لجريدة عمان:
2024-11-08@07:06:14 GMT

حاملو جين «هنتنجتون» أكثر ذكاءً من غيرهم!

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

حاملو جين «هنتنجتون» أكثر ذكاءً من غيرهم!

ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني

المرض يتسبب بزيادة في حجم «القشرة» الخارجية للدماغ المرتبطة بالقدرات المعرفية والذهنية

يبدو أن تحديد الطفرة الجينية التي تتسبب في مرض «هنتنجتون» -وهو مرض يصيب الدماغ فيدمّره ويعد من الأمراض الوراثية المتعلقة بأعصاب الدماغ- سيسهم في اكتشافات علمية مهمة؛ لأن تطوير هذا الجين يمكنه أن يؤدي إلى زيادة مستويات الذكاء خاصة لمَن هم في مرحلة الطفولة امتدادا إلى مَن هم في العشرينيات من العمر.

ما توصل إليه العلماء لن يكون مفيدا في إعادة استراتيجيات علاج مرض «هنتنجتون» فقط، بل سيسهم كذلك في تغيير وجهات النظر حول ما يُعرف بـ «وراثة الذكاء». ويقول الباحث «جوردان شولتز»، وهو أحد العلماء المكتشفين للطفرة الجينية من جامعة «آيوا» الأمريكية: «هناك الكثير من الآثار المترتبة على فهمنا لبيولوجيا الدماغ».

ويُعرف مرض «هنتنجتون» أنه واحد من الأمراض النادرة، وتظهر عادة في منتصف الأعمار، وغالبا ما يسبقها بعض الأعراض منها الحركات الارتعاشية غير العادية، وصعوبات في مستوى الإدراك، وغالبا ما تنتهي الأعراض بالوفاة.

ويعد المرض قاسيا على المصابين به؛ إذ غالبا ما يُشاهد الأبناء هذه الأعراض على أحد الوالدين، الذين يصبحون معوقين بشكل تدريجي، وهم يدركون أنهم من المحتمل وبنسبة 50% أن يلاقوا المصير نفسه؛ لأنه مرض وراثي.

إن الطفرة المسؤولة عن مرض «هنتنجتون» تؤثر على جين يحمل نفس اسم المرض «هنتنجتون»، حيث يتم تشفير البروتين الذي يُصنع في الدماغ، الشكل المتحور والأطول للجين قد يحتوي على تكرارات تتراوح بين 40 وأكثر من 100 تكرار لنفس ثلاثة «حروف» من حمض «الديوكسيريبونوكليك». ومع ذلك، حتى في النسخة العادية للجين، يكون هناك عادة ما بين تسعة إلى 35 من هذه التكرارات الثلاثية للحمض النووي.

لم يتوصل العلماء بعد إلى كيفية وأسباب تحوّل الجين إلى الشكل الأطول؛ ليتسبب بعد ذلك في حدوث أعراض مرض «هنتنجتون»، ولكن ما يحدث فعلا أن البروتين المتحور في الدماغ يعد بروتينا ساما يؤثر على الخلايا العصبية، وقد أُثبت ذلك من خلال الدراسات التي أُقيمت على أدمغة المتوفين جراء المرض.

معدلات ذكاء مرتفعة

ولكن توصل العلماء في الآونة الأخيرة إلى معلومات مهمة فيما يتعلق بالبروتين المتحور «هنتنجتون»، والذي قد يوجد في أدمغة الأطفال وهم أجنّة في رحم أمهاتهم، ويمكن أن يتعرّض الأطفال المصابون بهذا الجين المحوَّر إلى الشيخوخة الطبيعية بوقت مبكر، ولكنهم في بداية حياتهم يكونون أصحاب معدلات ذكاء مرتفعة.

