قياديٌّ جزائريٌّ يُعدّد أسباب الاهتمام الأمريكي بحل ملف الصحراء المغربية
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
أخبارنا المغربية ــ ياسين أوشن
عدّد عبد الرزاق مقري، الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، والرئيس السابق لحركة مجتمع السلم، (عدّد) أسباب الاهتمام الأمريكي بحل ملف الصحراء المغربية، الذي دام لعقود من الزمن، دون أن يجد بعد طريقه إلى الحل أو التسوية.
وفي هذا الإطار؛ أفاد مقري، وفق مقال مطول له بعنوان: ماذا يحدث بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، (أفاد) أن "الاهتمام المتصاعد للولايات الأمريكية بحل مشكل الصحراء المغربية يدل أن هذا البلد قد قرر الحسم في الموضوع، أو على الأقل عدم السماح بالانفلات في هذه المرحلة".
واستحضر القيادي الجزائري نفسه "التوتر العسكري والأمني، واستئناف القتال، وإلغاء جبهة البوليساريو اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بينها وبين المغرب منذ عام 1991، واحتمال مزيد من التصعيد، بما يمكن أن يؤدي إلى محاولة أحد الأطراف الحسم العسكري كأمر واقع بشكل من الأشكال".
كما تحدث أيضا عن "خوف الولايات الأمريكية المتحدة من أن تجد نفسها مضطرة للتدخل في أزمة مسلحة جديدة، بالإضافة إلى تورطها في أوكرانيا وغزة دون نتائج تذكر إلى الآن، وإمكانية توسع الصراع إلى أطراف إقليمية ودولية يعقد حساباتها ويبعدها أكثر عن أولوية مواجهة الصين".
"إن الذي يجب الانتباه إليه هو أن المقاربة الأمريكية بقيت ذاتها بخصوص مقاربة الحل لملف الصحراء؛ وهي مقاربة الحكم الذاتي المغربية"، يقول الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة.
ومضى قائلا إن "جوشيا هاريس أكد على ذلك بدون أي لبس في مقابلة صحفية جاء فيها: "إن الولايات الأمريكية المتحدة تعتبر أن مقترح الحكم الذاتي المغربي مقترح جاد وواقعي وذو مصداقية، ويمثل مقاربة محتملة يمكنها أن تستجيب لتطلعات الشعب الصحراوي"؛ وهو الكلام الواضح البيّن الذي تحدثت بعكسه بعض وسائل الإعلام الجزائرية، محاولة إيهام القرّاء الجزائريين بأن المسؤول الأمريكي دعم المقاربة الجزائرية الداعية إلى تطبيق قرار تقرير المصير الأممي".
الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم زاد: "حقيقة، لست أدري لماذا تستعمل بعض وسائل الإعلام الجزائرية هذا الأسلوب المربوط بحبل قصير سرعان ما يفتضح أمره وتظهر حقيقته"، متأسفا لـ"غياب النقاش الوطني في قضايا مهمة مثل هذه، واستمرار استماع الجزائريين إلى كلام واحد مكرر في وسائل الإعلام ومن قبل المتدخلين الإعلاميين".
كما أضاف مقري أن الإعلام الجزائري "يقولب العقول ويشكل غفلة كبيرة لدى الجزائريين عما يحاك عندنا وفي العالم، ولا يؤهل المواطنين للتعامل المسؤول مع التحولات والأزمات ويجعل الجميع تابعين لا رأي لهم، لا فائدة منهم للبلد من حيث أن ثمة من كبار المواطنين من يفكر بدلهم، فإذا ما ظهرت الحقيقة تقع خيبة أمل كبيرة تزيد في إحباط المواطنين، كما وقع في قضية البريكس وغيرها".
القيادي الجزائري خلص، في ختام مقاله، إلى أن "انحياز أمريكا للأطروحة الرسمية المغربية معروف؛ بل خيار المملكة هو خيارهم، واعتبارهم السلطة المغربية جزءا تابعا وخادما في المحور الغربي غير خاف على أحد".
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
الاستعمار الأمريكي الجديد
أثار مشروع ترامب الأخير في تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن موجة من الاستياء والاستهجان، ليس في العالم العربي وحده، وإنما في معظم بلاد العالم، بما في ذلك بلاد العالم الأوروبي التي تُعد حليفًا تاريخيًّا واستراتيجيًّا للولايات المتحدة الأمريكية. يرجع هذا الاستياء والاستهجان العالمي العام إلى سببين رئيسيين: السبب الأول أن مشروع ترامب ينتهك سائر القوانين الدولية، إذ إنه- في حال تنفيذه- يصبح بمثابة جريمة تطهير عرقي؛ ولذلك فقد رفضته واستنكرته الأمم المتحدة نفسها؛ ولكن الولايات المتحدة لم تعد تعبأ بالأمم المتحدة بعد أن همشت دورها، ولم تعد تكترث بقراراتها! والسبب الثاني والأكثر أهمية أو عمقًا هو أن العالم بدأ يضيق ذرعًا بسياسة الهيمنة التي تمارسها الولايات المتحدة على العالم؛ وقد جسد ذلك بقوة الطريقة الاستعلائية التي تحدث بها عن مشروعه باعتباره قرارًا سيتم تنفيذه من خلال القوة والنفوذ.
