نظرية كل شيء ( الجزء الثالث )
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
«قوانين الطبيعة واحدة لا تتغير، والظواهر القديمة التي رصدناها والتي قبل ملايين السنين، تخضع للقوانين التي اكتشفناها اليوم»
يتبين لنا من خلال ما طرحناه في الجزء الأول والثاني أن نظرية كل شيء، ما زالت حلما يداعب العلماء، فنحن بعيدون بعض الشيء عن تحقيقه، لكننا هنا سنطرح بعض ملاحظاتنا على الأسس التي تقوم عليها هذه النظرية، وعلى النتائج المتوقعة أن تبنثق منها،
إن هذه النظرية قائمة على فكرة أولية مفادها وحدة القانون الفيزيائي الذي يتحكم في الظواهر الكونية كلها، والسؤال المهم هنا ما الذي يجعلنا نؤمن بوحدة القانون الفيزيائي في هذا الكون وما الدليل على هذه الوحدة؟ فلماذا لا يكون في الكون قوانين فيزيائية متعددة، كأن تكون هناك قوانين فيزيائية «تاريخية» تحكمت في الكون قبل بلايين السنين، ومن ثم تطورت تلك القوانين وتغيرت، فكما نعلم إن المادة بطبيعتها متغيرة والكون في حالة تغير مستمر، فلماذا نفترض أن قانونا فيزيائيا واحدا كان وما زال يهيمن على الكون كله؟ ثم لماذا نفترض أيضا أن قانونا فيزيائيا واحد يتحكم في هذا الكون الواسع كله؟ ألا يمكن أن تكون هناك قوانين أخرى تتحكم في الأجزاء البعيدة عنا والتي تبعد عنا مساحات شاسعة؟
والواقع أن علوم الطبيعة في بدايتها انطلقت من فرضية مفادها أن القوانين التي تتحكم في هذا الكون واحدة، ومن ثم قامت بالتحقق من صحة الفرض من خلال الرصد، وهذا ممكن من الناحية النظرية، فالانطلاق من فرض معين ومن ثم التحقق من صحة الفرض من عدمه، يتم استخدامه في العلوم والرياضيات بشكل اعتيادي، ومن هنا فانطلاقا من هذا الفرض، وبعد أن قمنا برصد مختلف الظواهر الطبيعية تبيّن لنا أن القانون الفيزيائي لم يتغير منذ أن نشأ الكون إلى يومنا هذا، كما أن القانون الفيزيائي هو نفس القانون الذي يحكم على أقل تقدير الكون المادي، فلقد اتضح لنا مثلا أن الضوء الذي رصدناه في ظاهرة معينة تعود لبداية الكون يحمل نفس صفات الضوء الذي نشاهده في حياتنا اليومية من خصائص فيزيائية وكيميائية، غاية ما هنالك أنه ضوء هرم وشاخ فلقد عاش تاريخ الكون كله!
كما لاحظنا أن القوى التي اكتشفناها في القرون القليلة الماضية والتي وجدنا أنها تتحكم في الظواهر الطبيعة، كانت موجودة منذ أن نشأ الكون والأهم من ذلك أنها كانت موجودة بنفس الصفات الفيزيائية من حيث قوتها ومداها، فلقد وجدنا أن هذه القوى قوى أساسية ظهرت مع بداية الكون وما زالت تتحكم فيه.
قوانين ثابتة
وتبين لنا أيضا من خلال الرصد في أرجاء الكون الذي يمكن أن يصل له الضوء، أن قوانين الطبيعة واحدة لا تتغير، ومنذ أن نشأ الكون، إذ أن الظواهر القديمة التي رصدناها والتي تعود لملايين السنين، تخضع للقوانين التي اكتشفناها اليوم، ولذا فإن ما اكتشفناه من قوانين طبيعية يمكننا أن نطبقه على غابر الأزمان ومنذ أن خلق الله السماوات والأرض وإلى قيام الساعة، فهي قوانين ثابتة لم تتغير ولا يوجد سبب يجعلنا نعتقد أنها ستتغير في المستقبل، كما أننا يمكننا أن نقوم بتطبيقها على الكون كله.
إن ثبات القوى الأربع وثبات هذه القوانين الطبيعية أمر مثير للدهشة بحق، فالكون من طبيعته التغير المستمر، فتلك من سنن الكون، لكن هذه القوانين والقوى المتحكمة فيه ظلت ثابتة لا تتغير، وظل الكون كله أسيرا لها خاضعا لسلطتها لا يخالفها قيد أنملة!
فبأي قلم كتبت؟ وبأي يد سطرت؟! وعلى أي حجر نحتت؟!
كما أن وجود هذه القوانين الصارمة يثير تساؤلات أخرى، فهل وجدت قبل الكون وسبقت وجوده؟ أم أنها وجدت مع الكون؟ ثم من أوجدها؟! ومن جعل لها السلطة العليا على الكون كله؟!
إن الكشف عن هذه القوانين الطبيعية وثباتها لم ينعم علينا بالرفاهية التي نعيشها فحسب بل أثارت عقولنا وأشبعت جزءا من فضولنا عن الكون وخالقه، فلقد أشارت هذه القوانين الطبيعية بيدها بكل خضوع وتذلل إلى قدرة العليم الحكيم.
