أضواء كاشفة : رحم الله الشيخ نواف .. فقيد الأمة
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
تلقَّت الأُمَّة العربيَّة والإسلاميَّة ببالغ الأسى والحزن خبر وفاة أمير دَولة الكويت الراحل صاحب السُّمو الشيخ نواف الأحمد الصباح الَّذي وافته المنيَّة مؤخرًا تاركًا جرحًا في نَفْس كُلِّ عربي، حيث إنَّ هذا المصاب الجلل لا يُعدُّ شأنًا كويتيًّا محليًّا فقط، بل هو مصاب عربي إسلامي لِمَا تركه الفقيد الراحل من أثَرٍ جليٍّ على السَّاحتَيْنِ العربيَّة والإقليميَّة وبما قدَّمه من مواقف تنمُّ عمَّا يتمتع به من شمائل كريمة وحنكة سياسيَّة كبيرة.
وما أن نشرت وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي خبر وفاة الشيخ نواف الأحمد حتَّى بدأت تعدِّد صفاته النبيلة وما كان يتمتع به من إنسانيَّة حقَّة تتجسَّد في التواضع والبساطة والزهد والرحمة والعدل والعفو والصفح والتسامح والتديُّن والحكمة والصبر والعطاء، هذا إلى جانب تفانيه في العمل من أجْل رفع شأن بلده وشَعبه وأُمَّته.. من هنا كانت خسارته خسارة للعالَم أجمع الَّذي هو أحوج ما يكُونُ لمِثل هذه النماذج الإنسانيَّة الحقَّة.
لقَدْ كان الشيخ نواف ـ رحمه الله ـ أيقونة وسط شَعبه يطبق قول الله تعالى «ولو كنتَ فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حَوْلِك» لذلك اشتهر بأنَّه ليِّن الجانب شديد التواضع ينأى بنَفْسِه عن كُلِّ مظاهر البذخ، فكان يسكن في منزل خاصٍّ بعيدًا عن قصر الرئاسة، ويصلِّي في المسجد القريب من المنزل دُونَ حراسات زائدة تقيِّد حركته، وكان كتاب الله لا يفارقه، فرسَمَ صورة مضيئة وهو يقرأ القرآن في أحَد أركان المسجد بعيدًا عن الترف والتظاهر.. وهذه اللمحة الإيمانيَّة جعلت قلْبَه مطمئنًّا فعاش حياة آمنة وسط شَعبه وأبنائه.
رغم أنَّ مدَّة حُكم الشيخ نواف ـ رحمه الله ـ قصيرة لَمْ تتجاوز الثلاث سنوات إلَّا بأيَّام، إلَّا أنَّه استطاع أن يحقِّقَ الكثير من الإنجازات الداخليَّة والخارجيَّة رغم التحدِّيات الَّتي كانت تحدق بفترة حكمه منذ أيَّامها الأولى حيث تسلَّم مقاليد الحُكم وكانت جائحة كورونا في أوج ذروتها، وبالتَّالي انعكست تبعاتها الاقتصاديَّة بصورة كبيرة على الكويت كما هي على بقيَّة دوَل العالَم إلَّا أنَّ الشيخ نواف استطاع أن يجتازَ التحدِّيات بنجاح ويصلَ ببلاده لبَرِّ الأمان.. ناهيك عمَّا قام به من مصالحات وطنيَّة متواصلة وفتح حوارات بَيْنَ مختلف قوى الشَّعب.
