لجريدة عمان:
2025-03-17@16:13:21 GMT

ملاحظات على جودة التعليم الجامعي

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

لقد سئمت من كثرة حديثي عن جودة التعليم في هذه الجريدة وفي غيرها، فلا غرابة إذا في أن يسأم أيضًا مَن يتابع ما أقول! منذ عشرين سنة أو يزيد كنت أتحدث عن سوءات التعليم ومناهجه في عالمنا العربي وخاصة في مصر، ومنذ ذلك الحين شاع في عالمنا العربي الكلام عن جودة التعليم الجامعي التي تولى أمرها أناس هم في الأغلب يعرفون كيفية صنع جداول إحصائية تقيس جودة التعليم من حيث الشكل والكم، أما من حيث الكيف أو الجودة الحقيقية للتعليم، فإنهم لا يعرفون شيئًا عنها.

وهم بذلك يشغلون الأساتذة والقائمين على عملية التعليم بملء جداول إحصائية لا نهاية لها، ومن المدهش أن بعض القائمين على العملية التعليمية تراهم سعداء بالتعليمات التي ترد إليهم من المسؤولين عن الجودة، ويقومون بقضاء أوقات طويلة في ملء مثل هذه الجداول الإحصائية التي لا تحصى، بدلًا من أن ينشغلوا بالبحث العلمي الذي يضيف إلى رصيدهم الأكاديمي وينعكس على جودة أدائهم المهني، وينعكس أيضًا على رفع مكانة جامعاتهم على مستوى الجودة وسلم الترتيب بين الجامعات العالمية المرموقة التي تفصلنا عنها مسافة بعيدة للغاية. وأولئك يظنون أنهم بذلك يسهمون في ارتقاء التعليم من خلال ملء بيانات وإحصائيات يمكن تسميتها «بالجودة الورقية»!

تلك حالة فريدة عجيبة، قلما نجد لها نظيرًا في العوالم المتحضرة. ومنشأ هذه الحالة يكمن في الافتقار إلى رؤية واضحة لفلسفة التعليم وما يتعلق بها من تساؤلات، لعل أهمها هو: ماذا يعني التعليم ذاته، وما الهدف من ورائه؟ هل الهدف من التعليم هو تخريج أجيال من الموظفين الذين يمكن أن تحتاجهم الدولة في قطاعات معينة؟ ربما يكون هذا هو هدف التعليم في عصر محمد علي الذي بدأ من أرض فراغ، وكان يريد بناء دولة تقوم على مؤسسات قوية وعلى رأسها الجيش؛ ولكن هذه الرؤية لا تصلح في عصرنا الراهن. حقًّا إن التعليم في الدولة ينبغي أن يكون قادرًا على تخريج موظفين ومهنيين يخدمون في قطاعات متخصصة، ولكن هذا ليس هو الهدف الوحيد للتعليم؛ لأن التعليم في النهاية ينبغي أن يهدف إلى تنوير الوعي البشري في سائر المجالات، بما في ذلك مجالات العلوم الإنسانية والآداب والفنون، وعلى رأس هذه المجالات جميعًا تأتي الفلسفة باعتبار أن كل علم له أساس ومنظور فلسفي. والحقيقة أن غياب العلوم الإنسانية عن الدراسات المهنية المتخصصة (أعني تلك الدراسات التي تقوم بتخريج موظفين متخصصين تحتاجهم الدولة في قطاعات معينة تختلف نسبيًّا من دولة إلى أخرى) قد أوجد لنا أجيالًا من المتخصصين الضعاف، يفتقرون إلى الخيال والرؤية؛ وإلا فخبرني-أثابك الله- كيف يمكن لخريج أقسام العمارة في كليات الهندسة أن يبدع في مجال العمران البيئي من دون أن تكون له خبرة بالظواهر والاحتياجات الإنسانية! فأغلب الظن أنه سوف يلتزم بقواعد صماء ومعايير عامة جوفاء قد تعلمها في دراسته المنقوصة. ودعني أتساءل: هل وَجدتَ يومًا خريجًا من أقسام العمارة في كليات الهندسة قد سمع شيئًا عن «فينومينولوجيا العمارة»، رغم أن الفينومينولوجيا هي اتجاه فلسفي معاصر رئيس لا يزال له امتداداته منذ قرن في سائر العلوم الإنسانية، بل في العلوم الطبيعية أيضًا؟! وبوسعنا القول بأن افتقار دارسي العلوم المهنية المتخصصة إلى شيء من العلوم الإنسانية هو السبب في افتقارهم إلى الوعي، وربما يكون هذا هو السبب الحقيقي في جمود فكرهم وتطرفه، وهذا ما شاهدناه عمليًّا على أرض الواقع؛ إذ كانت مواقفهم في أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر تتسم بالعدوانية والتطرف. وربما ينطبق هذا أيضًا على طلبة كليات دار العلوم وأشباهها؛ -بالضبط- لأن هذه الكليات تعنى بتدريس العلوم الدينية والإسلامية واللغوية وفقًا لمناهج عتيقة لا علاقة لها بما يجري في العلوم الإنسانية منذ عقود عديدة قد تصل إلى قرن من الزمان.

