الدولة المصرية تمر بمرحلة فارقة فى تاريخها الحديث سيتحدث عنها الأجيال لسنوات بعد ذلك، فمصر تخوض حروباً فى مختلف الاتجاهات الاستراتيجية وعلى كافة الأصعدة، ومع ذلك مستمرة فى البناء والتنمية، بل وتؤسس لسياسة إقليمية قائمة على النزاهة والشرف فى زمن عزّ فيه الشرف، انتهينا من مشهد انتخابى غير مسبوق بإقبال شبابى يرد على العالم بأن شباب مصر قادرون ومدركون لما يحاك ضدهم ويحدث حولهم، شباب مصر على قدر كبير من الوعى والمسئولية الوطنية لم ولن يتراجعوا بل تقدموا ليعلموا العالم معنى الديمقراطية.

لم أرَ مشهداً انتخابيا كما حدث فى مصر من قبل، فالجميع تكاتف وتعاون من أجل مصلحة الوطن، بل أعتقد أننا فى مكانة يتمناها الكثير من أبناء الشعوب الأخرى، فلدينا رئيس يؤمن بقدرات الشباب ويقدمهم دائماً فى صنع القرار ليغرس فى عقولهم مفهوم قادة المستقبل، وأن يصبحوا هم بعد ذلك ميسرين ومعاونين لمن يليهم من أجيال أخرى، حتى تستمر الدولة المصرية فى طريقها، وكان مشهد وجود الشباب أمام اللجان الانتخابية هو بمثابة رد وتأكيد منهم وبإرادتهم الحرة النزيهة على دعمهم للقيادة السياسية.

ونحن الآن على أعتاب مرحلة جديدة بل أعتبرها المرحلة الأهم فى تاريخ مصر فى ظل اشتعال الصراعات الدولية وتزايد الضغوط وظهور الوجه الحقيقى للتحالفات والمؤسسات والهيئات الدولية، فالقضية الفلسطينية من جانب وانقسامات السودان وتهديد الجنوب من جانب، ومن الغرب نجد ليبيا وما يحدث فيها، وفى الشمال صراعات البحر المتوسط لا تنتهى، كل ذلك والدولة المصرية ملتزمة بسياستها ومبادئها الثابتة، وأتمنى من كل وطنى مخلص لوطنه أن يقدم كل ما لديه من خبرة ومعرفة ونصيحة، كلٌ فى مجاله، وخاصة فى هذا التوقيت الحاسم الذى لا تراجع ولا تخاذل فيه إلا من صاحب مصلحة شخصية، يجب أن ندعم المصلحة الوطنية جميعاً وأن ننحى خلافاتنا ومشكلاتنا جانباً إلى أن نتجاوز هذه المرحلة بسلام ونبرهن للعالم كله أن الشعب المصرى قادر.

وأرى أن تأكيد الرئيس السيسى لاستمرار الحوار الوطنى برعايته الشخصية فى أول خطاب له بعد فوزه بولاية جديدة هو رسالة واضحة بأن الجمهورية الجديدة قائمة على الحوار والنقاش واختلاف الرأى ولكن تحت مظلة وطنية شاملة، وأسأل نفسى أى دولة فى العالم تعمل بهذه القوة وفى كل الاتجاهات فى آن واحد؟ أى دولة تفتح الحوار الوطنى أمام كل أطياف المجتمع وهى تواجه تحديات خطيرة على المستوى الداخلى والخارجى؟ أى دولة تبنى شبابها وتؤهلهم للقيادة وتستمر فى مشروعاتها التنموية وتطوير البنى التحتية وهى تواجه تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية؟ أعتقد أنه بجانب العناية الإلهية التى تدركنا فهناك تخطيط مصرى قائم على الوعى والإلمام بما يحدث متسلحاً بالعلم والمعرفة والخبرة والتاريخ، وبحكم تخصصى الجامعى فى إدارة المخاطر والاقتصاديات أعلم جيداً أنه لا خسارة ولا هزيمة بتخطيط محكم قائم على كل تلك الأمور.

ومشهد لقاء الرئيس السيسى بالمرشحين الثلاثة وتقديره لأدائهم السياسى فى العملية الانتخابية يعزز من مبادئ الديمقراطية المصرية التى لا نظير لها على المستوى العالمى، ويرسم الطريق أمام الشباب المصرى للأمل والطموح فى مستقبل أفضل، كما لا يجب أن نغفل دور إعلامنا الوطنى الذى قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وتجسد فى سلسلة من البرامج والأعمال الدرامية والتليفزيونية والإصدارات الصحفية والإخبارية التى كان لها جميعاً دور كبير فى تعزيز وعى المواطن المصرى، فكان كل ذلك نجاحاً يسير جنباً إلى جنب مع النجاح الباهر الذى حققته تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين فى التعامل مع الانتخابات الرئاسية من خلال غرفة عمليات مركزية وأخرى إعلامية تمكنتا من تغطية الانتخابات على المستوى المحلى والدولى.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المشهد الانتخابى الوطنية للانتخابات السيسي

إقرأ أيضاً:

منال الشرقاوي تكتب: ضحكنا فجرحناهم

في مشهد مكرر لعقود، يظهر رجل بملابس رثة، يتلكأ في نطق الكلمات، تعلو وجهه سمات "البساطة" المبالغ فيها؛ فينفجر الجمهور ضاحكًا.