كما إن وحدة القوانين التي تسود الكون تشير وبشكل صريح على أن الموجد لها هو واحد لا شريك له، فلا معنى لوجود خالقين لهذه القوانين وكلاهما يقوم بضبط الكون على نمط واحد، ولذا فإن وحدة القوانين الفيزيائية تشير وبشكل لا شك فيه ولا شبهة إلى وحدة الخالق جلت قدرته وأنه لا شريك له فلو كان في الكون آلهة إلا الله لتنوعت القوانين والسنن وتعددت ولساد الاضطراب في الكون، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُون».
أما السؤال الآخر الذي نحب أن نسلط الضوء عليه، وهو هل ستستطيع هذه النظرية تفسير كل شيء؟ وهل سنستطيع من خلالها تفسير الوعي والإدراك مثلا؟
للإجابة على هذا السؤال لابد لنا في البداية أن نرجع إلى المقصود من تفسير الظاهرة العلمية. فعندما نقول إن هناك تفسيرا للظاهرة العلمية، فماذا نعني بذلك؟
كما هو معلوم إن المنهج العلمي قائم على الاستقراء والذي يمكننا أن نعرّفه على أنه تتبع لحالات مفردة من خلال عدد من التجارب ومنها الوصول إلى استنتاج عام، نطلق عليه القانون الفيزيائي أو النظرية الفيزيائية.
فعندما نشاهد سقوط تفاحة على الأرض، ثم نشاهد سقوط تفاحة أخرى وثالثة أخرى، نصل إلى قاعدة عامة وهي أن التفاح يسقط إلى الأرض، وبعدها نلاحظ أن الأجسام الأخرى أيضا تسقط على الأرض، فنعمم ذلك ونصل إلى استنتاج مفاده أن جميع الأجسام تسقط على الأرض، وجاء نيوتن وفسّر سقوط هذه الأجسام على الأرض وأرجعه إلى مفهوم الجاذبية، ولكن لماذا الأمر بهذه الصورة؟ أي لماذا وجد هذا القانون بهذه الصورة؟ وما الذي يعنيه؟!
إن علوم الطبيعة ليس لها القدرة على فهم ذلك، ولا إجابة على هكذا تساؤلات، والجاذبية ما هو إلا اسم أطلقناه على نمط عام وهو سقوط الأجسام على الأرض، ومن هنا فإن علوم الطبيعة تكشف عن العلاقات بين الأشياء أكثر من كونها تكشف عن العلل الحقيقية و الفهم العميق والمطلق للشيء.
لنأخذ النار مثالًا، فلقد كشفت علوم الطبيعة أن النار تحتاج إلى مصدر حراري وتحتاج إلى هواء ووقود، ولكننا نجهل تماما ما السر في ذلك، نعم استطاعت علوم الطبيعة أن تكشف لنا عن كيفية تكوّن النار ولكنها عاجزة تماما عن الكشف عن سر تكونها والإجابة على سؤال مفاده لماذا تكونت النار بهذه الطريقة؟!
ومن هنا فإن نظرية كل شيء لن تفسر سر طبيعة الوعي والإدراك، بل غاية ما قد تستطيع القيام به هو أنها قد تكشف عن إمكانية حدوثه.
جزء من الكل
إن التطور الكبير الذي شهدته علوم الطبيعة في القرون الأخيرة لم يكن ممكنا لولا ما يعرف بالنظرة الاختزالية للكون، وهذه النظرة قائمة على فكرة مفادها أن الكون مكون من أجزاء، وهذه الأجزاء يمكن تقسيمها إلى أجزاء أبسط، فإذا أردنا أن نفهم الكون فلابد لنا من فهم أجزائه، فلو أخذنا علم الكون كمثال على ذلك، فإننا ولكي نتعرف ونفهم آلية عمل الكون لابد لنا أن نفهم آلية عمل الأجزاء المكونة له، فأولى تلك الأجزاء هي تجمعات المجرات الضخمة، والتي بدورها تتكون من مجرات، وهذه المجرات تتكون من أجسام فضائية، كالكواكب والنجوم والشهب والنيازك، وكل هذه الأجسام تتكون من مواد كيميائية، والتي بدورها تتكون من عناصر كيميائية، وهذه العناصر تتكون من ذرات، وهكذا يستمر البحث العلمي حتى يصل إلى الأجزاء الأولية للمادة، ولذا فالفهم في علوم الطبيعة يعني التعرف على أجزاء النظام التي ترغب أن تفهمها وكيف تعمل تلك الأجزاء معا وبذلك يمكننا معرفة كيف يعمل النظام ككل.
وقد أدت هذه النظرة الاختزالية إلى تواجد تخصصات غاية في الدقة، لأننا اكتشفنا أن كل نظام في الطبيعة غاية في التعقيد، فلو أخذنا قطعة من الحديد مثلا، فإن هذه القطعة، وعلى الرغم من أنها تتكون من عنصر منفرد، فإنها تحتوي على بلايين الذرات من الحديد، ولذا فيمكن لأحدنا أن يقضي حياته برمتها في محاولة منه لفهم كيف تتصرف هذه الذرات معا لتكون لنا قطعة الحديد هذه، وكيف تتفاعل مع المحيط وتأثر به وتتأثر به.
