وُضع السرد على طاولة النقاش، حيث اجتمع مجموعة من كبار كتّاب السرد في الوطن العربي، لتداول عدد من الموضوعات المرتبطة بالسرد، وتسليط الضوء عليه من خلال عدد من السلطات المرتبطة به أبرزها سلطة الناقد، وسلطة المجتمع، وسلطة المترجم، وسلطة الجوائز، وسلطة الناشر، وسلطة المكان، لاكتشاف صورة المادة السردية بعد تفكيك السلطات التي تكشف السرد على حقيقته.

سلطة الناقد

كان انطلاق الاحتفاء بالسرد من خلال «أيام بيت الزبير للسرد» صباح اليوم، بعدد من الجلسات الحوارية، التي كان في مقدمتها جلسة حملت عنوان «سلطة الناقد»، أدارها الشاعر الدكتور خالد المعمري، وناقش فيها كل من الأستاذ الدكتور سعد البازعي، والأستاذ الدكتور أحمد يوسف، تفاصيل متعلقة بسلطة الناقد على الرواية، حيث تم التطرق لعدد من الجوانب المتعلقة بالنقد، ورغم اختلاف أشكال النقد، إلا أن ما يقوم به الناقد هو ذاته، وقال البازعي: إن بعض النقاد يقومون بدورين، الدور الأكاديمي، والآخر هو تكريس الوقت لمتابعة الأعمال الصادرة سنويا. فيما أكد الدكتور أحمد يوسف على أن النقد إبداع، ويقصد به النقد الذي يرتكز على أسس، وقال: إن مهمة النقد باقية ما دام هناك نص.

لماذا يحتاج الكاتب إلى جوائز؟

وفي الجلسة الثانية التي تناولت «سلطة الجوائز» حاور الكاتب والإعلامي سليمان المعمري مجموعة من الكتاب الذين فازوا بجوائز أو ترشحوا لقوائمها الطويلة أو القصيرة وهم: أميمة الخميس، حمور زيادة، سعود السنعوسي، وطارق إمام، وطرحت الجلسة أسئلة عدة منها: لماذا يحتاج الكاتب إلى جوائز؟ هل يكتب الكاتب والجائزة نصب عينيه؟ وإلى أي مدى تمنح الجوائز الكاتب سلطة على قارئه؟ ومن المستفيد من الجائزة المانح أم الممنوح؟ وهل أصبحت الجوائز توجه الكتابة إلى وجهة بعينها؟

رأى الكاتب المصري طارق إمام أن دور الكتابة هو مقاومة لسلطة سائدة، وأن الكتابة تنشأ لتقاوم سلطة قائمة وتحاول تفكيكها. مشيرا إلى أن وجود شرط السلطة ضروري لكي يمارس الأدب دوره أو لكي يكون على هامش هذه السلطة أو إلى جانبها.

فيما رأى الكاتب السوداني حمور زيادة أن الجوائز وسيلة قد يحسن الكاتب أو يسيء التعامل معها وقد تفسد في أحيان أخرى ما يفعله الكاتب، وحسب رأي زيادة نيل الجوائز قد يحقق لدى الكتاب الرغبة الطفولية في الحصول على بعض التقدير والاهتمام وأكد على أنه من الطبيعي أن يحتاج الناس في ظل الزخم إلى من يقول لهم: انظروا أو التفتوا إلى هذا العمل الذي يستحق منكم بعض التقدير.

وتعتقد الكاتبة السعودية أميمة الخميس أن الجوائز تمرر للمانح قبل أن تعطى للفائز، وأن الجائزة أمر طارئ ومؤقت للفائز وللمانح، وهي مكتنزة بالإشارات والدلالات، ورأت أن الجائزة هي لمانحها وليست لمتلقيها.

