التثبت من الأخبار دليل رجاحة العقل
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
لقد وضع الإسلام جملة من القيم المجتمعية التي تحفظ كيان المجتمع وتقوي أركانه، وتحفظ تماسكه وترابطه، وترسيخ هذه القيم في المجتمعات دليل رقيها وتحضرها، كما أن انهيار المجتمعات يبدأ بانهيار منظومة القيم المجتمعية، فالمجتمعات التي لا تُبني على الأخلاق تحمل عوامل سقوطها، لأنها تقوم على أساس ضعيف هش.
وقد اهتم ديننا الحنيف بالقيم المجتمعية، التي تقوي أركان المجتمع اهتماما كبيرا، وذلك لأن حفظ القيم والأخلاق أساس هذا الدين العظيم، حيث يقول نبينا صلى اللَّهُ عليه وسلم: "إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ".
ومن القيم المجتمعية: (وجوب التثبت من الأخبار)، فقد أكد الإسلام على هذه القيمة الجليلة التي تحفظ كيان المجتمع من الشائعات والاضطرابات، وقد بين النبى صلى اللَّهُ عليه وسلم أن الذي يتحلى بهذه القيمة يحبه الله ورسوله، فقد قال صلى اللَّهُ عليه وسلم للأشج (أشج عبد القيس): "إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ".
كما أن التثبت من الأخبار وعدم العجلة دليل رجاحة العقل، وهو خلق جليل من أخلاق الأنبياء والمرسلين، فهذا نبي الله سليمان عليه السلام، لما جاءه الهدهد بخبر القوم وعبادتهم لم يصدر أحكامه عليهم فور علمه بهم قبل أن يتثبت من خبرهم، قال تعالى على لسانه: "قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ"، وقد حذر الإسلام من العجلة والحكم على الناس بمجرد سماع الأخبار الواردة عنهم، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".
ومن يتأمل الماضي والحاضر وينظر بعين الاعتبار يرى العواقب الأليمة الناتجة عن العجلة وعدم التثبت من الأخبار، فكم من محبة تحولت إلى عداوة مع جفوة وغلظة، وكم من صلات تقطعت، وكم من أسر تفككت، وكم من أطفال شردت، وكم من أموال ضيعت، كل ذلك بسبب عدم التثبت والتبين، لذا يقول الله تعالى: "فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ"، ويقول النبي صلى اللهُ عليه وسلم: "التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ"، ولذا يفتى العلماء بأن من يذيع الأخبار قبل أن يتثبت منها، فاسق يستحق العقاب.
وقد دخل رجل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، فذكر له عن رجل شيئا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبا فأنت من أهل هذه الآية: "إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا"، وإن كنت صادقا فأنت من أهل هذه الآية: "هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ"، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبداً.
ومن القيم المجتمعية أيضا: عدم السخرية والشماتة بالآخرين، فقد نهى الله تعالى عن السخرية بالآخرين مهما كانت صفاتهم وأوضاعهم، فلعل من يسخر الإنسان منه وينظر إليه نظرة احتقار وازدراء واستخفاف خير عند الله وأحب إليه ممن تطاول على الناس فسخر منهم، كما نهى الإسلام عن الفرح والسرور بما ينزل على الناس من المصائب في الدنيا والدين، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ".
ويكفي في عاقبة هذا الخلق الذميم، قول الله تعالى: " وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ"، وقول النبي صلى اللهُ عليه وسلم: "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ".
فما أجمل أن نتمسك بقيمنا الإسلامية، حتى يتحقق لنا التآلف والترابط بين أبناء المجتمع.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مقالات إبراهيم نصر القیم المجتمعیة علیه وسلم وکم من
إقرأ أيضاً:
بيان فضل التذكير بذكر الله وقراءة القرآن الكريم
قالت دار الإفتاء المصرية إن نصوص الشرع الحنيف تضافرت على بيان فضل ذكر الله سبحانه وتعالى وقراءة القرآن الكريم، فقال تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
فضل التذكير بذكر الله وقراءة القرآن الكريم
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب 41- 42]، وقال عزَّ وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور﴾ [فاطر: 29].
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ» رواه مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، إلى غير ذلك من النصوص الواردة في فضل ذكر الله تعالى ودعائه.
وأوضحت الإفتاء أن تذكير الآخرين بذكر الله تعالى وآياته والدعوة إليه، والترغيب فيه ممَّن هو أهله، من الأعمال الصالحة التي يثاب عليها الإنسان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» أخرجه مسلم.
قال العلامة الشيرازي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (1/ 263، ط. دار النوادر): [(الهدى): الصراط المستقيم، يعني: من دل جماعة على خير أو عمل صالح، فعمل أولئك الجمع على ذلك الخير، أو عملوا بذلك العمل الصالح، يحصل للذي دلَّهم على الخير من الأجر والثواب مثل ما حصل لكل واحد منهم؛ لأنه كان سبب حصول ذلك الخير منهم، ولولا هو لم يحصل ذلك الخير منهم. (ولا ينقص من أجرهم شيء) بسبب أن حصل له مثل أجورهم جميعًا؛ لأنه لا يؤخذ من أجورهم ما حصل له، بل أعطاهم الله تعالى وإياه من خزانةِ كَرَمه] اهـ.
وقال العلامة ابن الملك الكرماني في "شرح المصابيح" (1/ 165، ط. إدارة الثقافة الإسلامية): [قوله: "مَن دعا إلى هدى"؛ أي: ما يُهتدَى به من الأعمال الصالحة. "كان له"، أي: لذلك الداعي. "مِن الأجر مثلُ أجور مَن تبعَه"؛ وذلك لأنَّ الدعاءَ إلى الهُدى خصلةٌ من خِصال الأنبياء] اهـ.