دراسة: «لا تعطِ الدولفين سمكة..اتركه يصطاد بنفسه»
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
يعتبر خليج ساراسوتا قبالة سواحل غرب فلوريدا في الولايات المتحدة بقعة شهيرة لأنشطة الصيد والرحلات البحرية الترفيهية. ويعيش في هذا الخليج، المعروف بزرقة مياهه المتلألئة أعداد كبيرة من الدلافين قارورية الأنف التي اعتاد علماء الأحياء البحرية على دراسة أنماط حياتها اليومية منذ سبعينيات القرن الماضي.
وأظهرت الأبحاث العلمية أن أجيال الدلافين التي تعيش في هذا الخليج تعلمت الاقتراب من البشر وقواربهم بغرض الحصول على وجبات غذاء سهلة.
وبناء على بيانات تم جمعها على مدار 28 عاما، أكدت دراسة علمية حديثة صحة المقولة القديمة بأنه «لا يوجد شيء يسمى وجبة مجانية». فقد وجد العلماء أن إناث الدلافين التي تتفاعل وتتجاوب مع ركاب القوارب تنجب ضعف عدد الدلافين الصغيرة الذي تنجبها الإناث اللاتي تظل بعيدة عن البشر، ولكن الصغار الذين تنجبهم هذه الأمهات تتزايد احتمالات نفوقها قبل وصولها إلى عمر البلوغ، وأن ارتفاع معدلات وفاة الدلافين الصغيرة يمثل مشكلة بالنسبة لتعداد الدلافين في خليج ساراسوتا بشكل عام.
وتقول كايلي ديماجيو خبيرة الأحياء البحرية ورئيسة فريق الدراسة من جمعية علوم الحيوان في مدينة شيكاغو الأمريكية: إن المسألة لا تتعلق فقط بوفاة الدلافين الصغيرة بشكل مبكر، مضيفة في تصريحات لموقع «هاكاي» المتخصص في أبحاث الحياة الطبيعية أن «السبب الرئيسي لنفوق الدلافين في خليج ساراسوتا هو التفاعل بينها وبين البشر المرتبط بأنشطة الصيد الترفيهية». وجدير بالذكر أن جمعية شيكاغو تشرف على برنامج أبحاث الدلافين في خليج ساراسوتا منذ عام 1989.
وفي الولايات المتحدة، يحظر قانون حماية الثدييات البحرية الصادر عام 1972 إطعام الدلافين، ولكن هذا الأمر يتكرر في كثير من الأحيان، وتقول ديماجيو: «رغم أن هذا الأمر قد يحدث دون قصد مباشر من الإنسان، فإن مجرد التواجد حول الدلافين يقوم بإعادة تأهيلها بحيث تصبح أكثر اعتيادا على البشر»، وتوضح أن هذا التقارب يزيد من خطر تعرض الدلافين لحوادث الاصطدام بالزوارق أو الوقوع في شباك الصيد أو الإصابة بجروح جراء خطاطيف سنانير الصيد بغرض اقتناص الطعوم.
وأظهرت دراسات علمية سابقة أجريت على فصائل بحرية أخرى حول العالم مثل السلاحف البحرية الخضراء في منطقة الباهاما أن الكائنات البحرية التي تقترب من الإنسان وتعتاد أن يتم تغذيتها بواسطة البشر تتوقف عن الصيد والبحث عن الغذاء بنفسها. وتنطبق هذه النظرية على دلافين خليج ساراسوتا، وتبين أيضا من الدراسات العلمية أن هذا السلوك يمكن أن ينتقل عبر الأجيال من الكبار إلى الصغار.
وذكرت ديماجيو، في تصريحات لموقع «هاكاي»، أن الدلافين في الخليج اعتادت على الاقتراب من البشر على مدار أربعة أجيال، وينطوي هذا السلوك على خطورة أكبر بالنسبة للصغار التي يمكن أن تقتل في حوادث الاصطدام بالقوارب أو شباك الصيد في الوقت الذي تحاول فيه أن تظل على مقربة من أمهاتها.