وفي سؤال المعمري: إلى أي مدى تمنح الجوائز سلطة للكاتب على قارئه وهل تمنح حصانة ضد التلقي السلبي؟ أجاب الكاتب الكويتي سعود السنعوسي أنه وفي كثير من الأحيان تكون الجوائز سلطة ضد الكاتب، لكنه يرى أيضا أنه إذا كان هناك نوع من السلطة فليست الجائزة من تمنحه بشكل مباشر. وقال: «قبل ١١ سنة مع ساق البامبو كان هناك نوع من السلطة الذاتية لدي، ولكن بعد فترة كان لدي نوع من الوعي في أن أكتب بمعزل عن الجائزة. وأضاف: «هناك تجارب تحولت الجائزة فيها إلى لعنة والفائدة الوحيدة كانت القيمة المادية، لكن لم يحظ الكاتب على صداقة القارئ بل على سخطه.

وأضاف طارق إمام أن سلطة المتلقي متغيرة، وهذا ما يميزها عن غيرها من السلطات التي تبقى ثابتة في جوهرها، وشرح إمام ذلك في أن هناك نمطا معينا من المجتمعات كمصر مثلا يتغير فيها المسؤول لكن لا يتغير جوهر الخطاب السياسي وكذا الحال في السلطة الدينية التي تبقى المسائل فيها ثابتة حتى لو تغيرت الأشكال، فيما سلطة التلقي لها سماتها المختلفة التي منها التغير.

ويضيف حمور زيادة أن الجائزة وحدها لا تمنح خلودا للفائز بها لأنها تحتاج إلى اعتراف القراء وقبولهم، وأشار إلى أن عملا لن يكون قد حاز شيئا ولو منح آلاف الجوائز إن لم يحصد على الجائزة الأهم وهي القارئ.

وأشارت أميمة الخميس أن النص الأدبي متفلت من الأطر، وهو شرط جمالي وإبداعي ولا بد من مغادرة الأطر لكن الناقد الذي استقرت مواطنه على أدوات معروفة قد يحد من التجربة الإبداعية، وأضافت: «قد يحدث تداخل في الأنواع الأدبية وهذا لا يقبل به النقاد، لكن إحداث الفوضى من خصائص الأدب، ومن هنا نقول: إن أمام لجنة التحكيم تحد، فهي تريد إخلاء مسؤوليتها لكن النص الأدبي قد يظلم لأنك لم تلاحقه إلى المساحات الجديدة التي انفتح عليها».

ويضيف طارق إمام بقوله: «كثيرون يكتبون قبل الروائي حتى صار الروائي آخر من يكتب». وأشار إلى أن ما يحدث هو أن دور النشر تضع شروطا أو مواصفات فتريد «كذا» والقراء يحبون «كذا» وهذه شروط تملى على الكاتب، وتساءل: هل نتعامل مع النشر على أنه صناعة؟ وهل هناك تصنيع للتلقي؟

وتعتقد أميمة الخميس أن هناك أجندة مضمرة تتحكم بلجنة التحكيم حتى لو ادعت الحياد والاستقلال. وقالت: «الجوائز تتدخل بها أمور لا تصب في جوهر العملية الإبداعية ومثال ذلك الجائزة التي حجبت عن عدنية حلبي».

وأضافت: «المزاج الشعبوي يلعب دورا في مرحلة معينة. كان هناك مد يساري في العالم العربي صاحبه ظهور روايات يحتفى بها وتبرز؛ لأنها تمثل هذا المد، لاسيما من الطبقة المثقفة، إذن لا نستطيع القول إن المزاج الشعبي في حياد تام بل له مقعد خفي في لجنة التحكيم. واستقلالية الجائزة هي أحد الأوهام».

وعن تداول السلطة بالنسبة لسعود السنعوسي، أشار أنه أثناء الكتابة يحتاج إلى سلطة قارئ معين، وقال: «يكون قارئ موجودا لكن ربما ليس في رواية كاملة، أحتاج إلى سلطته فتصبح المسألة مثل اللعبة بيني وبينه وأحتاج أحيانا إلى سلطة الناقد في مرحلة معينة وسلطة الرقيب ليس خوفا لكن يمنحني أدوات أخرى للقول وأن أكتشف حيلا أخرى أمرر فيها أفكاري وأقول ما أريد هذا ما أعنيه بتداول السلطة.

كيف تصنع الرواية؟

وتناولت الجلسة الثالثة التي انطلقت مساء اليوم حديثا عن «كتابة الرواية أو صناعة الرواية» التي أدارتها الكاتبة فاطمة إحسان، تناولت فيها عددا من التفاصيل المتعلقة بكتابة الرواية، تحدث فيها كل من الكاتبة الكويتية بثينة العيسى، والكاتبة هدى حمد، والكتابة بشرى خلفان، والكاتب زهران القاسمي.

