لجريدة عمان:
2024-09-16@20:12:26 GMT

كيف تخوض أمريكا حربها الاقتصادية؟

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

لنفترضْ أن شركة في بيرو تريد أن تتعامل تجاريا مع شركة في ماليزيا. لا يجب أن يكون من الصعب عليهما تنفيذ معاملة تجارية. فإرسال الأموال عبر الحدود الوطنية عموما عملية واضحة، وكذلك التحويل العالمي لكميات كبيرة من البيانات.

لكنّ ثمة تعقيدا خفيا سواء كانت الشركتان تعلمان ذلك أم لا، من المؤكد تقريبا أن المعلومات المالية والبيانات المتعلقة بالمعاملة التجارية ستكون غير مباشرة.

ومن المحتمل أنها ستمرُّ عبر الولايات المتحدة أو من خلال مؤسسات لدى الحكومة الأمريكية سيطرة كبيرة عليها، وعندما تفعلان ذلك ستكون لدى واشنطن القدرة على مراقبة عملية التبادل التجاري ووقفها إذا أرادت. بكلمات أخرى يمكنها منع الشركتين البيروفية والماليزية من التعامل التجاري فيما بينهما.

في الحقيقة تستطيع الولايات المتحدة منع العديد من الشركات البيروفية والماليزية من التبادل السلعي بشكل عام وعزل البلدين إلى حد بعيد عن الاقتصاد العالمي.

الإمبراطورية الخفية

جزء من الأساس الذي يرتكز عليه هذا النفوذ معلوم جيدا، فتجارة العالم تدار في معظمها بالدولار والعملة الأمريكية إحدى العملات القليلة التي تقبلها كل البنوك تقريبا، بل من المؤكد أنها الأكثر استعمالا، نتيجة لذلك الدولار هو العملة التي يجب أن تستخدمها العديد من الشركات إذا أرادت إجراء معاملة تجارية دولية.

لا توجد سوق حقيقية يمكن فيها للشركة البيروفية استبدال السّول البيروفي بالرينجيت الماليزي؛ لذلك في العادة تستخدم البنوك المحلية التي تتولى تيسير تلك المعاملة عملةَ السول لشراء الدولارات الأمريكية ثم بعد ذلك تستخدم الدولارات لشراء عملة الرينجيت. لكن للقيام بهذه العملية يجب أن يتاح للبنوك التعامل مع النظام المالي للولايات المتحدة وعليها اتباع القواعد التي وضعتها واشنطن.

غير أن هناك سببًا آخر ليس معروفًا بالقدر نفسه يفسّر النفوذ الاقتصادي الطاغي الذي تتمتع به الولايات المتحدة، فمعظم كابلات الألياف البصرية في العالم التي تنقل البيانات والرسائل حول الكوكب تمر عبر الولايات المتحدة. وحيثما تدخل هذه الكابلات إلى أراضيها يمكن لواشنطن مراقبة حركتها وهي تراقبها فعلا.

يعني ذلك أساسا أنها تسجّل كل حزمة بيانات (تنقلها هذه الكوابل). يتيح ذلك لوكالة الأمن القومي الأمريكي الاطلاع عليها. لذلك يمكن للولايات المتحدة بسهولة التجسس على ما تفعله أية شركة أو بلد آخر تقريبا. ويمكنها تحديد متى يهدد منافسوها مصالحها وفرض عقوبات ذات مغزى ردا على ذلك.

تجسس أمريكا وعقوباتها موضوع كتاب «الإمبراطورية الخفية: كيف حولت واشنطن اقتصاد العالم إلى سلاح» من تأليف هنري فاريل وابراهام نيومان.

يوضح هذا الكتاب الكاشف كيف تمكنت واشنطن من امتلاك مثل هذا النفوذ المذهل والطرق العديدة التي توظف بها هذه السلطة.

