بوابة الوفد:
2025-03-09@16:59:26 GMT

بنك اليابان يحافظ على سياسته النقدية السالبة

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

أبقى بنك اليابان على سياسته النقدية الميسرة، في اجتماعه الأخير وفي خطوة توقعتها الأسواق، وقرر "المركزي" الياباني تثبيت أسعار الفائدة قصيرة الأجل عند سالب 0.1%، الأمر الذي أدى إلى تراجع الين مقابل الدولار إلى نحو 143.8 ين.

 

 بنك اليابان

 

وأبقى بنك اليابان "المركزي" الياباني على عوائد السندات الحكومية لأجل 10 سنوات عند نحو صفر في المئة.

 

كما ترك معايير التحكم في منحنى عائد العشر سنوات دون تغيير عند 1%.

 

وذكرت "بلومبرغ" في وقت سابق، أن السلطات التنظيمية ليست في عجلة من أمرها لرفع الفائدة.

 

فيما أفادت، أن قرابة 20% يتوقعون تخلص بنك اليابان من سياسته النقدية المتساهلة في 2024، بينما يتوقع قرابة 80% تخلي البنك عن الفائدة السالبة بحلول نهاية 2024.

 

الأسهم اليابانية : "نيكاي" يغلق منخفضاً وسط جني الأرباح وانتعاش الين الين يقترب من أدنى مستوى في 3 عقود مقابل الدولار

 

الين يهبط بعد تمسك بنك اليابان بسياسته النقدية شديدة التساهل

 

الين 

 

انخفض الين على نطاق واسع اليوم الثلاثاء بعد أن أبقى بنك اليابان المركزي سياسته النقدية شديدة التساهل دون تغيير وحافظ على توجيهاته بالنسبة للمستقبل في قرار مرتقب في ختام اجتماعه الذي استمر يومين.

 

وبعد القرار، تراجع الين أكثر من 0.6% مقابل الدولار إلى أدنى مستوياته خلال الجلسة عند 143.78، لكنه عوض لاحقا بعض تلك الخسائر. وبلغ سعر العملة اليابانية في أحدث التعاملات 143.46 ين للدولار.

 

ومقابل اليورو، تراجع الين أيضا إلى أدنى مستوى في أسبوع عند 157، وكان في أحدث التعاملات منخفضا 0.5% تقريبا إلى 156.72 لليورو.

 

وبينما جاءت النتيجة متماشية مع توقعات السوق، كان بعض المستثمرين يبحثون عن إشارات عما إذا كان البنك المركزي قد يلمح إلى تحرك للابتعاد في نهاية المطاف عن أسعار الفائدة السلبية.

 

وذكر البنك المركزي في بيان إنه "لن يتردد في اتخاذ خطوات تيسيرية إضافية إذا لزم الأمر"، مضيفا أن حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد مرتفعة للغاية.

 

ومع ذلك، قال جوزيف كابورسو رئيس قسم الاقتصاد الدولي والمستدام في بنك الكومنولث الأسترالي إن العملتين لا تزالان عرضة للاضطراب في أسواق النفط والغاز، نظرا لاعتمادهما المتزايد على الطاقة من الشرق الأوسط.

 

وأدت هجمات شنها الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن على سفن في البحر الأحمر إلى عرقلة التجارة البحرية وأجبرت شركات على تغيير مسارات السفن، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط مع قلق المستثمرين من تعطل التجارة وكذلك تكاليف الإمدادات.

 

وقال كابورسو "إمدادات النفط والغاز في الشرق الأوسط معرضة للخطر... لهذا السبب يكون اليورو والجنيه الإسترليني أكثر عرضة لخطر الانخفاضات الكبيرة إذا تفاقمت هذه الصراعات أو اتسعت".

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: بنك اليابان بنك اليابان المركزي المركزي الياباني الفائدة أسعار اسعار الفائدة الين الدولار الين مقابل الدولار عوائد السندات السندات سیاسته النقدیة بنک الیابان

إقرأ أيضاً:

ماذا حدث لـمعجزة اليابان؟ وكيف أدخلتها أميركا إلى النفق المظلم؟

إذا كنت عربيا من مواليد الثمانينات أو أوائل التسعينيات، أو ربما حتى بعد ذلك، فمن المرجح أنك مررت بعبارة "كوكب اليابان"، التي تنطوي على قدر واضح من الإعجاب المذهول بالطفرة الاقتصادية والتقنية التي حققتها الدولة الآسيوية وجعلتها محط أنظار العالم.

