صراع الإرادات: خواطر من وحي الأزمة!
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
هذه سلسلة من الخواطر التى لا جامع لها إلا واقع مأزوم لم يعد فيه للكلام المرسل وزن؛ فالفعل أرجى وأقوى. لذا أكتب هذه الخواطر من وحى أزمة منبعها إقليمى وطائلتها عالمية؛ فآثرت عرضها على هيئة نقاط:
العدوان الحاصل على غزة تعبير واضح عن صراع إرادات شتى لا تجتمع إلا على شىء واحد: استخدام الوكلاء لإنهاك الرعاة.
كل الأطراف مندفعة بلا حساب ولا أهداف؛ والمنطق فى ذلك عند الطرف الأضعف بحساب الإمكانات: «ليس لدىّ ما أخسره»، وعند الطرف الأقوى بحساب القدرات: «كل شىء مباح فى الحرب»!
أصحاب التماس الجغرافى مع بؤرة الصراع يكابدون الأمرّين؛ وغيرهم لا يبالون إلا بدعم محدود مقدم، وحسابات «الطرف الأقوى» عندهم لها الاعتبار المقدَّم.
عندما نادت أوكرانيا جاشت لها صدور وجيشت لها بلدان، وعسكرت لها ميزانيات؛ واستُدعيت لها ولإسرائيل «صلاحيات الطوارئ» لتمرير ما يلزم من مساعدات شتى دونما رقابة قانونية أو موافقات برلمانية بالضرورة، لكن «حال الطوارئ» فى أى بلد آخر هو معيار الحكم عليه!
المصلحة هى المعيار الأوحد فى هذا الكون؛ ولن تتغير بوصلة السياسة فى البلدان الكبرى إلا بتغير المزاج الشعبى؛ حتى يصير تصريح السياسى وعمله رهيناً برضا ناخبيه فى اتجاه معين.
الثروات العربية بعضها نعمة وبعضها نقمة، والجامعة العربية تكاد تتحد مواقفها الجماعية وهى غير مؤثرة، فيما المواقف الفردية لدولها هى المحك الحقيقى والفاعل المؤثر.
الوكلاء (أو: الجهات الفاعلة من غير الدول) هم «المُسَيّرات البشرية» للدول التى ترغب عن الحرب المباشرة؛ واتساع دورها فى الشرق الأوسط باعث على قلق شديد.
النأى عن التدخل بظن البُعد تفكير معيب (انظر الناقلة النرويجية المستهدفة فى باب المندب وهى فى طريقها إلى إسرائيل)، والتأميل فى السيادة بفعل القرصنة البحرية جهل شديد، ولكل سوءاته وخواصر ضعفه التى يرتجى ألا تنكشف!
النضال المسلح ضد إسرائيل مال إلى «مسيرات بشرية» إيرانية الهوى (والولاء أحياناً)؛ ومع ذلك فالغرب مُصر على الحديث عن «الإرهاب السنى»!
المساحة الإعلامية للسردية الفلسطينية (وداعميها) صار لها حضور أقوى عالمياً على الرغم من المحاصرة والتعتيم والتزييف المتعمد.
إسرائيل لن تتراجع حتى تصبح عبئاً بالغ الثقل على داعميها، وحتى تتصدع من الداخل.
بعض البلدان العربية والأوروبية صوت صمتها فى العدوان على غزة أعلى من صوت القصف!
كيف لا توجد منظمة عربية باسم راشيل كورى؟ لا غنى للقضايا العربية عموماً وللقضية الفلسطينية خصوصاً عن التشبيك الدولى الفعال مع كل من له مصلحة معنا أو له رأى قريب من رأينا. نحن فى عصر التكتل، لا التفتت.
العدوان مهْرَب الجبان، والتهجير حلم عسير.
قال أفروم برغ، رئيس الكنيست الأسبق: «تبيّن أن ألفى عام من نضال اليهود من أجل البقاء قد انتهى لا إلى شىء إلا حالة عامة من المستوطنات التى تديرها طُغمة عديمة الأخلاق من الفاسدين الضاربين بالقانون عُرض الحائط؛ فصاروا يصمون آذانهم عن مواطنيهم كما يصمونها عن أعدائهم. وليس لدولة الظلم أن تبقى أو تدوم. لن يجدى هذا نفعاً حتى لو طأطأ العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم وكتموا غضبهم إلى الأبد، ذلك بأن البناء القائم على قسوة القلوب محتوم بالانهيار من الداخل.. لقد توقفت إسرائيل عن الاهتمام بأطفال الفلسطينيين، فليس لها أن تُفاجَأ بهم وقد كبروا وجاءوا بنفوس تموج بالكراهية كى يفجروا أنفسهم فى حواضر إسرائيل التى هى محض مفر كبير».
