لجريدة عمان:
2024-10-04@01:37:02 GMT

أحمد؟

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

يعيش صديقي الغزي خارج غزة، وينظر إليها الآن بعين مذنبة، ترى أنه لا حق لها في ترك الجميع يبادون هناك، والتاريخ البسيط أصلا الذي صنع مناخ الحياة الاجتماعية في غزة يُدمر بوحشية، ليس هذا فحسب صديقي يقول إنه بات يعرف ما الذي كان يعنيه والده عندما حدثت إحدى الحروب الماضية ولم يكن بجانب عائلته في غزة، كان والده قلقا بصورة متطرفة؛ لأن الوجود مع العائلة ورؤيتهم يجعلك في حالة من الاطمئنان أن مصيركم مشترك.

بالأمس وقعت مجزرة مروعة في وسط مدينة رفح، جنوب القطاع، كانت الرسائل تصل إلينا طوال الوقت، تبين أن صديقتنا فقدت خالاتها وكل عائلتيهما، وأن أم رزان وقعت في غيبوبة وقت تلقيها الخبر. كان القصف قد طال أكثر من بيت وأباد أكثر من عائلة، وبسبب مساحة غزة الصغيرة، توقع هذا الصديق أن أحد البيوت المستهدفة هو بيت أقرب أصحابه. لم يبعث له سوى رسالة واحدة: أحمد.

ناداه باسمه فحسب، ليرد أحمد بعدها بساعات: (مش احنا). إن إيجاز هذه المحادثة، واللغة المختزنة داخل هذا (اللا تعبير) يحدثان وقعا بلاغيا هائلا، ويقدمان صورة مكبرة عن الواقع ــ مع انزعاجي في اعتبار كل هذا صورا ورموزا ــ إذ أن هذا الحدث ليس إلا صورة نفسه في الواقع، وهو كافٍ دون الحاجة لاختزاله لمعناه المجرد، في محاولة أخيرة مني للإيمان بالدم والأشلاء والعظام في عالم لا يرى فيها شيئا سوى ما تحيل إليه.

أنا شخصيا وطوال هذه الحرب أمارس بامتيازاتي التي أحظى بها تخوفا من اللغة التي نستخدمها، وأحاول النظر فيها على طريقة رولان بارت في «أسطوريات الحياة اليومية»، أتأمل الحديث بابتذال عن «العادية» التي سينتهي إليها مصير مشاهد المجازر اليومية من غزة، الجميع يقول إن ما صار يحدث بعد سبعين يوما بات حدثا عاديا بالنسبة للعالم، لذلك انحسر اهتمام الناس به، ولا أعرف لمّ هذه الخصومة مع العادية، ولما افتراض أنها بالضرورة ستنتج موقفا سلبيا. ربما علينا أن نعيد أيضا النظر في تعبير «عادي» الذي يقابله «الخارق» ربما، هذه الثنائية المبسطة والتي لا تستطيع فعلا أن تقول لنا الكثير حول طبيعة ما يحدث واختزانه للكارثة.

في المقابل تخرج لنا توصية أخرى على شاشات هواتفنا: لا تعتد المشهد، لا تعتد مشاهدة الدماء. ولعل ما ينطوي على هذه الدعوات هو ما ناقشته سوزان سونتاغ باستفاضة في كتابها «الالتفات إلى ألم الآخرين» إذ تصبح كل هذه الصورة التي تتدفق علينا طوال الوقت من قلب الحرب تجعل الصدمة أمرا قابلا للاستهلاك ومصدرا للقيمة التي يحظى بها موضوع الصورة الملتقطة في الحرب. ولعل هذا الجانب المتعلق بالصور، يرتبطُ من وجهة نظري بالفكرة الأولى التي طرحتها حول ابتذال العادية. إن ما نطالب به دوما وبدون وعي، هو المزيد من الصدمة وبالتالي المزيد من الهزات التي نتعرض لنا كمتابعين يقولون إنهم يتضامنون مع الفلسطينيين.