لقد كانت التجربة اليابانية آنذاك تجسيدا للطفرة الاقتصادية التي تطمح لها جميع الدول النامية التي تنكبت المسير لأسباب مختلفة، وفي وقت كان العالم يعاني فيه من استقطابات الحرب الباردة وتقلبات الأزمات النفطية، برزت اليابان منارةً للقوة الصناعية والابتكار التكنولوجي خارج العالم الغربي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"الإمبراطور الإله" الذي استسلم لأمريكا.. قصة رجل عبده اليابانيونlist 2 of 2من الشنتوية إلى إلحاد 86%.. كيف أعادت أميركا تشكيل الشعب الياباني؟end of list

وما يجعل التجربة اليابانية "معجزة" حقيقية، أنها انطوت على تحوُّل درامي من اقتصاد مدمر لا يقل تهالكا عن المدن اليابانية التي ضربتها القنابل النووية الأميركية إلى قوة عالمية تنافس أكبر الاقتصادات الغربية. وفي حين أن مصطلح "المعجزة الاقتصادية" فقد بريقه في عالم اليوم، لأنه استُخدم بكرم بالغ لوصف أي دولة تشهد قفزة في الناتج المحلي الإجمالي، فإن ما حدث في اليابان تحديدا كان شيئا لا يقل عن "معجزة" بالفعل.

ففي عام 1960، كان الناتج المحلي الإجمالي لليابان يقارب 47 مليار دولار، وبحلول عام 1990، قفز الرقم إلى 3.1 تريليون دولار وفقا لبيانات البنك الدولي، وهو ما يعني أن حجم الاقتصاد تضاعف بضعة وستين مرة خلال أقل من ثلاثة عقود.

لمن هم خارجها، كانت التقنية اليابانية تظهر كما لو كانت قادمة من المستقبل أو من كوكب آخر! (غيتي إيميجز)

وبحلول عام 1995، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لليابان نحو 5.55 تريليونات دولار، بقفزة تناهز 45% خلال 5 سنوات، في ذلك التوقيت سجلت الولايات المتحدة ناتجا محليا إجماليا قدره 7.64 تريليونات دولار فقط، ما أدى إلى تقليص الفجوة الاقتصادية بين الدولتين بشكل ملحوظ بل إن الاقتصاد الياباني تفوق على نظيره الأمريكي في بعض المؤشرات وعلى رأسها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي،  حيث تجاوز نصيب الياباني من ناتج بلاده نصيب نظيره الأمريكي بمعدل 10% على الأقل، وظهرت التوقعات التي "تبشر" أو "تحذر" -حسب موقع صاحبها- من احتمالية تجاوز اليابان للولايات المتحدة لتصبح أكبر قوة اقتصادية عالمية. وكان هذا الخيال الجامح يخيم على الأجواء مخترقا الإعلام والخطاب السياسي الأميركي، إلى حد قيام هوليود بصناعة أفلام حول مستقبل يسيطر عليه اليابانيون.

إعلان

لكن بحلول نهاية التسعينيات، بدأت رواية "الاستقلال الاقتصادي الياباني" تتفكك. وفي العقود التالية، عانت اليابان من ركود اقتصادي وأزمة ديموغرافية أبطأت نموها بشكل كبير، وبحلول عام 2023، سجل الناتج المحلي الإجمالي لليابان 4.2 تريليون دولار، في تباين صارخ مع الناتج الإجمالي الأميركي المقدر بـ 27.4 تريليون دولار.

في غضون ذلك، تلاشت المخاوف من مستقبل يسيطر عليه اليابانيون، وحلَّت محلها مناقشات في الإعلام الأميركي والغربي حول ضرورة دعم اليابان (الحليف المفترض للولايات المتحدة في مواجهة الصين) لاستعادة مكانتها السابقة، مما يشير إلى تغيير هائل عن الأيام التي شكّل فيها أحفاد الساموراي مصدر تهديد للهيمنة الاقتصادية الغربية.

نهاية المعجزة.. وبداية الكابوس

حتى عام 2010، كان اقتصاد اليابان لا يزال هو ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم، لكن بحلول هذا العام كانت نتائج عقدين من الأزمة المتواصلة قد انجلت، إذ سحبت الصين من تحت أقدام اليابان المركز الثاني، وبحلول نهاية عام 2023، كانت اليابان على موعد مع تراجع جديد هذه المرة، إذ احتلَّت ألمانيا مكانها دافعة طوكيو إلى المرتبة الرابعة، بل وباتت الصحف الاقتصادية تتحدث عن احتمالية تراجع ياباني جديد في القائمة، هذه المرة لصالح الهند.

