تغير مجري حياة السيدة ليلى منذ الساعات الأولي للحرب علي غزة، تحول دورها من مديرة مدرسة تذهب للدوام الصباحي الساعه السادسه والربع صباحًا، تستقبل معلماتها بإبتسامة لطيفه وهى خلف مكتبها تراقب دخول الطالبات للمدرسة وكأنهن خلية نحل، تتناول فنجان قهوتها مع حبات من التمر على عجل، تقرع الجرس تم تنتقل بإتجاه منصه الإذاعة المدرسية تستمتع بفخر للطالبات وهن يرفعن العلم الفلسطيني عاليًا يرددن السلام الوطني الفلسطيني بشموخ وعز وفخر.
يأتى دورها المعتاد في نهاية جدول الإذاعة المدرسية لتلقي التحية على المعلمات والطالبات تم تُعطي بعض العبر و الرسائل الوطنية والتربوية التى تعزز قيمة حب الوطن واهمية دور العلم في تشكيل شخصية المرأة الفلسطينية التى امتدت ادوارها منذ الثورة الكبري في عام 1936 م حتي يومنا هذا، لتعود وتترك بعض النصائح من أجل الاجتهاد والمثابرة في طلب العلم الذي يُعد سلاح للشعب الفلسطيني المحتل منذ عام 1948 م.
تراقب دخول الطالبات للفصول الدراسيه بإنتظام لتعود بعدها لإنجاز مهامها الإدارية داخل مكتبها الذي تستقبل فيه الوفود المختلفه من إدارة مديرية التربيه والتعليم مرورًا بأولياء الأمور انتهاءً بأعضاء من المجتمع المحلي كل هذا من أجل الحصول على أفضل النتائج الإدارية فكان هذا.
ينتهى الدوام ليبدأ يومًا جديدًا يلية اسبوعًا وشهرًا حتى ينتهى العام الدراسي بانجازات يفخر بها الجميع.
اليوم اختلفت الحياة كثيرًا مع دخول الحرب لقرابة السبعين يومًا، أصبحت الفصول الدراسيه اماكن للنازحين قسرًا من بيوتهم حتي باتت دون مساحة فارغه تحولت من استيعاب ثلاثمائة طالب بالحد الأعلي الى استيعاب اكثر من 7000 نازح ينتشرون في كل مكان في الفصول والممرات والساحات من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، تشتعل فيها النيران في كل زاوية لتُستخدم لإعداد الطعام وتجهيز الخبز بسبب اغلاق جميع المخابز في غزة بسبب قصفها وتدميرها المتعمد من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن بقي منها دون تدمير لا يعمل بسبب نفاذ الوقود وغاز الطهى.
رأيت السيدة ليلي في ذات المدرسة لكنها اليوم نازحه وليست مديرة، تُصارع من اجل البقاء تعد الطعام لابناءها تفشل كثيرًا في إشعال النار بسبب عدم توافر الحطب لكنها تنجح بعد عدة محاولات وما ان تنتهي حتي تبدأ مهمه اخري تتمثل في اعداد الخبز الذي يحتاج إلى خطوات ومراحل مختلفه تبدأ بالعجن الذي يستمر لدقائق معدودة بعد اضافة الماء والملح وبعض الخميرة اللازمة، تقوم بتقسيم العجين الى قطع دائرية متساوية الشكل لتنتهى هذه المرحلة بفرد العجين وتركة لمدة لا تقل عن نصف ساعة ليرتاح ويصبح جاهزًا للخبز في فرن بدائي الصنع مصنوع من الحديد ومكون من طبقتين سفلية وعلوية، يتم اشعال الحطب في الجزء السفلى ويوضع العجين في الجزء العلوي مع تحريكه بشكل متواصل حتى ينضج ويتحول لونه من الابيض الي الذهبي الجاهز للأكل.
تكمن صعوبة الأمر في الحصول على الحطب الذي لا يتوافر بسهولة خصوصًا ان قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 360 كم مربع تشكل المباني الجزء الأكبر من مساحته الجغرافية اما المساحة الخضراء فهى تمثل جزء بسيط منه.
