قوة عسكرية بقيادة السعودية مدعومة من الولايات المتحدة.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الهدف ليس القضاء على الحوثيين، بل وقف هجماتهم على حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، والتي بدأتها الجماعة المتحالفة مع إيران، المعادية بشدة لإسرائيل، ردًا على حرب إسرائيل على غزة.
وقال ترامب: “عليهم أن يقولوا “لا للقصف” لتلك الهجمات حتى يتوقف القصف. أعلن الحوثيون عن توقف هجماتهم على السفن عند دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة في يناير، لكنهم استأنفوا هجماتهم في أوائل مارس ردًا على منع إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة.
يشهد البحر الأحمر هدوءًا نسبيًا منذ بدء عملية “الفارس الخشن”، لكن الحوثيين تعهدوا بمواصلة القتال وأطلقوا عددًا من الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، بما في ذلك صاروخ يوم الأربعاء.
وقال نغوين: “يجب أن تتوقف الهجمات على السفن في البحر الأحمر، ولذلك ستستمر عملياتنا حتى يحدث ذلك. بمجرد توقفها، سنكون على الأرجح بخير. لكنهم لم يتوقفوا، ونقدر أن إرادتهم لمواصلة العمليات لا تزال قائمة”.
في الواقع، في خطاب تحدٍّ ألقاه هذا الأسبوع، أعلن رئيس الحكومة المدعومة من الحوثيين، مهدي المشاط، أن الجماعة “لا تردعها الصواريخ أو القنابل أو القاذفات الاستراتيجية يا ترامب”، وسخر من ترامب لأنه “وقع في مستنقع استراتيجي”.
لكن الموارد المخصصة للصراع كانت كبيرة. فقد نقل البنتاغون مجموعة حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة للانضمام إلى مجموعة أخرى موجودة هناك. كما نقل ما لا يقل عن بطاريتي صواريخ باتريوت، بالإضافة إلى نظام الدفاع الصاروخي ثاد – أحد أكثر الأنظمة تطورًا في الترسانة الأمريكية – من آسيا إلى الشرق الأوسط.
بعد مرور أكثر من شهر بقليل، لا يزال من المبكر جدًا إعلان حالة التورط.
لكن الموارد المخصصة لهذا الصراع كانت كبيرة. فقد نقل البنتاغون مجموعة حاملة طائرات ثانية إلى المنطقة للانضمام إلى مجموعة أخرى موجودة هناك. كما نقل بطاريتي صواريخ باتريوت على الأقل، بالإضافة إلى نظام الدفاع الصاروخي ثاد – أحد أكثر الأنظمة تطورًا في الترسانة الأمريكية – من آسيا إلى الشرق الأوسط.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط من الحملة، استخدمت الولايات المتحدة ذخائر بقيمة 200 مليون دولار، وأن المسؤولين العسكريين قلقون بشأن تأثير ذلك على المخزونات التي ستحتاجها البحرية في حال وقوع هجوم صيني على تايوان.
وعلى عكس آمال الكثيرين في إدارة ترامب – بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس – الذين يجادلون بأن الولايات المتحدة يجب أن تحول تركيزها من الشرق الأوسط للاستعداد لصراع محتمل مع الصين، فإن الولايات المتحدة تنقل مواردها من آسيا إلى الشرق الأوسط.
بافتراض أن الحوثيين لن يرفضوا ذلك في المستقبل القريب، يصبح السؤال المطروح هو إلى متى ستواصل الولايات المتحدة العملية. هذا الأسبوع، أصدر البيت الأبيض تقريرًا مطلوبًا قانونًا إلى الكونغرس حول العملية، ينص على أن الضربات ستستمر حتى “ينحسر التهديد الحوثي للقوات الأمريكية وحقوق الملاحة والحريات في البحر الأحمر والمياه المجاورة”. لكن صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت مؤخرًا أن المسؤولين يدرسون تقليص الضربات.
هذا سيناريو يثير قلق باشا، محلل الشؤون الدفاعية. الحوثيون، الذين كانوا حتى وقت قريب جماعةً غامضةً إلى حدٍ ما خارج منطقتهم، قد سيطروا بالفعل على العاصمة اليمنية، ونجوا من حربٍ استمرت لسنواتٍ مع التحالف الذي تقوده السعودية، وأثبتوا – منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 – أنهم الأكثر قدرةً ومرونةً بين وكلاء إيران في الشرق الأوسط.
“إذا لم يُكبّلهم هذا أو يُهزموا أو يُضعَفوا، فسيكونون قادرين على القول: ‘لقد هزمنا ترامب، أقوى جيشٍ في العالم. نحن لا يُمكن إيقافنا'”، هذا ما قاله باشا.
أما بالنسبة لاستعادة حركة الملاحة عبر البحر الأحمر، فقد ارتفعت حركة المرور عبر هذا الممر المائي الحيوي استراتيجيًا بشكلٍ طفيفٍ الشهر الماضي، لكنها لا تزال أقل بكثيرٍ من مستوياتها قبل بدء هجمات الحوثيين في أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومن المرجح أن يستغرق الأمر فترةً طويلةً من الهدوء لشركات الشحن – والأهم من ذلك، الشركات التي تُؤمّنها – لتفترض أن المخاطر قد خفت.
قد يكون البديل هو انخراط الولايات المتحدة بشكلٍ أعمق في الصراع. بدأت حملة إدارة أوباما ضد داعش أيضًا كعملية جوية قبل أن يُرى ضرورة إرسال قوات برية ودعم الجماعات المسلحة المحلية، مما أحبط إدارةً كانت قد تعهدت أيضًا بتقليص التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط.
ووفقًا للتقارير، تدرس الفصائل اليمنية المدعومة دوليًا والمعارضة للحوثيين استغلال هذه اللحظة لشن حملة برية للقضاء على الجماعة نهائيًا. ولم يتخذ المسؤولون الأمريكيون قرارًا بعد بشأن دعم هذه العملية.
يقول معظم المحللين والمسؤولين إن مشاركة القوات الأمريكية في العمليات البرية في اليمن أمر مستبعد للغاية، ولكن حتى الدعم المحدود لعملية برية سيظل مثالًا آخر على دعم الولايات المتحدة للجماعات المسلحة في حرب أهلية فوضوية في الشرق الأوسط – وهو بالضبط نوع الموقف الذي انتقد ترامب الإدارات السابقة لوقوعها فيه.
مع ذلك، فإن الضربات لا تستهدف الحوثيين فحسب، بل يُنظر إليها أيضًا على نطاق واسع على أنها استعراض قوة تجاه الراعي الرئيسي للجماعة، إيران. تُجري الإدارة الأمريكية حاليًا جولة جديدة من المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، ولم يستبعد ترامب العمل العسكري – الذي يُرجَّح أن تقوده إسرائيل – ضد الإيرانيين في حال فشل تلك المحادثات.
لا يزال من الممكن أن تُغادر الولايات المتحدة اليمن بسرعة، ولكن بالنظر إلى التاريخ الحديث، لن يكون مُفاجئًا أن يُعلَّق التحوّل الأمريكي الموعود بعيدًا عن الحرب في الشرق الأوسط مرة أخرى.