ووفق تحليل صحيفة "ذا ديبلومات"، لم يكن هذا التراجع ترجمة فقط لانخفاض سعر الين الياباني مقابل الدولار الأميركي بنحو 30% في العقد الماضي، وهو ما يؤثر بالطبع على الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، لكنه يعبر عن أزمة أعمق طالت طفرة النمو اليابانية التي شكلت الركيزة الأساسية لمعجزتها الاقتصادية.

وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، كان متوسط معدل النمو الحقيقي في اليابان سنويا من عام 2000 وحتى عام 2022 لا يتجاوز 0.7%، بينما كان المعدل في ألمانيا مثلا، والتي تعاني هي الأخرى على أصعدة اقتصادية مختلفة، يتراوح حول 1.2%.

إعلان

وبحسب الصحيفة البريطانية "ذا إيكونوميست"، فقد انخفضت حصة اليابان من الناتج المجلي الإجمالي العالمي "وفق مؤشر تعادل القوة الشرائية" من 9% عام 1990 إلى أقل من 4% عام 2022، وهي أقل نسبة تسجلها اليابان منذ ثمانينيات القرن العشرين، وبشكل مماثل، انخفض نصيب الفرد الياباني من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنظيره الأميركي من 81% عام 1990 إلى 64% بحلول عام 2022، وباتت اليابان تحتل المركز 21 بين الدول الـ38 الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

يُضاف إلى ذلك أن توقعات بنك "جولدمان ساكس"، مؤسسة الخدمات المالية المرموقة، تشير إلى أن اليابان ستخرج في غضون ربع قرن من قائمة أكبر خمسة اقتصادات في العالم، وستخرج من قائمة أكبر 10 اقتصادات بحلول عام 2075. وتعكس هذه الأرقام والتوقعات العديد من المشاكل البنيوية في الاقتصاد الياباني في مقدمتها أزمة تراجع إنتاجية العمل.

وفي حين كانت إنتاجية العامل الياباني مضرب الأمثال قبل عقدين أو نيف، فإنها تشهد حاليا تراجعا حادا إذ تبلغ إنتاجية العمل في اليابان 60% مقابل إنتاجية العمل في ألمانيا، وبحسب أرقام عام 2022، تحتل اليابان المرتبة الثلاثين على مستوى بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من ناحية إنتاجية العمل، التي تُقاس بقيمة السلع والخدمات التي يمكن للعامل في البلد إنتاجها في الساعة الواحدة.

على جانب آخر، وحتى تسعينيات القرن العشرين، كان يُنظر إلى اليابان على نطاق واسع باعتبارها دولة ذات اقتصاد صحي يتمتع بالعدالة الاجتماعية مع طبقة متوسطة واسعة ومستقرة وقوية، لكن منذ عام 2006 بدأت علامات "أزمة الفقر" تتضح في اليابان، إذ بدأ يظهر ما يسمى بقرى الخيام، "مورا"، التي يسكنها العمال المؤقتون العاطلون عن العمل الذين أصبحوا بلا مأوى بسبب الانكماش الاقتصادي، ومع قدوم جائحة "كوفيد-19" أفصحت تلك العلامات عن نفسها بصورة أوضح، ووصل الأمر إلى حد خروج سيدات يابانيات على وسائل التواصل الاجتماعي يشتكين عدم قدرتهن على شراء منتجات النظافة الصحية النسائية، هذا بالإضافة إلى تكرار مشاهد غير معتادة مثل اصطفاف أعداد كبيرة من المواطنين من أجل الحصول على طعام مجاني من جمعيات خيرية، وتشهد اليابان عموما ازديادا في أعداد مَن يعملون بوظائف مؤقتة وهشة لا تمنحهم الحماية الاجتماعية ولا الاطمئنان بشأن الغد.

