قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن مواقف الأمريكيين باتت منقسمة وبطريقة واضحة بشأن الحرب في غزة بين الجيل الشباب الذين يريدون وقف الحرب وجيل الكبار الذي يدفع بانتصار إسرائيلي حاسم.

وفي التقرير الذي أعده كل من جوناثان وايزمان وروث إيغيلنك وأليس ماكفادين، وترجمته "عربي21"، أشارت الصحيفة إلى أن المواقف من حرب غزة باتت تترك آثارا سلبية على الرئيس الأمريكي جو بايدن وبهامش مناورة ضيق لوقف التداعيات.



وجاء في التقرير أن الناخبين وبشكل عام لا يوافقون على طريقة معالجة بايدن للحرب الدموية الإسرائيلية على الفلسطينيين، وذلك حسب استطلاع أجرته "نيويورك تايمز" و"سيينا كوليج"، ووجد أن الشبان الأمريكيين هم أكثر من الكبار نقدا لطريقة إدارة إسرائيل الحرب في غزة وكذا رد الإدارة الأمريكية عليها.

وقدم الناخبون سلسلة من الرسائل المزعجة عن توجه السياسة الخارجية الأمريكية وما يجب أن تتخذه مع دخول الحرب في غزة شهرها الثالث، حيث تحاول إدارة بايدن الضغط على إسرائيل كي تخفف من مستوى العملية العسكرية. وهناك الكثير من الأمريكيين الذين يريدون مواصلة إسرائيل العملية العسكرية مثل الكثيرين ممن يريدونها تجنب قتل المدنيين.

وعلقت الصحيفة أن الانقسام يترك الرئيس الأمريكي بعدد قليل من الخيارات المستساغة. ويقدم استطلاع نيويورك تايمز/سيينا نذرا ليس لبايدن وهو يدخل العام الانتخابي في 2024 ولكن للعلاقات بين إسرائيل وحليفتها الأمريكية القوية على المدى البعيد.


وقالت إن المواقف المتشرذمة من الحرب بين جماعات الناخبين الديمقراطيين التقليديين تظهر استمرارية في المصاعب التي تواجه بايدن لبناء تحالف كذلك الذي شكله في عامة 2020. وهو تحد سيظل مستمرا حتى لو أظهر النمو الاقتصادي إشارات إيجابية، وتزداد المصاعب القانونية حول منافسه المحتمل، دونالد ترامب.

وبالمجمل يقول الناخبون المسجلون إنهم يفضلون ترامب على بايدن في الانتخابات الرئاسية العام المقبل، حيث يتقدم الرئيس السابق بنقطتين على الحالي أي 46% مقابل 44%. وتراجع أداء الرئيس إلى 37% وبخسارة نقطتين عن تموز/يوليو. ولكن الاستطلاع سجل مستوى من الغموض وعدم اليقين إن كان الناخبون المتأثرين  سيدلون بأصواتهم. ومن الباكر التكهن إلا أن هذا السباق تغير نقطتين وسط الناخبين المحتملين لبايدن.

وأشارت الصحيفة إلى أن مظاهر القلق الاقتصادية لا تزال هي الهم الأكبر للناخبين، حيث قالت نسبة 34% من المسجلين إن الاقتصاد ومظاهر القلق المتعلقة بالتضخم هي أهم المشاكل التي تواجه البلد. وهي نسبة أقل من 45% في تشرين الأول /أكتوبر 2022، ولكنها تظل عالية، بحسب التقرير.

وزادت نسبة الناخبين ما بين 18- 29 عاما في التركيبة السكانية الديمقراطية تقليديا. وقال ثلاثة أرباع منهم إنهم غير راضين عن طريقة معالجة بايدن للنزاع في غزة. وبين الناخبين المسجلين، قالوا إنهم سيصوتون لترامب بنسبة 49% مقابل 34%، وأعرب نفس الناخبين الشباب في تموز /يوليو عن رغبة بدعم بايدن وبنسبة 10 نقاط. وقال غالين لونر، 27 عاما ومهندس برامج الكمبيوتر في سان فرنسيسكو "لا أريد التصويت لأحد لا يتطابق مع قيمي الشخصية، وكما أظهر بايدن أنه ليس كذلك عندما يتعلق الأمر بغزة" ولكنه سأل "هل سأصوت لبايدن أم لا أصوت أبدا؟ وهذا أمر صعب، لأنني لو لم أصوت لبايدن فإنني سأفتح الباب لإمكانية فوز ترامب ولا أريد هذا"، وفقا لما نقلته الصحيفة.

