عربي21:
2024-11-24@06:45:03 GMT

منوال غزة أو غزة المنوال

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

نحوِّل غزة إلى منوال تفكير وسلوك في مجالات السياسة والفكر والاقتصاد وعلم المستقبليات، لنخرج من حرب غزة بمنوال مستقبلي لأمة عانت من اضطراب المناويل التجريبية طيلة قرنين. لنعد اكتشاف العرب بعد طوفان الأقصى، هناك شعور بالعذاب المرير عبّر عنه كل متعاطف مع غزة وقد اكتشف عجزه عن الإسناد الفعلي، فانتهى يؤثم قلبه ويبكي مغدورا ومقهورا، ولذلك فإن السؤال الذي وجب ألا يتأخر أكثر مما تأخر.

لماذا عجزنا دون غزة وهي تدفع الأثمان الباهظة وحدها (وطبعا بيننا شامتون في غزة ومنوالها)؟ ثم يعقبه السؤال المنهجي الكوني: ما العمل؟

تيه القرن العشرين العربي

هل كان القرن العشرين العربي كله تيه في الصحراء؟ هذا سؤال في المراجعات الضرورية؛ لقد حصلت مكاسب كثيرة مقارنة بقرن هجوم الاحتلال الغربي على كل الرقعة العربية. لقد بنى العرب هياكل سياسية سمّوها دولا وبنوا مدارس وجامعات وتعلمت الشعوب أكثر من "فك الحرف"، فصارت لها نخب فكرية وأدباء كبار وعلماء أفذاذ، فكيف يمكن تجاهل كل هذه المكاسب؟

نعم إنها مكاسب هامة لا يستهان بها لكنها بغير غطاء سياسي هذه الكيانات السياسة ولدت هشة وعارية. وأشد فقرا من أطفال غزة الآن. لقد اختلفت هذه الدول مع شعوبها في مفهوم التقدم فمنَّت الدول بالقليل من التقدم المادي على شعوبها وحرمتها بقصد وتصميم من الحرية، وهي قمة التقدم ووسيلته ومفاتيح القوة فيه. في غياب الشعب الحر صاحب السيادة بمعناها القانوني وبمعناها السياسي وبعمقها الاقتصادي، فإن كل المكاسب المذكورة (كفخر للدول أو بالأحرى للأنظمة) هي مكاسب غير ذات قيمة لأنها لم تخلق المواطن الحر، بل خلقت المواطن السائمة المشغول طيلة يومه بتدبير قُوْته وهو يتدبره بحيل ليست كلها راقية بل فيها من الخسة ما يليق بالحيوان، وذلك بعلم الأنظمة وبتحفيز منها دفعا للسائمة إلى درك الحضيض الأسفل.

لقد وقعت أحداث كثيرة كشفت هذا المواطن السائمة، فكلما تعرض جزء من الشعوب العربية إلى مأساة عجزت بقية الشعوب عن نصرته ومكثت تتفرج في دماره، والعراق هو النموذج الأوضح قبل غزة. أما غزة فأنهت وهم الدول العربية ووهم المواطن العربي، بل وضّحت لكل ذي نظر أن لا مواطن وإنما كتل سائمة مشغولة بتدبر غذائها حتى في بلدان الوفرة النفطية. هنا نتحدث عن التيه الطويل، ومن هنا وجب النظر إلى منوال غزة التي لم ينشغل بشرها القليل بتدبر عيش رخيص على طريقة جماعة أوسلو، وهي طريقة كل نظام عربي وكل سائمة عربية تزعم السيادة والاستقلال.. من هنا يولد المنوال الغزاوي؛ الحرية أولا ثم تكون دول ويكون مواطنون.

كيف نحول غزة إلى نموذج وقدوة أو منوال؟

سنختلف طويلا في تثمين المكاسب المذكورة أعلاه، فمن العرب ما يرى نفسه قد نجا من شرور العالم لمجرد أنه ملك جواز سفر. ولذلك فإن خطابات كثيرة راجت حول سبل الدعم لغزة وقد راجت قبل ذلك أيام الحروب المتتالية على العراق، وهي أن المكاسب الموجودة جديرة بالحفاظ عليها ومنع الناس من التقليل من أهميتها.