يتمتع الأطفال اليابانيون برعاية الدولة، لكن العديد منهم يعيشون في ظروف غير مثالية (الأوروبية)

وفي تقرير لوكالة الأنباء الأميركية "أسوشيتد بريس" بعنوان "اليابان غنية لكن العديد من أطفالها فقراء"، أشار إلى أنه رغم كون اليابان لا تزال تُعد واحدة من أغنى دول العالم، فإن لديها واحدا من أعلى معدلات فقر الأطفال بين دول العالم الغني، إذ يعيش طفل ياباني من كل سبعة أطفال في فقر، وتعيش نحو نصف الأسر ذات العائل الواحد تحت خط الفقر.

إعلان

هذه الحقيقة المأساوية تؤكدها الأرقام الرسمية لعام 2022 حول المعيشة الوطنية التي أصدرتها وزارة الصحة والعمل والرفاه في اليابان، حيث بلغ معدل الفقر في البلاد 15.4%، وهو أعلى معدل بين أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في ذلك العام، وبالمثل أظهرت دراسة استقصائية في الفترة نفسها أن 44.1% من النساء اليابانيات العازبات اللواتي تخطى عمرهن 65 عاما يعانين من الفقر، ولكن ما يجعل الفقر في اليابان غير مرئيا للعيون الخارجية إلى حدٍّ كبير هي الثقافة التي تتعامل مع الفقر باعتباره عارا يستتر منه صاحبه.

إن كل الأرقام السلبية السابقة هي نتيجة النفق المظلم الذي دخلته اليابان منذ التسعينيات وصاحبه العديد من وعود الفجر الكاذب، فمع كل انتعاشة اقتصادية صغيرة كان بعض الخبراء الاقتصاديين ينتظرون استفاقة وعودة للمسار الإعجازي للاقتصاد الياباني.

لكن هذا لم يحدث، إذ ظل الاقتصاد في حالة ركود من التسعينيات ولم ينمُ إلا باعتدال في بعض الأحيان، وترافق هذا الانكماش مع تأخر واضح في القدرة التنافسية للبلاد وإمكاناتها الإنتاجية وانخفاض عدد سكانها، وحتى فيما يتعلق بصناعة السيارات التي كان يُنظر إليها باعتبارها من أهم أوجه فخر الاقتصاد الياباني، فقد تعرضت هي الأخرى إلى ركلة قوية بسبب ظهور السيارات الكهربائية التي لا تسيطر اليابان على أسواقها ولا تلعب أي دور ريادي فيها.

كيف دخلت اليابان في النفق المظلم؟

يحب بعض الاقتصاديين أن يطلقوا على ما حدث لليابان وصف "نزلة برد طويلة"، فهي لم تتعرض لكارثة كبيرة، لكنها مجرد "كبوة" تجلت في ركود اقتصادي عادي إلى حدٍّ ما، وطالت حتى أصبحت "كارثة" بفعل طولها. بدأ الأمر بفقاعة في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، تمحورت حول الأسهم والعقارات اللتين شهدتا ارتفاعا في أسعارهما على نحو غير مسبوق في هذا العقد، إذ تضاعفت أسعار الأراضي التجارية أربع مرات بسرعة كبيرة، حتى وصل الأمر إلى لحظة بات فيها سعر بضع مئات من الأفدنة في موقع متميز بطوكيو العاصمة يساوي ثمن كل أراضي ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب منصة الراديو الأميركي الوطني العام "إن بي آر".

إعلان

وبحلول بداية تسعينيات القرن العشرين، وتحديدا عام 1991، انفجرت تلك الفقاعة تماما، وانهار معها سوق الأسهم، وهبطت أسعار العقارات بوتيرة سريعة للغاية أدت إلى خسارة اليابانيين الكثير من الأموال، ومن ثم إحجامهم عن الإنفاق وبداية مسلسل الركود الاقتصادي. ففي عام 1991 وحده، ارتفع معدل إفلاس الشركات إلى أكثر من 66%، وانخفضت أجور العمال في البلاد على نحو واضح، وبدأ ما يسمى بـ"العقد الضائع في الاقتصاد الياباني، ومع حلول عام 2001، كانت أسعار العقارات والأراضي قد هبطت بأكثر من 70%.

في الواقع، صادفت اليابان مشكلة أخرى فاقمت الأزمة، ففي عام 1997، وبينما كان البعض يترقب نهاية الركود المؤلم؛ حدثت الأزمة المصرفية، التي حفزها فشل بنك كبير في اليابان هو بنك "هوكايدو تاكوشوكو". كان هذا نتيجة للسياسة المتساهلة التي اتبعتها البنوك في اليابان بعد الفقاعة، تحديدا مع عملائها الكبار، فعندما لم تتمكن الشركات الكبرى من سداد قروضها المصرفية، كانت البنوك تعطيها الفرص وتتنازل عن جزء من القروض وتخفض المدفوعات على الفائدة إلى الصفر، وبسبب تراكم تلك القروض التي سمّاها الاقتصاديون "قروض الزومبي"، كانت النتيجة انهيار أول بنك كبير في اليابان، مما فاقم من المشكلة اليابانية.

