لجريدة عمان:
2024-11-26@05:40:32 GMT

حاملو جين «هنتنجتون» أكثر ذكاءً من غيرهم!

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

حاملو جين «هنتنجتون» أكثر ذكاءً من غيرهم!

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني

المرض يتسبب بزيادة في حجم «القشرة» الخارجية للدماغ المرتبطة بالقدرات المعرفية والذهنية

يبدو أن تحديد الطفرة الجينية التي تتسبب في مرض «هنتنجتون» -وهو مرض يصيب الدماغ فيدمّره ويعد من الأمراض الوراثية المتعلقة بأعصاب الدماغ- سيسهم في اكتشافات علمية مهمة؛ لأن تطوير هذا الجين يمكنه أن يؤدي إلى زيادة مستويات الذكاء خاصة لمَن هم في مرحلة الطفولة امتدادا إلى مَن هم في العشرينيات من العمر.

ما توصل إليه العلماء لن يكون مفيدا في إعادة استراتيجيات علاج مرض «هنتنجتون» فقط، بل سيسهم كذلك في تغيير وجهات النظر حول ما يُعرف بـ «وراثة الذكاء». ويقول الباحث «جوردان شولتز»، وهو أحد العلماء المكتشفين للطفرة الجينية من جامعة «آيوا» الأمريكية: «هناك الكثير من الآثار المترتبة على فهمنا لبيولوجيا الدماغ».

ويُعرف مرض «هنتنجتون» أنه واحد من الأمراض النادرة، وتظهر عادة في منتصف الأعمار، وغالبا ما يسبقها بعض الأعراض منها الحركات الارتعاشية غير العادية، وصعوبات في مستوى الإدراك، وغالبا ما تنتهي الأعراض بالوفاة.

ويعد المرض قاسيا على المصابين به؛ إذ غالبا ما يُشاهد الأبناء هذه الأعراض على أحد الوالدين، الذين يصبحون معوقين بشكل تدريجي، وهم يدركون أنهم من المحتمل وبنسبة 50% أن يلاقوا المصير نفسه؛ لأنه مرض وراثي.

إن الطفرة المسؤولة عن مرض «هنتنجتون» تؤثر على جين يحمل نفس اسم المرض «هنتنجتون»، حيث يتم تشفير البروتين الذي يُصنع في الدماغ، الشكل المتحور والأطول للجين قد يحتوي على تكرارات تتراوح بين 40 وأكثر من 100 تكرار لنفس ثلاثة «حروف» من حمض «الديوكسيريبونوكليك». ومع ذلك، حتى في النسخة العادية للجين، يكون هناك عادة ما بين تسعة إلى 35 من هذه التكرارات الثلاثية للحمض النووي.

لم يتوصل العلماء بعد إلى كيفية وأسباب تحوّل الجين إلى الشكل الأطول؛ ليتسبب بعد ذلك في حدوث أعراض مرض «هنتنجتون»، ولكن ما يحدث فعلا أن البروتين المتحور في الدماغ يعد بروتينا ساما يؤثر على الخلايا العصبية، وقد أُثبت ذلك من خلال الدراسات التي أُقيمت على أدمغة المتوفين جراء المرض.

معدلات ذكاء مرتفعة

ولكن توصل العلماء في الآونة الأخيرة إلى معلومات مهمة فيما يتعلق بالبروتين المتحور «هنتنجتون»، والذي قد يوجد في أدمغة الأطفال وهم أجنّة في رحم أمهاتهم، ويمكن أن يتعرّض الأطفال المصابون بهذا الجين المحوَّر إلى الشيخوخة الطبيعية بوقت مبكر، ولكنهم في بداية حياتهم يكونون أصحاب معدلات ذكاء مرتفعة.

وما توصّل إليه العلماء مقترن بالكثير من الأدلة الناتجة عن دراسات معمقة تولتها الباحثة «بيجي نوبولوس» من جامعة «آيوا» الأمريكية، وهي زميلة الباحث «شولتز» ومشاركة كذلك في الدراسة الجديدة، وقد تابعت «نوبولوس» بشكل مكثف عددا من الأطفال من الأسر المصابة بمرض «هنتنجتون» وذلك منذ عام 2006.

وتوصلت إلى بعض النتائج، منها أن الأطفال المصابين بـ «هنتنجتون» تكون مناطق معيّنة من أدمغتهم أكبر بقليل من المعدل الطبيعي، ولكنها فيما بعد ترجع إلى الحجم الطبيعي في العشرينيات من العمر تقريبا؛ وذلك بسبب موت الخلايا بشكل طبيعي.