يشرح فاريل ونيومان بالتفصيل كيف دفعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الولايات المتحدة للشروع في استخدام إمبراطوريتها وكيف تضافرت أجزاؤها العديدة التي تشكلها لفرض قيود على كل من الصين وروسيا. ربما لا تحب الدول الأخرى شبكات واشنطن لكن التخلص منها بالغ الصعوبة كما يوضح الكتاب.

يبين المؤلفان أيضا أن الولايات المتحدة أوجدت باسم الأمن نظاما كثيرا ما يُساء استخدامه. كتب فاريل ونيومان «لحماية أمريكا حولت واشنطن ببطء ولكن على نحو أكيد شبكاتٍ اقتصادية مزدهرة إلى أدوات هيمنة». وكما أوضح كتابهما بجلاء يمكن أن تُحدِث مساعي الولايات المتحدة للهيمنة أضرارا جسيمة.

فإذا بالغت واشنطن في استخدام أدواتها قد تدفع البلدان الأخرى إلى تفكيك النظام العالمي الحالي. ويمكن أن تضطر الولاياتُ المتحدة الصينَ إلى فصل نفسها عن معظم اقتصاد العالم وبالتالي إبطاء النمو العالمي. كما تستخدم واشنطن سلطتها لمعاقبة دول وأشخاص لم يفعلوا شيئا خاطئا؛ لذلك على الخبراء أن يفكروا في أفضل السبل لتقييد إن لم يكن احتواء امبراطورية الولايات المتحدة.

البيانات والدولارات

مركزية الولايات المتحدة في نقل الأموال والبيانات ليست غير مسبوقة تماما، فالقوة المهيمنة على العالم لديها دائما سيطرة غير عادية على اقتصاد وشبكات اتصال العالم.

في بداية القرن العشرين على سبيل المثال أدىّ الجنيه البريطاني دورا رئيسيا في العديد من المعاملات الدولية وكان عدد وفير من كل كابلات الاتصالات البحرية العالمية يمر عبر لندن.

لكن عام 2023 ليس عام 1901. فالحقبة الحالية تتميز بما يطلق عليه بعض خبراء الاقتصاد «العولمة الفائقة».

العالم الآن أكثر تشابكا إلى حد بعيد مقارنة بحاله قبل قرن. ليست التجارة العالمية فقط هي التي تشكل حصة أكبر من النشاط الاقتصادي مقارنة بالماضي ولكن المعاملات الدولية أيضا أشد تعقيدا قياسا بأي وقت مضى. وحقيقة أن العديد من هذه المعاملات تمر عبر البنوك، والكابلات التي تسيطر عليها الولايات المتحدة تمنح واشنطن سلطات لم يسبق أن حصلت عليها أية حكومة على مر التاريخ.

يتصور المراقبون العاديون وقلة من المعلقين المعنيين بشؤون الاقتصاد أن هذه الهيمنة تمنح الولايات المتحدة ميزات اقتصادية عظيمة لكن الاقتصاديين الذين درسوا الموضوع جيدا يعتقدون عموما أن الوضع الخاص الذي يتمتع به الدولار لا يسهم إلا بقدر هامشي في الدخل الحقيقي للولايات المتحدة. (دخل الأمريكيين بعد حساب التضخم).

ولا يبدو أن هناك أية دراسات حول الفوائد الاقتصادية التي تتحقق من استضافة كابلات الألياف البصرية. لكن هذه الفوائد في الغالب أيضا ضئيلة خصوصا؛ لأن العديد من الأرباح التي تنشأ عن نقل البيانات ربما تسجل في إيرلندا أو ملاذات ضريبية أخرى.

لكن فاريل ونيومان يوضحان أن سيطرة الولايات المتحدة على «نقاط اختناق» اقتصاد العالم تمنح الولايات المتحدة حقا طرائق جديدة لممارسة نفوذها السياسي وأنها تتشبث بها.

