ashuily.com
«نحن نمضي واحدًا تلو الآخر، ولا أحد ينظر إلينا ولا إلى حجم الكارثة والجريمة التي نعيشها في غزة؛ لا حماية دولية إطلاقًا، لا حصانة من أي شيء، هذه الدروع لا تحمينا ولا تلك القبعات». هذه كانت كلمات مراسل تلفزيون فلسطين عقب رؤيته جثة زميله الصحفي الذي يتزامل معه المهنة نفسها مسجّاة على الأرض بعد غارة إسرائيلية استهدفت ضمن من استهدفتهم الصحفيين والإعلاميين الذين ينقلون جرائم إسرائيل الوحشية التي تشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دون مراعاة للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية التي تعتبر الصحفيين خارج دائرة الحرب فهم يقومون بنقل الخبر وتوثيقه وليسوا طرفا في معادلة الحرب.
وهي ذات الكلمات التي ودّع بها وائل الدحدوح زميله المصور سامر أبو دقة الذي قتل في غارة إسرائيلية استهدفت مدرسة فرحانة في خان يونس قائلا بـ «إنه وعلى الرغم من وجود تنسيق مسبق لوجودهم في مكان المدرسة برفقة سيارة الإسعاف غير أن همجية الاحتلال الإسرائيلي قامت بقصفهم عمدا رغم علمهم بأنهم صحفيون يقومون بتغطية أحداث الحرب» تاريخ سلطات الاحتلال الإسرائيلي في خنق الأصوات وكسر الأقلام الصحفية متكرر ليس في هذه الحرب فقط وإنما في كل تاريخ صراعها مع الفلسطينيين، وقبل عام فقط قام قنّاص إسرائيلي عمدا بإطلاق الرصاص على مذيعة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة من على مسافة قريبة خلال تغطيتها لاقتحام مخيم جنين رغم ارتدائها سترة الصحافة وأيضا لم يحرك المجتمع الدولي ساكنا في هذه القضية رغم أن شيرين كانت تحمل الجنسية الأمريكية.
تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» المنشور الأسبوع الفائت قال: إن إسرائيل قتلت 56 صحفيا منذ بدء حربها على غزة بما يزيد عن قتل صحفي واحد كل يوم، ضاربة عرض الحائط بكل القرارات الدولية التي تجرّم الاعتداء على الإعلاميين الممارسين لعملهم والملتزمين بزي الصحافة أثناء تغطيتهم لأحداث الحرب؛ ويقول الأمين العام لمنظمة «مراسلون بلا حدود»: إن المنظمة قامت برفع شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية لفتح تحقيق في الوقائع» التي تستهدف حياة الصحفيين.
المخاطر التي يتعرض لها الإعلاميون والصحفيون في نقلهم للوقائع والأحداث جسيمة وخطيرة قد لا يفهمها ولا يعيها من يجلس خلف أريكته أو مكتبه قارئا صحيفة أو مستمعا لإذاعة أو مشاهدا لقناة تلفزيونية، فما يصل إلى المتلقي هو خلاصة جهد كبير وعناء شديد وتكبد مشاق صعبة من النواحي النفسية والبدنيّة والعقلية يتعرض خلالها الإعلامي والصحفي لشتى أنواع المشاق والصعوبات والعقبات تصل إلى حد فقدانه لحياته أحيانا أو الزج به في السجون والمعتقلات أو محاكمته أو طرده من عمله، وكل هذه الأخطار يتحملها الصحفيون في سبيل إظهار الحقيقة الخالصة للناس وحمايتهم من الوقوع في شراك التدليس والخداع من أي طرف آخر؛ ورغم كل ذلك إلا أن الصحفيين في كثير من أنحاء العالم لا يجدون التقدير المناسب لأوضاعهم الصحفية.
تقرير «مراسلون بلا حدود» الصادر لهذا العام 2023 أشار إلى أن « 521 صحفيًا حول العالم لا يزالون يقبعون خلف القضبان في مختلف أنحاء العالم لأسباب تعسفية تتعلق بطبيعة عملهم» وفي ظني أن هذا الرقم ليس الرقم الصحيح؛ فكثير من المعتقلين الصحفيين لا يُعرف عنهم الكثير وتمت تصفية البعض منهم.
