جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-31@20:55:20 GMT

عندما تصبح السيارات ذاتية القيادة

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

عندما تصبح السيارات ذاتية القيادة

 

مؤيد الزعبي

كل المؤشرات الحالية تُشير إلى حتمية واحدة؛ أن شوارعنا ومدننا ستخلو من السيارات بشرية القيادة في قادم السنوات، فهل تخيلت كيف ستصبح الشوارع بلا سائقين بشر؟ وهل سيكون هذا مفيدًا لنا كبشر؟ وكيف سنقضي أوقاتنا داخل سياراتنا؟ أسئلة سوف أحاول أن أتخيل إجاباتها بناء على المعطيات الحالية مع لمسة من الخيال تثري تجربتك عزيزي القارئ.

حسب التوقعات فإنه بحلول 2050 ستمتلئ شوارعنا بالسيارات والشاحنات أو حتى الطائرات ذاتية القيادة، وستكون السيارات القديمة "ما نستعمله حاليًا من سيارات" ستكون تستخدم فقط في الحلبات الخاصة أو لممارسي قيادة السيارات كهواية أو حبًا وشغفًا وليس للأناس العاديين ممن يستخدمون السيارة للتنقل، وسيكون بمقدورك عزيزي القارئ أن تستمتع بسيارتك ذات المحرك البنزين أو الديزل هناك فقط في الحلبات وتسمع صوت هدير المحركات وصرصرة العجلات وأن تمارس قيادة السيارة كرياضتك في نهاية الأسبوع، أما تنقلاتك اليومية فدعها للسيارات الذكية ذاتية القيادة.

لا تستغرب عزيزي القارئ لو وجدت إعلانًا يدعوك لتجربة قيادة شاحنة ضخمة أو سيارة بمحرك 4 سلندر كنوع من المغامرة ضمن جولة ألعاب أو تسلية في إحدى المدن الترفيهية أو حتى يُحسب لمدن مُعينة أنها وجهة لعشاق السيارات الكلاسيكية بشرية القيادة، ويُقطع من أجلها مئات الكيلومترات لعيش هذه التجربة، قد تقول في سرك وما هذا فقد هرمنا من القيادة وليس هناك ما يستدعي لأن تكون القيادة هواية أو تجربة ومغامرة؛ وهذا رأيك وأحترمه ولكن ما هو رأيك لو قلت لك إن هناك جيلًا كاملًا من ملايين البشر سيُولد ويعيش دون أن يجرب هذا الأمر، وسيكون مثيرًا له لو أتيحت له هذه التجربة خصوصًا وأن هناك ملايين المحفزات الحالية من أفلام ومضامير سباق تعج بالملايين لمشاهدة سيارات تتسابق أو سيارات بمحركات كبيرة تتنافس فيما بينها وسيكون الأمر مثيرًا لو كان هذا الأمر عملة نادرة في قادم الوقت.

السؤال الذي يطرح نفسه وأجد من المهم أن نُجيب عليه: هل علينا أن نتعلم السياقة في المستقبل؟ والإجابة من وجهة نظري أنه لا حاجة لذلك؛ فلماذا تتعلم السياقة وهناك سيارات ذاتية القيادة هي من تستخدمها في حياتك اليومية وتعليم السياقة سيكون أيضًا مهارة مكتسبة لمحبي تعلم المهارات أو المغامرين أو محبي الاستكشاف والخوض في تجارب الماضي تمامًا كمن يتعلم التزلج أو القفز بالمظلات في وقتنا الحالي.

وبالعودة لشكل مُدننا وشوارعنا، فستكون منضمة ومنضبطة أكثر من وقتنا الحالي وكأن الشوارع تحولت لسكك قطار وهمية، تتحرك السيارات فيها ضمن مسارات محددة ومدروسة بدقة، ولو تأملت شارعًا سريعًا ستكون أمام صورة رائعة من أخلاقيات الطريق وسلامته فالذكاء الاصطناعي سيقوم بكل ما يلزم لإتقان السياقة أولًا والالتزام بقواعد السير ثانيًا وفهم الشوارع والمسارات والطرق ثالثًا، وهذه الخصائص ستمكننا من إلغاء حوادث الطريق بشكل نهائي، وستتصدر شاشات التلفاز وتتناقل مواقع الإخبار أخبارًا عاجلة عند وقوع أي حادث مروري فحينها سيكون السبب غير عادي وغير متوقع؛ ربما سقوط شجرة من شدة المطر أو انهيار أرضي في إحدى الطرق أو اختراق لأنظمة سيارات معينة أو محاولة لاغتيال إلكتروني بواسطة السيارات لإحدى الشخصيات البارزة.