أمام فيما يتعلق بتوفير الدقيق فهو أمر يعتبر في غاية الصعوبه بسبب نفاذه من القطاع نتيجة إستمرار اغلاق المعابر التجارية منذ اليوم الاول للحرب وقيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بقصف وتدمير المصانع الخاصه بطحن وتعبئة الدقيق حتى أصبح كيس الدقيق ذو 25 كيلو يُباع بسعر لا يقل عن 100 دولار وأكثر في ظل قلة عدد شاحنات المساعدات الإنسانية التى تبرعت بها بعض الدول العربية للقطاع المنكوب الذي يعاني من إبادة جماعيه منذ اكثر من 73 يومًا مع انعدام الرقابة بسبب عدم قدرة حكومة غزة متابعة الحياة اليومية للمواطنين.
وقد قدرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا عدد النازحين الى مراكز الإيواء لنحو 1.9 مليون شخص ما يمثل أكثر من 80 % من السكان في أنحاء غزة منذ 7 أكتوبر.
لا شك أن الحرب تؤثر على النساء والرجال بشكل مختلف، ولكن النساء والأطفال يعانون بشكل غير متناسب أثناء الحرب وبعدها، فغالبًا ما يكون النساء والأطفال أكثر الفئات ضعفًا وأكثر عرضة للإصابة بالامراض المنتشرة بسبب الازدحام وانعدام النظافة وغياب مقومات الحياه الأساسية حتى ان هناك بيانات صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية تفيذ بأن أكثر من 320 الف شخص مصابون بأمراض تنفسية وجلدية ومعوية، إضافة إلى ملاحظة انتشار امراض الوباء الكبدي، اما فيما يتعلق بمؤشرات الحرب فقد قدرت وزارة الصحة الفلسطينية بأن عدد الشهداء من النساء والاطفال قُدر بأكثر من 60 % من إجمالي عدد الشهداء الذين قُدروا بأكثر من 21000 شهيد.
تواجه النساء في اماكن النزوح مهمات شاقة تتمثل في الحفاظ على تماسك العائلات بعد النزوح، وتوفير الطعام والملبس والمأوى والاكل الصحي في البنية التحتية المدمرة لأطفالهن وعائلاتهن، وهو ما يحدث بشكل كامل قطاع غزة منذ بداية الحرب، وهذا ليس بجديد على المرأة الفلسطينية حيث ما زالت معاناتها مستمره من ويلات الحروب التى عصفت بالقضية الفلسطينية ابتدءً من النكبة عام 1948 إلى الآن، سواء كانت معاناة مباشرة تجاه المرأة أو غير مباشرة من خلال الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي خلّفها الاحتلال وأدت إلى تدهور الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والأمني والصحي والتعليمي داخل الأراضي الفلسطينية، مما ساهم بشكل كبير في سوء أوضاع النساء الفلسطينيات من حيث السلامة والأمن والحصول على أبسط حقوقهن من الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، إلى جانب الأعباء المضافة التي تتحملها النساء عند استشهاد أو اعتقال أحد أفراد الأسرة، وتتحول في معظم الحالات إلى المعيلة الوحيدة للأسرة وهذا الامر يشكل عبء إضافي كبير عليها.
لذا يجب على كافة المنظمات والمؤسسات الحقوقية والنسوية مراعاة و والمطالبة بتطبيق اتفاقية جنيف الخاصة بالمدنيين في أوقات الصراعات المسلحة، وحيث أنّ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية قضى بانطباق مفهوم النزاع المسلح على الأرض الفلسطينية، وبالتالي يعتبر النقل القسري الذي تمارسه سلطات الاحتلال الإسرائيلي مخالفة لاتفاقيات جنيف.
لا أساس قانوني لقيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بخنق ما يزيد عن مليوني و300 الف فلسطيني في قطاع غزة داخل سجن كبير، ومنع المياه والكهرباء والإمدادات الطبية والغذائية والإنسانية عنه كعقاب جماعي له، وكجريمة إنسانية تخالف كل المواثيق والاتفاقيات الدولية لاسيما قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الانسان، وعليه أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي يشكل انتهاكات جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة واتفاقيات لاهاي وميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية ويعد جرائم حرب وجرائم إبادة وضد الانسانية كاملة الاركان.