وربما يليق أن أذكر هنا بعض الأمثلة المباشرة على فساد منظومة جودة التعليم في واقعنا الراهن. أذكر أولًا حالة العلّامة الفيلسوف عثمان أمين التي تجافي تمامًا طنطنة المسؤولين عن جودة التعليم: كان عثمان أمين يدرس لنا -قبيل وفاته بسنوات قليلة- موضوعًا واحدًا هو فلسفة ديكارت التي كان مفتونًا بها حتى إنه كان يزور قبر ديكارت ليترَّحم عليه! كان هذا الفيلسوف عاشقًا للفلسفة، وحينما زرته في بيته بمدينة الصحفيين بصحبة صديقي المرحوم الدكتور مصطفى لبيب، وجدته جالسًا إلى مكتبه مستعينًا بنظارته السميكة في ترجمة شيء من ترجماته المذهلة عن ديكارت، وقال لنا إنه أمضى يومًا كاملًا في ترجمة نصف صفحة من الكتاب الذي يترجمه! هذا بعض مما تعلمته من عثمان أمين، فضلًا عما تعلمت منه فيما يتعلق باللغة والأسلوب في التعبير عن الأفكار، فما الذي يعرفه المختصون في شؤون الجودة عن هذا المفكر العظيم الذي قال عنه العقاد بينما كان يقرأ كتابه عن «ديكارت» على شاطئ البحر: «بحر على بحر»! لا شك أنهم لو قُدِّر لهم تقييمه وفقًا لمعاييرهم الحالية؛ فإنهم سيمنحونه درجة «صفر» باعتباره كان يُدرِّس موضوعًا أساسيًّا واحدًا لا يفي باستمارات الجودة التي تقتضي تدريس موضوعات عديدة لها ساعات تدريسية محددة ومتطلبات لا حصر لها! ولقد تعلمت شيئًا شبيهًا بهذا من العلَّامة زكي نجيب محمود، وهذا ما ذكرت في مقال سابق.

ولقد حمدت الله أنني قد درست على هذين الكبيرين وأشباههما، فعرفت معنى جودة التعليم الحقيقية، ففي عصرهما كانت مصر تحتل في ترتيب جودة التعليم مكانة تفوق كثيرًا ما نحن عليه الآن، ومثل هذا ينطبق بدرجات متفاوتة على جودة التعليم في كثير من بلدان عالمنا العربي.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العلوم الإنسانیة جودة التعلیم التعلیم فی

إقرأ أيضاً:

النظام الغذائي ومحيط الخصر يؤثران على شيخوخة الدماغ

وجد باحثون من جامعة أكسفورد، وكلية لندن الجامعية، ومؤسسات متعاونة في ألمانيا وفرنسا وهولندا، أن جودة النظام الغذائي ونسبة محيط الخصر إلى الورك خلال منتصف العمر ترتبطان باتصالات الدماغ والأداء الإدراكي في مراحل لاحقة من الحياة.

