تعد قصة الجنرال مانويل نورييغا مع الولايات المتحدة، نموذجا لطريقة تعامل واشنطن مع "بيادقها". مشكلة هذا الجنرال أنه تمرد وتحول من خادم مطيع إلى تاجر يتعامل مع من يدفع أكثر.

إقرأ المزيد "وصية" صدام للقذافي بشأن السلاح النووي!

الصراع مع الجنرال بلغ أوجه في 20 ديسمبر عام 1089، حين نفذت واشنطن قرارها بالتخلص من نورييغا، الحاكم الفعلي لبنما والذي كانت جندته واشنطن في أكثر من مناسبة لخدمة مصالحها محليا وإقليميا.

استخدم الجنرال من قبل الاستخبارات المركزية الأمريكية ضد الزعيم المناهض للهيمنة الأمريكية عمر توريخوس والذي كان يحمل لقب المرشد الأعلى للثورة البنمية، وقيل إنه متورط في اغتيال هذا الزعيم الذي قتل في تحطم طائرة غامض في عام 1981، ثم استعانت به واشنطن في وقت لاحق ضد الحكومة الساندينية الثورية في نيكاراغوا، في إطار الحرب الأمريكية في ذلك الوقت ضد انتشار الشيوعية في أمريكا الوسطى.

الجنرال نورييغا هو الآخر استغل حاجة الولايات المتحدة إليه، وبدأ منذ مطلع السبعينيات في المشاركة في تهريب المخدرات مستغلا تساهل واشنطن المتعمد، وموقع بلاده الجغرافي المناسب.

الاستخبارات المركزية الأمريكية قطعت تعاملها مع نورييغا في عام 1977، لكنها أعادت الاعتبار إليه بعد وصول الحركة الساندينية اليسارية إلى السلطة في نيكاراغوا المجاورة في عام 1979،  ثم ترقى في عام 1983 ليصبح الحاكم الفعلي لبنما وصانع الرؤساء فيها.

ساند نورييغا السياسات الأمريكية في أمريكا الوسطى، وكان محل تقدير كبير من قبل البيت الأبيض وإدارة الرئيس رونالد ريغان في ذلك الوقت، على الرغم من أن لجنة في مجلس الشيوخ خلصت في عام 1983 إلى أن بنما أصبحت من أكبر مراكز تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة، فيما انتشرت في وقت لاحق معلومات عن دور نورييغا في تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

بالتدريج فقد نورييغا أهميته بالنسبة للولايات المتحدة مع بروز مظاهر لضعف الاتحاد السوفيتي  وقرب انتهائه، وأصبح هدفا للانتقادات الأمريكية بانتهاك الديمقراطية، علاوة على تقارير اتهمته بأنه يتصرف كعميل مزدوج لجهازي الاستخبارات الكوبي والنيكاراغوي، فقلبت له الولايات المتحدة ظهر المجن، ووجهت إليه المحكمة الفدرالية الأمريكية في مدينتي تامبا وميامي عام 1988 تهما تتعلق بتهريب المخدرات والاحتيال المالي.

الولايات المتحدة في ذلك التاريخ افتتحت غزواتها بهدف نشر الديمقراطية في بنما بعملية أطلقت عليها اسم "القضية العادلة"، ودفعت واشنطن في 20 ديسمبر عام 1989 بـ 26000 عسكري أمريكي معززين بطائرات الشبح "إف – 117" وبأحدث الطائرات المروحية وناقلات الجنود المدرعة والدبابات.

وقف ضد القوات الأمريكية الغازية حوالي 12000 جندي بنمي بأسلحة قديمة خفيفة، ومع ذلك أسقطت في المعارك بين أكبر جيش في العالم واصغر جيوش الأرض، أربع طائرات مروحية أمريكية وأصيبت طائرات أخرى بأضرار، وقتل 23 جنديا أمريكيا وأصيب 330 آخرين، في حين سقط من الجانب البنمي حوالي 500 شخص فيما ترفع بيانات غير رسمية عدد القتلى إلى عدة آلاف، علاوة على آلاف من الجرحى والنازحين.

