تشكّل «المعركة» التي خاضها الجيش الأردني لساعات مع مجموعات مسلحة حاولت اجتياز حدوده الشمالية مع سوريا «نقطة تحول» في عمليات التهريب، وتسلط الضوء على طبيعة الأطراف المسيطرة على الجانب الآخر من الحدود.
والمواجهات التي استمرت لأكثر من عشر ساعات انتهت ليلة الاثنين بإعلان الأردن إلقاء القبض على 9 مهربين وضبط 4 ملايين حبة «كبتاغون» وأسلحة وذخائر وصواريخ وتدمير سيارة محمّلة بالمتفجرات.


كما تم الكشف عن «مخطط لاستهداف الأمن الوطني»، كما جاء في بيان نقلته وسائل إعلام رسمية عن مصدر عسكري، وتبع ذلك سلسلة غارات جوية ضربت مواقع في محافظتي درعا والسويداء السوريتين، المحاذيتين للحدود.
ووفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان» وناشطون في جنوب سوريا توزعت المواقع التي استهدفتها الغارات والتي تحمل بصمات الأردن دون أن تتبناها عمّان كاملة على منطقة المتاعية القريبة من الحدود والتابعة لمحافظة درعا ومنطقة ذيبين والشعاب وصلخد المحسوبة على محافظة السويداء.
وتقع المناطق المستهدفة بالقرب من الحدود مع الأردن، وحسب ما نقلت وكالة «رويترز» عن مصادر مخابرات إقليمية استهدفت الضربات الجوية «مخابئ لمهربي المخدرات المدعومين من إيران».
المصادر قالت للوكالة أيضا إن «القصف استهدف منازل كبار تجار المخدرات ومزارع أظهرت معلومات المخابرات أنها مخابئ آمنة للمهربين المدججين بالسلاح الذين استخدموا أيضا مسيرة لإسقاط شحناتهم».
من يسيطر على الحدود؟ ورغم أن النظام السوري فقد سيطرته على الحدود السورية مع الأردن بعد تحول الحراك السلمي إلى مسلح إبان انطلاقة الثورة السورية في 2011 استعاد زمام المبادرة العسكرية والأمنية بعد عام 2018 عندما دخل إلى درعا بموجب اتفاق «تسوية» رعته موسكو.
وأتاح الاتفاق للنظام إعادة نشر قواته المعروفة محليا بـ»الهجانة» على طول الحدود وفي غالبية النقاط التي تتوزع من منطقة وادي اليرموك في أقصى الجنوب الغربي وحتى الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، وهي التي كانت خاضعة بالأساس لسيطرته ولم يتغير النفوذ فيها.
يبلغ طول الحدود السورية- الأردنية حوالي 370 كيلومترا، وتمتد من منطقة وادي اليرموك التابعة لدرعا، وصولا إلى المثلث العراقي- السوري- الأردني.
ولا ترتبط محافظتي درعا والسويداء إداريا بالحدود مع الأردن فقط، بل يشمل ذلك محافظة ريف دمشق، والتي تتصل معها بمناطق صحراوية مفتوحة وتحسب على سيطرة النظام، ويعتقد أن غالبية عمليات التهريب تنطلق من خلالها.
ولم يعلّق النظام السوري حتى ساعة إعداد هذا التقرير على «المعركة» التي قال الجيش الأردني إنه خاضها الاثنين، وكذلك الأمر بالنسبة للغارات التي استهدفت مواقع في السويداء ودرعا.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان الثلاثاء أن «خمسة سوريين بينهم امرأة وطفلان قتلوا في ضربات جوية شنها الجيش الأردني قرب الحدود الاردنية-السورية على مواقع تنطلق منها عمليات تهريب المخدرات باتجاه المملكة».