وبدأت الجلسة بحديث بثينة العيسى حول الفرق بين الكتابة التلقائية والكتابة غير التلقائية، وقالت: «أنا أفصل بينهما، وكتابة الرواية هي عملية مراوحة بين القطبين، لكن حتى أختصر أقول أن الكتابة الأولى تكون ساذجة، ولابد أن أدخل إليها أدواتي، فنحن في المرحلة الأولى من الكتابة نكون سذجا، وإذا أثقلنا وعينا تحولنا للكتابة الثانية المرتبطة بالأدوات». وأضافت العيسى: «لابد أن نحمي كتابتنا الأولية الساذجة، ولكن مرحلة التحرير لابد أن تتداخل مع عمليات الكتابة في ذات الوقت، وهي مرحلة الوعي بالأدوات، وهي عملية اتساق خطاب الرواية مع أدوات الكتابة التي اخترتها».

ولكن الروائي زهران القاسمي يناقض ما تقوله العيسى، فيقول: «هل فعلا هناك كتابة ساذجة؟ فنحن قبل أن نكتب يكون لدينا مختزل فكري، والمعاناة تأتي من وعي لا من سذاجة، والكتابة صنعة ولا تدخل فيها السذاجة». وأضاف: «الكاتب يبدل في الأصوات والأدوات، فلو أنه صار فيه استدراك دون توقف نستطيع أن نسميها كتابة ساذجة».

فيما قالت الروائية هدى حمد حول الكتابة إنها مغامرة، وأَضافت: «بعدما دخلت ورشة مع نجوى بركات، وكتبت التي تعد السلالم، كنت قد بدأت ببناء الشخصية وتفاصيل كثيرة في الرواية، ولكني أستطيع في الورشة أن آخذ الأدوات». وأَضافت: «الكتابة هي أن أفكر».

أما الكاتبة بشرى خلفان فقد بدأت مداخلتها بالقول: «أنا لا أعرف، ومن يقول لا أعرف فقد أفتى»، وأَضافت: «الكتابة تسيطر عليك فهي تأخذك، ولكن نحن ككتّاب نقع في مأزق، حيث نضع عناصر للكتابة ونناقشها في الورش، ولكننا في كثير من الأحيان لا نستطيع توظيف ذلك في كتاباتنا، قد تحتاج لأن تتحدث بصوت عال عن الكتابة مع صديقك مثلا وقد تجد مخرجا معينا يصل بك لبر الأمان، والقراءة في حد ذاتها تعلمك في البداية ثم تأتي الكتابة».

وتحدث الكاتبة بثينة العيسى أيضا خلال الجلسة عن جوانب أخرى في الكتابة السردية فقالت: «الرواية تكتب بلغات متعددة، فهناك جمل سردية وجمل نصية، وجمل شعرية، وجمل تقريرية، وغيرها، وتظافر الأنواع هو ما يرفع الإيقاع، وأحيانا قراءة الفصول الأولى تعطيك أجمل «ميلودي» في العالم، ولكن هناك فصولا لابد أن تكون أسرع من فصول أخرى، ولابد أن نعرف كيف نتحكم في الإيقاع».

وتتداخل في الحديث معها هدى حمد فتقول: «الشخصيات هي عالم منفصل، والمعطيات في كل عمل مختلفة،

الكتابة هي ذاكرة من يخترعها، وبالرغم من الثيمات العامة الموجودة منذ بدء الخليقة، والشخصيات رغم ماتكتسي به من مآزقها النفسية ولكن لا يوجد كاتب يستطيع أن يخلق شخصية يمكن تصديقها»، وتضيف: «دائما نتمنى أن نخلق مثل هذه الشخصيات ولكن لا يأتي بمجرد أن نتفق في الكتابة، أو ما نراه في واقعنا يمكن أن نأخذه للكتابة الروائية، والنص الروائي الذي يمكن قراءته بسلاسة هو ما يكتبه الكاتب بترو وبكل تأن».