لذلك مثلا فإن المساس بأي سفارة أجنبية في دولة عربية ولو بالاحتجاج السلمي أمامها أو رفع شعارات معادية لها (لا أحد تحدث عن حرق سفارات أو إغلاقها بالقوة) يصير جريمة، وقد بلغ بصلف السفارات أن أغلقت الطرق حول مقارها وحلوت اتجاهات السير كي لا يقترب منها الاحتجاج الشعبي، فكشفت أن الدول لا تملك حتى السيادة على طرقات المدن التي تحكمها في الواقع السفارات الأجنبية.

في المقابل فإن الصور الواردة من غزة تكشف أن الحرب هناك هي نفس الحرب في كل دولة عربية، والضحايا ليسوا فقط في غزة وإن اختلف شكل الموت. وإذ تكشف غزة أن العربي خارجها ميت كأنه حي ويتدبر خبزا، فإن العمل السياسي بعد غزة يتخذ منحى مختلفا بالقوة لا بالرغبة. كيف ذلك؟

توجد نخب متعلمة وفيها قوم كثير يمارسون السياسة في أحزاب أو نقابات أو جمعيات مهنية ولديهم رؤى سياسية ضمن ما سمحت به دولهم، وقد وصلوا جميعهم بعد حرب غزة إلى أنهم ممنوعون من الدفاع عن حياتهم عندما يتعلق الأمر بقضايا إنسانية وقومية مثل القضية الفلسطينية. لذلك يصير كل عمل سياسي لا يستند إلى حرب تحرير محلية هو عمل غير ذي نتيجة في المدى القريب والبعيد. من هؤلاء كثير يهز كتفيه استهانة بمسألة الحرية والاستقلال والسيادة، وهي فئة مرفهة لا يعول عليها في أمر جدي.

يصبح المعوّل عليهم هم الفئات التي آمنت في عملها بمسألة الحرية ودفعت لها أثمانا (أقل من غزة دوما)، ولكنها دفعت عن علم بما يجب وما يكون. وقد زادها الانقلاب على الديمقراطية بعد الربيع العربي يقينا بأن تلك الانقلابات كانت مقدمات للحرب على غزة وعلى كل أرض تشبه غزة، وعلى كل مواطن عربي يفكر في حريته وفي استقلال دولته وسيادتها على قرارها.

بمعنى واضح لا توجد إمكانية بناء ديمقراطية دخل كيان محتل ولو كان هذا الاحتلال يتخفى حول قوانين الاستثمار وخلق الثروة، وكل تلك اللغة الفخمة التي تبرر بها دول مثل تونس والمغرب ومصر تخليها عن سيادتها لصالح الاستثمارات الغربية التي رهنت إرادة الدول (أعني الأنظمة) وحولتها إلى ممسحة عتبات أمام رأس المال الجوال المخترق للسيادة.

البدء من إعادة تعريف مسألة السيادة وفسح مجال أكبر لكل ما يتعلق بترسيخ حرية المواطن. سيكون هناك عناء كبير في إجبار البعض على استيعاب فكرة تحمل الفقر من أجل الحرية على طريقة غزة (وإن كنا نظن أن لن تكون هناك حرب مباشرة فهذه الحرب شرف لغزة وحدها)، لكن ما لم نفكر مثل غزة ونتحمل كلفة الفكرة وننتظر بصبر نتيجتها فالمصير مكشوف لكل ذي نظر، إنها الحالة المصرية الراهنة تحت حكم السيسي وغير بعيدة منها تونس تحت حكم قيس سعيد (حتى لا نتهم بالمزايدة على مصر).