وأوضح المرصد أن «الطيران الحربي الأردني نفذ سلسلة من الغارات الجوية استهدفت مناطق تنطلق منها عمليات تهريب تجار المخدرات المقربين من حزب الله اللبناني والأجهزة الأمنية السورية»، مشيرا إلى أن «إحدى الضربات على منطقة صلخد بريف السويداء أدت إلى مقتل تاجر المخدرات ناصر فيصل السعدي»، المقرب من حزب الله والنظام السوري.
وضمن البيان الذي نشره الجيش الأردني أوضح أن المواجهات خاضها «ضمن نطاق مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية»، وهي الجزء الذي يصل الحدود من جهة منطقة بادية الحماد بريف محافظة دمشق، كما يقول مدير شبكة «السويداء 24»، ريان معروف.
ويضيف معروف لموقع «الحرة» أن المواجهات ومحاولة عبور المهربين يعتقد أنها انطلقت من منطقة الحرّة الواقعة في البادية، وأن الإعلان عن استهداف سيارة تحمل متفجرات يشي بأن المحاولة كانت من الصحراء، كون المساحة واسعة للمناورة.
«إمداد من العمق» ودائما ما تحمّل عمّان مسؤولية عمليات التهريب لميليشيات «تدعمها قوى إقليمية» في إشارة مبطنة إلى إيران.
وتقول في المقابل إن حالة التصاعد ترتبط بضعف السلطة في سوريا، وبغطاء توفره أطراف داخل «الجيش السوري».
وفي غضون ذلك يشير مسؤولون أردنيون وكتّاب مقربون من السلطة إلى ضلوع ميليشيات تابعة لإيران و»حزب الله»، وأنها تنتشر على طول الحدود، وتحظى بغطاء أمني من «الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري.
ويعتبر النظام السوري صاحب السيطرة الأكبر على الحدود الجنوبية مع سوريا.
ومع ذلك هناك جزء تسيطر عليه قوات «جيش سوريا الحرة» والقوات الأميركية، والمعروف باسم «قاعدة التنف» ومنطقة الـ55 كيلومترا.
ويوضح العقيد المنشق عن النظام السوري، إسماعيل أيوب، أن الأخير بعد عام 2018 أقام على طول الحدود «نقاط مراقبة»، بدءا من اليرموك وحتى المنطقة المتاخمة للتنف و»منطقة الـ55».
ويشير لموقع «الحرة» إلى أن السيطرة ورغم أنها بالعلن ورسميا لصالح النظام «يرتبط جزء كبير منها بالميليشيات التي تدعمها إيران، وتتخذ من الصحراء المترامية ومناطق أخرى نقاط انطلاق لعمليات التهريب».
أيوب يقول أيضا إن «نوعية الأسلحة التي تم ضبطها يوم الاثنين وشكل المعركة التي استمرت لساعات طويلة يشي بأن المهربين ينخرطون ضمن جماعات متمرسة ويحظون بإمداد عسكري من العمق».
وللنظام السوري عدة قطع عسكرية في جنوب سوريا، منها «الفرقة 15» والفرقة الخامسة والسابعة والتاسعة، ويضيف أيوب أن «إيران تهيمن على ضباط أصحاب قرار فيها»، وأن «هؤلاء ضالعين في توفير الغطاء لعمليات التهريب وإيصال الشحنات قبل نقلها إلى الطرف الآخر من الحدود».