الكاميرا تقرب على يديه المتشققتين، وصوته المتهدج، بينما تصاحب الموسيقى "الإيقاعية" الضحك كضربات ساخرة لا تُرى.

هنا، لا نضحك مع الشخصية، وإنما عليها، كما لو أن الفقر عيب جسدي، أو لعنة تستحق الاستهزاء.

 هذا ليس مشهدًا من عمل فني واحد، بل هو لازمة في كوميديا حولت الفقراء إلى "كاريكاتير" متحرك، يُذكرنا أن الضحك قد يكون أحيانًا قناعًا لقسوة لا نعترف بها، فمتى تحول الفقير من إنسان له قصته إلى مجرد "ديكور" يُضحك الجمهور؟... يا عزيزي، حين تصبح الكوميديا سوطًا يجلد الفقراء، يصبح الضحك مسموماً.

السخرية من الفقير ليست فنًا، وإنما اعتراف بأننا لم نواجه أسبابه، فحولناه إلى نكتة كي نرتاح. المشكلة هنا ليست في "النكتة" ذاتها، وإنما في ما تخفيه خلف ضحكتها. حين تُختزل شريحة كاملة من الناس -الفقراء، سكان العشوائيات، أصحاب المهن البسيطة-، في صورة هزلية تُضحك لأنها ضعيفة، جاهلة، أو غريبة عن النخبة. يصبح الفقر مرادفا للغباء، وتتحول البساطة إلى سذاجة، والحرمان إلى "إفيه" جاهز.

الأغرب أن هذا النمط لا يقدم كنوع من السخرية الواعية من الظلم أو المفارقة الطبقية، لكنه يظهر كواقع طبيعي لا يحتاج إلى تفسير؛ كأن من لا يعرف أسماء الماركات العالمية يستحق السخرية، ومن لا ينطق القاف والسين كما يفعل سكان المدن الكبيرة، لا يعامل كجزء من المشهد. هكذا، أصبحت الكوميديا وسيلة ترسخ الفجوة بين الطبقات بديلاً عن  أن تفضحها أو تسخر من أسبابها. والفقير الذي كان في زمن مضى بطلًا شعبيًا -كما رأيناه في أعمال سابقة عظيمة-، تحول إلى مجرد "سنيد"، يُستدعى ليطلق جملة مضحكة، ثم يغيب عن المشهد وكأنه لم يكن.

لكن الكوميديا لا تكتفي فقط بالسخرية من الفقر كحالة اقتصادية أو اجتماعية، وإنما تمتد لتستعير أدوات أخرى ترسخ التمييز بطريقة أكثر نعومة… وأحيانًا أكثر قسوة. من بين هذه الأدوات هو استخدام اللهجة.  فالكلمة التي تخرج من فم البطل بلهجته المنمقة تُقابل بتقدير واحترام، أما حين تخرج من فم شخص "هامشي" بلهجة محلية مختلفة، تتحول إلى إشارة ضمنية للضحك، وكأن اللسان وحده يمكن أن يُخبرك من يستحق الاحترام ومن يُستباح بالسخرية. هنا، تصبح اللغة أو اللهجة المحلية وسيلة للتصنيف، وليس للتواصل. وسرعان ما تنزلق الكوميديا من كونها مساحة للمفارقة الذكية إلى أداة تغذي نظرة فوقية تجاه الآخر المختلف، فقط لأنه "يتكلم بطريقة غريبة".

السؤال هنا: من يملك حق تحويل لهجة إنسان إلى نكتة؟! 
في دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2014 ربطت الفقر بالشعور بالعار عالميًا، في بعض الدول، وإن لم تركز على الأفلام بشكل خاص. اعترف عدد من الشباب أن مشاهد السخرية من الفقراء في الأفلام تجعلهم يشعرون بالخجل من انتمائهم لطبقة بسيطة. أحد المتابعين كتب على تويتر: "أبي عامل نظافة، أشعر أن كل ضحكة على شغله هي صفعة على وجهي". 

هنا يتحول "الترفيه" إلى عنف رمزي، كما يصفه عالم الاجتماع "بيير بورديو"، حيث تُكرس الأفلام الفجوة الطبقية عبر تحويل المعاناة إلى سخرية. الطفل الذي يشاهد أباه يُسخر منه على الشاشة، سيبدأ برؤية الفقر عارًا، لا ظلمًا اجتماعيًا.  