إسرائيل تخوض حرباً عسكرية هرباً من الحلول السياسية، والفلسطينيون يخوضون حرباً سياسية درءاً لاستمرار الأعمال العسكرية.
المقاومة الفلسطينية تسعى إلى استنزاف عدوها نفسياً واقتصادياً وإعلامياً؛ وإسرائيل تسعى إلى قهر عدوها ببطش يُفقدها المناصرة الشعبية الدولية.
وصف «طوفان الأقصى» وتبعاته بعبارة «التحوّل الدهرى» رهين بالمآلات، لكن كل الأحداث الإيجابية الكبرى فى هذه المنطقة لها سابقة مصرية: وما تحريك الموقف «عسكرياً» فى 7 من أكتوبر مسبوقاً بخداع استراتيجى إلا استنساخ للتجربة المصرية فى 6 من أكتوبر 1973.
الولايات المتحدة تزعم رعاية حقوق الإنسان فى العالم، ومع ذلك فهى صاحبة قرار النقض (فيتو) الأوحد فى تاريخ الأمم المتحدة لمشروع قرار يطلب وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية!
المقاومة الفلسطينية تشن حرب أغوار (المصطلح الأشهر لها «حرب العصابات»)، وانتصار محاربى الأغوار يكون بعدم الهزيمة، أما الجيش النظامى فكل نتائجه خسارة إذا لم يحقق النصر الكامل.
على الشعب الفلسطينى أن يفرز قيادات جديدة على كل الأصعدة، ولاؤها للقضية لا لأبعاد إقليمية - دولية.
انهارت حكومات إسرائيلية كثيرة على مدار عامين، وظلت الحكومة الإسرائيلية عصية على التشكيل قبل «طوفان الأقصى» لنحو نصف عام؛ ومع بداية العملية اتحدت الجبهة الداخلية الإسرائيلية (مؤقتاً) وتناسى رافضو التعديلات القضائية موقفهم، وعاد معظم رافضى الخدمة العسكرية (الاحتياط)، فيما يظل الفلسطينيون -حتى الساعة- على فرقتهم وولاءاتهم الموزعة سياسياً وفكرياً وإقليمياً وشخصياً.
تصفية الحسابات إعلامياً أصبحت السمة العامة لكثير من وسائل الإعلام العربية - الإقليمية، الرسمية وغير الرسمية؛ وكثير من منقوصى الوعى ينفث غضبه بالحَمْل على بلده ومسئوليه.
الإخفاق الاستخباراتى الإسرائيلى فى استباق «طوفان الأقصى» هو محل النظر الحالى والمساءلة المقبلة، أما الواجب فهو النظر فى الإخفاق السياسى فى استشراف الانفجار «الإنسانى» لمظالم استمرت عقوداً، والجيوش «الذكية» ما زالت دون الحقيقة الواقعة، والدعاية بخصوصها تظل كذلك إلى حين، مجرد «دعاية».
الأوطان لا تسقط بالتقادم، والتفوق وحده لا يحفظ الظالم، والمظلوم أولى بقضيته، واللاهون بالمسيّرات البشرية يسقطون أمام التلويح بالمصالح.
تمخّض العالم أجمع فولد 20٪ من مساعدات غزة، وبذلت مصر القوام الأعظم منها، لا منة ولا هبة، بل صدق ومحبة.
كثير من المساعدات المصرية لفلسطين غير معلنة، ويدخل فيها الضغط السياسى، والتنسيق الدولى، ورعاية المصالح فى الخارج، وفرص التعليم فى شتى المراحل، وتيسير إجراءات الإقامة، وغيرها، لا منحة ولا صدقة، بل شرف وهمّة.
العالم أجمع يتسابق إلى مستوى جديد من التطرف، فكرياً وسياسياً ومصلحياً واقتصادياً.. فما عاد الحياد يُجدى، وما عاد الاعتياد يُرضى.
المقاومة إذا حادت عن البوصلة الوطنية إلى الاستتباع أصبحت جماعة وظيفية، كصاحب المهارة إذا ابتغى صاحب العرض الأعلى. وتلكم فكرة الفرد الوظيفى والجماعة الوظيفية.
من كان له وطن فليحفظه بدمه، ومن كان عنده «دم» فلا يبخل به على وطنه، ومن له وطن مصون ودم محفوظ فليحمد ربه حمد الفاعلين، لا حمد التاركين.