أمَّا على الصعيد الخارجي فقَدْ حرص ـ رحمة الله عَلَيْه ـ أن يُعزِّزَ العلاقات الثنائيَّة مع العديد من الدوَل الشَّقيقة والصَّديقة بما يُحقِّق المصالح المشتركة.. كما أنَّ دَوْره كان بارزًا في تقوية الأواصر الخليجيَّة داخل البيت الكبير والحدِّ من التوتُّرات الإقليميَّة. لا شكَّ أنَّ الذكرى الطيِّبة الَّتي يتركها الإنسان ترسم أثرًا في النفوس فتخلِّد اسمه وتُبقيه حيًّا في قلوب مُحبِّيه.. والشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح سيظلُّ حيًّا في قلوب الكويتيِّين بل والعرب جميعًا.. رحم الله فقيد الأُمَّة الشيخ نواف وألْهَم ذويه الصبر والسلوان، وأسكنَه فسيح جنَّاته وأعانَ صاحب السُّمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الَّذي صار أميرًا لدَولة الكويت على تحمُّل التركة الثقيلة الَّتي ورثها ووفَّقه لِمَا فيه خير البلاد والعباد ولِمَا فيه نهضة وتقدُّم وازدهار الشَّعب الكويتي الشقيق.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: الشیخ نواف
إقرأ أيضاً:
الصرخة مشروع تحرر وجهاد
إن أولى خطوات التحرر الحقيقي تبدأ بكسر حاجز الصمت والخوف، وتبني الموقف الذي يرفض الهيمنة والتسلط من أي جهة كانت، وكان الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) أول من أدرك هذه الحقيقة بوعيٍ فذ. فإطلاقه لشعار “الصرخة” كان أكثر من مجرد كلمات تقال، بل كان إعلانًا عمليًا لموقف جهادي شجاع، يعبّر عن البراءة من أعداء الله، ويعيد للأمة هويتها القرآنية التي حاول الاستكبار العالمي أن يطمس معالمها.
ففي مواجهة الظلم الذي يطال الأمة الإسلامية من قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، كانت الصرخة بمثابة تجسيد لروح الثورة والرفض. لم تكن مجرد كلمات تردد في لحظات عاطفية، بل كانت دعوة صادقة ونداء مدوٍ في مواجهة الظلم والعدوان. ومع مرور الأيام، أثبتت الصرخة قدرتها على أن تكون أداة تحررية فعالة، تساهم في إعادة بناء الوعي الجمعي للأمة، وتبعث في نفوسها روح العزة والكرامة.
وفي فكره الثوري، لم يكن الشهيد القائد (رضوان الله عليه) ينظر إلى الصرخة ككلمات وحسب، بل كانت بالنسبة له مشروعًا جهاديًا حقيقيًا يساهم في تحفيز الأمة للتصدي للأعداء. ففي تلك اللحظات الصعبة التي كان يعصف فيها الخوف والجمود بالأمة، كان يطرح هذا السؤال الجوهري: “هل نحن مستعدون للعمل؟” ويقدم الجواب القاطع: “انطلقوا بالصرخة!” ليبث في قلوب الأمة قوة وعزيمة.
وتتجلى أهمية الصرخة في كونها ليست مجرد شعار سياسي أو إعلامي، بل هي إعلان للموقف الجهادي، وكسر للجمود الفكري الذي حاول الأعداء أن يغرسوه في الأمة. إن إطلاق هذه الصرخة على مرأى ومسمع من العالم كان بمثابة تحدٍ هائل لقوى الاستكبار، وأداة قوية في معركة الوعي والهوية. الصرخة كانت مصدرًا لإشعار الأمة بضرورة التحرك الجاد، وترك كل أشكال التحلل والتراخي.
ورغم بساطة الكلمات التي تضمنها الشعار، إلا أن له تأثيرًا عميقًا في نفوس الأعداء، حيث كان يعكس التحدي والرفض لكل محاولات التسلط. ولعل من أعظم مفاهيم هذه الصرخة هو أنها تأتي في وقت كان فيه الإعلام الغربي يحاول تزوير الحقائق وفرض رواياته المشوهة عن الإسلام والمسلمين. في مواجهة هذا، كانت الصرخة بمثابة جرس إنذار، يفضح ما يدور خلف الستار من مؤامرات، ويكشف الوجه الحقيقي للعدو.