المواطن العربي في كل الأقطار يبيت شبعانا ولديه فراش دافئ ووسائل رفاه جيدة (بدرجات طبعا)، لكنه مواطن بائس وحزين لأنه مواطن بلا حرية، وإذا لم يستوعب حرب غزة بصفتها طريق تحرر وطني أي منوال سياسي كامل يبدأ بترسيخ الحرية ثم يبني عليها؛ فإنه سيظل يأكل وينام وتمرّ غزة بذاكرته فيقول "أنا ما دام جسمي سالما مالي ومال الآخرين".

لقد وضعت غزة الأسس؛ إما أن يعيش المواطن العربي مثلما يعيش المصري/ التونسي الآن تحت حكم السيسي/ سعيد، أو أن يحتمل حرب تحرير تفتح له طريق سيادته على مقدراته وتمنع الغرب خاصة من الدوس على رقبته كل صباح بدعوى أن الغرب يضمن له عشائه ليلا، فيعيش ويحكم ويسود.

هنا قالت غزة ما كان يجب أن يقال منذ الخمسينات ولكنه تأجل طويلا حتى لم يعد قابلا للتأجيل. لا مكاسب سياسية خارج الحرية، فإن لم تكن تفكر مثل غزة فلا تزعم حديث المستقبل. غزة منوال حرية وسيادة بثمن مكلف من الفقر والجوع، وهذا هو الطريق الوحيد.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الحرية غزة الحرية العالم العربي التحرر التضحية مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

المواطن والرقابة الإدارية في مواجهة النصب الإلكتروني

في عالمنا الرقمي المتسارع، أصبح الهاتف المحمول امتدادًا لذاتنا، نعتمد عليه في التواصل، العمل، الترفيه، وحتى التسوق. ولكن مع هذه الميزات الرائعة، يأتي جانب مظلم يتمثل في السيل الهائل من الرسائل غير المرغوب فيها التي تصلنا بشكل يومي. هذه الرسائل، التي قد تأتي على شكل إعلانات مزعجة أو محاولات نصب واحتيال، تشكل تهديدًا حقيقيًا لخصوصيتنا وأمننا الرقمي.
طبيعة الرسائل المزعجة
تتنوع الرسائل المزعجة التي تصل إلى هواتفنا، ويمكن تصنيفها بشكل عام إلى نوعين رئيسيين:

الإعلانات المزعجة: تشمل هذه الرسائل عروضًا تجارية متنوعة، قد تكون لمنتجات أو خدمات غير مرغوب فيها، أو حتى لروابط تؤدي إلى مواقع ويب مشبوهة. غالبًا ما تستخدم هذه الإعلانات لغة مبسطة وعروضًا مغرية لجذب الانتباه، ولكنها في الغالب تكون مضللة وغير صحيحة. ومحاولات النصب والاحتيال: تمثل هذه الرسائل خطرًا أكبر، حيث تهدف إلى خداع المستخدمين للحصول على معلوماتهم الشخصية أو المالية. قد تأتي هذه الرسائل على شكل رسائل نصية قصيرة أو رسائل بريد إلكتروني، وتتضمن عادةً عروضًا مغرية جدًا لدرجة يصعب تصديقها، مثل الفوز بجوائز كبيرة أو الحصول على قروض سهلة.

وهناك أضرار لهذه الرسائل المزعجة التي تؤدي إلي الإزعاج وتشتيت الانتباه عن الأمور اليومية. والرسائل الاحتيالية التي تتسبب في خسارة المستخدمين لأموالهم، خاصة إذا قاموا بتقديم معلوماتهم الشخصية أو المالية. والي جانب كل ذلك انتهاك الخصوصية حيث تسعى الرسائل المزعجة إلى جمع معلومات شخصية عن المستخدمين، مما يمثل تهديدًا للخصوصية. وهناك بعض  الرسائل على روابط تؤدي إلى تنزيل برامج ضارة على الجهاز، مما يتسبب في تلف البيانات أو اختراق الجهاز.