بدأت الولايات المتحدة الاستفادة من هذه السلطات حسب المؤلفين بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001. قبل ذلك منعت المخاوف من تجاوز الحد المسؤولين الأمريكيين من ممارسة السطوة الأمريكية. لكن هؤلاء المسؤولين سرعان ما أدركوا أنهم كان في مقدورهم تتبع المعاملات المالية لأسامة بن لادن بطريقة يمكنها كشف مخططات أتباعه وبالتالي استخدام نفوذهم المالي لعرقلة عمليات القاعدة، وهكذا بعد الضربة التي وجهتها القاعدة تخلت واشنطن عن مخاوفها وتوسعت في المراقبة المالية واستخدام العقوبات.

اتضح لواضعي السياسات سهولة ممارسة هذه السلطات. فالدولارات التي تستخدم في المعاملات الدولية ليست رزما من النقود، وتقريبا كل بنك يحتفظ بمثل هذه الودائع يلزم أن تكون له صلة بالنظام المالي الأمريكي لكي يتواصل مع بنك الاحتياط الفيدرالي عند الحاجة.

نتيجة لذلك تحاول البنوك حول العالم الحفاظ على علاقة جيدة مع المسؤولين الأمريكيين حتى لا تقرر واشنطن عزلها مصرفيا.

جمعية سويفت

حكاية كاري لام الرئيسة التنفيذية السابقة لهونج كونج والتي نصبتها الصين مثال على ذلك. فكما كتب فاريل ونيومان بعد معاقبتها من قِبل الولايات المتحدة بدعوى انتهاكات لحقوق الإنسان لم يعد بمقدورها الحصول على حساب مصرفي في أي مكان حتى في بنك صيني، وصار لزاما عليها بدلا من ذلك أن تقبض راتبها نقدا. وهذا ما جعلها تحتفظ بأكداس من النقود في مقرها الرسمي.

هناك مثال آخر أقل إثارة ولكن أكثر أهمية إلى حد بعيد للنفوذ الأمريكي وهو الطريقة التي وظفت بها واشنطن جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك «سويفت». إنها منظمة تُستخدم لتبادل الرسائل الذي تنجز عبرها المعاملات المالية العالمية الكبرى.

اللافت أن مقرها بلجيكا وليس الولايات المتحدة لكن لأن عددا كبيرا من المؤسسات التي تقف خلفها تعتمد على دعم الولايات المتحدة بدأت سويفت في مشاطرة الولايات المتحدة الكثير من بياناتها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقدمت بذلك «حجر رشيد» الذي يمكن أن تستخدمه واشنطن لتتبع المعاملات المالية حول العالم.

في عام 2012 تمكنت حكومة الولايات المتحدة من استخدام سويفت ونفوذها المالي الخاص بها لعزل إيران عن النظام المالي العالمي وكان أثر ذلك قاسيا. بعد تلك العقوبات دخل اقتصاد إيران في ركود وبلغ معدل التضخم 40% تقريبا. وفي النهاية وافقت طهران على تقليص برامجها النووية في مقابل تخفيف العقوبات (في عام 2018 ألغى رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب الاتفاق. لكن تلك حكاية أخرى).

ذلك هو نوع النفوذ الذي تحصل عليه الولايات المتحدة من سيطرتها على نقاط الاختناق المالية. لكن كما يكشف فاريل ونيومان يمكن القول إن ما تفعله الولايات المتحدة بسيطرتها على نقاط اختناق البيانات لافت بقدر أكبر.

التجسس على الألياف البصرية

في العديد من الأماكن ويمكن القول في كل الأماكن التي تدخل عبرها كابلات الألياف البصرية إلى أراضي الولايات المتحدة نصبت الحكومة الأمريكية مقاسم. وهذه أجهزة تقسم أشعة الضوء التي تحمل المعلومات على مسارين، أحد المسارين يذهب إلى الجهات المستقبلة أو المقصودة لكن المسار الآخر يذهب إلى إدارة الأمن القومي الأمريكية التي تستخدم حوسبة فائقة الأداء لتحليل البيانات.