ان التصعيد الخطير الذي يحدث في قطاع غزة سببه الرئيس غياب الحقوق وتجاهلها، ويجب على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية وخاصة مجلس الأمن الدولي أن لا يقف متفرجا على ما تقوم به دولة الاحتلال من إبادة جماعيه ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزه وعدم السماح لقادة الاحتلال الإفلات من العقاب، وعليهم البحث عن حل جذري يضمن إنهاء الاحتلال وتواجده العسكري على ارض دولة فلسطين وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني هو الطريق الوحيد للحفاظ على الاستقرار والأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
د. حكمت المصري كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
اليوم التالي في غزة بين نرجسية الاحتلال وداعميه وقوة الأمر الواقع الذي فرضته المقاومة!
منذ بدأ الأمريكان وأذنابُهم الحديث بكل صلفٍ وكِبر عن ما يسمى باليوم التالي للحرب على غزة بقولهم: لا مكان لـ"حماس" في إدارة القطاع، وتجهيزهم لملء الفراغ بعد إزاحة الحركة؛ وذلك إما بتعيين حاكم عسكري من قِبل الاحتلال قياسا على الضفة، أو بإسناد المهمة لرئيس وزراء تابع للسلطة بعد القيام ببعض الإصلاحات داخلها؛ متجاهلين غضب "محمود عباس" وتضحياته من أجل إرضاء أمريكا وتل أبيب!.. كل ذلك كشف -باختصار- عن نرجسية الغرب وليس الاحتلال وحده، والتي بدت من سيل التصريحات المُتْرعة بالكِبر والعجرفة ابتداء من "نتنياهو" مرورا بـ"أنتوني بلينكن" الذي ردد خلفه -كالببغاء!- الحديث عن الهزيمة المُدوّية للمقاومة، وزاد من خيلائهم اغتيال عدد من القادة، مع التدمير الكامل والمُتعمّد لكافة مظاهر الحياة بالقطاع..
فما الذي حدث بعد مضي 471 يوما لم يتوقف خلالها القصف الوحشي بالطائرات والصواريخ الموجهة من المسيّرات وقذائف المدفعية الثقيلة، حتى استحالت كل مظاهر الحياة، ولا زالت شهية مصاصي الدماء من اليمين المتطرف لا تعرف الشبع ولا تشعر بالحرج مدعومة من النظام العالمي الغربي والخذلان العربي الرسمي، حتى قُلبت المعادلة رأسا على عقب؟! ترى كيف استطاعت المقاومة فرض الأمر الواقع بعقيدتها ومصابرتها في مواجهة العالم كله؟!
والإجابة عند المحلل السياسي الإسرائيلي "ألون مزراحي":
"ما أصبح أكثر وضوحا في هذه اللحظة الفريدة، هو أن حماس، وهي حركة فلسطينية صغيرة، لم تَهزم إسرائيل فحسب، بل الغرب برمته!! لقد انتصرت في ساحة المعركة، واستفادت بشكل مذهل من قراءتها وفهمها للعقلية الإسرائيلية، واستخدمت كل ما لديها بكفاءة عالية، وكسبت القلوب نحو القضية الفلسطينية، في جميع أنحاء العالم، ولم يتم تدميرها أو تفكيكها، بل احتفظت تقريبا بكل أسير أسَرَته، ولم تستسلم لأي ضغوط!".
سيحكم التاريخ باعتبارها واحدة من أكثر الإنجازات عبقرية، ربما في التاريخ العسكري كله، وهذا أبعد من أن يتم سبر أغواره، ومن دون التفكير أو الإحساس، جعلت إسرائيل من حماس أسطورة المقاومة التي ستعيش في الذاكرة الثقافية على مر العصور، لن تعود قضية فلسطين إلى الظل مرة أخرى!