وفي عام 2019 نشر الفريق البحثي للدراسة نتيجة توصل إليها وهي أن المنطقة الواقعة في وسط الدماغ، المسؤولة عن التحكم في حركات الأعضاء والمسؤولة عن الوظائف المعرفية الأخرى، هي أكثر المناطق المعرَّضة لموت الخلايا بالنسبة للمصابين بمرض «هنتنجتون».

قدرات إدراكية متفوقة

وتوصّل الفريق كذلك إلى أن المرض يتسبب في زيادة في حجم «القشرة» الخارجية للدماغ، وهي طبقة من الدماغ ترتبط بشكل مباشر بالقدرات المعرفية والذهنية، ولكن تلك المعلومة لم تُنشر بعد في دراسة بحثية كما تقول «نوبولوس».

ومجموعة الأطفال التي قامت بمتابعتهم «نوبولوس» خضعوا لمجموعة من الاختبارات المعرفية، ووجدت أن هناك ارتباطا بين الطفرة «هنتنغتون» ومؤشر القدرة العامة، وتمتع الأطفال الحاملين للطفرة الجينية بقدرة أعلى من الذكاء بشكل قياسي. وقد أجريت الدراسة على 316 طفلا، ولم يقم الفريق فقط بتصنيف المصابين من الأسوياء، بل قام الفريق بقياس مدى التكرارات الثلاثية للجين في كل طفل مصاب، وتوصل الفريق البحثي إلى أن أعلى مستوى من القدرة الإدراكية -الذكاء- كان عند 113 نقطة -وهو أعلى بكثير من المعدل الطبيعي والذي يصل إلى 100 نقطة.

وقد رصد على الأطفال الذين لديهم 40 و41 تكرارا ثلاثيا للجين، أي أنهم سيصابون بمرض «هنتنجتون» مستقبلا، وقد حقق الأطفال المصابون ولديهم ما بين 15 و19 تكرارا ثلاثيا للجين 105 نقاط في مستوى الإدراك.

ويعد من المستحيل أن تكون طفرة «هنتنجتون» نتيجة لتطور الجين، إنما هو نتيجة وراثية في غالب الأحيان، ونتيجة لأن الأعراض لا تظهر إلا بعد الثلاثينيات من العمر، فقد يكون الأذكياء قد تزوجوا وأنجبوا أطفالا بعد هذا العمر أو قبله بقليل.

بشكل مثير للاهتمام، اكتشف عدد من الباحثين الدارسين لمجال آخر، وقاموا برصد أشخاص لا يعانون من مرض «هنتنجتون» ولكنهم يمتلكون 35 أو أقل من التكرارات الثلاثيات، ويبدو أن هناك أشخاصا يملكون أكثر من هذه التكرارات، وربما بشكل كبير جدا يفوق توقعاتنا، ولكنهم لا يعانون من المرض، وهذه ميزة لبعض هؤلاء الأشخاص.

وإذا كانت هذه الفكرة صحيحة، فإنها ستغير طريقة التفكير في الأشخاص الذين يحققون مستويات كبيرة من القدرة الإدراكية -الذكاء-، فإلى الآن لم يتم اكتشاف أي جين له تأثير كبيرة في معدل الذكاء، وهذا الأمر يولد الحاجة إلى القيام بالمزيد من الأبحاث وجمع عدد أكبر من الأدلة لإقناع العلماء المتخصصين في مجال «وراثة الدماغ»، ويقول روبرت بلومين الباحث من جامعة كينجز كوليدج في لندن: «سيكون هذا الأمر مثيرا بشكل كبير لو كان صحيحا».

ولكي يتأكد «بلومين» من صحة هذه الفكرة فعلية أن يقوم بمزيد من الدراسات وجمع الأدلة، لأن جميع الأبحاث الحالية المتعلقة بجين الذكاء تؤكد على أن الموضوع وراثي، ولو لم يكن وراثيا فإن تأثيرات الجينات الأخرى وعددها بالمئات لن تؤثر على الذكاء، أو ربما لها تأثير ضئيل جدا أقل من 0.1 نقطة في مستوى الإدراك.

بناء الأدمغة النامية

ومن جانب آخر، فإن الدراسات الأخرى لم تربط عدد التكرارات في جين «هنتنجتون» بدراساتها، كما تقول «نوبولوس»، ولكنهم يركزون بشكل أساسي على التنوع الجيني، الأمر أشبه باستبدال جزء من الحمض النووي بجزء آخر، وتقول «نوبولوس»: «هذه طريقة تختلف كليا عن النظر في الشفرات الوراثية».