التبارى بين الخطوط العسكرية يقتضى القصف، والتبارى بين الخطوط الفكرية يقتضى العصف، فإذا أخذك العصف الفكرى إلى تشويه نفسك وبلدك وثقافتك فاعلم أنك على الخطأ مهما عددت المبررات، وكذلك الحال إذا أخذك إلى التسليم لخصمك. هذه الحال أسبابها نقص الوعى وضعف البناء الفكرى الناقد.
من قبيل التشكيك والتشويه والتنفير الزعم بمشاركة مصر فى الحصار وإغلاق معبر رفح، والحقيقة أن المعبر غير مغلق، وأنه معد لحركة الأفراد لا البضائع! ومع ذلك تُدخِل منه البضائع والأفراد. فما الداعى للتشويه؟ إن للقطاع 6 معابر مع دولة الاحتلال المسئولة قانوناً عن الأرض التى تحتلها، لكن صرف الانتباه عن تلك المسئولية لا يكون إلا بتشويه الغير! فهل المطلوب أن نعفى المحتل من مسئولياته؟! افهم الصورة الكاملة قبل أن تنزلق إلى وحل التشويه وتناقل كلام العدو، حتى وإنْ قاله لك من تثق فيهم وتحبهم!
إفقادك الثقة فى نفسك وثقافتك وبلدك ودينك يجعلك مكشوف الظهر عند ملاقاة الغير، وهذا هو مراد عدوك: أن تلقاه بفكر المنهزم وروح المستسلم وظهر مكشوف ووعى منقوص، أى أن تلقاه مهزوماً قبل النزال.
ليس كل مأزوم مهزوماً، بل كل مهزوم مأزوم... ومن سمح لعدوه باختيار مسرح النزال وتوقيته وموضوعاته فهو مأزوم الفكرة، مهزوم النفرة.
عاشت فلسطين الوتد، وعاشت مصر السند.
* مشرف وحدة اللغة الإنجليزية
مرصد الأزهر لمكافحة التطرف
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الإرادات الجامعة العربية التدخل
إقرأ أيضاً:
رحيل الفنان المغربي محمد الخلفي عن 87 عاما بعد صراع مع المرض
توفي الفنان المغربي محمد الخلفي أمس السبت 21 ديسمبر/كانون الأول 2024، عن عمر ناهز 87 عاما، بعد معاناة طويلة مع المرض.
ويُعتبر الخلفي من رواد المسرح والدراما في المغرب، حيث امتدت مسيرته الفنية لأكثر من 6 عقود، قدّم خلالها أعمالا تركت بصمة واضحة في الساحة الفنية المغربية.
وكان الفنان الراحل وُلد في الدار البيضاء عام 1937، وبدأت علاقته بالمسرح عام 1957 مع مسرح الهواة، حيث عمل إلى جانب أسماء بارزة مثل الطيب الصديقي وأحمد الطيب العلج.
وفي عام 1959، أسس فرقة "المسرح الشعبي"، ثم شارك في تأسيس فرقة "الفنانين المتحدين"، التي قدّمت 7 مسرحيات، من بينها "العائلة المثقفة" بمشاركة الفنانة ثريا جبران.
ولم يقتصر نشاط الخلفي على المسرح فحسب، بل امتد إلى التلفزيون والسينما. ففي الدراما التلفزيونية، اشتهر بأدواره في مسلسلات مثل "التضحية"، و"بائعة الخبز"، و"ملوك الطوائف" حيث جسّد شخصية أبو الحزم بن جهور. كما ترك بصمة في سلسلة "لالة فاطمة" بدور الحاج قدور بن زيزي.
وفي السينما، تعاون مع مخرجين مثل عبد الله المصباحي في فيلم "سكوت، اتجاه ممنوع"، ومحمد إسماعيل في فيلم "هنا ولهيه"، بالإضافة إلى أفلام أخرى مثل "الضوء الأخضر" و"الدم المغدور" و"الوتر الخامس".
إعلانوفي السنوات الأخيرة، تراجع ظهور الخلفي الفني بسبب تقدمه في العمر وتدهور حالته الصحية. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، نُقل إلى أحد المستشفيات الخاصة في الدار البيضاء إثر تعرضه لوعكة صحية حادة. ورغم خروجه من المستشفى بعد تلقي العلاج، إلا أن حالته الصحية استمرت في التدهور، حتى وافته المنية في منزله بالدار البيضاء.
يُعد محمد الخلفي من أبرز رواد الفن المغربي، حيث ساهم بشكل كبير في تطوير المسرح والدراما في البلاد. وتميّز بقدرته على تجسيد شخصيات متنوعة، من الكوميدية إلى الدرامية، ما أكسبه شعبية واسعة ومحبة الجمهور. وسيظل إرثه الفني مصدر إلهام للأجيال القادمة، وذكرى خالدة في تاريخ الفن المغربي.