وكشف الاستطلاع أن الناخبين لم يقرروا بعد ماذا سيحدث بعد، وقف إطلاق النار أم استمرار العملية العسكرية ضد حماس. وفي ضوء الخيار بين مساري التحرك، فهناك نسبة 44% طالبت "إسرائيل" بوقف حملتها العسكرية ضد المدنيين، حيث وصلت الضحايا بينهم إلى 20.000 شخصا، حسب وزارة الصحة في غزة.

وبحسب التقرير، فإن هناك نسبة 39% تبنت مسارا مضادا وهو استمرار "إسرائيل" في حملتها العسكرية، حتى لو اقتضى زيادة عدد الضحايا بين المدنيين.

وذكرت الصحيفة أن النتائج قريبة مهما عرض على المشاركين أهداف العملية العسكرية، سواء الإفراج عن الرهائن أو محو حماس (حيث يعني وقف إطلاق النار عدم هزيمة حماس). وقال ويليام هانتغ (24 عاما) الذي يعمل في محل أشفيل، بمدينة نيويورك عن بايدن إنه "يدفع إسرائيل لعقد سلام مع حماس، وأنا شخصيا لا أوافق على بحث إسرائيل عن سلام مع حماس".

وقالت الصحيفة إنه مع ذلك فإن أجوبة المشاركين على السؤال بعد الآخر تكشف عن الأسوأ في "إسرائيل". وقلة منهم ترى أن "إسرائيل" جادة في عقد سلام مع الفلسطينيين. وقالت نسبة النصف أن "إسرائيل" تقتل المدنيين عمدا. وهناك نسبة ثلث أو الربع قالت إنها تتخذ الاحتياطات لتجنب الضحايا المدنيين. وتعارض غالبية المشاركين مساعدات عسكرية واقتصادية لـ "إسرائيل".

وتعلق الصحيفة أن الناخبين بشكل عام يعبرون عن موقف مؤيد لـ "إسرائيل" واقترحوا أن مشاكل صورة "إسرائيل" مع الناخبين الأمريكيين أكثر حدة في الأفق السياسي مما هي عليه الآن. ولكن نسبة 48% من الناخبين المشاركين عبروا عن اعتقاد أن "إسرائيل" لا تتخذ الاحتياطات الكافية لتجنب المدنيين في غزة.

وبحسب التقرير، فإن الأشخاص الذين تم تحديدهم كمستخدمين لمنصة "تيك توك" كانوا الأكثر عنادا في نقدهم لـ "إسرائيل". وقد تعرضت المنصة التي تملكها شركة صينية لانتقادات وبخاصة من الحزب الجمهوري، لكن المستخدمين هم من أكثر النقاد لبايدن وسياساته من "إسرائيل"، حتى عندما يتم التحكم بهم نتيجة للعمر. قال لونر "هناك الكثير من العنف عن الضحايا المدنيين وقصف المستشفيات"  و "أحاول أخذها على محمل  الجد والاعتراف بأنها منصات تواصل اجتماعي ويمكن أن تكون أي شيء، ولكنها تبدو وكأنها منظورا ميدانيا لما يحدث في الحقيقة".


وكشف الاستطلاع عن تحول حرب غزة إلى مسألة حزبية. وعلى مدى سنوات اتهم  ترامب الحزب الديمقراطي بتقويض حكومة "إسرائيل" وناشد اليهود بترك الحزب الذي اعتبره الكثيرون بمثابة مظلتهم. واليوم يبدو أن المسألة صارت حزبية وقد تؤثر على وضع اليهود في الحزب الديمقراطي. فقد قالت نسبة 76% أنها تتعاطف مع "إسرائيل" وتفضلها على الفلسطينيين. وتصل النسبة بين الإنجيليين الذين يمثلون قاعدة صلبة في الحزب إلى 80%.

وأشارت الصحيفة إلى أن الديمقراطيين لم يظهروا إجماعا، حيث قالت نسبة 31% أنها متعاطفة مع "إسرائيل" ونسبة 34% مع الفلسطينيين وقالت نسبة 16% إنها متعاطفة مع الطرفين.