وبالعودة لتساؤلنا: كيف سنقضي أوقاتنا داخل سياراتنا؟

أتوقع أن تتحول سياراتنا لساحات ومساحات للترفيه والاسترخاء، فيمكن أن تمارس ألعابًا إلكترونية داخل السيارة، أو يكون هذا وقتك المفضل لمشاهدة فيلم مع العائلة والأصدقاء خصوصًا عندما تقرر السفر لمسافات طويلة، أو ربما تحولها لمركز إبداع شخصي تكتب مذكراتك بداخلها أو تعزف الموسيقى أو ترسم لوحاتك الفنية، وربما تتحول لغرف اجتماعات وعمل وستكون السيارات مكانًا مناسبًا لعقد اجتماعات؛ سواءً حضورية أو عن بعد مع الموظفين أو المديرين، وربما تتحول لمكان سري لعقد الصفقات! وليس هناك ما يمنع من أن تتحول السيارات لمكان للاحتفال بمناسباتك السعيدة ولحظاتك المميزة مع شريك الحياة.

بشكل عام أعتقد عزيزي القارئ أن السيارات ذاتية القيادة قادرة على أن تجعل حياتنا أكثر أمانًا وكفاءة وراحة، ويتخلق لنا المزيد من التجارب الحياتية سواء داخل سياراتنا أو حتى هناك في مضامير السباق، وعلى جانب آخر ستتيح للحكومات بأن يتخلصوا من أعباء الطرقات وإدارتها والالتفاف لإيجاد تجارب أكثر جمالًا للمشاة ولركوب الدراجات فجل طاقتنا في تخطيط مدننا يذهب للطرقات ومعالجة مشاكلها مع سلوكيات السائقين البشر، وعندما نتخلص من هذه الأعباء سيكون أمامنًا متسع من الوقت والمال والجهد لنوفره لتجارب بشرية أكثر جمالًا وأمانًا؛ وإلى حينها تذكر عزيزي القارئ أن صوت سيارتك الذي تجده مزعجًا وسلوك السائق البشري الذي يزعج سيكون تجربة مثيرة في المستقبل، فلا تنسْ أن تعيشها اليوم!

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

“اللجنة” لصنع الله إبراهيم: كيف تسائل الرواية أنظمة القهر؟

إبراهيم برسي

تُعد رواية “اللجنة” لصنع الله إبراهيم أحد أهم الأعمال التي كسرت القوالب التقليدية للسرد العربي الحديث. فمن خلال بنيتها التجريبية، وتحليلها العميق للسلطة والاستلاب،
تقدم الرواية قراءة نقدية لأنظمة القهر السياسي والاقتصادي، مما يجعلها وثيقة أدبية تحمل بعدًا فلسفيًا يتجاوز زمنها. حيث تجاوزت القوالب التقليدية للسرد لتقدم نصًا عميقًا ومتعدد الأبعاد.
استطاع صنع الله إبراهيم أن يمزج بين السرد الفني والنقد الاجتماعي والفلسفي، مما يجعل الرواية وثيقة إنسانية تكشف عن تحولات النظام العالمي وهيمنة الرأسمالية وآليات الاستلاب.

يستنطق صنع الله واقع الهيمنة السياسية والاقتصادية عبر أسلوبه الفريد. يتعامل مع الكلمات كأدوات مواجهة ضد البنى الفوقية التي تمارس استلابها اليومي على الفرد والمجتمع.

إن نصوصه، والتي منها “اللجنة”، ليست مجرد سرديات أدبية بل مساحات للتحليل البنيوي للسلطة والهوية. تجعل القارئ أمام مرآة تعكس تناقضاته مع النظام السائد.
صنع الله، الذي ينهل من تجارب الواقعية الاشتراكية ويناهض الهياكل الاقتصادية النيوليبرالية، يقدم الأدب كفعل مقاومة لا كوسيلة ترفيه.

تُعد رواية “اللجنة” نموذجًا أدبيًا جريئًا يستنطق منظومة الاستبداد السياسي والاقتصادي.
في الرواية، يتم استدعاء البطل أمام ‘اللجنة’ ليخضع لاستجوابات غامضة حول قضايا لا تُوضح طبيعتها بالكامل. تتلاعب اللجنة بأسئلتها وتوقعاته، مما يضعه في حالة دائمة من القلق والارتباك.
هذا الغموض يعكس كيف تعمل السلطة الحديثة على تحييد الفرد وتجريده من إرادته تحت مبررات بيروقراطية لا يمكنه فهمها أو مقاومتها، والتي تتخفى خلف أقنعة البيروقراطية.

