لنتعلم من الطيور
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
مدرين المكتومية
عندما خلق الله هذا الكون الفسيح، أوجد فيه العديد من الكائنات، ومن بينها الطيور، حتى إن العلماء يضعونها في تصنيف يسمى بـ"مملكة الطيور"؛ لما لها من أهمية كبيرة في حياة الإنسان على هذا الكوكب الأرضي، ولقد كان الطير المُعلم الأول لقابيل ابن آدم، عندما بعث الله غرابًا يبحث في الأرض، كي يُعلمه كيف يواري سوأة أخيه هابيل، بعدما قتله الأول حقدًا منه عليه، لأنَّ الله تقبّل من هابيل العمل الصالح بينما لم يتقبله من الآخر!
ولقد كانت جريمة قتل الأخ لأخيه الأولى في تاريخ البشرية، ولا ريب أنَّ ثمّة حكمة ربانية وراء تعليم ابن آدم لطريقة دفن الميت من طائر، ربما يظن البعض أنه لا حول له ولا قوة، غير أن الحقيقة الدامغة والتي أثبتتها المواقف والأحداث بل وعلوم الطبيعة، أن مملكة الطيور عالم آخر في هذا الملكوت الشاسع، ولقد أخبرنا الله تعالى أنهم وغيرهم من الكائنات "أمم أمثالكم"؛ أي أنَّ لديهم أفكار ومعتقدات وطقوس ولغة ومشاعر وأحساسيس، وإلّا كيف نجد هذا الطير أو ذاك يستقيظ في الصباح الباكر بحثًا عن الطعام لصغاره، أو يهُب لنجدتهم إذا ما وجد طائرًا مفترسًا يسعى للانقضاض عليهم؟!
وذات صباح قريب، عندما نهضت من فراشي ودلفت إلى نافذة غرفتي، لأتنسم عبير الصباح، وكان الوقت في حدود السادسة صباحًا، ولم يكن ضوء الصباح قد شاع في أرجاء الكون، كان الهدوء الجميل يُخيِّم على المكان، عدا أصوات زقزقة العصافير، وبعض النوارس التي تنتشر في هذا الوقت من العام وسط الأحياء، لا سيما القريبة من البحر والتي تقل فيها حركة الإنسان.
ولذلك عندما أنظر إلى العالم من حولي، وأرى مشاهد الدمار والتخريب والقتل المُتعمّد للإنسان، والدماء التي تسيل في أرجاء هذا الكون، ولا سيما في غزة الجريحة، أتساءل لماذا لا نتحلى بصفات الطيور؟ ولماذا لا نتعلم الدرس الذي تعلمه قابيل من الغراب بأن نحرص على إخفاء عيوبنا وأن نتوقف عن ارتكاب الأخطاء من الأساس؟ لماذا لا يتحلى المرء بذات الطبيعة الطيبة وتلك النظرة الشمولية التي يتحلى بها الطائر. فأكثر ما يجذبني تجاه الطيور، قدرتها على التحليق عاليًا في حالة من السمو والهيبة، خاصة عندما تفتح جناحيها في مشهد مهيب يؤكد سيطرتها وهيمنتها على الأجواء في السماء، فضلًا عن قدرتها على رؤية الأرض من أعلى، وهذه النظرة العالية تُتيح لصاحبها أن يرى الحقائق دون تزييف، فهو في تلك اللحظة يملك رؤية تفوق الرؤية البانورامية الشاملة؛ إذ يستطيع أن يرى دقائق الأمور ومن ثم يتخذ القرار الصحيح والحاسم.
وعندما أُقارن ما يحدث بين بني البشر، ومشاهد الدمار التي ينفذها المتجبرون في الأرض، وبين مملكة الطيور بما فيها من تعايش كبير وسعادة وقدرة على التحليق واللهو والقفز في الهواء والهبوط إلى الأرض ثم الطيران مرة أخرى، اكتشف مدى الفارق الكبير بيننا وبينهم، ومدى حاجتنا لكي نتعلم من الطيور ما لم نتعلمه من تراكم الحضارات على مر القرون والأزمنة!
الإنسان على الأرض يشن الحروب ويقتل الناس وينشر الأمراض، من أجل تحقيق مصالحه، بينما الطيور تحاول أن تتعايش مع بعضها البعض، نعم هناك طيور مفترسة وجارحة، لكنها لا تمثل سوى قلة قليلة من مملكة الطيور.