نتيجة لذلك يمكن للولايات المتحدة مراقبة كل الاتصالات العالمية تقريبا، قد لا يعلم سانتا كلوز (بابا نويل) إذا ما كنت طيبا أو شريرا لكن إدارة الأمن القومي ربما تعلم ذلك. بالطبع البلدان الأخرى يمكنها التجسس على الولايات المتحدة. وهي تفعل ذلك، فالصين خصوصا تجتهد كثيرا لاعتراض التقنية الأمريكية المتقدمة. لكن ليست هنالك عاصمة أفضل تجسسا من واشنطن، وعلى الرغم من أفضل الجهود التي بذلتها بكين لم تتمكن الصين من سرقة أسرار كافية تجعلها على قدم المساواة (في التجسس) مع أمريكا.

وكما يشير المؤلفان فاريل ونيومان، على الرغم من عدم هيمنة الولايات المتحدة على برمجيات رقائق أشباه الموصلات الحالية إلا أنها تسيطر على حقوق الملكية الفكرية الحيوية لتصميم أشباه الموصلات الجديدة والمتقدمة والتي لا تزال تشكل سوقا ضرورية. ويذكر المؤلفان أن الملكية الفكرية للولايات المتحدة تشكل حضورا استراتيجيا في كامل سلسلة إنتاج أشباه الموصلات.

استهداف هواوي

ثمة أمثلة عديدة تجسد الكيفية التي تستخدم بها واشنطن إمبراطوريتها الخفية كسلاح بما في ذلك فرض عقوبات على كاري لام (رئيسة السلطة التنفيذية في هونج كونج) وإيران. لكن ربما أفضل الأمثلة التي توضح الكيفية التي تقترن بها كل عناصر الإمبراطورية الثلاثة (السيطرة على الدولارات والسيطرة على المعلومات والسيطرة على الملكية الفكرية) النجاح المذهل في تفكيك شركة هواوي الصينية.

قبل سنوات قليلة فقط، شاع الذعر في أوساط المسؤولين ونخب السياسة الخارجية في الولايات المتحدة من هواوي. فقد بدا أن الشركة التي لديها روابط وثيقة مع الحكومة الصينية تستعد لإمداد معظم الكوكب بمعدات تقنية الجيل الخامس. وشعر المسؤولون الأمريكيون بالقلق من أن هذا الانتشار سيمنح الصين عمليا القدرة على «التصنت» بشكل فعال على باقي العالم، تماما كما فعلت وتفعل الولايات المتحدة؛ لذلك وظفت واشنطن امبراطوريتها المتشابكة لتركيع هواوي.

أولا، حسبما يذكر فاريل ونيومان، علمت الولايات المتحدة أن هواوي كانت تتعامل خفية مع إيران وبالتالي تنتهك العقوبات الأمريكية. حينها صار في إمكان واشنطن توظيف قدرتها على الحصول على معلومات حول البيانات المصرفية العالمية لتقديم أدلة على أن شركة هواوي ومديرتها المالية مينج وانتشو (والتي صدف أنها ابنة مؤسسها) مارست احتيالا مصرفيا بإخطارها شركة الخدمات المصرفية البريطانية «اتش اس بي سي» أن شركتها لا تتعامل تجاريا مع إيران. وبناء على طلب من الولايات المتحدة اعتقلتها السطات الكندية في ديسمبر 2018 أثناء عبورها فانكوفر.

اتهمت وزارة العدل الأمريكية كلا من هواوي ومينج بالاحتيال الإلكتروني وعدد من الجرائم الأخرى. ووظفت الولايات المتحدة القيود المفروضة على صادرات التقنية الأمريكية للضغط على شركة تايوان لتصنيع أشباه «تي إس إم سي» والتي تنتج العديد من أشباه الموصلات بالغة الأهمية لحرمان شركة هواوي من الحصول على الرقائق الأكثر تقدما. في الأثناء احتجزت بكين مواطنين كنديين في الصين واحتفظت بهم أساسا كرهائن.