ولقد امتد هذا الاستياء العام لدى دول أوروبا بعد تهديد ترامب لها وللمنظمات الأوروبية والدولية بفرض عقوبات عليها، مثلما فعل بالنسبة إلى بعض منها، وهذا الأمر بدا كناقوس خطر يطالب باستقلالية القارة العجوز بكل إرثها التاريخي والثقافي عن النفوذ الأمريكي وعن التبعية للقرار الأمريكي. والأيام دول: إذ بدأت أمريكا كمستعمرات تابعة للدول الأوروبية تطالب باستقلاليتها، إلى أن نالت استقلالها سنة 1766؛ ولكن بعد أن اشتد عودها وتعاظم نفوذها فيما بعد الحرب العالمية الثانية، راحت تهيمن تدريجيًّا على السياسات واتخاذ القرارات في معظم أنحاء العالم بدرجات متفاوتة.
مشروع ترامب ليس جديدًا، وإنما هو إحياء متجدد لمشروع ممتد طيلة النصف الثاني من القرن الماضي، يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
وهذا يجعلنا نتساءل: هل العقلية الاستعمارية متأصلة في الشخصية الأمريكية، أم أنها متأصلة في شخصية الغرب نفسه؟ أم أنه لا يجوز هنا أن نتحدث عن «طبيعة متأصلة» في الحالتين (وإلا كنا بذلك نكشف عن نوع من التحيز ضد من نتهمه بالاستعمارية وما يلحق بها من صفات سلبية)؟ وهذا السؤال البسيط يبدو مشروعًا إذا وضعنا في الاعتبار أن الولايات المتحدة نفسها دولة حديثة العهد لا يتجاوز عمرها قرنين ونصف: فهل يكفي هذا التاريخ القصير نسبيًّا لأن نتحدث عن «طبيعة متأصلة»؟
الواقع أننا لا يمكننا النظر إلى تاريخ الولايات المتحدة بشكل مستقل عن تاريخ أوروبا، وكأنها قد نشأت من لا شيء. هذا الأمر يتطلب أن نذكر أنفسنا بتلك النشأة التاريخية:
بعد اكتشاف كريستوفر كولومبوس للأراضي الأمريكية التي سُميت بالأراضي الجديدة أو العالم الجديد؛ أصبحت هذه الأراضي مطمعًا للأوروبيين الحالمين باستغلال ثرواتها البكر وامتلاك المساحات الشاسعة منها، وهكذا نشأت المستعمرات الأوروبية فيها من دول إسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا، فضلًا عن بريطانيا بطبيعة الحال: إذ هيمنت إسبانيا على معظم أمريكا الجنوبية، وتقاسمت بريطانيا وفرنسا الجزء الشمالي من أمريكا الشمالية المعروف الآن بكندا، ولكن بريطانيا استطاعت الهيمنة على معظم المستعمرات المعروفة الآن بالولايات المتحدة الأمريكية. أباد الغزاة الجدد السكان الأصليين، وقضوا على حضاراتهم: حضارة المايا، والإنكا، والأزتيك؛ فلم يبق منها إلا بعض الأثريات من الحجر والبشر.
هؤلاء الغزاة للأرض الجديدة هم أجداد الشعوب الأمريكية في الولايات المتحدة. جذور الغزو الاستعماري والعدوان متأصلة في طبيعة الغالبية منهم، وهم يقدسون المنفعة المادية في تعاملاتهم مع الآخر؛ ولذلك فلا غرابة في أن الفلسفة التي راجت في أمريكا هي البراجماتية أو «الفلسفة العملية» التي هي وريثة الفلسفات النفعية القديمة في شتى صورها. ولا غرابة كذلك في أن التاريخ القصير للولايات المتحدة الأمريكية كان تاريخًا دمويًّا منذ نشأتها وحتى الآن: فقد غزت نيكاراجوا سنة 1833 ومرات أخرى عديدة بعد ذلك؛ وغزت بيرو وأورجواي وقناة بنما وكولومبيا؛ واحتلت أرضًا مكسيكية تُعرف الآن بولاية تكساس؛ واحتلت كوبا وهايتي وخليج جوانتانامو؛ وشنت حروبًا دموية على كوريا والفلبين وفيتنام؛ وغزت العراق ودمرت جيشه وقتلت عشرات الآلاف المؤلَّفة من المواطنين العراقيين بسبب استخدام قنابل اليورانيوم المخصب؛ ومؤخرًا شاركت إسرائيل فعليًّا في العدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني وعلى الحوثيين في اليمن.
فلماذا إذن نندهش من تصريحات ترامب الأخيرة: إنها تجسد المشروع الصهيوني القديم نفسه، وكل ما في الأمر أنها تجسده بشكل فج وغير دبلوماسي؛ ومن ثم يكشف صراحة عن الوجه القبيح للسياسات الأمريكية الذي يتمثل في الذهنية أو العقلية الاستعمارية التي تقوم على روح الاستغلال والمنفعة والغزو والعدوان المسلح عند الضرورة.
وأنا استخدم هنا عبارة «عند الضرورة»؛ لأن الولايات المتحدة لا تلجأ الآن كثيرًا إلى العدوان المسلح، من باب الاقتصاد في الجهد والنفقات، بل إنها تعول كثيرًا على الدول التي تحقق مصالحها الاقتصادية والسياسية، ومن ثم تحقق سعيها للهيمنة على جانب كبير من اقتصاد العالم والتأثير في قرارات الدول. وعلى ذلك كله، يمكننا القول إن هذه السياسات الاستعمارية ليست سوى وجه جديد للاستعمار القديم.