وما توصّل إليه العلماء مقترن بالكثير من الأدلة الناتجة عن دراسات معمقة تولتها الباحثة «بيجي نوبولوس» من جامعة «آيوا» الأمريكية، وهي زميلة الباحث «شولتز» ومشاركة كذلك في الدراسة الجديدة، وقد تابعت «نوبولوس» بشكل مكثف عددا من الأطفال من الأسر المصابة بمرض «هنتنجتون» وذلك منذ عام 2006.

وتوصلت إلى بعض النتائج، منها أن الأطفال المصابين بـ «هنتنجتون» تكون مناطق معيّنة من أدمغتهم أكبر بقليل من المعدل الطبيعي، ولكنها فيما بعد ترجع إلى الحجم الطبيعي في العشرينيات من العمر تقريبا؛ وذلك بسبب موت الخلايا بشكل طبيعي.

وفي عام 2019 نشر الفريق البحثي للدراسة نتيجة توصل إليها وهي أن المنطقة الواقعة في وسط الدماغ، المسؤولة عن التحكم في حركات الأعضاء والمسؤولة عن الوظائف المعرفية الأخرى، هي أكثر المناطق المعرَّضة لموت الخلايا بالنسبة للمصابين بمرض «هنتنجتون».

قدرات إدراكية متفوقة

وتوصّل الفريق كذلك إلى أن المرض يتسبب في زيادة في حجم «القشرة» الخارجية للدماغ، وهي طبقة من الدماغ ترتبط بشكل مباشر بالقدرات المعرفية والذهنية، ولكن تلك المعلومة لم تُنشر بعد في دراسة بحثية كما تقول «نوبولوس».

ومجموعة الأطفال التي قامت بمتابعتهم «نوبولوس» خضعوا لمجموعة من الاختبارات المعرفية، ووجدت أن هناك ارتباطا بين الطفرة «هنتنغتون» ومؤشر القدرة العامة، وتمتع الأطفال الحاملين للطفرة الجينية بقدرة أعلى من الذكاء بشكل قياسي. وقد أجريت الدراسة على 316 طفلا، ولم يقم الفريق فقط بتصنيف المصابين من الأسوياء، بل قام الفريق بقياس مدى التكرارات الثلاثية للجين في كل طفل مصاب، وتوصل الفريق البحثي إلى أن أعلى مستوى من القدرة الإدراكية -الذكاء- كان عند 113 نقطة -وهو أعلى بكثير من المعدل الطبيعي والذي يصل إلى 100 نقطة.

وقد رصد على الأطفال الذين لديهم 40 و41 تكرارا ثلاثيا للجين، أي أنهم سيصابون بمرض «هنتنجتون» مستقبلا، وقد حقق الأطفال المصابون ولديهم ما بين 15 و19 تكرارا ثلاثيا للجين 105 نقاط في مستوى الإدراك.

ويعد من المستحيل أن تكون طفرة «هنتنجتون» نتيجة لتطور الجين، إنما هو نتيجة وراثية في غالب الأحيان، ونتيجة لأن الأعراض لا تظهر إلا بعد الثلاثينيات من العمر، فقد يكون الأذكياء قد تزوجوا وأنجبوا أطفالا بعد هذا العمر أو قبله بقليل.

بشكل مثير للاهتمام، اكتشف عدد من الباحثين الدارسين لمجال آخر، وقاموا برصد أشخاص لا يعانون من مرض «هنتنجتون» ولكنهم يمتلكون 35 أو أقل من التكرارات الثلاثيات، ويبدو أن هناك أشخاصا يملكون أكثر من هذه التكرارات، وربما بشكل كبير جدا يفوق توقعاتنا، ولكنهم لا يعانون من المرض، وهذه ميزة لبعض هؤلاء الأشخاص.

وإذا كانت هذه الفكرة صحيحة، فإنها ستغير طريقة التفكير في الأشخاص الذين يحققون مستويات كبيرة من القدرة الإدراكية -الذكاء-، فإلى الآن لم يتم اكتشاف أي جين له تأثير كبيرة في معدل الذكاء، وهذا الأمر يولد الحاجة إلى القيام بالمزيد من الأبحاث وجمع عدد أكبر من الأدلة لإقناع العلماء المتخصصين في مجال «وراثة الدماغ»، ويقول روبرت بلومين الباحث من جامعة كينجز كوليدج في لندن: «سيكون هذا الأمر مثيرا بشكل كبير لو كان صحيحا».