وحول الشخصيات في الرواية تقول بشرى خلفان: «عندما أكتب كنت أرى أنني الرب الخالق للشخصيات، وكنت أسخر ممن يقول إن الشخصيات تتمرد عليه، ولكن مع تجربة ما اكتشفت أن الشخصيات التي نخلقها عندها القدرة على التمرد، وعندما كنت أقول: إن هذا ضعف لدى الروائي في قدرته على التحكم بأدواته، ولكني أراها الآن قد تكون قوة، فالشخصيات تقول ما تريد قوله». وتضيف: «أحيانا بعض الشخصيات تتوقف معي ولا ترضَ أن تتحرك نحو الفصول الأخرى، وبعض الشخصيات مصائرها غير مقنعة، وقد يكون بعضها قد رفض أن يرضى بالقدر الذي وضعته لها، واكتشفت أنه مهما قلنا في الورش عن أسس كتابة الشخصية، وأنه لابد أن نجلس معها في حوار ونتعرف عليها، ولكن الشخصية في النص كالشخصية الحقيقية في الواقع لا يمكن أن تسلم لك أمرها».

وعن الشخصيات قال زهران القاسمي: «كم شخصية موجودة في العمل، ولابد من أن يكون الكاتب حساسا ليدخل في عمق كل شخصية مقارنة بالشخصيات الأخرى»، وأَضاف: «هناك دوافع كثيرة في العمل لا تأتي اعتباطية: فكرة العمل، الرسائل المبطنة، قيمة الشخصية في العمل، لذلك نجد الكثير من الكتاب يفرد صفحات في وصف شخصية معينة».

وتحدثت بثينة العيسى عن مقدرتها على الكتابة الوصفية التي عرفت بها في رواياتها فقالت: «على المستوى الشخصي، إذا كنت أريد أن ألاحق الحدث، وأكتب عنه أشعر أنه عندما أعود لقراءته بعد الانتهاء من الكتابة فأجده نصا زلقا، وأشعر أنها حكاية وليست رواية، أو كعمود فقري، لا يوجد به لحم، ولا يمكن أن يكون كائنا بشريا، ولكني أشعر أن قراءة الأدب لابد أن يقرأ بكل الحواس، وأنا كقارئة من فقرة واحدة أستطيع أن أعرف إن كانت هذه الرواية ستعجبني أم لا، والوصف هو الركن الأساسي في الرواية. ولا يمكن أن توجد رواية بلا وصف»، وتضيف العيسى: «نحن نعيش مغيبين بسبب ما نعيشه الآن وبحواس ضامرة، وعندما أكتب أوقض كل حواسي، وأحيانا أبحث لأصف الشي بشكل جيد، والتأمل العالي بالتفاصيل الدقيقة هو ما يمكن أن تترجمه وصفا في النص».

وينتقل الحديث إلى زهران القاسمي الذي يقول: إن بعض الأعمال السردية عندما نقرؤها نجد أن الكاتب مهموم بالركض وراء الحدث، ويدخل في الشخوص وينسى البيئة من حوله، ولكني أحب الاشتغال على تفاصيل المكان في الروايات، وهذا يأتي من ذاكرتي البصرية للمكان وإدراجها في العمل السردي لجعل القارئ يدرك ويكون صورة بصرية ذهنية للمكان، وأنا أعتقد أنها من الضرورات التي لابد أن تكون في العمل السردي، لذلك كثير من الكتاب عندما يريدون أن يكتبوا عن منطقة معينة في رواياتهم يذهبوا للمكان ويعيشون فيه لمعرفة كل تفاصيل المكان، وبعدها يكتب العمل، فمثلا القرى العمانية الجبلية متشابهة تقريبا ورغم أنه من السهولة لابن البيئة الجبلية أن يكتب عنها بتفاصيلها، ولكن لو أردت الكتابة عن البيئة البدوية لابد أن أكون في ذاك المكان».