«لا شيء ثابت» ولأكثر من مرة زار الملك الأردني عبد الله الثاني الحدود الأردنية السورية، وأطلق سلسلة رسائل وتهديدات تتعلق بإصرار جيشه على مواجهة الحرب العابرة للحدود.
وفي أعقاب تحركات التطبيع العربي الأخيرة التقى وزير خارجيته أيمن الصفدي، مع مسؤولين في دمشق، وناقشوا قضايا عدة، على رأسها «التهريب العابر للحدود»، وصولا إلى اجتماع قادة الجيش والاستخبارات.
لكن هذه اللقاءات لم تفض إلى تطورات ملموسة على الأرض، وعلى العكس أخذت عمليات التهريب منحى تصاعدي لتصل إلى حد تهريب الأسلحة الثقيلة والمتفجرات.
الباحث في «مركز عمران للدراسات الاستراتيجية»، نوار شعبان، يوضح أن «المهربون لا يعتمدون على أي شيء ثابت في عملياتهم على الحدود»، مستبعدا أن يكون تركيزهم على جزء معين دون غيره.
ويقول شعبان لموقع «الحرة»: «نتحدث عن قضية كبيرة وعصابات ليست محلية بل دولية، وتستخدم كل ثغرة من الحدود، من درعا ووصولا إلى المثلث الحدودي».
ويعتقد شعبان أن الضربات الجوية استهدفت مخازن مخدرات وأسلحة، وتستخدم كمحطة في الوسط، «ما بين الإنتاج والعبور إلى الهدف».
ويضيف: «من الصعب إنتاج المخدرات في المناطق المستهدفة نظرا لجغرافيتها. هي مناسبة للتخبئة والتخزين وما حصل ضرب شحنة دون ضرب العملية بأسرها».
وترتبط محافظة درعا بشريط حدودي قصير جدا مع الأردن، وعلى جانبيه توجد قرى وبلدات و»حرس حدود وهجانة» وليس مناطق مفتوحة.
ولذلك «من المستبعد أن تمر معظم عمليات التهريب من هذه المنطقة»، كما يقول الناشط المعارض، عمر الحريري.
الحريري يعود بالذاكرة إلى عام 2011 ويوضح أن الأردن أقدم على ضبط حدوده مع درعا بشكل كبير حينها استعدادا لمنع موجات لجوء كبيرة، وبعد 2018 تعزز ذلك، وهو ما انعكس على سياق التهريب ككل.
ويضيف: «العمليات من درعا للأردن شبه غير موجودة، على عكس كلما انتقلنا شرقا حيث يبدأ ظهور المناطق المفتوحة والصحراوية، سواء التابعة لمحافظة السويداء أو بادية الحماد الخاضعة لسيطرة النظام».
ويشير العقيد المنشق عن النظام، إسماعيل أيوب إلى أن «المهربين يراقبون حرس الحدود على الطرف الآخر وتارة يحاولون العبور من السويداء وأخرى من درعا وبالطائرات المسيرة».
«التهريب يتم من المكان الذي يكون مناسبا. الحدود كلها للتهريب ودائما ما يبحثون عن ثغرة ومكان ضعيف»، كما يقول أيوب.
وفي تصريحات نشرت الثلاثاء قال الناطق باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، إن «الأردن تحدث في أكثر من مناسبة عن أن هذه المواجهة مستمرة ويخوضها ضد القوى التي تريد أن تنشر المخدرات وتهرّب السلاح وتطور في قدراتها كلما مر الوقت».
وأضاف مبيضين، حسبما نقلت وسائل إعلام أردنية عنه: «كنا نتمنى أن تقوم الحكومة السورية باتخاذ إجراءات واضحة لوقف الفوضى الموجودة ووقف هذه العمليات»، إلا أن ذلك لم يتحقق، وبالتالي فإن «الأردن سيقوم باتخاذ جميع الإجراءات في مواجهة هذه المخاطر».