وأكد الشهيد القائد أن الصرخة ليست مجرد إعلان لحالة رفض، بل هي جزء من جهادٍ فكري وأيديولوجي طويل. ففي معركة الأفكار، كان هدفه أن يثبت في أذهان الأمة أن أمريكا هي عدوها الأول، وأن إسرائيل هي المصدر الأساسي للشر والفساد في الأرض. هذه المفاهيم، التي حاول الإعلام الأمريكي أن يروجها، كانت بحاجة إلى مواجهة جادة. ولذلك كانت الصرخة الأداة التي تنبه الأمة لما يحاك ضدها، وتنبه أعداءها إلى أن الأمة الإسلامية لن تبقى صامتة إزاء الجرائم التي ترتكب بحقها.
ومن خلال تكرار هذه الصرخة في مختلف الأوساط، كان الشهيد القائد (رضوان الله عليه) يدعو الأمة إلى أن تكون هي المبادرة في نشر هذه الرسالة، وتوسيع تأثيرها إلى أبعد مدى. فكلما زادت الأصوات التي تردد هذا الشعار، كلما زادت قوة التأثير النفسي على الأعداء، وأصبح من الصعب على القوى الاستكبارية أن تتجاهل هذه الرسالة الجهادية العميقة. وعندما تردد الأمة هذا الشعار في كل مكان، فإنها تؤكد على رفضها لكل أشكال الاستعباد والهيمنة، وتعلن رفضها للمشاركة في المؤامرات التي تهدف إلى تدمير الهوية الإسلامية.
ويستمر الشهيد القائد (رضوان الله عليه) في التأكيد على أن الصرخة لا تقتصر على كونها جهادًا معنويًا فقط، بل هي جزء من جهاد شامل يشمل كل المجالات. فعندما يتبنى المسلمون هذا الشعار في حياتهم اليومية، فهم يرسخون في أنفسهم مواقفهم الثابتة تجاه قضايا الأمة. وهذه الصرخة تُعد جهادًا اقتصاديًا ونفسيًا، يؤثر على القوى الاستكبارية بشكل يفوق القوة العسكرية في بعض الأحيان.
وقد أكد الشهيد القائد (رضوان الله عليه) أن المقاطعة الاقتصادية جزء من هذا الجهاد الشامل في سبيل الله، وأنها أداة قوية تكشف حجم التبعية التي فرضها الاستكبار على الأمة، وتُظهر قدرتها على التأثير على أعدائها من خلال قطع تدفق الأموال التي يستخدمها هؤلاء الأعداء في تنفيذ مؤامراتهم. وبالتالي، فإن المقاطعة الاقتصادية تندرج ضمن مفهوم الجهاد الحقيقي في وقتنا الحاضر، حيث تُعتبر سلاحًا اقتصاديًا ونضاليًا لا يقل أهمية عن الجهاد العسكري.
وكان الشهيد القائد يؤمن أن هذه الصرخة ليست مجرد كلمات تردد بلا معنى، بل هي أداة تحررية تسهم في كسر العزلة التي فرضتها قوى الاستكبار على الأمة، وتفتح أمامها آفاقًا جديدة من الصمود والمقاومة. فكلما علت الصرخة في سماء الأمة، كلما قربت لحظة النصر على الأعداء، وأصبح المستقبل أكثر إشراقًا.
وفي الختام، يمكن القول إن الصرخة التي أطلقها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) هي أكثر من مجرد شعار يردد في مناسبات معينة، بل هي مشروع تحرري شامل، يدعو الأمة إلى الاستيقاظ من سباتها، وتبني الموقف الجهادي بكل أبعاده. هي صرخة عز وفخر، ومفتاح لتحرير الأمة من قيود الهيمنة الاستكبارية، ودعوة للعمل الجاد في مواجهة أعداء الله، لنكون أمة حية، ترفض الظلم والعدوان، وتؤمن بأن النصر لا يأتي إلا بالتحرك الفعّال، والعمل الجاد، والتمسك بالهوية القرآنية التي أراد لها الله أن تكون منبع عزتنا وقوتنا.