وتقول هدى حمد: «الكتابة عموما هي القبض على جوهر الحياة كما يقول ميلان كونديرا، ولكن لكل شخص أسلوبه في الكتابة، كتقنيات عندما نقرأ سير الكتاب نرى أن كل كاتب مغاير للآخر، كل كاتب له طريقة للكتابة مختلفة عن الآخر، وأنا أحب تعدد الأصوات، والتقنيات هي مجرد أدوات، ورؤية كل كاتب للنص مختلفة عن الآخر، وحتى على مستوى الكاتب الواحد نختلف، التقنيات والوعي يختلفان، وأحيانا نكتب بتدفق شديد، ولكن لاحقا ثمة ما يتغير من خلال الرواية الأخرى».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: زهران القاسمی من الکتاب فی العمل یمکن أن لابد أن لکن لا

إقرأ أيضاً:

عبد الرحمن عباس لـ24: الكتابة الجيّدة تُولِّد الدهشة

أكد الكاتب السوداني عبد الرحمن عباس أنَ فوزه بجائزة سرد الذهب فرع القصة القصيرة، يمثل تكريماً رفيعاً، واعترافاً مؤسّسيّاَ فارِقاً، موضحاً أن الفوز هذا له مكانةً خاصّة بنفسه، فهو يُحِبُّ كلّ ما يتعلّق بالحكايات، وكتب المجموعة القصصية الفائزة "الحكاء الأخير في هذا الزمان" للطفل القابع في داخله، والذي يحب الحكايات ويقتات على الخيال.

وكان لـ24 الحوار التالي مع عباس: 

ماذا يمثل لك الفوز بجائزة سرد الذهب، المقدمة من مركز أبو ظبي للغة العربيّة، فرع القصّة القصيرة للأعمال السرديّة المنشورة؟

يسعدني فوز كتابي (الحَكَّاء الأخير في هذا الزمان) بجائزة سرد الذهب- فئة الأعمال القصصيّة المنشورة، الجائزة الكبيرة -رغم حداثتها- في مجال القصّة القصيرة والسرديات، وأعتبِرُ فوزي بها تكريماً رفيعاً، وأجد فيه اعترافاً مؤسّسيّاً فارِقاً، الأمر الذي يجعل لهذا الفوز مكانةً خاصّة عندي هو أنّني أُحِبُّ كلّ ما يتعلّق بالحكايات، وأحبّ لفظ (حكاية)، كتبتُ مجموعتي القصصيّة هذه احتفاءً بالحكايات ورغبةً مني في تخليد السير المحليّة الشعبيّة، تحمّستُ كثيراً عندما قرأتُ عن جائزة سرد الذهب وما تحمله من أهداف، والتي تتقاطع مع شغفي الخاصّ بدمج السرديات الشعبيّة والحكايات مع القصّة القصيرة كفنّ أدبيّ حديث، يشرّفني أن أكون من الفائزين بجائزة سرد الذهب التي تهدف إلى دعم الفن الشعبي في رواية القصص العربية، بجميع أنحاء العالم العربي، والتي تُقدّر التقاليد العريقة في سرد القصص باللغة العربية، بما في ذلك الانتشار الدائم للحكايات الشعبية والأساطير، التي تعد جزءاً لا يتجزأ من التراث والثقافة والفكر العربي، والتي تسعى  إلى التعريف بهذا التقليد ودعم دراسته والتعبير عنه في الثقافة المعاصرة.
الجدير بالذكر أنّني كتبتُ هذه المجموعة القصصيّة لنفسي في المقام الأوّل، كتبتُها للطفل في داخلي، الذي يحبّ الحكايات ويقتات على الخيال، ويسعدني أن أرى حكاياتها تعبر الحدود وتُقرأ.

نود أن تقدم لنا نبذة عن مجموعتك القصصية (الحكاء الأخير في هذا الزمان) كم قصة اشتملت، وكم استغرقت وقتا في كتابتها؟