القتال بين "الجيشين" انتهى في 25 ديسمبر، وفر نورييغا إلى سفارة الفاتيكان، حيث ترصدته الاستخبارات الأمريكية وقامت بإخلاء المباني المحيطة بالسفارة وسلطت مكبرات صوت ضخمة انطلقت منها على مدار الساعة أغاني روك صاخبة، أجبرت الجنرال على الخروج من ملجئه والاستسلام للأمريكيين الذين نقلوه بالطائرة إلى ميامي.

 قضت محكمة في ميامي بمعاقبة الجنرال البنمي بالسجن 40 عاما، قضى منها 17 عاما ثم سلم إلى فرنسا التي سجنته لمدة سبع سنوات بعد إدانته بغسيل الأموال، وقامت باريس في عام 2011 بإعادته إلى بنما حيث سجن على جرائم محلية، وفي عام 2017  مرض الجنرال وشخص الأطباء الداء بورم في الدماغ وبعد شهرين من ذلك توفى وطوي ملف نورييغا.

المصدر: RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أرشيف الولایات المتحدة فی عام

إقرأ أيضاً:

هل ترامب هو (غورباتشوف) الولايات المتحدة ؟؟

في أقل من شهرين و في (٥٣) يوم بالضبط منذ دخوله البيت الأبيض فعل ترامب بالولايات المتحدة الأفاعيل !!
فخلال هذه المدة القصيرة إتخذ قرارات و إجراءات داخلية و خارجية و أدلى بتصريحات ربما تكلف بلاده الكثير :
ـ بدأ الحرب التجارية و حرب تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي مع الصين !!
ـ أثار معارك مع جيرانه الجنوبيين المكسيك ، و بنما التي طالبها بتسليم (قناة بنما) التي تعتبر أهم ممر مائي في العالم و تربط بين المحيطين الهادي و الأطلسي و مولت بلاده شقها و إنشاءها بعد شرائها الإمتياز من فرنسا في العام 1902 و اكتمل العمل فيها في العام 1914 !!
ـ دعا جارته الشمالية كندا لأن تصبح الولاية رقم (٥١) ضمن ولايات بلاده !!
ـ طلب من الدنمارك أن تبيعه جزيرة غرينلاند حماية للأمن القومي لبلاده (و بالمناسبة هذا طلب امريكي قديم) !!
ـ أهان الرئيس الأوكراني زلينسكي الذي دعاه إلى البيت الأبيض على الهواء مباشرة بحضور وزير خارجيته الذي تبادل معه الأدوار ، و طالبه بإعطاء الولايات المتحدة نصف المعادن في بلاده مقابل ما قدمته لها من سلاح و تمويل في حربها ضد روسيا المستعمرة منذ فبراير 2022 !!
ـ أهان القادة الأفارقة و لم يدعهم لحفل تنصيبه و وصفهم بالكلاب !!
ـ دعا إلى تهجير سكان غزة إلى مصر و الأردن الأمر وجد رفضاً حاسماً من الدولتين و من الدول العربية و غالبية بلدان العالم بما فيها دول دائمة العضوية في مجلس الأمن !!
ـ فرض رسوم جمركية عالية على الواردات من الصين ، دول الإتحاد الأوروبي ، كندا ، المكسيك الأمر الذي دفع هذه الدول للتعامل بالمثل فخسر الإقتصاد في أقل من شهر ترليونات الدولارات !!
أما داخلياً فقد بدأ ترامب خوض المعارك في جبهات عديدة أبرزها :
ـ معركته ضد سلفه بايدن و أنصاره حيث لا يفوت أي فرصه لمهاجمته بأقذع العبارات و انتقاد فترة حكمه التي دائماً ما يصفها بأنها دمرت الولايات المتحدة !!
