الدكتور بنطلحة يكتب: بروتس.. إني أناديك هل تسمعني!؟
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
د. محمد بنطلحة الدكالي- مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء
كلنا يتذكر تلك الصرخة التي أطلقتها «طعنة الخيانة»، والتي نقلها الشاعر الكبير ويليام شكسبير في مسرحيته الشهيرة ذات الفصول الخمسة، حيث كان بارعا في استخدام الأحداث التاريخية داخل نصوص أدبية، حين تحدث عن المكر والخديعة والطعن من الخلف.
ونجد أن تاريخ المجتمعات والأنظمة السياسية، يحفل بالعديد من هذه النماذج التي يستهويها اللعب على الحبال والطعن من خلف… ذلك هو حال هذا البلد الصامد الذي تعرض لطعنات شتى عبر تاريخه الطويل، لكن لم تزده إلا قوة وثباتا، إني أتحدث عن الأمة المغربية العريقة ذات الامتداد الحضاري.
قدرنا أن نتلقى الطعنات من الأشقاء قبل الأعداء، ولعل ملحمة حرب الرمال الباسلة التي خاضها جنودنا الأشاوس ببسالة نادرة قد أظهرت لنا وجها حقيقيا لنظام بلد كنا نعتبره بمثابة الأخ الكبير، ورغم ذلك تعامل المغرب بأخلاق الكبار، واعتبر مغامرة الأشقاء على الحدود الشرقية بمثابة رومانسية ثورية حالمة، تحولت لهم إلى كابوس مخيف، واغتنم المغفور له الراحل الحسن الثاني وهو الملك الحكيم، فرصة انعقاد القمة العربية بالقاهرة التي وصل إليها دقائق قبل انطلاقها، ذلك أن طائرة مغربية حطت بمطار القاهرة وعلى متنها ضباط أسرى من بينهم ضابط سيتولى مقاليد الحكم في ذلك البلد مستقبلا، فكان أن أحدث هذا الموقف الانساني والحضاري الكبير صدمة في نفسية «الزعيم القومي» الذي شعر بإحراج شديد.
لقد غلب الراحل الحسن الثاني صوت الحكمة والعقل والتاريخ المشترك، ومد يد الصفح على الأسرى، واستقبل من طرف الزعيم الذي أهداه إكليل ورد، وقال له حسب ما يرويه الأستاذ عبد الهادي بوطالب: «هديتي لك أكبر من الإكليل، إنها هدية من لحم ودم».
وارتباطا برابطة «اللحم والدم»، تجاوز المغرب غدر الماضي، وقام بتصرف يعكس شيم المغاربة عبر التاريخ، حيث دعم المغرب الأشقاء في حرب أكتوبر وأرسل لواء مشاة إلى الجبهة السورية في الجولان، كما قدم قوات إضافية للقتال تشمل طائرات حربية ودبابات، ناهيك عن مساعدات غذائية وصحية لسوريا ولأشقائنا المصريين، لكن يبدو أن ذاكرة إخوتنا في الدم واللحم، تبدو متعبة وضعيفة، حيث وقعوا مرات متعددة في المحظور تجاه المغرب، لعل أبرزها زيارة وفد إعلامي كبير من بلد أم الدنيا في يونيو 2014 لمخيمات تندوف تلتها حملة صحافية جرى خلالها استضافة زعيم المرتزقة في العديد من الصحف والمجلات ببلد النيل أعقبها زيارة وفد رسمي ترأسه وكيل وزارة الثقافة ما بين 24 و26 أكتوبر 2014 لمخيمات تندوف حيث التقى زعماء هذه المنظمة الإرهابية دون أن ننسى مفاجأة اللحظة الأخيرة بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أواخر يناير سنة 2017 حين قرر المغرب العودة إلى مقعده في الاتحاد الإفريقي الذي غادره سنة 19844.
ورغم دسائس الكواليس، استطاعت المملكة المغربية الحصول على الدعم اللامشروط لـ39 بلدا وعلى دعم الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي ألفاكوندي رئيس جمهورية غينيا، مما مهد الطريق أمام المغرب لاسترداد مقعده بسلاسة خلال القمة ذاتها، ليعلن الأشقاء ترحيبهم بهذه العودة، لكن بعد انتهاء القمة، لتمر بعد ذلك العلاقات بفترة برود طويل.