أما بالنسبة لأمهات الدلافين، فإن فقدان صغارها المرة تلو الأخرى قد يؤدي على الأرجح لإصابة تلك الإناث باضطرابات انفعالية، على حد وصف ديماجيو، وبمرور الوقت، يترتب على هذا التوتر الذي يعتمل لدى الإناث مع نفوق الصغار إلى انكماش أعداد الدلافين التي تعيش في هذه المنطقة.
ومن جانبه، يقول أندرو ريد خبير الأحياء البحرية في جامعة ديوك بولاية كارولينا الشمالية إن «الطريقة التي نؤثر بها على حياة هذه المخلوقات التي تعيش قرب البيئات المدنية في مناطق مثل خليج ساراسوتا هي مركبة فعليا». ونقل موقع هاكاي عن ريد، المتخصص في دراسة تأثير الأنشطة البشرية على الكائنات البحرية، قوله إن الدلافين التي تعيش في البيئات القريبة من البشر قد تتفاعل بشكل أكبر مع الإنسان في الأوقات التي تشهد ندرة في مصادر الغذاء، على غرار حالات «المد الأحمر السام»، ويقصد بهذا المصطلح انتشار بعض أنواع الطحالب التي تفرز مواد سامة في المياه تؤثر على الأسماك والثدييات البحرية.
ويقول راندل ويلز مدير برنامج أبحاث الدلافين في جمعية شيكاغو: إن الأنشطة التي يقوم بها الإنسان تؤثر بشكل ملموس على حياة الدلافين، مشيرا إلى أن ما يقدر بـ25% من حوادث نفوق الدلافين يمكن إرجاعها إلى الإنسان.
وأشار إلى أن عدد الدلافين قارورية الأنف في خليج ساراسوتا يربو على 170 دولفينا، وأن بعضها يعيش في هذا الخليج منذ عقود، حيث تم رصد بعض هذه الدلافين منذ سبعينيات القرن الماضي.
وأضاف في تصريحات للموقع الإخباري الأمريكي «إيه.بي.سي أكشن نيوز» أن «الحياة البرية حافلة بالتحديات، ونأمل أن تلهم جهود الحفاظ على البيئة التي نقوم بها الآخرين من أجل الاستمتاع بالمياه، مع القيام بكل ما في وسعهم لحماية الحياة البرية».
وتقول ديماجيو: «نحن لا يمكننا أن نمنع الدلافين من التفاعل مع الإنسان، ولكن يمكننا تعليم البشر الاستمتاع برؤية الكائنات البرية من مسافة آمنة... ونرجو منكم التوقف عن إطعام الدلافين».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدلافین التی الدلافین فی التی تعیش
إقرأ أيضاً:
تأملات قرآنية
#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبه
يقول تعالى في الآية 41 من سورة العنكبوت: “مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ”.
لما أن أراد الله للناس أن يؤمنوا به بقناعاتهم، فقد خصص أكثر من ثلث آيات كتابه الكريم لمخاطبة العقل، ولتقريب الفهم استعمل الأمثال، وهي المطابقة بين حالة مألوفة مفهومة للعقل، والحالة المطلوب استيعابها.
ولأن عقول البشر متباينة في الاستيعاب، لذلك خصص الله من الأمثال درجات متعددة في العمق، ففي الحالات البسيطة استعمل معها ما يوازيها من الأمثال، مثل مماثلة مضاعفة أجر من ينفق في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، أما الحالات المعقدة الفهم فاستعمل معها أمثلة عميقة تحتاج تبحرا في العلم مثل “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ..”.