عندما أطالع يوميًا مشاهد القتل والإرهاب التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي بكل عنف ووحشية وبربرية بدعم أمريكي وغربي مفضوح ومُخزٍ في نفس الوقت، أتساءلُ: هل هذه نتاج ما وصلنا إليه من تحضُّر ورُقي بشري؟ ما الفارق بيننا وبين الشعوب البدائية وآكلي لحوم البشر؟ ولماذا يدعي هؤلاء القتلة أنهم أنقى الأجناس وأكثرهم تحضرًا، وفي حقيقة الأمر الحيوانات أرقى منهم وأجمل في تحضرهم وخشيتهم ونصرتهم لبعضهم البعض.
لقد آلمني بشدة مشهد الجرافات الإسرائيلية وهي تجرف خيام اللاجئين الفلسطينيين الذين فرُّوا من ويلات الحرب والقصف الهمجي، فكم كان مؤلمًا وقاسيًا أن نرى الجرافات تسحب معها كل شيء، أطفال ونساء ورجال، وكأن الإنسانية تُدهس بالأقدام الهمجية الوقحة، ولا عزاء لقوانين حقوق الإنسان ولا لأي قانون.. فمتى يصبح الإنسان إنسانًا حقيقيًا، لا حيوانًا في صورة مسخ إنسان، متى تستيقظ الضمائر لتقول لا بأعلى صوت في وجه القاتل المجرم الإسرائيلي؟!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
متى نحسن الظن بكم ؟
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
بعد ان فقد السياسيون أهليتهم في إدارة موسسات الدولة العراقية، وبعدما فشلوا في الحفاظ على ثرواتنا، وهذا ما اعترفوا به بعظمة لسانهم في مناسبات عدة. وبعد ان فقدوا اهليتهم في الذود عن سيادتنا الوطنية في البر والبحر والجو. يحق لنا أن نتساءل فنقول: ما الذي يمنعهم من الابحار نحو مرافئ الإصلاح والازدهار ؟، وما الذي يحول بينهم وبين قواعد التوصيف الوظيفي ؟. ولماذا هذا الإصرار غير المبرر على العبث والتخبط ؟. .
تساؤلات كثيرة نرددها صباح كل يوم في بلد وهبه الله الخيرات والثروات، لكنه ظل متعثرا بالمعيار التنموي، فجاء ترتيبه في التصنيفات الدولية خلف بنغلادش والصومال وافغانستان وكينيا ونيروبي في التعليم والصناعة والزراعة، وفي توفير مستلزمات الامن والامان والخدمات الاجتماعية. .
لقد احرز السياسيون في العراق تقدما مذهلا في تحريك بغالهم الإلكترونية المدربة على فنون التسقيط والتشويه والتحريض والتلفيق، ثم حققوا قفزات نوعية هائلة في الإنصات على هواتف بعضهم البعض، وتسريب مكالماتهم السرية بقصد التشهير بهم والإساءة إليهم. لكنهم لم ولن يفكروا في كيفية تحقيق أمنياتنا في الإصلاح على الرغم من ادراكهم لاهمية الانتقال إلى محطات الازدهار والتنمية المستدامة. .
نشعر بالحزن والألم عندما نرى خطواتهم المتسارعة نحو تعميق ثغرات التخلف والانهيار، وفي اختيار أسوأ الموظفين وتكليفهم بمهمات تنفيذية صعبة لا يفهمون فيها شيئاً، وليست من اختصاصهم، ونشعر بالإحباط عندما نعلم بشهاداتهم المزورة، ونرى جشعهم وشهيتهم المفتوحة للنهب وإبرام الصفقات المشبوهة. وتزداد آلامنا عندما نلمس الدعم اللامحدود الذي تقدمه لهم الكيانات السياسية. حتى بات معظمهم يعملون الآن تحت أغطية ومظلات وحمايات. فتحولت مؤسساتنا إلى دكاكين نفعية مجيرة بالكامل لحساب هذا الحزب أو ذاك. .
ترى ما الذي يريده قادة الاحزاب المتنفذة ؟. وهل عقدوا العزم على تعطيل عجلة النمو والتقدم ؟. وهل كُتب علينا ان نواصل الابحار على متن سفينة مثقوبة معطوبة تمزقت أشرعتها بخناجرهم وسكاكينهم ؟. وهل جنحت سفننا وجرفتها العواصف الرعناء نحو مزابل التقهقر والخراب ؟. .
نسمعهم يتحدثون ويطالبون بالصلاح والإصلاح من وقت لآخر في مواسم الانتخابات، لكنهم ضلوا الطريق، وانغمسوا في صراعاتهم الداخلية، وصاروا ابعد من اي وقت مضى عن تحقيق الحد الادنى من طموحاتنا. .
ختاماً: لا يؤلمنا التقدم في العمر، لأنه امر محتوم، بل تؤلمنا أمنيات شابت في قلوبنا ولم تتحقق، ومن بينها العيش الكريم في بلد حباه الله بكل الخيرات. .