وقالت الصحيفة إن الخلاف الجيلي بشأن الصراع الذي مضى عليه 75 عاما لا يعكس التجربة الجيلية ولكن استخدامهم لمنصات التواصل الاجتماعي. واشتملت عينة نيويورك تايمز/سيينا على عينة من 1.016 من الناخبين المسجلين حول البلد وتم إجراؤها عبر الهاتف ما بين 10-12 كانون الأول /ديسمبر 2023، وكان هامش الخطأ، زيادة ونقصان هو 3.5% للناخبين المسجلين.
.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة بايدن الفلسطينيين امريكا فلسطين غزة الاحتلال بايدن صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العملیة العسکریة نیویورک تایمز فی غزة

إقرأ أيضاً:

16 مارس خلال 9 أعوام.. أكثر من 100 شهيد وجريح في جرائم العدوان السعودي الأمريكي على اليمن

يمانيون../
واصل العدوانُ السعوديّ الأمريكي، في السادس عشر من مارس خلال الأعوام: 2016م -2019م، ارتكابَ جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والخروقات والانتهاكات للقوانين والمواثيق الدولية والإنسانية، بسلسلة غاراته الجوية المباشرة، وقصف جيشه ومرتزقته المدفعي والصاروخي، على المنازل وقوارب الصيد ونقل المهاجرين، وشاحنات نقل المواد الغذائية والممتلكات والمزارع وخيام النازحين، والمصانع، في محافظات صعدة، والحديدة، ومأرب.

أسفرت عن أكثر من 100 شهيد وجريح، بينهم أطفال ونساء، وصيادون وسائقون ومرافقون وعمال ونازحون، وعشرات القتلى والمصابين الأفارقة، كانوا في طريقهم للعودة إلى السودان، وتدمير الممتلكات والقوارب، ومفاقمة الأوضاع المعيشية، لعشرات الأسر التي خسرت معيليها، ومصادر دخلها، وجرائم حرب تستهدف البنية الاقتصادية والاجتماعية، وتعمق المأساة الإنسانية، وتنهي مقومات الحياة ومظاهرها، وتشديد الحصار على بطون وأمعاء شعب أعزل.

وفيما يلي أبرز التفاصيل:

16 مارس 2016.. شهداء وجرحى بغارات سعودية أمريكية تُدمر مصنع خولان للبلاستيك وتُفجِّر أزمة اقتصادية واجتماعية في صعدة:

في السادس عشر من مارس عام 2016م، أضاف العدوان السعودي الأمريكي، جريمة حرب جديدة، إلى سجل جرائمه بحق الإنسانية في اليمن، مستهدفاً مصنع خولان لصناعة البلاستيك، في مدينة صعدة، ما أسفر عن استشهاد وجرح عدد من المواطنين والعمال، وتدمير مباني المصنع واحترقت محتوياته والسيارات والآلات والمعدات، وتلفت الممتلكات والمخازن.

استهداف العدوان لمصنع البلاستيك، ليس مجرد جريمة حرب إنسانية واقتصادية، بل هو استهداف ممنهج لرمز من رموز الصمود الاقتصادي في محافظة تعاني حصاراً خانقاً منذ سنوات، هنا لم تكن الغارات تُدوي في الفراغ، بل في قلوب مئات العائلات التي ارتبطت أرزاقها بذلك المصنع، الذي تحوَّل بين عشية وضحاها إلى كومة من الحديد المحترق والمدمر والدخان الأسود، وحول الآمال إلى رماد، وفاقم أزمة معيشية واقتصادية واجتماعية وإنسانية.

الجريمة المزدوجة: إبادة الإنسان وتدمير الاقتصاد

أسفر الاستهداف عن شهداء وجرحى من العمال والمواطنين الذين كانوا يُحاولون إنقاذ ما تبقى من مصادر رزقهم، بينما اشتعلت النيران في خطوط الإنتاج، والسيارات، والمواد الخام، مُحَوِّلةَ أحلامَ عائلاتٍ بكاملها إلى رماد، يقول “أحد الجرحى”، أحد الناجين من العمال، وهو يُمسك ببقايا آلته المحترقة، “هذا المصنع كان يُطعم 300 أسرة… اليوم، لا نوابضَ في الآلات ولا خبزَ على الموائد، كل شيء تحول إلى رماد ودمار، وأخرج المصنع عن الجاهزية، وبات مجرد خردة وأكوام حديد.