ومن خلال مراجعة بيانات واسعة، خلص الفريق إلى أن اتباع أنظمة غذائية صحية ونسبة محيط الخصر إلى الورك المنخفضة خلال منتصف العمر يرتبطان بتحسن صحة الدماغ في سن الشيخوخة.

وبحسب "مديكال إكسبريس"، ساهمت التحولات العالمية في العادات الغذائية في ارتفاع معدلات السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري، وكلها مرتبطة بزيادة خطر الإصابة بالخرف.

عولمة النظام الغذائي

وقد ركزت الأبحاث المتعلقة بالعلاقة بين النظام الغذائي والصحة الأيضية ووظائف الدماغ بشكل أساسي على العناصر الغذائية الفردية، مع وجود عدد أقل من الدراسات التي قيّمت جودة النظام الغذائي بشكل عام، وتوزيع الدهون في الجسم على مدى فترات طويلة.

وقد أشارت دراسات سابقة إلى أن منتصف العمر يمثل فرصة حاسمة لتدخلات الصحة الإدراكية، إلا أن أدلة الدراسات طويلة الأمد على النظام الغذائي واتصال الدماغ لا تزال محدودة.

وفي هذه الدراسة تم تحليل مدى جودة النظام الغذائي، ونسبة محيط الخصر إلى الورك، وعلاقتهما بشيخوخة الدماغ، من خلال مسوحات وتصوير لمناطق الدماغ المختلفة بواسطة تقنيات متنوعة.

النتائج

وأشارت النتائج إلى أن جودة النظام الغذائي، والسمنة البطنية في منتصف العمر تنبئان باتصالات الدماغ والوظيفة الإدراكية في مراحل لاحقة من العمر.

وارتبطت جودة النظام الغذائي الأفضل في منتصف العمر بسلامة أفضل للذاكرة العاملة، والوظيفة التنفيذية، والأداء الإدراكي العام، مع تفسير جزئي لتحسن الذاكرة العاملة والوظيفة التنفيذية بسلامة أفضل للمادة البيضاء.

وارتبط ارتفاع نسبة محيط الخصر إلى الورك في منتصف العمر بانخفاضات واسعة النطاق في سلامة المادة البيضاء بالدماغ.

وارتبط ارتفاع نسبة محيط الخصر إلى الورك بزيادة متوسط ​​الانتشار الشعاعي في مناطق المادة البيضاء الرئيسية، التي لها علاقة بالذاكرة والوظيفة التنفيذية.

وقال الباحثون: "قد لا تكون الاستراتيجيات التي تركز فقط على المسؤولية الشخصية كافية إذا استمرت بيئات الطعام في الترويج لأنظمة غذائية عالية السعرات الحرارية، وفقيرة بالعناصر الغذائية".

مقالات مشابهة

  • قافلة طبية أمريكية تعالج 70 طفلًا مصابًا بالشفة الأرنبية بمستشفى سوهاج الجامعي
  • القافلة الطبية الأمريكية تجري عمليات جراحية لـ70 طفلا بسوهاج الجامعي
  • شاهد كيف استعان ماسك بمستر بين للرد على تقليد زوركبيرغ أفكاره
  • نيويورك تايمز: حملة مدمرة تطال التعليم الجامعي في أميركا
  • المالية النيابية تحذر من فرض عقوبات على مصرف الرافدين: تشوبه ملاحظات رقابية
  • أضرار بقاء البيض المسلوق في الماء بعد سلقه
  • كفر الشيخ أولى الجامعات المصرية في العلوم الزراعية
  • تشخيص الذكاء الاصطناعي يلقى قبولاً.. شرط عدم إخبار المرضى
  • النظام الغذائي ومحيط الخصر يؤثران على شيخوخة الدماغ
  • جامعة بني سويف من أفضل 300 مؤسسة عالمية في العلوم الصيدلانية