"انتهى الحلم الصهيوني إذا".. هذا ما جاء في إفتتاحية صحيفة "هآرتس الإسرائيلية" قائلة:
"الفلسطينيون أفضل شعوب الأرض في الدفاع عن أوطانهم، فقد هبّوا للدِّفاع عن حقوقهم بعد 75عاما وكأنهم رَجُلٌ واحِد، لقد كانت خسائرنا تتعدى 912 مليون دولار -كل ثلاثة أيام- نحن نتعرض لحرب نحن بدأناها وأوقدنا نارها وأشعلنا فتيلها ولكننا لسنا مَن يُديرها، وبالتّأكيد لسنا مَن ينهيها! الفلسطينيون ببسالتهم أثبتوا أنهم هم فعلا أصحاب الأرض، ومَن غير أصحاب الأرض يدافع عنها بنفسه وماله وأولاده بهذه الشراسة وهذا الكبرياء والتحدي؟!
وأنا كيهودي أتحدى أن تأتي إسرائيل كلها بهذا الانتماء وهذا التجذُّر في الأرض، ولو كنا كذلك لما رأينا ما رأيناه مِن هروب اليهود بتلك الأعداد الهائلة في المطارات.
وللمفارقة فإن جيوش دول بكامل عِتادها لم تجرُؤ على ما فعلته المقاومة الفلسطينية في أيام معدودات بعد أن سقط القِناع عن الجندي الإسرائيلي الذي لا يُقهر وأصبح يُقتل ويُخطف، وطالما أن تل أبيب ذاقت صواريخ المقاومة، فمِن الأفضل أن نتخلّى عن حلمنا الزائف بإسرائيل الكبرى!!".
إنها قوة الأمر الواقع الذي فرضته "حماس وأخواتها" وتحدوا به العالم كله!".. توقفت المعارك وأُجبر العدو الصهيوني على الانسحاب، بعد الخسائر التي تلقّاها في جنوده وعتاده ما بين قتيل ومقطوع الأطراف بخلاف المدمرين نفسيا ممن عاينوا شراسة رجال المقاومة تلك التي تُدرّس في الأكاديميات العسكرية، مما اضطر "بنيامين نتنياهو" إلى الإذعان لضغوط الرئيس الأمريكي "ترامب" متوافقا مع الرغبة المُلحة لقادته العسكريين بضرورة إبرام اتفاقية لتبادل للأسرى بسبب العجز الكامل عن تحرير أسراهم، متجاهلا نرجسية أعضاء حكومته من الصهيونية الدينية أمثال "بن غفير" و"سموتريتش"..
أحدثت المقاومة ما اعتادته من الصدمة للعالم كله، بعد ظهور عناصرها في حي السرايا وميدان فلسطين، أثناء تسليم الأسيرات الثلاث ثم المجندات الأربع مرتدين زيهم الأخضر المُبهج أثناء قيامهم بعمليات التسليم والتبادل، بدقة عالية في التنظيم، ومهنية ملحوظة في إصدار بطاقات الإفراج أثارت دهشة ممثلي الصليب الأحمر، ثم ظهورهم بسيارات البيكبات -الدفع الرباعي- والتي أقلّت رجالهم، ما أحدث صدمة لدى المحللين الإسرائيليين بقولهم: أين كانت تلك السيارات أثناء تواجدنا في القطاع طوال 471 يوما؟!
فرضت المقاومة بقوة الأمر الواقع واقعا متغيرا كان بمثابة التحدي للعالم كله وقد وفّى قادتها بوعودهم كما قال الشهيد القائد "إسماعيل هنية": سنزيد من غلة أسرى العدو حتى يرى أسرانا النور! ووفّى الشهيد "يحيى السنوار" بوعده حين قال: سنُغيّر بالطوفان وجه العالم كله! ووفّى "أبو عبيدة" -الناطق العسكري للقسام- بوعده لأبطال نفق الحرية بأن من يحررهم من سجون الاحتلال هم سجّانو الاحتلال أنفسهم! وقد أُدرجت أسماؤهم ضمن الصفقة المباركة..
سلامٌ على غزة وأهلها من المرابطين البواسل، وسلامٌ على نساء غزة ممن علّموا أشباه الرجال في منطقتنا العربية معنى الرجولة!