ولكي يتأكد «بلومين» من صحة هذه الفكرة فعلية أن يقوم بمزيد من الدراسات وجمع الأدلة، لأن جميع الأبحاث الحالية المتعلقة بجين الذكاء تؤكد على أن الموضوع وراثي، ولو لم يكن وراثيا فإن تأثيرات الجينات الأخرى وعددها بالمئات لن تؤثر على الذكاء، أو ربما لها تأثير ضئيل جدا أقل من 0.1 نقطة في مستوى الإدراك.

بناء الأدمغة النامية

ومن جانب آخر، فإن الدراسات الأخرى لم تربط عدد التكرارات في جين «هنتنجتون» بدراساتها، كما تقول «نوبولوس»، ولكنهم يركزون بشكل أساسي على التنوع الجيني، الأمر أشبه باستبدال جزء من الحمض النووي بجزء آخر، وتقول «نوبولوس»: «هذه طريقة تختلف كليا عن النظر في الشفرات الوراثية».

وبغض النظر عن فكرة أن طفرة «هنتنجتون» تعزز معدل الذكاء من عدمه، إلا أن هناك أدلة أخرى تؤكد أن بروتين «هنتنجتون» له القدرة على بناء الأدمغة النامية، ومن أمثلة ذلك ما وجدته دراسة نشرت في أغسطس الماضي، حيث تناولت الدراسة أشخاصا لديهم الطفرة الجينية «هنتنجتون» والذين توفوا في سن الشباب، وقد وجدوا أن خلايا أدمغتهم التي ماتت أولا لديها مستويات أعلى من النشاط.

وفي ظل تباين الآراء، من المحتمل أن تكون أعراض مرض «هنتنجتون» هي نتيجة لوجود تغيير في نمو الدماغ، وإن كان هذا صحيحا فيسكون خبرا سيئا جدا في وجه الجهود المبذولة لتطوير العلاج، لأن الكثير من العلاجات تعتمد على فكرة خفض مستوى بروتين «هنتنجتون».

هناك فعلا الكثير من النتائج المترتبة على فهم العلماء لبيولوجيا الدماغ، ولكن فكرة تسمم الدماغ -أو سُميَّة الدماغ- تحظى بدعم علمي كبير، وتتفق معها دراسات كثيرة أجريت على الخلايا العصبية للحيوانات، ويقول الباحث «كارلوس إستيفيز» من جامعة كوليدج في لندن -الذي قام بدراسة على مجموعة شباب بالغين- يقول إنه من الممكن أن يكون لطفرة جين «هنتنغتون» تأثير مزدوج، الأول تغير في نمو الدماغ في وقت مبكر، والتأثير الثاني حدوث سُميَّة في وقت متقدم من الحياة، «إنه من المعقول أن خفض تأثير بروتين (هنتنجتون) في أدمغة البالغين له القدرة على تحقيق الفوائد».

وعليه فإن هناك مساعي من العلماء لخفض البروتين «هنتنجتون»، ولكن إلى الآن فشلت ثلاث استراتيجيات في التجارب السريرية لتحقيق ذلك، بما في ذلك عقار طبي يعرف بـ«تومينرسن» الذي لم يشكل أي تأثير على المصابين بمرض «هنتنجتون»، رغم أن العقار أسهم في انخفاض مستوى البروتين في السائل النخاعي.