مصنع خولان: أكثر من جدران

لم يكن المصنع –الذي تأسس برأس مال مواطن– مُجرد منشأة صناعية، بل كان شرياناً حيوياً لاقتصاد صعدة المَحْصورَة، حيث يُنتج مواد بلاستيكية أساسية تُستخدم في الزراعة، وتخزين المياه، وحتى في صناعة مقاعد المدارس، وصناديق تسويق الخضروات والفواكه، وأكياس البلاستيك، مع تدميره ارتفعت أسعار المواد المستوردة، وفقاً لتجار محليين، ما فاقم معاناة الأهالي الذين يعتمدون على العائدات الزراعية والأعمال الحرة، المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

تداعيات اجتماعية: بطالة وجوع وهجرة قسرية

أصبح عمال المصنع فجأةً عاطلين عن العمل في منطقةٍ لا فرصَ فيها إلا للحرب، تقول “أم يوسف”، زوجة أحد العمال المصابين: «زوجي فقدَ ساقه في القصف، وفقدنا بعده دخله الوحيد… كيف ندفع ثمن دوائه الآن؟». كما تحذِّر تقارير إنسانية من موجة هجرة جديدة للشباب اليمني نحو الخطوط الأمامية بحثاً عن أي مصدر رزق، أو نحو رحلات الهجرة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر، في أراضي مملكة العدوان.

انتهاك صارخ.. وسؤالٌ عن العقاب

يُندِّد خبراء قانونيون باستهداف المنشآت الاقتصادية المدنية، الذي يُمثِّل انتهاكاً للمادة 52 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف، والتي تحظر تدمير الأعيان الضرورية لبقاء السكان، تُعلق منظمة محلية: «العُدوان لا يقتل البشر فقط، بل يدفن أي أمل في استعادة الحياة الطبيعية».

اليوم، تقف صعدة أمام جريمة حرب مركبة: جثث تُدفن، وأسر تُباع أغراضها المنزلية لشراء الخبز، ومصدر الأكياس البلاستيكية والصناديق وشبكات الري التي كانت تُنقذ محاصيل المزارعين من الجفاف حوِّلها العدوان إلى حطام، فهل يجيبُ المجتمع الدولي عن سؤال الأرامل والأطفال: مَن يُعيدُ بناءَ مصنعهم الصغير، ويُعيدُ لهم كرامتهم الضائعة؟!

16مارس 2017.. 46 شهيداً وجريحاً وعشرات الضحايا الأفارقة في 3 جرائم حرب بقصف طيران العدوان السعودي الأمريكي لقوارب الصيادين والمهاجرين وقوافل الغذاء بالحديدة:

وفي اليوم ذاته من العام 2017م، ارتكب العدوان السعودي الأمريكي 3 جرائم حرب، وإبادة جماعية، في الحديدة، باستهداف غاراته الجوية لقوارب الصيادين في سواحل مديرية الدريهمي، وخمس شاحنات محملة بالدقيق والمواد الغذائية الأساسية على الخط الساحلي بمديرية التحيتا، قارب مدني يحمل اسم “جلبة”، كان على متنه عشرات المهاجرين الأفارقة، بينهم أطفال ونساء، في طريقهم إلى السودان، ما أسفر عن 25 شهيداً و 21 جريحاً من صيادين وسائقين ومرافقين، وعشرات القتلى والمصابين من الجاليات الإفريقية، ودمار كبير وخسائر مادية ومالية واسعة في الممتلكات والأعيان المدنية، ومضاعفة المعاناة لعشرات الأسر، وحرمانها من مصادر عيشها، وتحويل مياه سواحل البحر الأحمر قبالة المحافظة، إلى مسرح لمأساة إنسانية هزت ضمير العالم.

التحيتا: 18 شهيداً و13 جريحاً في جريمة حرب لغارات العدوان استهدفت 5 شاحنات محملة بالمواد الغذائية على الخط العام

في الصباح الباكر، استهدف العدوان، خمس شاحنات محملة بالدقيق والمواد الغذائية الأساسية على الخط الساحلي في مديرية التحيتا، هذه المرة، لم تكن الشاحنات تحمل ذخائر، بل أكياساً من القمح والأرز لتسد جوع الأسر النازحة، وأسفرت عن 18 شهيداً، و13 جريحاً من السائقين والمدنيين المرافقين، وتحولت الشحنة الإنسانية إلى رماد ونار وأشلاء متفحمة، ودماء مسفوكة، وهياكل حديد محطمة.

يقول أحد الجرحى: “أنا ماشي في الخط كنت أشاهد ناس مقطعين في الخط العام، وشاحنات النقل والسيارات يحرقن، قلت أدور وأرجع ، تابعني طيران العدوان، واستهدف قاطرتي المحملة بصل وطماطم استشهد المرافق، وجرحت في قدمي”.

بدوره يقول أحد المواطنين: “قاطرتان قمح ودقيق أحرقتهن يا محمد بن سلمان الله يلعنك، هذا قوت الشعب ما علاقة الغذاء بالحرب، تريدون قتلنا جوعاً، والله ما راحت لكم، أين ستذهبون من عذاب الله!”.