تتكوّن المجموعة من 15 قصّة قصيرة، تحتفي بالحكايات، وتعالج قضايا إنسانيّة شتى من خلال الاشتغال على الحكاية، لطالما كانت الحكايّة جزءاً أصيلاً من الفنّ العربيّ، وتناول الحياة من منظور الحكاية وإعادة تشكيلها يجعل القارئ يرغب في القراءة ويعبئ شغفه تجاهها، تتناول المجموعة القصصية ثنائيات الحياة والموت، الحزن والفرح، الجمال والقبح، والقصص الحكائيّة المختلفة لهذه المجموعة القصصيّة تتناول مواضيعاً مختلفة تجمع ما بين الغرائبي والواقعيّ، وتستغل القلق الوجودي أحياناً لسرد حكاية، كما تحكي عن غربة الروح، والموت، والغياب بكلّ معانيه، تستغل المجموعة السرديّات والأساطير الشعبيّة والأحاجي المحليّة وتشتغل عليها، وتمثّل بعض القصص نموذجاً للمعالجة السردية عن طريق الواقعيّة السحرية أو استحضار الغرائبيّ بحسب ما تستلزمه الضرورة الفنيّة،  كما تستند على الموروث الحكائي الشعبيّ أحياناً، وتحاول النبش في بعض الأساطير المحليّة والشعبيّة، ويرتكز السرد في مرّات على الأسطورة مثل تسخير ميثولوجيا التحوّل في القصّ، فضلاً عن اتباع الأَسطرة (صياغة أسطورة من حدث اعتيادي) في بعض من القصص، تُعرِّج أيضاً على الكتابة عن الكتابة، إذ كان أبطال بعض القصص كُتَّاباً، وكانت تلك القصص تحتفي بالكتابة كفعل إنسانيّ لا يتجزأ، ولا ينفصل عن الإنسان، وقد كتبتُ معظم قصصها أثناء عزلة كوفيد- 19، وقد استغرقت كتابتها حوالي سنة.

من أين تستلهم شخصيات قصصك وأبطالها؟

تتنوّع المصادر التي تغذي خيالي وتساهم في تطوير قدراتي الكتابيّة، القراءة الواسعة والمتنوّعة في الأدب الكلاسيكي والحديث، تساعدني على فهم الأنماط والأساليب المختلفة، كما أنّني استلهم الكثير من الطبيعة والتأمل في الجماليات الصغيرة في الحياة اليومية، بالإضافة إلى ذلك، الحوار مع الأصدقاء والمهتمين بالأدب.
وبالنسبة لي فإنّ الكتابة الجيّدة، هي التي تُولِّد الدهشة في نفس القارئ، بغضّ النظر عن شكلها أو الأدوات المستخدمة فيها.
أبطالي هم هواجسي، هم أنا في أُناس كثيرين، وهم الناس الذين ألتقي بهم، تتشابه التجارب الإنسانيّة حدّ التطابق، ويمكن إسقاط القصّة الواحدة على آلاف التجارب الإنسانيّة.