يظهر هذا بوضوح في التجربة العبثية التي يخوضها البطل مع “اللجنة”، حيث تكشف الرواية عبر سيرورتها عن كيفية استلاب الفرد من خلال الإذعان لسلطة غامضة وغير محددة، ما يجعل الإنسان خاضعًا لنظام يفرغ هويته المتجذرة من محتواها ويضعه في حالة وجودية من الانفصال عن الذات.

هذا المظهر يتقاطع مع تحليلات فوكو حول السلطة التي لا تتجلى في مؤسسات محددة فقط، بل تتخلل أنسجة المجتمع عبر خطابها وآلياتها الرمزية. “اللجنة” ليست مجرد مؤسسة، بل هي تعبير عن عقلية التحكم التي تحكم العالم الحديث، حيث تُطمس الحدود بين ما هو واقعي وما هو تمثيلي.

تعتمد الرواية على بنية سردية تتسم بالتجريبية والعبثية. يعكس هذا فلسفة عدمية مضمرة تسائل جدوى الأنظمة الوضعية في احتواء الوجود الإنساني.
يمكن قراءة ذلك من خلال عدسة التحليل البنيوي الذي يركز على كيف أن السرد ذاته يتحول إلى أداة للتشكيك في الثنائيات الكبرى.
تشبه تجربة البطل في ‘اللجنة’ ما طرحه ألبير كامو في ‘أسطورة سيزيف’، حيث يجد الإنسان نفسه في مواجهة أنظمة عبثية، لا يستطيع فهمها أو التكيف معها. البطل، رغم محاولاته للإجابة على أسئلة اللجنة أو فهم دوافعها، يبقى عالقًا في دائرة مغلقة من القهر وعدم اليقين.
هذا الانفصال عن المنطق والعدالة يعكس أزمة الوجود الإنساني في عالم تتحكم فيه قوى فوقية مجهولة، مما يثير تساؤلات حول الثنائيات الكبرى: المعرفة والجهل، الحقيقة والوهم، الفرد والجماعة.

نجد هنا صدى لأفكار رولان بارت حول “موت المؤلف”، حيث يغيب صوت الكاتب ليحل مكانه نص مفتوح للتأويل.
في “اللجنة”، يصبح البطل رمزًا لذواتنا المعذبة، العاجزة عن فهم عالمها، ما يخلق نوعًا من التوتر النفسي بين القارئ والنص.

من خلال تسليط الضوء على مركزية “اللجنة”، تُبرز الرواية نقدًا عميقًا للرأسمالية العالمية التي تحكمها “لجان” رمزية تسير الاقتصاد والسياسة في الخفاء. إن استعراض الرواية لهذه الفكرة يقترب من رؤية ماركس حول الهيمنة الطبقية، حيث تُصبح السلطة أداة لشرعنة الاستغلال الممنهج للأفراد.

يبرز صنع الله إبراهيم الصراع بين الهويات المحلية والأدوات الرأسمالية الكونية، في محاولة لاستعادة ما يسميه غرامشي بـ“الهيمنة الثقافية”.
ففي الرواية، يتم توظيف وسائل الإعلام والتعليم والبيروقراطية كوسائل لفرض هذه الهيمنة، مما يؤدي إلى إنتاج سرديات تتلاعب بالوعي الجمعي وتُعيد تشكيله وفقًا لمصالح الطبقة المسيطرة.

اختيار صنع الله للغة حادة ومتقشفة يعكس الرغبة في فضح زيف البنية الخطابية السائدة.
تتسم اللغة بالواقعية والجفاف، ما يجعلها أداة لزعزعة الاستقرار العاطفي للقارئ.
تُستخدم اللغة في الرواية بأسلوب يتجنب الوصف الزائد أو الزخرف.
فعلى سبيل المثال، وصف مشهد استدعاء البطل أمام اللجنة يأتي مباشرًا وجافًا، ما يجعل القارئ يشعر بثقل اللحظة وعدميتها.
هذه الحدة اللغوية ليست مجرد اختيار أسلوبي، بل هي أداة تُظهر الانفصال بين الفرد والمؤسسات المحيطة به ووضعه في مواجهة مباشرة مع وحشية الواقع.
يشبه ذلك استخدام كامو في “الغريب” للغة كوسيلة لتجسيد العبثية.
النصوص في “اللجنة” ليست فقط أدوات تعبير، بل هي أيضًا كيانات فلسفية تُحرض على التفكير.

الرواية تُمثل مثالًا على ما يُمكن أن نُسميه بـ“اللغة المقاومة”، تلك التي لا تخضع للقواعد المألوفة التي تهدف إلى تسكين القارئ أو جذبه، بل تصدمه وتعيد ترتيب علاقته بالعالم.
بهذا المعنى، تتجاوز الرواية حدود السرد التقليدي لتصبح نصًا فلسفيًا يطرح أسئلة حول كيفية استخدام الخطاب لتكريس الهيمنة أو لفضحها.