مشاهد الشاحنات والمحترقة وحمولاتها من الأرز والقمح والزيوت، المواد الغذائية، والبصل والطماطم، وكذا الجثث المقطعة والأشلاء المتناثرة، والمتفحمة، على طول الخط العام، وتصاعد أعمدة الدخان الكثيف، وسيارات المدنيين التي تقطعت أوصالهم وأجسادهم عليها وتفحمت معها، مشاهد صادمة تهز ضمير الإنسانية، وكل حر في العالم.

الدريهمي: 15 شهيداً وجريحاً بغارات العدوان على قوارب الصيادين

قبل أن تجف دموع الأهالي، استهدف العدوان السعودي الأمريكي مجدداً على بعد عشرات الكيلومترات قوارب صيادين عزل في مديرية الدريهمي، بقصف جوي مكثف وبمشاركة طيران الأباتشي، ما أسفر عن 7 شهداء، و8 جرحى، بجروح خطيرة، وتدمير القوارب، التي كانت تحمل شباك الصيد وأدوات الرزق البسيطة، وسط أمواج البحر، وتحويل كل ذلك إلى حطام متطاير، تاركة وراءها عائلات تُنادي بأبنائها الذين خرجوا بحثاً عن لقمة عيشٍ هزيلة في بحرٍ لم يعد آمناً.

المشهد في كلتا الجريمتين كان مُفجعاً: دماء تختلط بمياه البحر، وصيحات النجدة تعلو بين الأنقاض، وأطفالٌ ينظرون إلى السماء بذهول، بينما تتهاوى صواريخ وقنابل وقذائف طائرات العدوان فوق رؤوسهم، يقول أحد المسعفين الناجين من مجزرة التحيتا: “كنا نظن أن الغذاء سيكون مساعدة لنا… لكنهم لا يتركون لنا حتى حبة القمح”.

بدوره يتابع شاهد عيان: “صيادون كانوا في البحر يصيدون هدفهم جمع الصيد لتوفير قيمة لقمة عيش أسرهم، لا علاقة لهم بأي طرف، مستضعفين، مسحوقين بالفقر والمعاناة، ورغم ذلك استهدفهم الطيران الأباتشي بشكل مباشر، وحرم أسرهم وأطفالهم مصدر عيشهم، هذه جرائم إبادة، جرائم ضد الإنسانية، جرائم يجب أن تنقل إلى محكمة لاهاي، القوارب 2 تم رشهم بالطيران، القارب الأول خرجنا منهم 3 جرحى و5 مفقودين في قاع البحر، والقارب الثاني أخرجنا منهم 2 شهداء و5 جرحى”.

الجريمتان تكرسان انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استهداف المدنيين والممتلكات المدنية، خاصةً في مناطق تشهد أزمة غذائية حادة مثل الحديدة، حيث يعتمد ملايين اليمنيين على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، المنظمات المحلية تدق ناقوس الخطر، مؤكدةً أن استمرار مثل هذه الجرائم تدفع البلاد إلى هاوية المجاعة التي لا عودة منها.

اليوم، تحمل الحديدة الكثير من جرائم الحرب والمشاهد الصادمة والمجازر الوحشية، في ذاكرتها، بينما تنتظر العالم ليرى… هل ستُحاسب العدوان الغاشم الذي حول الخبز والسمك إلى أسلحة حرب؟

الجريمة الثالثة: قبل عودتهم إلى السودان.. طيران العدوان يستهدف قارب “جلبة” يحمل مهاجرين أفارقة على سواحل الحديدة وعشرات القتلى والمصابين

لم تكتمل جروح محافظة الحديدة من جرائم الصباح حتى فُتحت جروحٌ جديدة بدمٍ بارد، في يومٍ أسود حوَّل السواحل اليمنية إلى مقبرة جماعية للمدنيين، اليمنيين والأفارقة، فبعد ساعات من استهداف قوارب الصيادين وقوافل الغذاء، حلّق طيران العدوان السعودي الأمريكي فوق مياه البحر الأحمر مجدداً، ليستهدف قارباً مدنياً يحمل اسم “جلبة”، كان على متنه عشرات المهاجرين الأفارقة، بينهم أطفال ونساء، في طريقهم إلى السودان بحثاً عن ملاذٍ من جحيم الحرب والحصار.