ما سر توجهك لكتابة القصة القصيرة تحديداً وهل تفكر في دخول مجال الكتابة الروائية؟

إنّنا فعلاً في زمن الرواية بعد أن كان للشعر القدح المُعلّى، إذ يشهد فنّ الرواية ازدهاراً ورواجاً كبيراً في عالمنا العربي والعالم ككُلّ، تتجه الأنظار إلى الرواية في هذه الفترة الزمنية، معظم الجوائز تحتفي بالرواية، والسواد الأعظم من القُرَّاء يميل إليها، الواقع يقول إنّ الرواية هي حاضر الأدب، إذاً نحن فعلاً في زمن الرواية، فلماذا تقتصر كتاباتي على القصّة القصيرة فقط؟ سألتُ نفسي أكثر من مرّة، وسألني كثيرٌ من المعارف والأصدقاء، الذين كانوا يؤكّدون أنّ لدي (النَفَس الروائي) وأنّني أمتلك ما يلزم من الأدوات، ولكن لا أعرف سبباً واضحاً لولائي الخالص لفنّ القصّة القصيرة واقتصاري عليها، لكنّني أُعزِّي ذلك إلى الدوافع التي تجعلني أمارس الكتابة، إذ إنّني أكتبُ بروح طفل في العاشرة، وهذا الطفل -ولسببٍ ما- قرّر أنّ القصّة القصيرة هي ساحة لعبه ومضماره، الكتابة لعبة، طرفاها الكاتب والقارئ، ولُعبتي المُفضّلة هي أن أقتنص حدثاً عابراً، قبل أن أسرد بكثافة أحداثاً أصغر، من المعلوم أنّ للقصّة القصيرة قواعدها وأشكالها، وأنّها فنٌّ مستقلّ، له صعوبته الخاصّة، وأجدني استمتع أيما متعة وأنا أضع البداية والنهاية والعُقدة، أعثر على نفسي في ساحة اللعب الضيقة هذه، قبل أعوام قليلة لم أكن أعرف ماذا تعني القصّة القصيرة، قبل أعوام قليلة فقط ما كنتُ أدري كيف يكتب المرء قصّة، لكنّني أعرف جيّداً أنّني كتبتُ قصتي الأولى إثر افتتاني بقصّة قصيرة قرأتُها.
وما بين ضياعٍ وضياع، عثرتُ على القطعة الناقصة. لا أزالُ أذكُرُ كيف رمَتْ بي قصَّة (الضائعان) للقاصَّة إسراء رفعت؛ إلى دنيا القصص والسرد، وكيف كان غسّان كنفاني الإجابةَ لتساؤلٍ بريءٍ لازَمني منذ أول قصة قرأتها: ما معنى الدهشة؟ ما أزالُ أذكر اللحظات التي أعقَبتْ انتهائي من كتابة أول قصَّة لي؛ حينَ حملتُها بين يديّ مثل عصفورٍ ولِيد، وأنا أتأمَّلُها بحُنُو، كانت نحيلةً خاليةً من الريش، عمياء وكسيحة. كانت مُشوّهة، لكنها كانت تشبهني كثيراً، تُشبهني حدّ التطابق، أتذكَّر بوضوح أنَّني أخذتها كما هي وعرضتها على أحدهم، بعد تفكير طويل وتردُّد، كانت الفكرة في حدِّ ذاتها غريبةً عليَّ؛ فكرة أن يقرأ أحدهم شيئاً كتبتُه، واليوم، وبعد أن كتبتُ الكثير من القصص، أشعر بالغرابة ذاتها، لكنّها ممتزجةٌ بأحاسيس متداخلة من التوجُّس والفخر، لا أعرف على وجه الدِّقة ما أشعر به، لكنّني متأكدٌ أنّني سعيدٌ بأنَّ أحداً رأى أنّ ما أكتبه يستحقُّ أن يكون ورقاً على رفوف المكتبات، وأن يُقرَأ، متأكدٌ أنّني أشعر بالراحة، وبأنَّ حلماً ضئيلاً من أحلامي غادر عالمي الصغير وراح يجوب العالم!

ما مشروعك الأدبي القادم؟

مشروعي القصصيّ القادم مجموعةٌ قصصيّة عن الأمراض النفسيّة باختلافاتها، وهي محاولةٌ مني لقول شيء ما، للتعريف بها، وبأسبابها، للتعبير عن ما يعانيه المرضى النفسيين، يعاني كلّ المرضى النفسيين من كل فئة بدرجة متقاربة، وتكمن أعظم معاناتهم في محيطهم وتأثيره عليهم، الكثير من مرضى الاضطرابات النفسية الذين صادفوني عانوا من عدم تفهُّم الأسرة لحالتهم، وصعوبة تقبّل مجتمعاتهم لطبيعة أمراضهم، إذ يعاني المريض النفسي أكثر ما يعاني من صعوبة تقبُّل الناس لعلّته، لذلك يطرح المشروع أسئلة على شاكلة: ما هو الاضطراب النفسي؟ كيف ينظر المجتمع للمريض النفسي وكيف يتعامل معه؟ كيف تتعاطى الأسرة مع الفرد المعتلّ نفسياً؟ وما أثر ذلك عليه؟ وتُسَخِّر المجموعة فن القصّة القصيرة لوضع تعريف للعلّة النفسيّة وإضافة معارف ربما تكون غائبة لدى عامة الناس عن عالم الاضطرابات النفسية، وتغيير مفاهيم مغلوطة وتفسيرات شعبيّة من خلال السرد وبسلاسة ومن غير مُباشرة، المفاهيم مثل أنّ جميع أشكال المرض النفسيّ ضربٌ من الجنون، وامتناع الأسر عرض المريض على الطبيب النفسي خجلاً منها وخوفاً من الوصمة المجتمعية، وإرجاع الكثير من الأعراض النفسية لوساوس الشيطان، وغيرها، وتحاول وصف تفاعلات المضطربين نفسيا مع أسرهم ومجتمعاتهم ومدى تقبّلها ونظرتها للمريض النفسي كفرد منها، ومدى استيعابها لطبيعة الاضطراب النفسية وفهمها لأسبابها وكيفية التعاطي معها.