عانى اقتصاد اليابان من "نزلة برد طويلة" قبل أن يتحول إلى ركود ممتد (رويترز)

ومع فشل بنك "هوكايدو تاكوشوكو" بدأت سلسلة انهيارات متعاقبة لمؤسسات مالية كبيرة في البلاد، مثل مؤسستَيْ "سانيو" و"يامائيتشي" للأوراق المالية، وبدأ الذعر المالي يتسرب في كل أنحاء البلاد، إذ اصطف اليابانيون في طوابير أمام البنوك لسحب ودائعهم، إلى درجة إصدار الدولة تعليماتها لكي تمنع البنوك تلك الطوابير أمامها لتحجيم حالة القلق العام، وبدأت الصحافة اليابانية في الامتناع عن نشر الأخبار حول الطوابير المصطفة حتى لا تزداد حالة القلق الكبيرة التي يمكن أن تجر الاقتصاد إلى ما هو أسوأ.

إعلان

على أصداء تلك الأزمة، انكمش الاقتصاد الياباني بشدة بفعل ضعف الطلب، في حين كانت المؤسسات المالية عاجزة عن توفير التحفيز الاقتصادي اللازم. وبحلول عام 1998، بات واضحا أن "نزلة البرد الاقتصادية" ستطول، إذ بدأ الناس والشركات يتراجعون عن الإنفاق أكثر، فانخفضت الأسعار أكثر فأكثر مما أدى إلى توقف عجلة الإنتاج تقريبا. ومن ناحية أخرى، شرعت الحكومة، في محاولة لحل الأزمة المطولة، في طباعة كميات أكثر من النقود، مع خفض أسعار الفائدة إلى الصفر في الوقت نفسه بغية تحفيز الاقتصاد، ولكن لم يكن هناك شيء قادرا على عكس حالة الركود.

في غضون فترة قصيرة، باتت اليابان تعاني مما يسميه بعض الاقتصاديين "فخ السيولة"، إذ يصبح الناس غير مقبلين على الشراء مهما توفر لهم من النقود، وتتراكم النقود في المنازل دون أن تتسرب بأي شكل للاقتصاد، في مواجهة ذلك سعت السلطات لتحفيز الاقتصاد من خلال برامج الإنفاق الحكومية المكلفة، حتى صارت اليابان أكثر الدول المتقدمة المدينة في العالم، ورغم ذلك كان الاقتصاد بالكاد ينمو أحيانا.

لم تكن المشكلة أن اليابانيين باتوا يميلون إلى الادخار لا الإنفاق فحسب، وإنما أيضا كانت هناك مشكلة واضحة في المعروض، إذ أدى الانكماش السكاني مع عدم الانفتاح تجاه الهجرات الواسعة إلى أزمة نقص في العمالة، مما أعاق النمو بدوره، فضلا عن أن الابتكار الياباني الذي كان مشهودا له ذات يوم قد بدأ يتراجع، ولم تعد اليابان كما كانت في السابق مشهورة بالابتكارات الجديدة والفريدة من نوعها.

فتِّش عن الولايات المتحدة

حين نحكي القصة من هذه الزاوية الداخلية، قد يظن القارئ أن نهاية المعجزة اليابانية ودخول النفق المظلم هي أزمة داخلية محضة بدأت بانهيار فقاعة العقارات والأسهم، وتوسطها أزمة مصرفية، ثم جاء الانكماش السكاني وسلوك اليابانيين الاقتصادي ليُتمّها، لكن الواقع أن هناك محفزا خارجيا هو مَن أسهم بشكل أساسي في هذا التعثر الياباني الطويل؛ إنه الدور الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية.