المصدر: صحيفة الأيام البحرينية

كلمات دلالية: فيروس كورونا فيروس كورونا فيروس كورونا عملیات التهریب النظام السوری الجیش الأردنی على الحدود طول الحدود من الحدود مع الأردن

إقرأ أيضاً:

لافروف يهنئ نظيره السوري بالذكرى الـ 80 لإقامة العلاقات الروسية السورية

أرسل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف برقية تهنئة لنظيره السوري فيصل المقداد اليوم الأحد، بمناسبة الذكرى الثمانين على إقامة العلاقات الدبلوماسية السورية الروسية.

فيدان: توقف الصراع في سوريا هو الإنجاز الرئيسي لتركيا وروسيا

وأكد لافروف في رسالته على أن "الروابط المتينة بين البلدين والشعبين لها تاريخ عريق وتستند إلى المشاعر المتبادلة من التضامن والصداقة والاحترام".

وأشار الوزير الروسي إلى تراكم خبرة غنية في التعاون الثنائي، على مدى العقود الماضية، والتي هي في تطور مستمر.

وشدد لافروف على أن "روسيا تثمن عاليا التنسيق الفعال في السياسة الخارجية مع سوريا بشأن القضايا العالمية الرئيسية على جدول الأعمال الدولي والإقليمي والثنائي في ظل التحديات المتعددة المرتبطة بالتحول العميق في نظام العلاقات الدولية بأكمله".

وختم الدبلوماسي الروسي رسالته بالتأكيد على ثقته بأن "التعاون بين سوريا وروسيا سيستمر في التعزيز الناجح لصالح شعبي البلدين، وبما يخدم مصالح السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط".

وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي وسوريا في يوليو عام 1944، وتستند في الوقت الحالي إلى معاهدة الصداقة والتعاون السوفيتية السورية الأساسية المؤرخة في 8 أكتوبر 1980، واتخذت العلاقات تقليديا الشكل الودي.

وتحولت الأزمة السياسية الداخلية في سوريا، التي بدأت في أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربي" في مارس عام 2011 إلى مواجهة مسلحة، حيث اتخذت بعض المجموعات المعارضة نهجا إرهابيا متطرفا، وتجاوزت تهديدات بعض الإرهابيين حدود البلاد ووصلت إلى منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.

وفي 30 سبتمبر عام 2015، أعلن رئيس ديوان الكرملين سيرغي إيفانوف، أن الرئيس بشار الأسد طلب مساعدة عسكرية من روسيا.

وقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقترحا إلى مجلس الاتحاد لاعتماد قرار بشأن الموافقة على استخدام وحدة القوات المسلحة الروسية في الخارج، حيث أيد مجلس الاتحاد المقترح بالإجماع.

وأعلن أن الهدف العسكري للعملية هو تقديم دعم جوي لقوات الحكومة السورية في ردها على جماعة "داعش" الإرهابية (المحظورة في روسيا وعدد من دول العالم).

وفي 6 ديسمبر عام 2017 أعلن بوتين تحقيق هزيمة كاملة لتنظيم "داعش" الإرهابي على ضفتي نهر الفرات في سوريا. واستمرت المرحلة النشطة من العملية العسكرية للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية في سوريا حتى 11 ديسمبر عام 2017.

وفي الوقت الحالي، تم الانتهاء من الأعمال العسكرية النشطة على نطاق واسع في سوريا، وتم بالفعل سحب معظم وحدات الجيش الروسي من البلاد، لكن جزءا من القوات لا يزال في البلاد إلى أجل غير مسمى لمحاربة الإرهابيين، حيث شارك في العملية أكثر من 63 ألف عسكري روسي منذ عام 2015.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • جيش الاحتلال يزعم إحباط محاولة تهريب أسلحة عند الحدود الأردنية
  • هل يجتمع أردوغان مع الأسد خلال قمة شنغهاي المقررة في أستانا؟
  • هل يجتمع أردوغان مع الأسد خلال قمة شنغهاي المقررة في أستانة؟
  • لافروف يهنئ نظيره السوري بالذكرى الـ 80 لإقامة العلاقات الروسية السورية
  • الجهات الأمنية السورية تضبط "كمية ضخمة" من المخدرات على الحدود الأردنية
  • فيديو اعترافات.. جرائم قتل واغتصاب في درعا بأوامر من ضابط سوري
  • قرارات مجلس الوزراء الأحد بينها إقرار نظام ترخيص الجامعات الأردنية الخاصة
  • زين ترعى سباق الحسين لتسلّق مرتفع تل الرمان 2024
  • الأمن: تطبيق قواعد الاشتباك مع تاجر ومهرب للمخدرات في لواء الرويشد
  • التربية توضح بخصوص أسئلة امتحان الرياضيات للتوجيهي