تحول القارب الذي كان ينقل راكبيه نحو حلمٍ هشٍّ للنجاة، إلى كتلة من اللهب وسط الأمواج، بعد أن استهدفته الغارات المباشرة وطائرات الأباتشي، ما أدى إلى استشهاد وجرح عددٍ كبير من المهاجرين، معظمهم من الضعفاء الذين حملتهم أقدارهم القاسية من جحيم إلى جحيم أكبر، وحين قرروا العودة إلى بلدانهم وأسرهم، تم قصفهم دون رحمة، لم تنجُ حتى الأمهات اللاتي احتضنَّ أطفالهن في لحظات الرعب الأخيرة، بينما غرقت متعلقاتهم البسيطة، ومحاولاتهم اليائسة للنجاة والسباحة في البحر.

مشاهدُ مُزرية توثقها ذاكرة الساحل: جثثٌ تطفو على الماء، وصرخاتٌ تُخترق بأصوات المحركات الحربية، وأجساد أطفالٍ لم تعرف الحياة إلا الهرب من الموت، المهاجرون الأفارقة ضحايا بلا صوت، حتى جنسيتهم السودانية لم ترحمهم من قصف العدوان.

هذه الجريمة الجديدة تُضاف إلى سلسلة جرائم اليوم الواحد للعدوان، وأغلق اليوم بدماء الأفارقة العُزّل، الذين لم يجدوا من يعينهم على العودة إلى مساقط رؤوسهم، فكانت دمائهم وأجسادهم شريكاً للشعب اليمني ومعاناته، وشاهداً على أن غارات العدوان لا تستثني أحداً، وأن إبادتها ماضية على كل مظاهر ومقومات الحياة.

الحديدة، التي تعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم، تواجه انتهاكاً ممنهجاً للقانون الدولي، حيث تُستهدف مصادر عيشها ومساعداتها وحتى محاولات الفرار من جحيمها، تُعلق منظمات حقوقية: “الضحايا المدنيين ثلاثة أنواع: من يبحثون عن رزقهم في البحر، أو عن خبزهم على الأرض، أو عن حياةٍ جديدة في المنفى… الجميع مستهدف”.

اليوم، يُسجّل التاريخ أن الحديدة لم تكن فقط ساحة حرب، أشعلها العدوان، بأطنان من البارود والصواريخ والقنابل والغارات والقذائف، بل أصبحت مثالاً صارخاً لتحويل الإنسان إلى رقمٍ في سجل الإبادة، فهل ستتحرك الضمائر أمام مشهد أطفال أفارقة يُقتلون مرتين: مرةً بفقر أوطانهم، ومرةً بقذائف لا تعرف إنسانيتهم؟!

16 مارس 2018.. عدد من الجرحى بغارات العدوان السعودي الأمريكي على منازل ومزارع وممتلكات المواطنين بصرواح مأرب:

في اليوم والعام ذاته، لم تكن منازلُ أهالي منطقة “آل حجلان” في مديرية صرواح بمأرب مجرد جدرانٍ من الأحجار والطوب والطين، بل ذاكرةً لعائلات عاشت لعقود على زراعة الأرض ورعاية المواشي، حتى حلَّقت طائرات العدوان السعودي الأمريكي فوق سمائهم، لتحرق الأخضر واليابس، وتُزهق أحلاماً بسيطةً في العيش بسلام، مضيفةً جريمة حرب مركبة بحق الإنسانية، إلى سجل جرائم الحرب الطويل.

مع انفجار صواريخ الغارات، تحوَّلت المنازلُ المتواضعة إلى سحب من الغبار والدخان، وأكوام من الدمار المختلط بالدماء والأشلاء، وتساقطت نيران الغارات على المزارع التي كانت تُزهِرُ بالمحاصيل الزراعية المتنوعة، بينما هُرع الأهالي لإنقاذ ما تبقى من مواشيهم من تحت الأنقاض، أصيب عددٌ من المدنيين بجروحٍ متفاوتة، بينهم أطفالٌ وجدوا أنفسهم فجأةً بلا سقفٍ يُظلهم، أو أرضٍ تُمِدُّهم بقوت يومهم.

مأساة مُركَّبة: تشريدٌ وفقدان مصادر الرزق، لم يكتفِ القصف بتشريد العائلات، بل دمَّرَ كلَّ ما يربطهم بالحياة، المزارع المحترقة، التي كانت تُعيل عشرات الأسر، وتحفظهم من شبح المجاعة، والمواشي النافقة، التي فقدت أصحابُها ثروة عمرهم، وحليب أطفالهم، والمنازل المُدمَّرة، التي تحوَّل سكّانها إلى نازحين بين مخيمات لا تُغني من برد الشتاء وحرارة الصيف.