لقد أنتجت هذه الفكرة المروعة وارتكاساتها انتهاكات جسيمة لأجساد الشهداء وخصوصيتهم وخصوصية عائلاتهم، دُفع الكثيرون في غزة لكي يصوروا للعالم كل شيء، حتى مشهد القطة وهي تتناول جثة شهيد، إن ما يختبرونه كارثي، وهم يريدون من العالم أن يرى هذا بأم عينيه وأن يصدق أو على الأقل أن يشكك في سردية دولة الاحتلال الإسرائيلية، يطلبون من العالم أن ينتفض، ويعرفون أن الصورة هي الوسيط الأمثل لتحقيق ذلك. لكن لم هي كذلك؟ ولم لا ينطبق هذا على الجانب الآخر، فالإسرائيليون لم يقدمون لنا صورا عما يدعون أن المقاومة ارتكبته في حق «المدنيين» في السابع من أكتوبر. إن الصورة إذن ليست أكثر من روتين صغير لن يحدث شيئا عدا شعورنا بحاجتنا المستمرة لكي ننفعل، حتى نظن أننا فعلنا شيئا ذا بال، لكننا في الحقيقة لم نفعل.

بعد سبعين يوما سقط أصدقائي في غزة ممن يعيشون في الخارج في حالة من الكآبة الشديدة، لأنهم استنفدوا كل طاقاتهم في مقاومة هذا الألم طوال الفترة الماضية، ومع ذلك فهم يشاهدون الأخبار، يبعثون رسائل موجزة، يحاولون الاتصال بعائلاتهم هناك في الأوقات القليلة جدا التي تعود فيها الاتصالات، يتحدثون عن بسالة المقاومة، يشاهدون المقاطع التي ترسلها المقاومة بالحماسة الأولى نفسها رغم خساراتهم الجسيمة.

وبعيدا عن كل هذا من يستطيع أساسا أن يعتاد كل هذا الجنون وكل هذه الكوارث إذا ما نظرنا للاعتياد كمعنى ينتج موقفا سلبيا بالضرورة؟ أي عطب بنا؟ وأي نظام عالمي هذا الذي أنتج إراداتنا هذه، واستجاباتنا هذه، وأي سياسة تغلغلت ببطء لتصبح أفعالنا هي هذه، التي تكتفي «بعدم الاعتياد» على قتل وتشريد آلاف الناس؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

ملامح لا تشبهك.. لماذا لا نحب مظهرنا في الصور؟

"يا إلهي! هل هكذا يبدو وجهي حقا؟".. من منا لم يسبق له أن ردد تلك العبارة عند النظر في صورة شخصية تم التقاطها له من قِبَل أحد الأصدقاء.

تُعتبر ظاهرة عدم الرضا عن مظهرنا في الصور وتباينها مع الصورة التي نتخيلها لأنفسنا أو تلك التي نراها في انعكاسات المرآة من أكثر الظواهر انتشارًا وغرابة. لكن هل تعود هذه المشكلة لقلة الثقة بالنفس؟ أم أنها نتيجة ضعف الإضاءة أو اختيار زاوية التصوير غير المناسبة؟ الحقيقة تكمن في وجود عدة عوامل تسهم في ذلك، تشمل أسبابًا نفسية وعقلية عميقة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2“من ضربك اضربه”.. توجيه تربوي صحيح أم تشجيع للطفل على العنف؟list 2 of 2دراسة تجيب: لماذا تتغيّر رائحة الطفل الطيبة بعمر المراهقة؟end of list لماذا نكره صورنا الشخصية؟

هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلك تشعر بعدم الارتياح عند مشاهدة صورك الشخصية. عمومًا، يُعزى هذا السلوك الغريب إلى أننا ننظر إلى أنفسنا من زاوية واحدة فقط، بينما نراقب الآخرين من زوايا متعددة ومن خلال آفاق متنوعة، مما يجعل الآخرين يظهرون لنا بصورة أكثر طبيعية مقارنة بصورة أنفسنا.

في الأساس، هناك سبب أكثر شيوعًا لهذه الظاهرة يُعرف بـ"تأثير التعرض"، وهي ظاهرة نفسية تشير إلى أن الألفة تؤدي إلى الانجذاب. يتسبب تأثير التعرض البسيط في تطوير تفضيلات تجاه الأشياء التي نتعرض لها بشكل متكرر مع مرور الوقت، فكلما زاد تعرضنا لشيء ما، زاد إعجابنا به، وهذه العملية تعرف بالتعود.