تتقاطع هذه الفكرة مع رؤى جاك دريدا حول التفكيك؛ حيث اللغة ليست ثابتة ولا بريئة، بل هي وسيط يتلاعب بالمعاني وينزعها من يقينيتها.
بهذا، تتحول “اللجنة” إلى مختبر تفكيكي يُظهر هشاشة الأنظمة السياسية والثقافية، ويُعيد للقارئ دور المُفكر والمُفسر بدلًا من كونه مستهلكًا للنص.

“اللجنة” ليست مجرد نص أدبي، بل هي نص فلسفي متعدد الطبقات يحاكم السلطة وهيمنتها على الأفراد في عالم يعج بالسرديات المتجذرة في أنظمة الاستلاب والقهر.
إن الرواية، عبر بنائها المعماري المعقد ولغتها المتقشفة والعبثية، تدفع القارئ إلى إعادة التفكير في موقعه كفرد ضمن منظومة أوسع تحاول استلابه من ذاته.

في هذه الرواية، يكشف صنع الله إبراهيم كيف يمكن للسردية الأدبية أن تكون مرآة فلسفية تجسد قضايا الإنسان الحديث: قضايا الهوية، والاغتراب، والاستلاب في مواجهة هيمنة الرأسمالية العالمية وآلياتها الخفية.
إن “اللجنة” تُعيد طرح تساؤلات وجودية كبرى عن موقع الفرد بين القوى الأكبر التي تتحكم بمصيره، مما يجعلها نصًا يتجاوز أبعاده السردية ليصبح فعلًا فكريًا ومقاومًا في آنٍ واحد.

لا يمكن قراءة الرواية دون التفكير في تأثيرها البعيد على وعي القارئ.
فهي تقدم نقدًا عميقًا للأنظمة القمعية، بطريقة تجعل القارئ متورطًا عاطفيًا وفكريًا.
كما أن تجربة البطل في مواجهة اللجنة تُذكرنا بتحليل أدورنو وهوركهايمر عن “جدل التنوير”، حيث تصبح الأدوات التي يفترض أن تحرر الإنسان هي ذاتها التي تقيده وتخضعه.

صنع الله إبراهيم يدعو القارئ، بشكل غير مباشر، إلى المقاومة الفكرية لتلك السرديات الهيمنية، وإلى التفاعل معها بتساؤل دائم.

ختامًا، يمكننا القول إن “اللجنة” ليست مجرد عمل أدبي، بل هي وثيقة إنسانية تحمل في طياتها رؤية فلسفية عميقة لنظام الهيمنة العالمية.
بهذا المعنى، تقف ‘اللجنة’ في مصاف الروايات العالمية الكبرى التي تناقش قضايا الإنسان المعاصر مثل ‘1984’ لجورج أورويل و’محاكمة’ كافكا.
إنها ليست مجرد انعكاس للواقع العربي، بل هي أيضًا صرخة إنسانية ضد كل أشكال القهر والاغتراب التي يعاني منها الفرد في مواجهة أنظمة تسعى لتفريغه من جوهره.
بمهارة نادرة، يجعل صنع الله من السردية وسيلة لتفكيك الخطابات السلطوية وكشف تناقضاتها، ليبقى النص شاهدًا حيًا على قدرة الأدب على الوقوف في وجه التسلط، والتحريض على استعادة الإنسان لإنسانيته المسلوبة

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • أخبار السيارات| حقيقة الإفراج الجمركي عن سيارات ذوي الهمم.. سيارة رينو الخارقة الجديدة.. وطرق التخلص من الشبورة باستخدام الموبايل
  • حين تصبح الأزمات النفسية دافعا لقتل النفس.. الجيزة تسجل 5 حالات خلال أسبوع
  • طقس العراق اليوم: أجواء صحوة تتحول الى غائمة جزئيا مع توقعات بهطول امطار غربي البلاد
  • أخبار السيارات| أرخص 5 سيارات من الفئة الإقتصادية مجمعة في مصر..سيارة أوتوماتيك من كيا بأقل سعر للمستعمل
  • مرحة قبل الزواج.. نكدية بعد الزواج!!
  • إيلون ماسك: تسلا تطلق خدمة سيارات أجرة ذاتية القيادة
  • حكم قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾
  • كيف تصبح مليونيرًا من زراعة نباتات العطور في مصر؟
  • “اللجنة” لصنع الله إبراهيم: كيف تسائل الرواية أنظمة القهر؟
  • رئيس الوزراء: سيكون هناك تواجد قوي للشركات المصرية في مشروعات إعادة الإعمار بالعراق