ما أهم الكتب التي تركت أثراً لا ينسى في ذاكرة عبد الرحمن ولماذا؟

"حكايات بعد النوم"- أحمد الديب، يحدثُ وأنْ يأسركَ كتابٌ وجدتَه أمامك صدفة، أو فيلمٌ مغمورٌ لا يوصي به أحد، هذا بالضبط ما حصل معي، حين وجدتُ نفسي قبل فترة، أمام جمالٍ لا يُقاوم في مخيلة أحمد الديب الخصبة، منذ أول نصٍّ شعرتُ كما لو أنَّ العالم قد تغيَّر، قادتني النصوص إلى مشاهد منسية، حكايةٌ تتلوها حكاية، وما بين واحدةٍ وأخرى لا أملك إلا أن أتعجب: يا إلهي! يا إله الجمال! نصوصٌ يمكنك أن تتذوَّق حلاوتها في لسانك، تجربةٌ من الخيال النقي، ذلكَ الذي يتلاشى مع سنوات الطفولة، إنَّ قصصاً بهذا النقاء وهذه الرحمة لا بُد وأنَّ وراءها قلبٌ مُرهف وروحٌ خفيفة كريشة، هذا العالمُ من البهاء الفائق يجبرك على أنَّ تتوقف عنده، وتتساءل: كيف لهذا الشخص أن يكون بهذه الشاعريَّة!
أحمد الديب يأخُذكَ بتَمَهُّل، يُعيدُكَ إلى سنواتٍ من العذوبة، بعيداً عن ضوضاء هذه الأيام. الأمر أشبه بتنويم، بحلمٍ مفرط البهجة! هذا العالمُ الذي تبغضه، فيه الفراشات، فيه سماءٌ زرقاء ورمادية، وأنهارٌ، بحرٌ وخبايا لا نراها، أحداثٌ صغيرة وتفاصيل دقيقة تستحق أن تُحكى، يريدُ الديب أن يخبرك، "إنها شذراتٌ من أحلام"، هكذا قال عنها محمد المنسي قنديل. ويُقدِّمه محمد المخزنجي على أنَّه عاشقٌ متسامٍ يكافئه إخلاصه برؤية الحقائق البهية الخافية عن مبتذل العيون، في 98 صفحة ربما تجد نفسك، بين القصص الأخَّاذة ولغة الديب الرصينة، السهلة.
أسرتني كذلك مجموعة قصصيّة اسمها (سرير بنت الملك) لشهلا العجيلي، لما فيها من دمجٍ للحكايات مع فنّ القصّة القصيرة في صورة سلسلة ومختلفة.

مقالات مشابهة

  • إيران تزاحم طماطم الزبير والبصرة ترد (وثيقة)
  • بعد حديث الرئيس عنها| التحذير من خطر الشائعات وآثارها على المجتمع المصري.. وخبير: تأثيراتها سلبية بالقطاعات
  • هل هناك تفاهمات سرية؟
  • الكاتب والشاعر رودوس الفيلي والسعي لإنعاش الحياة
  • 40 ألف ليرة لليلة واحدة، ولكن لا أمان: تفاصيل مرعبة حول الكارثة التي أودت بحياة 66 شخصًا في تركيا
  • صلاح الشرنوبي: كانت هناك رغبة في التعاون مع عمرو دياب ولكن لم تتم وقدمت مع فؤاد اغاني ناجحة
  • فوائد قيام الليل للرزق والزواج.. 22 سببا يجعلك لا تفوتها
  • صلاح الشرنوبي: كانت هناك رغبة في التعاون مع عمرو دياب ولكن لم تتم
  • بعد 48 ساعة.. شرطة البصرة تقبض على متهم بقتل أشقائه في الزبير
  • عبد الرحمن عباس لـ24: الكتابة الجيّدة تُولِّد الدهشة