"تأثير التعرض" يعني أنه كلما زاد تعرضنا لشيء ما، زاد إعجابنا به، وهذه العملية تعرف بالتعود (بيكسلز)

ينطبق تأثير التعرض البسيط على كل شيء وليس فقط على الصور. فكلما شاهد عقلك صورة لنفسك في أي سياق – سواء على شاشة التلفزيون أو الإنترنت أو في المطبوعات – زادت احتمالية أن يبدأ عقلك بالتعود على ما تراه ويصبح أكثر انجذابًا إليه.

وباختصار، فإن هذا يشير إلى أننا قد نشعر براحة أكبر ونميل لتفضيل الأشياء التي نتعرض لها بشكل متكرر. ونظرًا لأننا لا نرى أنفسنا من جميع الزوايا وفي مختلف المواقف كما يفعل الأصدقاء أو الشركاء، فمن المحتمل أن تكون صورنا الشخصية أو صور المرآة غير متوافقة مع وضعياتنا المعتادة، مما يجعلها مزعجة وغير محببة لنا.

عقلك يخدعك

هناك ظاهرة نفسية أخرى تلعب دورًا مهما عندما يتعلق الأمر بالفرق بين ما تراه في المرآة وما تراه على شاشة هاتفك، وهي تُسمّى بـ"تحيُّز تعزيز الذات". وتعني هذه الظاهرة أننا نعتقد أننا أكثر جاذبية مما نحن عليه بالفعل.

"تحيُّز تعزيز الذات" هو ظاهرة تعني أننا نعتقد أننا أكثر جاذبية مما نحن عليه بالفعل (بيكسلز)

على سبيل المثال، في دراسة أجريت عام 2008، اختار المشاركون باستمرار صورًا تم تعديلها وتحسينها لأنفسهم عندما طُلب منهم تحديد الصورة "الحقيقية" لأنفسهم، بينما اختار الغرباء بدقة صورًا غير معدلة للأفراد أنفسهم. أي أن الأغراب يرون الأشخاص المشاركين في التجربة بشكل أفضل مما يرون هم أنفسهم.

أنت لست محترفًا

إضافة لذلك، هناك مجالات مهنية تعتمد على تطوير الوضعيات المثالية للوجه والجسم لالتقاط أفضل صورة، وعلى الأغلب أنت لست محترفا.

مثلا، مهنة عرض الأزياء هي وظيفة منوطة بهذا الأمر، وإن لم تكن محترفا في هذا المجال، فربما قد لا تبدو صورك مثالية كما تتمنى.

تقول كارولين جونترت، عارضة أزياء أميركية، إنها استغرقت سنوات من الممارسة لتعلم الزوايا والوضعيات التي تناسبها بشكل أفضل. وتشير في مقابلة لها مع مجلة "ڤايس": "جوهر الأمر هو أنه إذا بذلت وقتًا كافيا من التخصص، في تلك الحالة ربما يمكن القول إنها سنوات من الممارسة، يمكنك العثور على وضعية أو خدعة تحقق النتائج التي تريدها".

وحتى مع هذا القدر من العمل والتدريب، فإن العارضات أيضا لا يفضلن كل صورة يظهرن فيها بالضرورة.

تأثير انعكاس الصورة

في الوقت ذاته، من المرجح أن الصور الذاتية التي يلتقطها الشخص لنفسه تبدو معكوسة بسبب طبيعة إعدادات كاميرات الهواتف الذكية، وبالتالي إذا كان الشخص معتادا على التقاط "السيلفي"، ثم رأى نفسه في صور فوتوغرافية غير معكوسة، قد يشعر بالاندهاش، بل وربما قد يصل الأمر للنفور.

هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلك تشعر بعدم الارتياح عند مشاهدة صورك الشخصية (بيكسلز)

تقول إليزا مارتينيز، المعالجة النفسية الأميركية لمجلة "هاف بوست"، إنه من الشائع جدًا أن يكره الناس مظهرهم في الصور، "خاصة مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتركيز على تقديم أفضل ما لدينا للعالم".