ومرة أخرى مد المغرب يده البيضاء، وانتصرنا مجددا لـ«رابطة اللحم والدم»، وتقوت العلاقات بين البلدين، فإذا بنا نفاجأ بمناورة استفزازية جديدة في إطار ما يسمى بلقاء «القدرة الإقليمية» لشمال إفريقيا، حيث بدا مثيرا للاستغراب قبول الأشقاء الجلوس في طاولة واحدة مع مرتزقة البوليساريو والتقاط صورة جماعية مع هؤلاء اللقطاء المسخرين من طرف حكام الجزائر للنيل من التراب الوطني المغربي، والذين حضروا لهذا «الاجتماع» باعتبارهم ممثلين لـ«دولة» موجودة على الورق وفي خيالات وهلوسات حكام ثكنة بن عكنون، والتي لا تتوفر على مقومات الدولة ولا تحظى بأي اعتراف على مستوى الأمم المتحدة، اللهم بضع خيام مرقعة فوق أراضي تندوف التابعة للجزائر، وخلال هذه الأيام تطالعنا وسائل الإعلام الدولية بحدث غرائبي يدوس كل قيم الفعل الديمقراطي الإنساني حيث حضر مراقبون من جماعة البوليساريو الإرهابية للاستحقاقات الانتخابية الرئاسية في حفل تنكري بئيس..!!
تلك جملة من المواقف نعتبرها سوء تصرف تجاه المملكة المغربية من أخ شقيق وقع مرات ومرات في المحظور، والذي ما فتئ يؤكد أن بلاده تدعم الوحدة الترابية للمملكة المغربية.
إليك أقول يا «بروتوس»، إن مسرحية شكسبير ذات الفصول الخمسة انتهت منذ زمن طويل، وأضحت عبارة عن حكاية بليغة تتردد عبر الزمن، أما ملحمة المغرب الدولة الأمة أؤكد لك لم ولن تنتهي، أبطالها أسود أشاوس لا تستهويهم الأقنعة واللعب على الحبال، وهم متأهبون دوما لكل طعنة غادرة، وفوق كل ذلك هم كبار متسامحون، كبر جبال الأطلسي الصامدة والتي لا تقتلعها أي رياح.. بروتوس إني أحادثك وبكل روح أخوية.. هل تسمعني؟
المصدر: مراكش الان
إقرأ أيضاً:
رسالة الدكتور عبدالله حمدوك إلى الشعب السوداني في الذكرى الثانية للحرب
تمر علينا الذكري الثانية لهذه الحرب المدمرة التي اجتاحت بلادنا من أدناها الى أقصاها، وأنه من المؤسف
حقا ورغم كل ما لحق بالبلاد وشعبها من الموت والدمار والخراب، ما زال صوت البندقية هو الأعلى ولا
تزال أطراف الحرب تتوعدنا بالمزيد من القتل والدمار والاجهاز على ما تبقى من حطام الوطن.
إنه لمن دواعي الأسف أيضا أن قوى نظام الإنقاذ البائد، الذي أسقطه شعبنا العظيم في ثورة ديسمبر المجيدة،
لا تزال تؤجج نار الحرب ولا يهمها إلا ما يعيدهم إلى كراسي السلطة ويحافظ على ما نهبوه من موارد الشعب
السوداني.
كما أن الانتشار الواسع للممارسات الداعشية مؤخرا، تعيدنا لذات الممارسات والارتباطات التي
كانت قد أدرجت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب طوال عمر النظام المباد، وتهدد اليوم بتحويل
السودان إلى أرض خصبة لجماعات التطرف والإرهاب الدولي.
ومن المقلق للغاية أن نهج النظام السابق في زعزعة الاستقرار في دول الجوار والدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي والذي قد قاد لعزلة البلاد ثلاثين عاما، أخذت تطل برأسها من جديد. ولعل التهديدات العسكرية الصادرة مؤخراً ضد تشاد وجنوب السودان وكينيا ودول الإقليم والدعوة المرفوعة ضد دولة الامارات في محكمة العدل الدولية مؤشرات خطيرة في ذات الاتجاه.
إننا نثمن ونقدر عاليا تحمل دول الجوار ودول الإقليم عبء استضافة الملايين من أبناء الوطن الذين شردتهم
الحرب كما نقدر مساهمة هذه الدول مع المجتمع الدولي في العديد من المبادرات الرامية لوقف الحرب.
وعوضا عن البحث عن كبش فداء علينا التحلي بشجاعة الاعتراف بأن هذه الحرب أشعلتها أيدى سودانية
وعلى عاتق السودانيين وحدهم تقع مسئولية وقفها فوراً.
لست بحاجة إلى تكرار الحديث إليكم عن الآثار المدمرة لهذه الحرب وما تعانونه من ويلات أكبر كارثة
إنسانية في العالم اليوم، فمعاناتكم ماثلة أمام كل ضمير حي وكل من في قلبه ذرة من إنسانية.
وأود أن أحي هنا كل المبادرات الوطنية في مواجهة الكارثة الإنسانية والتي تقودها بشجاعة نادرة غرف الطوارئ والتكايا والطرق الصوفية.
كما أعرب عن التقدير العميق لكل الدول والمنظمات الإقليمية والدولية التي لم تبخل على الشعب السوداني أمام محنته الإنسانية. وفي هذا السياق أرحب بمبادرة المملكة المتحدة بعقد الاجتماع الوزاري بلندن اليوم حول الأزمة السودانية وأدعو الدول المشاركة فيه للخروج بقرارات عملية تساهم في وضع نهاية لمعاناة السودانيين بما في ذلك تدابير عاجلة لحماية المدنيين.