لكن الضحك ليس بريئًا دائمًا. إنه يُضحك، نعم، لكنه يوجع أحيانًا. في كل نكتة على لهجة محلية، أو بدلة عامل، أو اسم شخص، هناك سهم خفي يُصيب الكرامة في مقتل. فالسينما التي تُضحكنا على من يشبه آباءنا، أو جيراننا، أو أنفسنا قبل سنوات قليلة، لا تُسلينا بقدر ما تُربينا على احتقار ما كنا عليه. والفن الذي ينسى أن الفقر حالة لا تليق بالشماتة، يصبح شريكًا خفيًا في تكريس الجفاء الطبقي، وإن لبس عباءة الضحك الخفيف. ليست كل قهقهة علامة على الفرح… أحيانًا نضحك كي نُخفي ارتجافة الذنب.

والآن، هل نستطيع إصلاح ما أفسدته السنوات؟
الضحك لا يجب أن يكون على حساب الكرامة، وإذا كانت السنوات الماضية قد كرست نمطًا من الكوميديا يستخف بالإنسان البسيط، فإن تصحيح المسار ليس مستحيلًا. وقد تكون البداية من إعادة تعريف ما يُضحكنا فعلًا، وما إذا كان الضحك الذي يهين يستحق فعلًا أن يُصنف فنًا. الكوميديا العظيمة تُعلي من الإنسان، لا تحطمه.

الحلول موجودة، لكنها تحتاج إلى شيء من الجرأة. علينا تقديم كوميديا ذات مسؤولية إنسانية،  كما رأينا في أعمال قدمت الفقير كشخص ذكي، محبوب، يسخر من قسوة الحياة لا من الناس.

وتدشين مبادرات تشجع الكتاب وصناع الكوميديا على التفكير قبل إطلاق نكتة، لتذكرنا جميعًا أن الضحك لا يفقد قيمته حين يصعد بنا، لكنه يخسر الكثير حين يبنى على أنقاض كرامة الآخرين. الكوميديا العادلة ممكنة، فقط إذا أردنا أن نضحك الناس… دون أن نجرحهم.
وعلى النقاد أن يتحرروا من سطوة شباك التذاكر، وألا يشيدوا بكل فيلم يضحك الجمهور لمجرد أنه نجح تجاريًا. 

فالتقييم الأخلاقي والجمالي لا يقل أهمية عن تقييم الإيرادات. صحيح أن السوق يفرض سطوته، لكن التاريخ يذكرنا أن الأعمال العظيمة وُلدت حين اختار الفنانون أن يكونوا صوتًا للبسطاء، لا أن يصعدوا على أكتافهم. الضحك الجارح ليس قدرًا، والخيار بين "الكوميديا السهلة" و"الكوميديا العادلة" هو اختبار لأخلاقنا قبل ذوقنا. قد نضحك اليوم على نكتة عن العامل البسيط، أو الشخص الفقير، لكن غدًا سنسأل: أين كنتم حين كانت الكوميديا تُحول آلامنا إلى مادة للسخرية؟
لذلك، نحتاج إلى صناعة وعي جماهيري عبر مبادرات ذكية وشعبية، ولتكن مثلاً حملة بعنوان:  " مش هنضحك على الشقيانين" أو "اضحك معنا، لا علينا".

مقالات مشابهة

  • محافظ دمياط يزور وكالة الفضاء المصرية ويعقد بروتوكول تعاون معها
  • مرحلة الهبوط في الدوري.. الملواني ومروان حمدي يقودان هجوم الإسماعيلي أمام الاتحاد
  • وزارة العمل المصرية تفتح آفاق جديدة للعمل في ألمانيا.. تفاصيل
  • “الألفى” تستعرض أمام الدورة الـ58 للسكان والتنمية بالأمم المتحدة التجربة المصرية في تنمية الأسرة
  • أخبار مصر اليوم.. السيسي وماكرون يزوران العريش.. مدبولي يترأس اجتماعات مهمة.. افتتاح مشروعات جديدة لدعم الاقتصاد والتنمية
  • منال الشرقاوي تكتب: ضحكنا فجرحناهم
  • جبايات حوثية جديدة على شاحنات مواد البناء في عمران ترفع كلفة النقل وتفاقم معاناة المواطنين
  • 21 لاعبًا فى قائمة المنتخب الوطنى للشباب لأمم أفريقيا
  • أبناء المنوفية يحتشدون في العريش دعما للدولة المصرية ورفضا للتهجير
  • احتجاجات لموظفي الجماعات الترابية أمام جماعة أكادير تزامنا مع الحوار الاجتماعي