بعدما قضت مينج ما يقرب من ثلاث سنوات في الحبس المنزلي عقدت اتفاقا أقرت فيه بصحة العديد من التهم الموجهة ضدها وسمح لها بالعودة إلى الصين التي أطلقت حينها سراح الكنديين.

لكن بحلول ذلك الوقت كانت قوة هواوي قد تضعضعت كثيرا ولم يعد هنالك احتمال بهيمنة الصين على تقنية الجيل الخامس على الأقل في الأجل القريب. لقد شنت الولايات المتحدة في هدوء حربا «ما بعد حداثية» على الصين وانتصرت.

مخاطر الشطط

لأول وهلة يمكن أن يبدو هذا الانتصار وكأنه حدث سعيد تماما. فواشنطن حدَّت من سطوة الصين التقنية دون أن تضطر إلى استخدام القوة. أيضا قد تستحق التهنئة على تمكنها من عزل كوريا الشمالية عن معظم النظام المالي العالمي أو على عقوباتها الناجحة ضد البنك المركزي الروسي. ومن الصعب أن يثير السخط استخدام الولايات المتحدة سلطاتها الخفية لمحاصرة الإرهاب العالمي وتفكيك كارتيلات المخدرات أو الحيلولة دون انهيار أوكرانيا.

مع ذلك هنالك مخاطر واضحة في ممارسة هذه السلطات. ومن جانبهما يشعر المؤلفان فاريل ونيومان بالقلق من احتمال تجاوز الولايات المتحدة حدود المعقول. ففي اعتقادهما إذا استخدمت واشنطن نفوذها دون قيد يمكن أن تقوض الأساس الذي يرتكز عليه هذا النفوذ.

على سبيل المثال إذا حولت الولايات المتحدة الدولار إلى سلاح ضد عدد كبير من البلدان قد تنجح هذه البلدان في توحيد جهودها وتبنّي طرق بديلة للمدفوعات الدولية. وإذا استبدّ بها القلق من تجسس الولايات المتحدة يمكنها تركيب كابلات ألياف بصرية تلتف حول الولايات المتحدة. وإذا بالغت واشنطن في وضع القيود على الصادرات الأمريكية قد تتخلى الشركات الأجنبية عن تقنية الولايات المتحدة. مثلا قد لا تضاهي البرمجيات الصينية نظيرتها الأمريكية لكن ليس من الصعب تصور قبول بعض البرمجيات الأقل جودة كثمن للتخلص من قبضة واشنطن.

حتى الآن لم يحدث أي شيء من ذلك. وعلى الرغم من التعليقات المهتاجة التي لا نهاية لها عن السقوط المحتمل للدولار لا تزال العملة الأمريكية تبسط سيادتها. في الحقيقة كما يكتب فاريل ونيومان صمد الدولار على الرغم من «الغباء الشرير» الذي أبداه ترامب.

قد يكون تركيب كابلات ألياف بصرية تتخطى الولايات المتحدة أكثر سهولة وغير المختصين لا يعلمون حقا مدى سهولة إحلال البرمجيات الأمريكية. بالرغم من هذه الحقيقة يبدو النفوذ الخفي للولايات المتحدة لافتا في ديمومته.

لكن ذلك لا يعني أنه ليست هنالك حدود لما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة. يشعر المؤلفان فاريل ونيومان بالقلق من أن الصين وهي قوة اقتصادية عظمى في حد ذاتها قد تقرر الدفاع عن نفسها «بتفضيل العزلة» وقطع روابطها المالية والمعلوماتية الدولية مع العالم الخارجي (وهو ما تفعله فعلا إلى حد ما). مثل هذا الخيار ستكون له تكاليف اقتصادية كبيرة لكل أحد. فهو سينتقص من دور الصين بوصفها ورشة العالم والذي من الصعب إحلاله كما هي الحال مع الدور العالمي للدولار الأمريكي.