وهناك فكرة أخرى تقابل فكرة الاختزالية وقد تبدو أكثر نضجا وواقعية وهي التي تذهب إلى أن الخصائص التي تنتج عند جمع المواد تختلف تماما عن خصائص المواد المكونة لها، بل ربما من الصعب الربط بينهما، وتعرف هذه الخصائص بأنها خصائص مرتبطة بالنظام الفيزيائي وليس بالمادة المكونة للنظام الفيزيائي، فمثلا النار تنتج من الهواء الذي نستنشقه ومن وقود تحتاج إليه ومن مصدر حراري، فهل هناك نار في أي واحد من المواد الخام المكونة للنار؟ وهل هناك تشابه بين طبيعة الهواء العليل الذي ينعش النفس وبين النار؟ لا يبدو الأمر كذلك، ولذا فإننا لا نتوقع أن نظرية كل شيء وبناء على هذه النظرة أن تفسر لنا كل شيء، لأن بعض المواصفات هي نتيجة النظام الفيزيائي وليس بسبب المادة المكونة للنظام، ومن هنا فإن نظرية كل شيء غاية ما ستقوم به، أنها ستساعدنا على فهم طبيعة المواد بشكل أفضل ولربما تساعدنا في تفسير عدد من الظواهر العلمية التي يصعب تفسيرها حاليا.
كما أن هذه النظرية تركز جهودها على المادة المرئية ومحاولة توحيد القوى المؤثرة فيها، لكن المؤشرات والدلائل العلمية المختلفة تشير إلى أن المادة المرئية لا تشكل أكثر من ٥٪ من الكون، فهناك ما يعرف بالمادة المظلمة وهناك ما يعرف أيضا بالطاقة المظلمة ويشكلان معا حوالي ٩٥٪ من مادة الكون، ونظرية كل شيء لا تأخذ بالحسبان طبيعة هذه المادة المظلمة والطاقة المظلمة، فالمعلومات عنهما محدودة جدا.
لذا فإننا نميل إلى أن نظرية كل شيء هي في واقعها نظرية بعض شيء، ونحن مازلنا بعيدين حتى عن هذه النظرية والتي وصفناها بأنها نظرية بعض شيء.
وختاما، فإن تاريخ العلوم الطبيعية ربما يوجهنا إلى حقيقة مهمة، وهي أن التطور البشري لا يقف عند حد، وأن فهمنا للطبيعة يتغير بتغير الزمن، ويزداد عمقا وربما يزداد غموضا في الوقت نفسه، ومن هنا فإن السعي لنظرية نهائية في الفيزياء تجعل الفيزيائيين يرفعون أيديهم ملوحين بالرحيل لأنهم أنهوا مهمتهم ووصلوا إلى قمة المعرفة، هو كحلم الخلود الذي يداعب البشرية منذ الأزل، لذا فإننا نرى أن نظرية كل شيء هي نظرية ديناميكية ستتغير بتغير وتطور المعرفة العلمية، فلكل زمن «نظرية كل شيء أو «نظرية بعض شيء».
أ. د. حيدر أحمد اللواتي
كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه القوانین علوم الطبیعة هذه النظریة على الأرض تتحکم فی فی الکون تتکون من من خلال کما أن
إقرأ أيضاً:
شبانة: الأهلي عليه مخاطبة "فيفا" لوضع شعار "بطل نصف الكون" على قميص الفريق
أكد الإعلامي محمد شبانة، أن النادي الأهلي يجب أن يُخاطب الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، من أجل وضع شعار بطل نصف العالم على التشيرت الذي سيخوض به الفريق مواجهات الانتركونتينتال في قطر.
وقال شبانة عبر برنامجه بوكس تو بوكس الذي يبث على قناة etc: "إدارة التسويق بالنادي الأهلي وخالد مرتجي امين الصندوق، يجب أن يتواصلوا مع فيفا من أجل وضع الشعار بشكل رسمي على قميص الأهلي".
جمال الغندور: ضربة جزاء مستحقة للزمالك وأخطاء تحكيمية في لقاء البنك الأهلي أحمد أيوب: فارق الخبرات وراء انتصار الأهلي أمام سيراميكا.. وطاهر لاعب مؤثر بسبب أدواره داخل الملعبوأضاف: "خلال الساعات الماضية، انتشر فيديو لـ نبيل دونجا لا أرى فيه أي مشكلة، واللاعب كان يجلس بجواره أصدقائه بشكل عادي، وهي صور قديمة كانت في فترة سابقة خلال وجود اللاعب في الساحل الشمالي".
وأكمل: "بالطبع الفيديو المنشور لـ دونجا قديم، خصوصا أن اللاعب شعره قصير، واللاعب موجود حاليًا مع الزمالك، وشارك في مباراة ودية بصحبة زميله مصطفى شلبي".