ـ معركته ضد المثلية حيث أمر بطرد المثليين من الخدمة و منع أنشطتهم في المدارس و هدد بوقف الدعم الفيدرالي عن أي ولاية تخالف توجهاته و قراراته للحد من نفوذ المثليين !!
ـ معركته ضد صناديق الضمان التي وصفها بالفساد و قال في أحد تصريحاته أنهم إكتشفوا أن هذه الصناديق تصرف مرتبات و معاشات لأكثر من 120 ألف موظف و معاشي غير موجودين أصلاً !!
ـ معركته ضد وكالة العون الامريكي التي وصف من يديرونها بأنهم متطرفون ، و أنها تقوم بتمويل أنشطة مشبوهة و ذكر تحديداً أنها مولت أبحاث وباء الكورونا الذي فتك بعشرات الملايين على إمتداد العالم ، فأوقف تمويلها و أعطى العاملين فيها إجازات مفتوحة !!
ـ معركة مساعده إيلون ماسك المكلف بملف وزارة الكفاءة الحكومية مع الجهاز البيروقراطي للدولة حيث فصل حتى الآن عشرات الآلاف من الموظفين و في الأيام الماضية أرسل إيميلات لحوالي (2 مليون) موظف فيدرالي طالبهم بإرسال تقارير عن إنجازاتهم و من لا يرد خلال فترة زمنية محددة سيعتبر مستقيلاً من وظيفته !!
(ما يقوم به إيلون من فصل و تشريد للموظفين هو مماثل تماماً لما كانت تقوم به لجنة التمكين سيئة الذكر في بلادنا خلال الحقبة القحتاوية الحمدوكية) !!
بالأمس و في خطوة مناقضة تماماً لما ظل يردده منذ حملته الإنتخابية بأن الولايات المتحدة في عهده الجديدة لن تدخل في اي حرب خارجية قام ترامب بالإشراف بنفسه على ضرب عشرات المواقع في اليمن بدعوى محاربة الحوثيين الذين أصبحوا يمثلون أكبر مهدد للتجارة العالمية عبر مضيق باب المندب و البحر الأحمر !!
محللون وصفوا هذه الخطوة بأنها محاولة للهروب من المشاكل الكبيرة التي تسببت فيها سياساته الداخلية و الخارجية الأمر الذي أدى تململ واسع في أوساط الشعب الأمريكي و بصفة خاصة رجال الأعمال الذين بدأوا في البحث عن ملاذات آمنة خارج بلادهم لإستثماراتهم و أموالهم !!
بهذه السياسات التي يتبعها هل يسعى ترامب و ساعده الأيمن إيلون ماسك إلى تفكيك الولايات المتحدة ؟؟
و إذا صح هذا الإفتراض الذي تبدو نتائجه واضحة هل يمكن وصف ترامب بغورباتشوف الولايات المتحدة !!
ننتظر لنرى !!
#كتابات_حاج_ماجد_سوار
16 مارس 2025

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل في كل الظروف
  • بعد التهديدات الأمريكية.. الصراع بين واشنطن وطهران يشتعل وتهديدات بحرب نووية
  • الحرب الساخنة بين الولايات المتحدة والصين
  • واشنطن تنفي وجود قائمة بدول يمنع على مواطنيها دخول الأراضي الأمريكية
  • ترامب: الرئيس الصيني سيزور الولايات المتحدة قريباً
  • ازدواجية المعايير الأمريكية: قمع الأصوات الحرة دعماً لإسرائيل
  • هل ترامب هو (غورباتشوف) الولايات المتحدة ؟؟
  • صنع الله إبراهيم.. صوت الأدب المتمرد والمقاوم
  • أسعار النفط ترتفع مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والحوثيين
  • الولايات المتحدة تجري مناقشات مع الدول المعنية في أوروبا بشأن أوكرانيا