مثل العنكبوت هو من نوع الأمثال العميقة، والتي تحتاج من البشر معرفة علمية متقدمة، لم يكن قد وصلوها زمن التنزيل، لذلك أرادها الله لاقناع البشر في مرحلة قادمة عندما يتأهلوا معرفيا لفهم أبعاد هذا المثل، والتي ما اكتشفوها ألا حديثا، ومنها:
1 – في قوله تعالى “اتخذت” بصيغة المؤنث، فما اكتشوا الا حديثا أن من ينسج الشبكة بهذا الإعجاز الهندسي الباهر هو الأنثى، وليس للذكر دور في ذلك.
2 – إن هذا البيت رغم متانة بنيانه انشائيا إلا أنه ضعيف هش وظيفيا، فهو لا يحقق متطلبات استقرار الأسرة، فالأنثى بعد أن تحصل على تلقيح الذكر تأكله، والبيوض بعد أن تفقس تأكل اليرقات الصغيرة أمها، فهذا البيت أوهن البيوت لأنه يفتقد الترابط الأسري والعلاقة الحميمية بين أفراده.
بالمقابل ضرب الله مثلا معاكسا للبيت المتين المنتج بحشرة أخرى هي النحل، فقال: وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ . ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [النحل:68-69].
ومن خلال المقارنة بين الحالتين نلاحظ الفارق:
1 – اتخاذ النحل بيته لم يكن اختيارا منه بناء على متطلب ذاتي كما العنكبوت(اتخذت)، بل بإيحاء من الله (اتخذي)، لذلك كان المنتج مختلفا، فقد نفعت النحل نفسها وأهل بيتها، كما قدمت نفعا للبشر أراده الله من انتاجها العسل.
وهنا لا بد من دحض فكرة العلمانيين المنكرين لوجود مدبر للكون، والتي تقول بأن النحل ينتج العسل تخزينا لطعامه فصل الشتاء ولليرقات الجديدة، وأن الانسان يسلبه ذلك المخزون، لكن ما ينتجه يفوق حاجته بعشرة أضعاف، فما الذي يدفعه لإجهاد نفسه بانتاج هذه الكمية الضخمة لولا أنه مسخر لذلك من قبل الخالق لأجل انتفاع الإنسان بهذا المنتج الذي لا يمكن أن يصنعه بذاته، بل هذه الحشرة تحديدا من بين كل الحشرات.
2 – اذاً فوظيفتها الهامة النافعة للبشر، لم تخترها بذاتها، بل بإيحاء من الخالق “اسلكي سبل ربك” أي ما هيأه لها من وسائل تهديها في غدوها ورواحها يوميا من غير ان تضل أو تتوه، ما زال العلم لم يكتشفها، وهذه السبل ذللها الله لها لتؤدي مهمتها الجليلة.
3 – نستنتج أن منهج الله يحقق التعاون المنتج للنفع العام، فيما منهج النفع الفردي عكسه، لذلك رأينا الغرب منبهر بمنهج العنكبوت، فبطلهم (سبايدرمان)، والشبكة العنكبوتية مثلهم الأعلى، وأسس الرأسمالية على منواله: الأقوى يأكل الأضعف بعد استنفاد النفع منه.
لكن هنالك طبقة أعمق في هذا المثل، وهي ما عناه تعالى بقوله: “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ” [العنكبوت:43]، أي مخصصة للعلماء الذين سيتوصلوا الى معرفة الإعجاز العلمي الكامن في هذا المثل.
ان استخدام لفظة (العالمون) وليست بصيغة جمع التكسير (العلماء)، لأنه يختلط فيهم المتقدم علميا وطالبوا العلم والباحثون، بينما جمع المذكر السالم (العالمون) مخصص للقمم ممن وصلوا درجة عالية من العلم، وهؤلاء استحقوا هذا اللقب لأنهم بالعلم عرفوا الله، وهو مصدر العلم الأساسي، فالعلم الذي يؤخذ من المصدر مطلق الصحة، بخلاف ما يؤخذ عن البشر أو بالتجريب، فهو ناقص أو غير مؤكد، وقد ينقضه باحث آخر.