هنالك أيضا مخاطر أخرى واضحة. فالبلدان التي تخسر الحروب الاقتصادية قد ترد بشن حروب عسكرية فعلية. ويكتب المؤلفان أن تحويل التجارة إلى سلاح أحد العوامل التي أسهمت في الحرب العالمية الثانية. فألمانيا واليابان كلتاهما خاضتا حروب غزو لأسباب من بينها تأمين المواد الخام التي كانت تخشى من قطعها عنها بعقوبات دولية.

السيناريو المرعب في الوقت الحالي هو أن تردّ الصين خوفا من تهميشها بغزو تايوان التي تلعب دورا مفتاحيا في صناعة أشباه الموصلات العالمية.

لكن حتى إذا لم تشتط الولايات المتحدة في استخدام امبراطوريتها الخفية أو أثارت صراعا ساخنا يظل هنالك سبب رئيسي للقلق من النفوذ الاقتصادي والمعلوماتي المثير لواشنطن. فالولايات المتحدة لا تكون دائما على حق. لقد اتخذت واشنطن الكثير من القرارات غير الأخلاقية في مجال السياسة الخارجية ومن الممكن أن توظف سيطرتها على نقاط الاختناق الدولية لإيذاء الناس والشركات والدول التي لا يجب ألا تتعرض للأذى.

ترامب على سبيل المثال فرض رسوما جمركية على كندا وأوروبا. وليس من الصعب تخيّل أنه إذا فاز بفترة رئاسية ثانية سيحاول وضع العراقيل أمام اقتصادات الدول الأوروبية التي تنتقد سياساته الخارجية أو حتى الداخلية. ولا يحتاج المرء إلى أن ينظر إلى أي شيء عبر عدسة حرب العراق أو يصر على أن الولايات المتحدة فرضت بطريقة ما على روسيا حرب أوكرانيا لكي يشعر بالقلق من عدم خضوع امبراطورية واشنطن الخفية إلى المحاسبة.

قواعد الطريق

فاريل ونيومان لا يقترحان سياسات يمكن أن تخفف من هذه المخاطر بخلاف الإشارة إلى أن الإمبراطورية الخفية تستحق نفس ذلك النوع من التفكير الاستراتيجي العميق الذي تم تكريسه في الماضي للتنافس النووي. مع ذلك يقدم الكتاب بتسليطه الضوء على الكيفية التي تغيرت بها طبيعة النفوذ العالمي مساهمة عظيمة للطريقة التي يفكر بها المحللون في النفوذ. ويجب أن يشرع واضعو السياسات والباحثون في صياغة خطط لإصلاح هذه المشكلات. من الحلول الممكنة إرساء قواعد دولية لاستغلال نقاط الاختناق الاقتصادية وذلك على نحو مماثل للقواعد التي قيدت الرسوم الجمركية والإجراءات الحمائية الأخرى منذ إيجاد الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) في عام 1947. وكما يعلم كل اقتصادي مختص بالتجارة لا تقتصر الجات (ومنظمة التجارة العالمية التي نشأت عنها) على حماية البلدان من بعضها البعض. بل تحميها أيضا من تصرفاتها السيئة. سيكون من الصعب عمل شيء يماثل (قواعد الجات) لأشكال جديدة للنفوذ الاقتصادي. لكن من أجل الحفاظ على أمان العالم على الخبراء السعي لإعداد إجراءات تنظيمية يكون لديها نفس التأثير الملطِّف لاستغلال نقاط الاختناق الاقتصادي. فالرهانات أعلى من أن تُترك هذه التحديات دون حلول.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة من للولایات المتحدة الألیاف البصریة أشباه الموصلات اقتصاد العالم النظام المالی على الرغم من العدید من بالقلق من یمکن أن ت من الصعب یجب أن إلى حد من هذه

إقرأ أيضاً:

الولايات المتحدة تتجه إلى رفع مستوى سلاح الجو الإسرائيلي

أعلنت وزارة الدفاع الامريكية عن إطلاق مشروع بناء جديد لرفع مستوى المباني القائمة في الأراضي المحتلة بما فيها قاعدة في المناطق الجنوبية، إضافة إلى مخازن سلاح ومنشآت تخزين.