يتحدث أحد المزارعين وهو يُمسك بحفنة من التربة المحترقة: “هذه الأرض كانت تُطعم أولادي.. اليوم، حتى التراب لم يعد لنا، باتت الأرض ملوثة بالأسلحة المحرمة دولياً والقنابل والشظايا العنقودية.

انتهاك متكرر.. وسُكوت دولي

استهداف المناطق الزراعية والسكنية في صرواح ليس حدثاً معزولاً، بل حلقة في سلسلة انتهاكات وجرائم حرب ممنهجةٍ تهدف إلى تجويع المجتمع وإخضاعه، وفقاً لمنظمات حقوقية محلية، تُذكِّر هذه الجريمة بالمادة 54 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف، التي تحظر تدمير المواد الأساسية لبقاء المدنيين، كالمياه والمحاصيل، والمنازل.

صرخة أهالي مأرب: أين القانون الدولي؟

رغم مرور سنوات على العدوان، لا تزال عائلات آل حجلان تُناشد العالم: «نريد إعادة بناء منازلنا، وإحياء أرضنا.. لكن من سيمنع الطائرات من العودة لاستهدافنا! السؤال الذي يبقى معلقاً بين أنقاض المنازل ورماد المزارع المحروقة، في منطقةٍ صارت نموذجاً لـ “عقاب جماعي” في حرب عدوانية لا تبقي ولا تذر.

اليوم، تُختَتم جريمة الاستهداف بدمعتيْ طفلٍ يسأل أمه: «أين سننام الليلة؟»، بينما تُجيب هي بصمتٍ ثقيل، يصحبه نفس طويل وشرود بعيد، فالجواب الوحيد هو دويُّ صوت طيران العدوان السعودي الأمريكي الذي قد يعود في أية لحظة!

16 مارس 2018 و2019.. شهداء وجرحى في جرائم حرب تنتهك وقف إطلاق النار بقصف العدوان ومرتزقته لخيام النازحين ومزارع وممتلكات المواطنين بالحديدة:

في اليوم ذاته استهدف طيران العدوان السعودي الأمريكي دراجة نارية لأحد المواطنين المسافرين على الخط العام في مديرية الجراحي، عام 2018م، ما أسفر عن استشهاده من على متنها وتدميرها، وترويع الأهالي وأضرار في الممتلكات المجاورة، فيما استهدف مرتزقته مزارع وممتلكات المواطنين وخيام النازحين بمنطقة دير الزاوية في مديرية المراوعة بالقذائف والأسلحة الثقيلة والمتوسطة ما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من المواطنين بينهم أطفال ونساء، واحتراق مزارعهم وخيامهم وتلف ممتلكاتهم، وموجة جديدة من النازحين ومضاعفة المعاناة، في جريمتي حرب جديدتين، وخرقين فاضحين لوقف اتفاق وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة.

16 مارس 2018.. مواطن يُدفن مع دراجته النارية بغارة مباشرة

في جريمة عبَّرت عن فظاعة العدوان وتعمده لخرق اتفاق وقف إطلاق النار، وانتهاكه للقانون الدولي، ومواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة، استهدف طيرانه مواطناً يركب دراجته النارية على الخط العام بمديرية الجراحي، ليُستشهد على الفور، وتتحول دراجته –التي كانت سبيله الوحيد للتنقل، ومصدر دخل أسرته المكلومة- إلى كتلة مشتعلة من الحديد، في جريمة حرب وخرق واضح، ورسالةً واضحةً تقول: بأنه حتى أبسط مظاهر الحياة اليومية ممنوعة في الحديدة.

يقول شاهد عيان: “ما ذنب سائق الدراجة النارية هو مواطن بسيط يعمل فوقها ليل نهار ليجمع قيمة الخبز والحليب لأطفاله، أين هي حقوق الإنسان، من يحمي المدنيين؟”.

16 مارس 2019.. الكابوس يتجدَّد بقذائف ثقيلة تُحول مأوى النازحين إلى جحيم

بعد عامٍ بالضبط، وفي اليوم ذاته (16 مارس)، عاد العدوان ومرتزقته، لارتكاب جريمة حرب ثانية، وخرق اتفاق وقف إطلاق النار، لترتكب مجزرةً أكثر دموية في منطقة “دير الزاوية” بمديرية المراوعة، هذه المرة، لم يكن الهدف دراجة نارية، بل مزارعُ كانت تُنتج القوت لآلاف الأسر، وخيامٌ هزيلةٌ كان النازحون يلوذون بها من قسوة الحرب.