لولا الإعلاميون والصحفيون الأبطال الواقفون في الصفوف الأولى للحرب لما استطعنا مشاهدة تفاصيل الحروب والمشاكل والأزمات التي تحدث في كل أنحاء العالم، ولولاهم لما وصلت إلينا الحقيقة كاملة عما يجري على أرض الواقع؛ لأن الوصول إلى مناطق الصراعات والأزمات ليس بالأمر السهل أو الهين، ويتطلب الكثير من المخاطرة والتنسيق والجهد المبذول والتضحية بالنفس لنقل الأحداث والحقائق الكاملة من دون كذب أو تدليس أو خداع احتراما لمهنة الإعلام أولًا وللمتلقين ثانيا ولإظهار ما يجري على أرض الواقع ولولا الصحفيون والإعلاميون الشجعان لعشنا في ظلام دامس طامس للحقائق، لكننا بحاجة إلى إشعال شمعة تنير الدروب حتى وإن انطفأت تلك الشمعة فإن شمعة أخرى غيرها ستواصل مهمة إنارة الطريق.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
المدينة التي تبكي بأكملها.! (1)
صادق سريع
“من يُقنع الريح أنَّ بيوتنا تدُمرت لا تستطيع صد هديرها !؟ من يقنع المطر أن خيامنا تبللت وذابت بقطراته كما ذابت أحلامنا !؟ فلا دفئ يرجئ ولا أمان يوجد ، ولا بطون تشبع”.. هكذا يردد أهل غزة.
سُئل نازح في مخيمات النزوح بغزة: “ما شعورك تجاه من يعدْبوك، ويشردوك ويجوعوك!؟”.. أجاب بصوت جَهيرُ مُزج بجهشة البكاء، بعدما اتسعت حدقات عينيه وانهارت بالدموع: “حسابهم على الله”.
وبينما يحتمي العالم بدفء البيوت، يعيش مئات الآلاف في غزة برحمة برد الخيام المهترئة، ووحشة الدمار، وانعدام الطعام والماء والدواء، وتحت أزيز الطائرات، وأصوات الانفجارات، ونيران حمم الصواريخ، وشظايا القذائف، وصرخات الجرحى، ونُواح العزاء.
وتحت رحى طاحونة حرب الإبادة، وقانون فرض الحصار، وسياسة التجويع والتشريد والتهجير، وقهر الاغتصاب، وسجون الاعتقال وبلا حساب، والسحل والتعذيب والقتل، وسفك الدماء وحملات التطهير العِرقي على الطريقة الفاشية والخبرة النازية والنكهة الهولوكوستية.
وبعد اليوم الـ435، يحل ضيف برد الشتاء الثقيل في عامه الثاني، بينما حال أجساد أهل القطاع باردة ,قلوبهم خائفة وعيونهم باكية، وأمعائهم خاوية، ولا يزال مليارا مسلم لم يشعروا ببرد الشتاء وشدته، وألم جوع البطون في مخيمات النزوح؛ وهكذا الحال يستمر طوال العام بين برد الشتاء ولهيب الحرب.
في ليلة باردة، أرسلت من مخيمات النزوح بغزة رسائل للعرب؛ هذه واحدة منها، عنونت بـ “إلى لمن يهمه الأمر”: ” يعيش أطفالنا تحت أعمدة الخيام المهترئة، وألم الجوع وشدة البرد، وينامون جوعى في انتظار رغيف الخبز مرهقون من التعب وقهر العرب”.
في تلك الليلة الباردة، وصلت رسالة أخرى من سكان الخيمة المجاورة، مفادها: “كانت ليلة البارحة أبرد ليلة مرت علينا، تجمَّد أطفالنا من شدة البرد تحت لحاف الخيام المبللة، وبلا جدران تحميها من عواصف الريح، ولا ملابس تدفِئ أجساد الأطفال العارية، ولا طعام يشبع بطونهم الخاوية؛ ولا، ولا، ولا..!”، انتهت الرسالة بتنهيدة..
الخبر السار، الذي ينتظر النازحين وكل أهل غزة، هو إعلان وقف إطلاق النار، لكن متى يُعلن!؟ ومتى يدخل حيز التنفيذ!؟ اللهم أجعله بُشرى عاجلة.. اللهم آمين يا رب العالمين.
للتذكير، بلغت فاتورة الموت في غزة، اليوم الأحد 15 ديسمبر 2024، 45 ألف شهيد و106 ألف و625 جريح وأكثر من 15 ألف مفقود، منذ بدء العدوان الصهيو – أمريكي على غزة في أكتوبر 2023، لليوم الـ435.
اللهم هوِّن برد الخيام على المستضعفين في غزة وأبسط دفء رحمتك عليهم يا رحمن يا رحيم..