وبغض النظر عن فكرة أن طفرة «هنتنجتون» تعزز معدل الذكاء من عدمه، إلا أن هناك أدلة أخرى تؤكد أن بروتين «هنتنجتون» له القدرة على بناء الأدمغة النامية، ومن أمثلة ذلك ما وجدته دراسة نشرت في أغسطس الماضي، حيث تناولت الدراسة أشخاصا لديهم الطفرة الجينية «هنتنجتون» والذين توفوا في سن الشباب، وقد وجدوا أن خلايا أدمغتهم التي ماتت أولا لديها مستويات أعلى من النشاط.

وفي ظل تباين الآراء، من المحتمل أن تكون أعراض مرض «هنتنجتون» هي نتيجة لوجود تغيير في نمو الدماغ، وإن كان هذا صحيحا فيسكون خبرا سيئا جدا في وجه الجهود المبذولة لتطوير العلاج، لأن الكثير من العلاجات تعتمد على فكرة خفض مستوى بروتين «هنتنجتون».

هناك فعلا الكثير من النتائج المترتبة على فهم العلماء لبيولوجيا الدماغ، ولكن فكرة تسمم الدماغ -أو سُميَّة الدماغ- تحظى بدعم علمي كبير، وتتفق معها دراسات كثيرة أجريت على الخلايا العصبية للحيوانات، ويقول الباحث «كارلوس إستيفيز» من جامعة كوليدج في لندن -الذي قام بدراسة على مجموعة شباب بالغين- يقول إنه من الممكن أن يكون لطفرة جين «هنتنغتون» تأثير مزدوج، الأول تغير في نمو الدماغ في وقت مبكر، والتأثير الثاني حدوث سُميَّة في وقت متقدم من الحياة، «إنه من المعقول أن خفض تأثير بروتين (هنتنجتون) في أدمغة البالغين له القدرة على تحقيق الفوائد».

وعليه فإن هناك مساعي من العلماء لخفض البروتين «هنتنجتون»، ولكن إلى الآن فشلت ثلاث استراتيجيات في التجارب السريرية لتحقيق ذلك، بما في ذلك عقار طبي يعرف بـ«تومينرسن» الذي لم يشكل أي تأثير على المصابين بمرض «هنتنجتون»، رغم أن العقار أسهم في انخفاض مستوى البروتين في السائل النخاعي.

من المبكر جدا أن نعرف ما إذا كانت تلك الاستراتيجيات الثلاثة فاشلة، ولكن الأهم هو أن علينا معرفة الكثير عن وظائف الجين غير المتحور من «هنتنجتون»، ويقول «شولتز»: «إن فهمنا لذلك سيكون جزءا مهما من فهمنا لهذا اللغز».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من من جامعة

إقرأ أيضاً:

هل حقاً "من يخون مرة يظل خائناً إلى الأبد"؟.. علم الجينات يجيب

اتضح أن المقولة القديمة "من يخون مرة، يخون دائماً" قد تكون صحيحة بالفعل.

وتشير هذه المقولة إلى أنه  الأشخاص الذين يخونون شركاءهم مرة، فمن المؤكد أنهم قابلون لإعادتها مراراً وتكراراً، حيث يبحث الخائنون المتسلسلون باستمرار عن شركاء جدد في نمط مزمن من الخيانة، وأخيراً يعتقد الباحثون أن هناك بيانات علمية تدعم هذا الاعتقاد.

ووفق "دايلي ميل"، أفاد حوالي 40 % من الأزواج غير المتزوجين و25 % من الأزواج المتزوجين بالخيانة الزوجية في علاقاتهم.

ووجدت دراسة أجريت عام 2018 أن الأشخاص الذين خانوا في الماضي كانوا أكثر عرضة بثلاث مرات للقيام بذلك مرة أخرى.


وبينما لم يتم الاعتراف رسمياً بالخيانة الزوجية في علم النفس، حدد الباحثون بعض السمات الوراثية المشتركة بين الخائنين، مما يشير إلى أن الخيانة المتكررة يمكن كتابتها في الحمض النووي لشخص ما.


"البحث عن الإثارة"

ويعتقد العلماء أن الأشخاص الذين يحملون جين "البحث عن الإثارة" - المسمى DRD4 VNTR - لديهم متغير محدد مرتبط بانخفاض حساسية الدوبامين، مما قد يعني أنهم بحاجة إلى المزيد من المحفزات للشعور بالرضا.
 قد يكون هذا الاختلاف الجيني هو المسؤول عن إدمان الكحول والمقامرة وإقامة علاقات والميل إلى الغش.

وفي إحدى الدراسات، طُلب من الغشاشين المعتادين ما إذا كانوا يستطيعون اكتشاف 3 اختلافات في صورتين متشابهتين، على الرغم من وجود صورة واحدة أو اثنتين فقط، غير أن الغشاشين ادعوا عثروا على اختلافات.