وذكرت صحيفة "معاريف" أنه بين المنشآت التي سيتم رفع مستواها منشآت طائرات في "إسرائيل" بهدف أن تتلاءم مع طائرات شحن الوقود A-KC 64 من إنتاج أمريكي.

وأوضحت الصحيفة أن ذلك سيكون غالبا بهدف "تعظيم قدرة إسرائيل على ضرب المنشآت النووية الإيرانية".

وقالت إنه "حسب ما هو معروف فإن شركة بوينغ الأمريكية العملاقة ستزود إسرائيل بأربع طائرات كهذه حتى نهاية 2026".


وأضافت أن "هذا المشروع ينضم إلى بلاغ الجيش الأمريكي بأنه في أثناء السنة الأخيرة، في ظل المعركة في غزة، باع صواريخ وقذائف وأسلحة أخرى لإسرائيل بقيمة مليارات الدولارات".

وبينت أن "الطائرة الجديدة ستحل محل طائرات بوينغ 707 التي تعود لعشرات السنين والتي يستخدمها سلاح الجو اليوم لشحن الطائرات القتالية في الجو".

ويذكر أنه قبل نحو شهر، أقرت إدارة بايدن صفقات سلاح كبرى لـ "إسرائيل" بما فيها 50 طائرة قتالية من طراز إف 15 وذخيرة للدبابات ومركبات تكتيكية وصواريخ جو جو ومقذوفات صاروخية أخرى بمقدار أكثر من 20 مليار دولار.

والاثنين، وصل المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكشتاين، إلى "إسرائيل"، في مهمة تهدف إلى نزع فتيل حرب محتملة على لبنان عادت إسرائيل لتلوح بها في الأيام الأخيرة مع استمرار هجمات "حزب الله" على شمالها.

وسبق لهوكشتاين أن قام خلال الأشهر الماضية بالعديد من المهمات لمنع انزلاق التصعيد بين إسرائيل و"حزب الله" إلى حرب شاملة.


وقال موقع "واينت" الإخباري الإسرائيلي: "وصل إلى إسرائيل عاموس هوكشتاين، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط والذي يتوسط بين إسرائيل وحزب الله".

وأضاف: "من المتوقع أن يلتقي بالرئيس إسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في إطار الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية سياسية بين إسرائيل وحزب الله ومن أجل منع حرب شاملة".

وزادت في الأيام الأخيرة الدعوات في "إسرائيل" لشن حرب على "حزب الله" في لبنان، بالتزامن مع تصاعد هجماته الصاروخية على مستوطنات الشمال بينها ما لم يسبق إخلاؤها من المستوطنين.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية في الأيام الماضية، أن واشنطن تريد منع اندلاع حرب قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

مقالات مشابهة

  • الخارجية الأمريكية: واشنطن تواصل الحوار مع الشركاء لوقف إطلاق النار في غزة
  • من خاشقجي إلى التطبيع: الأجندة الخفية التي تحرك السياسة الأمريكية
  • الولايات المتحدة تتجه إلى رفع مستوى سلاح الجو الإسرائيلي
  • دليل أمريكا لإدارة الخلافات مع الأصدقاء والحلفاء
  • الخارجية الأمريكية: واشنطن على علم بتقارير غير مؤكدة عن اعتقال مواطنين اثنين آخرين في فنزويلا
  • «سوليفان»: الولايات المتحدة تستعد لتقديم حزمة مساعدات كبيرة لأوكرانيا
  • بقاء القوات الأمريكية في كردستان يعني عدم الانسحاب الكامل
  • وزير النفط العراقي يجري عملية جراحية طارئة في الولايات المتحدة
  • واشنطن بوست: أمريكا تخطط لبقاء قوات في كردستان لحماية الإقليم من الفصائل
  • أمريكا تخوض حربا تجارية خاطئة مع الصين تؤثر على الوظائف.. كيف ذلك؟