يعيش صديقي الغزي خارج غزة، وينظر إليها الآن بعين مذنبة، ترى أنه لا حق لها في ترك الجميع يبادون هناك، والتاريخ البسيط أصلا الذي صنع مناخ الحياة الاجتماعية في غزة يُدمر بوحشية، ليس هذا فحسب صديقي يقول إنه بات يعرف ما الذي كان يعنيه والده عندما حدثت إحدى الحروب الماضية ولم يكن بجانب عائلته في غزة، كان والده قلقا بصورة متطرفة؛ لأن الوجود مع العائلة ورؤيتهم يجعلك في حالة من الاطمئنان أن مصيركم مشترك.
ناداه باسمه فحسب، ليرد أحمد بعدها بساعات: (مش احنا). إن إيجاز هذه المحادثة، واللغة المختزنة داخل هذا (اللا تعبير) يحدثان وقعا بلاغيا هائلا، ويقدمان صورة مكبرة عن الواقع ــ مع انزعاجي في اعتبار كل هذا صورا ورموزا ــ إذ أن هذا الحدث ليس إلا صورة نفسه في الواقع، وهو كافٍ دون الحاجة لاختزاله لمعناه المجرد، في محاولة أخيرة مني للإيمان بالدم والأشلاء والعظام في عالم لا يرى فيها شيئا سوى ما تحيل إليه.
أنا شخصيا وطوال هذه الحرب أمارس بامتيازاتي التي أحظى بها تخوفا من اللغة التي نستخدمها، وأحاول النظر فيها على طريقة رولان بارت في «أسطوريات الحياة اليومية»، أتأمل الحديث بابتذال عن «العادية» التي سينتهي إليها مصير مشاهد المجازر اليومية من غزة، الجميع يقول إن ما صار يحدث بعد سبعين يوما بات حدثا عاديا بالنسبة للعالم، لذلك انحسر اهتمام الناس به، ولا أعرف لمّ هذه الخصومة مع العادية، ولما افتراض أنها بالضرورة ستنتج موقفا سلبيا. ربما علينا أن نعيد أيضا النظر في تعبير «عادي» الذي يقابله «الخارق» ربما، هذه الثنائية المبسطة والتي لا تستطيع فعلا أن تقول لنا الكثير حول طبيعة ما يحدث واختزانه للكارثة.
في المقابل تخرج لنا توصية أخرى على شاشات هواتفنا: لا تعتد المشهد، لا تعتد مشاهدة الدماء. ولعل ما ينطوي على هذه الدعوات هو ما ناقشته سوزان سونتاغ باستفاضة في كتابها «الالتفات إلى ألم الآخرين» إذ تصبح كل هذه الصورة التي تتدفق علينا طوال الوقت من قلب الحرب تجعل الصدمة أمرا قابلا للاستهلاك ومصدرا للقيمة التي يحظى بها موضوع الصورة الملتقطة في الحرب. ولعل هذا الجانب المتعلق بالصور، يرتبطُ من وجهة نظري بالفكرة الأولى التي طرحتها حول ابتذال العادية. إن ما نطالب به دوما وبدون وعي، هو المزيد من الصدمة وبالتالي المزيد من الهزات التي نتعرض لنا كمتابعين يقولون إنهم يتضامنون مع الفلسطينيين.
لقد أنتجت هذه الفكرة المروعة وارتكاساتها انتهاكات جسيمة لأجساد الشهداء وخصوصيتهم وخصوصية عائلاتهم، دُفع الكثيرون في غزة لكي يصوروا للعالم كل شيء، حتى مشهد القطة وهي تتناول جثة شهيد، إن ما يختبرونه كارثي، وهم يريدون من العالم أن يرى هذا بأم عينيه وأن يصدق أو على الأقل أن يشكك في سردية دولة الاحتلال الإسرائيلية، يطلبون من العالم أن ينتفض، ويعرفون أن الصورة هي الوسيط الأمثل لتحقيق ذلك. لكن لم هي كذلك؟ ولم لا ينطبق هذا على الجانب الآخر، فالإسرائيليون لم يقدمون لنا صورا عما يدعون أن المقاومة ارتكبته في حق «المدنيين» في السابع من أكتوبر. إن الصورة إذن ليست أكثر من روتين صغير لن يحدث شيئا عدا شعورنا بحاجتنا المستمرة لكي ننفعل، حتى نظن أننا فعلنا شيئا ذا بال، لكننا في الحقيقة لم نفعل.
بعد سبعين يوما سقط أصدقائي في غزة ممن يعيشون في الخارج في حالة من الكآبة الشديدة، لأنهم استنفدوا كل طاقاتهم في مقاومة هذا الألم طوال الفترة الماضية، ومع ذلك فهم يشاهدون الأخبار، يبعثون رسائل موجزة، يحاولون الاتصال بعائلاتهم هناك في الأوقات القليلة جدا التي تعود فيها الاتصالات، يتحدثون عن بسالة المقاومة، يشاهدون المقاطع التي ترسلها المقاومة بالحماسة الأولى نفسها رغم خساراتهم الجسيمة.