من المبكر جدا أن نعرف ما إذا كانت تلك الاستراتيجيات الثلاثة فاشلة، ولكن الأهم هو أن علينا معرفة الكثير عن وظائف الجين غير المتحور من «هنتنجتون»، ويقول «شولتز»: «إن فهمنا لذلك سيكون جزءا مهما من فهمنا لهذا اللغز».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من من جامعة

إقرأ أيضاً:

تطورات واعدة في مجال علاج الورم الدبقي الأرومي

كشفت دراسة حديثة أعدها باحثون في بريطانيا عن تطورات واعدة في مجال علاج الورم الدبقي الأرومي "الجليوبلاستوما"، الذي يعد أخطر أنواع سرطان الدماغ، وذلك من خلال العلاج المناعي الذي من شأنه أن يمثل نقطة تحول محتملة في مكافحة هذا المرض.

وأوضح الباحثون أن العلاجات التقليدية المتمثلة في الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاعي لم تعد كافية، نظرا لقدرة الورم على مقاومتها وصعوبة وصول الأدوية إلى الدماغ بسبب الحاجز الدموي الدماغي.

وفي الدراسة الجديدة، نجح علماء في إيصال العلاج المناعي بأمان إلى الدماغ عبر حقنه بالسائل النخاعي، في خطوة تعتبر الأولى من نوعها في علاج هذا النوع من السرطان.

ويعمل العلاج المناعي على تحفيز جهاز المناعة الطبيعي في الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية.

وأكد الدكتور ماثيو كليمنت، زميل الأبحاث في كلية الطب جامعة كارديف البريطانية "رغم التحديات التي نواجهها في تطوير علاج فعال للورم الدبقي الأرومي، إلا أن النتائج الأولية للعلاج المناعي تبعث على التفاؤل".

وأضاف كليمنت الذي يمتلك خبرة تمتد 20 عاما في دراسة التفاعلات المناعية "نعمل حاليا على تطوير طرق أكثر فعالية لإيصال العلاج إلى الورم مع الحرص على تجنب الآثار الجانبية المحتملة".

وتشير إحصائيات إلى أن متوسط بقاء المصابين بهذا المرض بعد تشخيصهم يتراوح بين 12 و15 شهرا فقط، إذ لا تتجاوز نسبة النجاة منه 6.9% بعد 5 سنوات من التشخيص، ويصنف من قبل منظمة الصحة العالمية كورم من الدرجة الرابعة، وهو من أكثر أشكال السرطان عدوانية، وفقا لموقع "ساينس ألرت".

وتسجل المراكز الطبية حول العالم نحو 150 ألف حالة جديدة سنويا بهذا المرض الذي يعاني صاحبه من أعراض شديدة تشمل الصداع والنوبات والتغيرات المعرفية والشخصية، إضافة إلى الضعف العصبي، مما يؤثر بشكل كبير على حياته اليومية وقدرته على ممارسة أنشطته المعتادة.

جدير بالذكر أن العلاج المناعي أثبت فعاليته بالفعل في علاج أنواع أخرى من السرطان مثل سرطان الجلد "الميلانوما" وسرطاني الثدي والرئة، مما يعزز الآمال في نجاحه مع سرطان الدماغ.

مقالات مشابهة

  • هل يؤثر فيروس "هربس الشفاه" على الدماغ؟
  • البصمة الكربونية لأصحاب السيارات الكهربائية أعلى من غيرهم.. الأغنياء محل اتهام (دراسة)
  • الصحة العالمية: تطعيم أكثر من 556 ألف طفل ضدد شلل الأطفال بقطاع غزة
  • الصحة العالمية: تطعيم أكثر من 556 ألف طفل بغزة ضد شلل الأطفال
  • تطعيم أكثر من 556 ألف طفل بغزة ضد شلل الأطفال
  • معرض ذكاء اصطناعي لطاقة المستقبل .. منصة تعزز كفاءة قطاع الطاقة
  • فيروس الهربس البسيط: عدو خفي قد يتحول إلى خطر قاتل
  • كيف تعمل الدماغ أثناء مشاهدة فيلم؟
  • تطورات واعدة في مجال علاج الورم الدبقي الأرومي
  • دراسة: فيروس الهربس البسيط يؤر على صحة الدماغ