وأظهرت عمليات مسح الدماغ التي أجريت أثناء التمرين أنه عندما يكون الغشاشون غير صادقين، فإن مناطق الدماغ المرتبطة بسلوك البحث عن المكافأة تضاء.

وجدت الدراسة أنه عندما يفكر المشاركون فيما إذا كانوا صادقين أم غير صادقين، تصبح مناطق معينة من الدماغ مرتبطة بالتأمل الذاتي أكثر نشاطاً، وخاصة في الغشاشين الذين يواجهون معضلات أخلاقية ويزنون عواقب أفعالهم.


وفي حين أن هذا ليس اختباراً مؤكداً لتحديد ما إذا كان الشخص سيخون، فإن النتائج تظهر أن الغشاشين قد يكونون أقل ميلاً للتفكير في كيفية تأثير أفعالهم على الآخرين وكيف لا تعمل مناطق أدمغتهم المسؤولة عن التأمل الذاتي بنفس الطريقة التي تعمل بها المناطق الموجودة في الأشخاص الصادقين، لكن الباحثين يؤكدون أن وجود ميل وراثي معين نحو ممارسة لا يضمن ظهور هذا السلوك.
ويظل العديد من الأشخاص الذين لديهم تباين جين DRD4 VNTR مخلصين في علاقاتهم، والعديد من الأشخاص الذين لا يمتلكونه لا يفعلون ذلك.


"الشعور بالرضا"

ويتم توريث جين DRD4 VNTR من الوالدين ويؤثر على كيفية معالجة الدماغ للدوبامين، المعروف باسم هرمون "الشعور بالرضا"، والذي يشارك في سلوك المتعة، والدافع، والمكافأة، والمجازفة.
والأشخاص الذين لديهم هذا المتغير أقل حساسية للدوبامين من أولئك الذين لا يمتلكونه، مما يعني أنهم لا يختبرون نفس القدر من المتعة من نشاط نموذجي لإنتاج الدوبامين، مما يدفعهم إلى البحث عن تجارب أكثر تحفيزًا أو خطورة.
وفي كثير من الأحيان، يقامر أولئك الذين لديهم هذه الطفرة الجينية بشكل مفرط، ويتصرفون بسرعة وفقاً لرغباتهم دون التفكير في العواقب وينخرطون في علاقات محفوف بالمخاطر.
وبحثت دراسة أجريت عام 2010 من قبل باحثين في جامعة بينغهامبتون في نيويورك، وجامعة براون في رود آيلاند، وجامعة جورجيا، الأشخاص الذين لديهم هذه الطفرة الجينية، بالإضافة إلى تفضيلاتهم وسلوكياتهم.

ووجدوا أن الأشخاص الذين لديهم جين DRD4 VNTR كانوا أكثر عرضة بشكل كبير للخيانة.
وقالت الدراسة إن الخيانة الزوجية قد تكون نتيجة لعدم التوافق بين التوقعات التي تحددها المعايير المجتمعية أو معايير العلاقات وبين سمات شخصية الفرد أو تفضيلاته أو ميوله الطبيعية.

وأشارت الدراسة إلى أن: "هذه ليست الحال بالنسبة لكل من يخون في العلاقات، ولكن بالنسبة لبعضهم على الأقل، ينتهي بهم الأمر إلى أنهم ليسوا مناسبين تماماً لشراكة أحادية الزواج، وإذا تمكنوا من التصالح مع ذلك، فيمكنهم العيش بأمانة وصدق وانفتاح أكبر بطريقة تجعلهم أكثر سعادة وتجعل شركائهم أكثر سعادة".
 

مقالات مشابهة

  • لم تعد هناك عقبات.. بو صعب يكشف آخر تطورات تنفيذ الهدنة
  • هل حقاً "من يخون مرة يظل خائناً إلى الأبد"؟.. علم الجينات يجيب
  • تقارير دولية: ''الحوثي جعل اليمن أكثر الدول تجنيداً للإطفال ويستغل الحرب على غزة''
  • وهم الزمن.. هل إحساسنا بالبعد الرابع حقيقي؟
  • «أستاذ اقتصاديات الصحة»: هناك ارتفاع كبير في تفشي مرض الحصبة عالميا
  • استشاري نفسي: الحروب تجعل الأطفال أكثر عرضة للصدمات والأمراض العضوية في المستقبل
  • سبب غير متوقع يزيد من خطر الإصابة بالأكزيما.. «الأطفال أكثر تهديدا»
  • الذكاء الاصطناعي وواقع الهوية في أدب الطفل.. الأسس والممكنات
  • تحديثات جديدة في Messenger: تجربة تواصل أكثر تطورًا مع ميزات الذكاء الاصطناعي
  • دراسة تكشف تأثير حبوب منع الحمل على حجم الدماغ