وبعيدا عن كل هذا من يستطيع أساسا أن يعتاد كل هذا الجنون وكل هذه الكوارث إذا ما نظرنا للاعتياد كمعنى ينتج موقفا سلبيا بالضرورة؟ أي عطب بنا؟ وأي نظام عالمي هذا الذي أنتج إراداتنا هذه، واستجاباتنا هذه، وأي سياسة تغلغلت ببطء لتصبح أفعالنا هي هذه، التي تكتفي «بعدم الاعتياد» على قتل وتشريد آلاف الناس؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
إليكم ما يحدث عند التوقف عن ممارسة العلاقة الجنسية لأشهر!
يحذّر الأطباء من خطر عدم ممارسة العلاقة الجنسية بين الزوجين لفترة طويلة، إذ يمكن أن يضرّ ذلك بالأعضاء التناسلية لدى الجنسَين.
وقالت خبيرة الجنس والعلاقات الدكتورة تارا سوينياتيتشايبورن في حديثها لموقع "ديلي ميل" البريطانية، إنّ الرجال غير النشطين جنسيّاً يمكن أن يواجهوا حالة نادرة جداً تسمّى ضمور العضو الذكري، إذ يمكن أن تصبح الأنسجة أقل مرونة، مما يؤدي إلى انكماش العضو.
وقالت الدكتورة أيضاً إن قضاء شهر أو أكثر من دون ممارسة العلاقة الجنسية، قد يتسبّب في زيادة مستويات التوتّر لدى الرجال وحتى النساء، بسبب الإحباط الجنسي والقلق والاكتئاب والغضب. لذا يمكن أن يسبّب تأثيرات نفسية أخرى ويدفع البعض إلى الخيانة الزوجية.
كما أوضحت أنه إعتماداً على الصحة العقلية العامة للشخص، يمكن أن تتطور الأعراض الشديدة مثل الألم أثناء ممارسة الجنس في غضون ستة أشهر، أو قد تستغرق نحو خمس سنوات.
وكشفت الدكتورة تارا سوينياتيتشايبورن أن ممارسة العلاقة الجنسية تؤدي إلى إطلاق هرمونات الشعور بالسعادة، مثل الأوكسيتوسين وهوهرمون الحب والدوبامين والسيروتونين، الذي ينظّم عواطفك ويعزز مزاجك.
ويُعرف الدوبامين بأنه مادة كيميائية يفرزها الدماغ لتعزيز الشعور بالمتعة، ولكن إذا لم ينتج جسمك ما يكفي منه، فقد تصاب بعدم الأمان وانخفاض تقدير الذات.
في السياق نفسه، أشارت دراسة طبية أجريت عام 2021، إلى أنّ عدم تلبية الاحتياجات الجنسية يمكن أن يصيب الأشخاص بالإحباط الذي قد يؤدي إلى زيادة السلوك العدواني والشرس في العلاقات الاجتماعية.
وقالت المعالجة الجنسية ساري كوبر أن المرور بفترة "جفاف جنسي" أمر طبيعي بين الأزواج، ولكن الاستمرار لفترة طويلة دون ممارسة الجنس يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة مع شريك الحياة.
وحذّر الخبراء من أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بمشاكل طبية، مثل ضمور العضو الذكري وسرطان البروستات، إذا امتنعوا عن ممارسة الجنس لفترات طويلة.
وسنشرحها لكم بشكل أفضل عن الآثار الصحية لعدم ممارسة الجنس لفترة طويلة
ضمور القضيب والمهبل:
قد يؤدي الامتناع عن النشاط الجنسي لفترات طويلة إلى انخفاض مرونة الأنسجة وانكماشها المحتمل، رغم أن هذا يبدو عملية نادرة وتدريجية.
صحة البروستاتا:
قد يقلل القذف المنتظم، سواء من خلال الجنس أو الاستمناء، من مخاطر الإصابة بسرطان البروستاتا عن طريق تنظيف الجسم من المواد المسرطنة الضارة.
صحة الأنسجة والهرمونات:
يحسن النشاط الجنسي تدفق الدم ويحافظ على مرونة الأنسجة وترطيبها، مما يعود بالنفع على الصحة العامة للأعضاء التناسلية.
التوتر والقلق:
قد يؤدي الامتناع عن الجنس إلى زيادة مستويات التوتر، مما يساهم في القلق والاكتئاب وسرعة الانفعال نتيجة عدم تلبية الاحتياجات العاطفية والجسدية.
تنظيم المزاج:
تساعد الهرمونات مثل الأوكسيتوسين والدوبامين والسيروتونين، التي يتم إفرازها أثناء ممارسة الجنس، على تحسين المزاج والاستقرار العاطفي.
العدوانية والإحباط:
قد يؤدي عدم تلبية الرغبات الجنسية إلى سرعة الانفعال وفي حالات قصوى إلى تصرفات عدوانية.
انهيار التواصل في العلاقات:
يمكن أن تؤدي فترات الجفاف الجنسي إلى سوء فهم أو لوم أو استياء بين الشركاء إذا لم يتم التعامل معها بصدق.
بدائل لإعادة إحياء الرغبة:
يمكن أن تساعد أنشطة مثل اليوغا والتأمل وقضاء أوقات رومانسية مشتركة على إعادة إشعال الحميمية.