إعلان

كانت اليابان الوحش الاقتصادي المخيف الذي يُرعب الولايات المتحدة الأميركية خلال نهاية السبعينيات والثمانينيات، وكان عديد من السياسيين ورجال الأعمال والصناعة يطالبون بمواجهة التقدم الياباني وهم ينظرون إلى العجز التجاري بين البلدين الذي يصب في صالح اليابان، وإلى البضائع اليابانية التي تغزو الأسواق الأميركية بأسعار رخيصة وجودة عالية، وفي الواقع بدأت الضغوط الأميركية تزداد على اليابان منذ عام 1981، إذ ضغط الرئيس الأميركي رونالد ريغان على طوكيو من أجل فتح أسواقها أمام الشركات الأميركية، ومن أجل وضع حدٍّ للاختلال في الميزان التجاري بين البلدين.

وقد اضطرت اليابان بالفعل في البداية لوضع حدٍّ لعدد السيارات التي تُصدِّرها للولايات المتحدة، وبحلول عام 1985 حدث التحول الأهم؛ وهو اتفاق "بلازا" الذي وقَّعته كلٌّ من الولايات المتحدة الأميركية واليابان وألمانيا الغربية وفرنسا وبريطانيا، وقد نص الاتفاق على رفع قيمة الين الياباني مقابل الدولار الأميركي، حتى يتقلص العجز التجاري بين البلدين وتصبح الصادرات اليابانية أغلى ومن ثم تنخفض تدريجيا، ثم أعقب هذا الاتفاق فرض الولايات المتحدة الأميركية تعريفات جمركية قدرها 100% على الواردات اليابانية في عام 1987.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا يخاطبان الصحفيين في 7 فبراير/شباط 2025 (الفرنسية)

كانت اتفاقية "بلازا" بمثابة ضربة قاصمة للصادرات اليابانية وقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، لكن الأهم أنها كانت بداية سلسلة الأحداث المأساوية للاقتصاد الياباني، فحين ارتفعت قيمة الين بسرعة كبيرة بعد الاتفاق من 240 ينًّا لكل دولار أميركي في 1985 إلى 120 ينًّا لكل دولار بحلول 1988 وتأثرت الصادرات على خلفية ذلك، اضطرت اليابان من أجل تخفيف الآثار إلى خفض سعر الفائدة لكي تحفز الطلب المحلي وتعوِّض الخسائر الخارجية الناجمة عن الاتفاق، ومن هنا بدأت أزمة السيولة الكبيرة وتزايدت المضاربات، وقد أدت التسهيلات الكبيرة في الاقتراض والمضاربة بسوقَيْ العقارات والأسهم إلى ارتفاع أسعار العقارات والأسهم بشدة ومن ثم خُلقت الفقاعة، حيث بات كل السوق يتعامل على أساس تصور غير عقلاني مبالغ فيه للغاية لقيمة الأراضي والعقارات، حتى انفجرت الفقاعة في بداية التسعينيات وتتابعت الأزمات.

إعلان

لقد اعتمدت اليابان اعتمادا شبه كامل على الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث ارتبط أمن اليابان وتعافيها الاقتصادي ارتباطا وثيقا بالسياسات الأميركية وديناميكيات السوق. وكما قدمت العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة بعض المزايا الأمنية لليابان وإمكانية الوصول إلى أكبر سوق استهلاكي في العالم، فقد أوجدت هذه العلاقة أيضا قيودا أعاقت القدرة الاقتصادية لليابان واستقلالها الإستراتيجي، ولعل هذا هو الدرس الذي يجب أن تعيه القوى الصاعدة في عالم اليوم.

مقالات مشابهة

  • السيطرة على حريق غابات هو الأسوأ في اليابان منذ 50 عاماً
  • ماذا حدث لـمعجزة اليابان؟ وكيف أدخلتها أميركا إلى النفق المظلم؟
  • دراسة استطلاعية تؤكد تعزيز الهوية النقدية لرمز الريال السعودي
  • اليابان..احتجزته عارياً في الشرفة حتى مات برداً
  • الدستورية العليا: تشديد عقوبة السير عكس الاتجاه حال ترتب عليه وقوع إصابات
  • مؤسسة اليتيم تدشين فعاليات اليوم الوطني لليتيم بتوزيع الكفالة النقدية والسلة الغذائية
  • تدشين فعاليات اليوم الوطني لليتيم بتوزيع الكفالة النقدية لـ600 يتيم والسلة الغذائية لـ900 أسرة
  • المؤشر الياباني يتراجع متأثرا بهبوط أسهم التكنولوجيا وارتفاع الين
  • قطاع التأمين الإماراتي يحافظ على آفاق النمو الإيجابية
  • اليابان تقدم منحة بقيمة مليار دينار لتطوير متحف السليمانية