الغارات والقذائف الثقيلة والمتوسطة أحرقت المحاصيل، وخيام النازحين على من بداخلها، وسقط مدنيون شهداء وجرحى، بينهم أطفالٌ ونساءٌ حاولوا الهرب من ساحة الموت، لكن الحرب طاردتهم حتى في ملاذهم الأخير، تقول “أم أحمد”، نازحةٌ فقدت جارتها وثلاثة من أبنائها بالاستهداف المباشر، “جارتي أم سالم، كانت عندي يوم أمس واليوم شاهدتها أشلاء هي وأطفالها، واحترقت خيامنا، هذه المرة الثالثة التي ننزح فيها، إلى أين ننزح اليوم، العدوان ومرتزقته يلاحقوننا كل مرة، أين هي الأمم المتحدة؟”.

الخرق المُتعمَّد: اتفاقية وقف إطلاق النار.. حبر على ورق

الجريمتان، رغم تباعدهما الزمني، تؤكدان نمطاً ممنهجاً لخرق اتفاقية ستوكهولم 2018م، التي نصَّت على وقف إطلاق النار في الحديدة وحماية المدنيين، فاستهداف الدراجة النارية عام 2018م، كان تمهيداً لاستباحة كل شيء لاحقاً، المزارع، المنازل، وحتى الخيام التي يفترض أن تحميها المواثيق الدولية!

التداعيات القانونية: من يُحاسب مَن يقتل الأطفال مرتين؟ بحسب القانون الدولي الإنساني، تُعتبر هذه الجرائم انتهاكاً صارخاً لـ: للمادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف: بمنع استهداف المدنيين، والبروتوكول الإضافي الثاني، الذي بحظر تدمير الممتلكات الضرورية للبقاء، واتفاقية ستوكهولم، التي التزمت بها الأطراف تحت رعاية وإشراف الأمم المتحدة، لكن السؤال الذي يُلاحق ضحايا الحديدة: لماذا تتحول هذه النصوص إلى مجرد شهادات موتٍ تُرفق مع صور الجثث؟ دون خطوات عملية للمجتمع الدولي.

الجريمة الإنسانية: جوعٌ فوق الجوع، الضحايا ليسوا أرقاماً فقط، تدمير المزارع يعني مزيداً من المجاعة في محافظة يعتمد سكانها الزراعة والصيد وتربية المواشي، وحرق خيام النازحين يدفع آلاف العائلات إلى العراء في مناطق تفتقر لأبسط مقومات الحياة، وتفقدها الحصول على جرامات الغذاء والمساعدات الإنسانية، استهداف الدراجات النارية، وسيلة الفقراء يقطع سبل كسب العيش في مجتمعٍ يعاني شبابه من البطالةً تُلامس 80%.

صرخة أخيرة: هل من مُجيب؟

جرائم العدوان بحق الشعب اليمني تضع تفاصيلها ومشاهدها وصورها ونصوصها وشهادات الناجين والمسعفين والضحايا وأسرهم على طاولة محكمة الجنايات الدولية، لتنهض بدورها في ملاحقة مجرمي الحرب، وتقديمهم للعدالة، فيما الضحايا ينتظرون إجابةً من مجلس الأمن.. لكن دماء الحديدة لا تزال تُكتب برصاص الصمت الدولي!

مقالات مشابهة

  • حملة توعية حول «سجل الناخبين» في جامعة طرابلس
  • تلويح فرنسي باستعادة تمثال الحرية: الأمريكيون اختاروا الطغاة
  • انهيار ثقة الشباب الأمريكي في حكومة ترامب لأدنى المستويات
  • 16 مارس خلال 9 أعوام.. أكثر من 100 شهيد وجريح في جرائم العدوان السعودي الأمريكي على اليمن
  • الحوثي: العدو الأمريكي يسعى لإخضاع المنطقة لإسرائيل وسنواصل مواجهته
  • الأحزاب المناهضة للعدوان تُدين العدوان الأمريكي على المدنيين باليمن
  • مكتب نتنياهو: إسرائيل ستواصل محادثات وقف إطلاق النار في غزة وفقًا للمقترح الأمريكي
  • أكثر من 17 شهيداً وجريحاً غالبيتهم أطفال ونساء بمجزرتين للعدو الأمريكي في صعدة
  • العدو الأمريكي يرتكب مجزرتين بصعدة راح ضحيتهما أكثر من 17 مواطنًا
  • لأول مرة في التاريخ.. أكثر من نصف الديمقراطيين في أمريكا يؤيدون فلسطين ضد إسرائيل