وكثيرا ما تردها شكاوى من عملائها وعميلاتها برؤية العديد من العيوب في الجسم أو الوجه، في حين عادة ما يرى الشخص الغريب أيا من تلك الانتقادات في الشخص المعني.

مشيرة إلى أننا بالرغم من كوننا اعتدنا على رؤية انعكاساتنا في المرآة، فإنه يمكن أن يكون هناك تناقض كبير بين الكيفية التي نعتقد أننا نبدو بها -بناءً على المرآة- وكيف تصورنا الصور بالشكل المعكوس لما نراه في أنفسنا يوميا.

وبالتالي، فإن رؤية صورنا قد تكون مزعجة لأننا نرى عكسًا غير مألوفا لصورتنا في المرآة. وقد يؤدي هذا إلى عدم إعجابنا بمظهرنا في الصور، لأن "عدم الألفة" يعني "أقل جاذبية" كما سبق وأسلفنا بسبب ظاهرة التعرُّض والانجذاب.

تأثير التكنولوجيا

علاوة على ما سبق، يمكن لوم التكنولوجيا أيضا في تلك الظاهرة. أولا لأنها قد تجعلنا نقارن أنفسنا بالآخرين عند استخدام منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وثانيا لأن الأدوات المستخدمة نفسها تخدعنا في رؤيتنا لأنفسنا.

عدسات كاميرات الهواتف الذكية مثلا، غالبا ما تشوّه ملامح الوجه، مما يجعل بعض الأجزاء تبدو أصغر وأعرض مما هي عليه في الحياة الواقعية، كما يمكن أن تؤدي الزوايا أو الإضاءة التي تلتقطها الكاميرات إلى صور لا تعكس بالضرورة مظهرنا الحقيقي.

إذا كان الشخص معتادا على التقاط "السيلفي"، ثم رأى نفسه في صور فوتوغرافية غير معكوسة، قد يشعر بالاندهاش (بيكسلز) كيف تتصالح مع صورك الشخصية؟

الأمر دائما قابل للتصويب والعلاج. إليك بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لتجنب الغرق في دوامة انتقاد الذات عند النظر لصورك الشخصية:

تذكر سبب التقاط الصورة في المقام الأول. مثلا لالتقاط ذكرى معينة، وليس لكراهية جسدك وانتقاد ملامح وجهك. ابحث عن شيء رائع تم توثيقه في الصورة، سواء كان ذلك مدى سعادتك، أو تكوين الصورة، أو غروب الشمس، أو مدى روعة اللحظة بينك وبين من يشاركك فيها. خذ 10 ثوانٍ للنظر في كل صورة، ثم انتقل إلى الصورة التالية. إذ كلما طالت مدة التحديق في الصور، زادت احتمالية العثور على عيوب تستدعي منك الانتقاد. لا تنظر إلى الصور عندما تكون في حالة نفسية سيئة، فأنت بذلك تهيئ نفسك لدوامة من النقد الذاتي. وبدلا من ذلك، اختر وقتًا تكون فيه في حالة ذهنية جيدة. أخيرا، قلل من مدة تصفحك لمواقع التواصل الاجتماعي، لأن ذلك قادر على فرض معايير جمالية غير واقعية قد تدفعك للوقوع في أزمة مقارنة نفسك بالآخرين، مما يهدد ثقتك بنفسك ويعرضك للقلق والاكتئاب.

مقالات مشابهة

  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • اللحياني: العبرة في عقد أحمد الغامدي وغويدو هو بالجهة التي وقعت معهم .. فيديو
  • الصورة الأولى من تحضيرات مسلسل غادة عبد الرازق في دراما رمضان 2025
  • عجالي: “أجواء ملعب “حسين آيت أحمد” تعكس صورة الجزائر التي نحبها”
  • الشيخ أحمد بن سعيد يطلع على أكبر مشروع تبريد مناطق في العالم الذي تنفذه “إمباور”
  • ملامح لا تشبهك.. لماذا لا نحب مظهرنا في الصور؟
  • من هي الإعلامية صفاء أحمد التي قتلتها غارة إسرائيلية؟
  • صفاء أحمد.. من هي المذيعة السورية التي قتلت في غارة إسرائيلية؟
  • من هي صفاء أحمد المذيعة السورية التي اغتالتها إسرائيل؟