والسؤال الذي يطرح نفسه كيف نميز بين الرسائل المزيفة
لتجنب وقوعنا ضحايا للرسائل المزعجة؟ 
يجب علينا نتعلم كيفية تمييز هذه النوعية من الرسائل عن  الحقيقية. فهناك بعض العلامات التي تدل على أن الرسالة قد تكون مزيفة، منها اللغة المستخدمة غالبًا ما تحتوي الرسائل المزيفة على أخطاء إملائية ونحوية، ولغة غير رسمية. والعروض المغرية إذا كان العرض يبدو جيدًا لدرجة يصعب تصديقه، فمن المحتمل أنه مزيف. وفي الغالب تضغط هذه النوعية من الرسائل على اتخاذ قرار سريع دون التفكير، مما يزيد من فرص الوقوع في الفخ. وهناك طلبات غير متوقعه للمعلومات الشخصية ، فلا يجب تقديم أي معلومات شخصية حساسة إلا إذا كنت متأكدًا تمامًا من هوية الطرف الآخر.

وما نستطيع فعله نحن من جانبنا هو مقاومة الرسائل المزعجة من خلال تفعيل ميزات الحماية المتوفرة في الهاتف، مثل فلتر الرسائل غير المرغوب فيها. وعدم الرد على الرسائل المشبوهة، وعدم النقر على الروابط غير معروفة المصدر. وتحديث برامج الحماية بشكل دوري لحماية الجهاز من التهديدات الأمنية. واهم شىء التبليغ عن الرسائل المزعجة إلى مزود خدمة الاتصالات أو إلى الجهات المختصة.

والجانب الآخر يكون علي المسؤولين عن حماية المواطنين من تلك الأمور التي تحاربنا بشكل يومي .فهناك دور عظيم تقوم به هيئة الرقابة الإدارية في الجرائم الإلكترونية لا يمكن تجاهله ، لحماية المواطنين والمؤسسات العامة والخاصة من المخاطر السيبرانية والصور المستحدثة من الجرائم التي ترتكب عبر شبكة الإنترنت. فقد تقوم الهيئة برصد الإحتياليين بشكل مستمر وتلقي القبض عليهم وتحيلهم للمحاكمة ، وآخرهم عندما ألقت القبض على أحد الأشخاص تخصص في إنشاء منصات لتقديم خدمات الاختراق والتصيد الاحتيالي الإلكتروني والتي تستهدف الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة داخل وخارج الجمهورية. ويجب علينا مساعدة الدولة في الوصول إلى هؤلاء المجرمين من خلال الإبلاغ عن أية حالة نصب تقع تحت يدينا من خلال الأرقام التي تتيحها الرقابة الإدارية لشكاوى وبلاغات المواطنين. ونلتزم برسالة الهيئة بالمواطنين بضرورة توخي الحذر من الأنماط المستحدثة للهجمات السيبرانية الاحتيالية التي تهدف إلى اختراق البيانات الشخصية والمالية.

مقالات مشابهة

  • الخارجية تتابع عن كثب قضية تغيب المواطن المالدوفي
  • دم الشهيد سبب في الحرية الاستقلال
  • المواطن والرقابة الإدارية في مواجهة النصب الإلكتروني
  • مفهوم الحرية بين الخصوصية المجتمعية والمواثيق الدولية: جدل يتجدد في باب حوار
  • كوريا الشمالية تندد بتدريبات "حافة الحرية" العسكرية بين واشنطن وسيول
  • عضو بـ«النواب»: «بداية» من أهم المبادرات التي تعمل على تحسين حياة المواطنين
  • أبرز أسئلة الأفراد المستقلين في برنامج حساب المواطن
  • مسئول بـ«الحرية المصري»: قرار الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو يعزز السلام الدولي
  • الاستماع لـ 2498 معتقلة في 43 مؤسسة سجنية وزيارة 163 مكان حرمان من الحرية على خلفية الوقاية من التعذيب 
  • "الحرية المصرى": قرار الجنائية الدولية خطوة مهمة لحماية الشعب الفلسطينى من جرائم الاحتلال