"ازاي (كيف) أنسحب وأسيب (أترك) ربع مليون من إخواني أهل غزة كالفراخ يذبحهم اليهود وينتهكون أعراضهم؟ أتريدني أن آخذهم معي إلى العريش؟ أم أدافع عن رفح؟ كلا لن أنسحب مهما كانت النتيجة".

(اللواء أحمد فؤاد صادق، قائد القوات المصرية في فلسطين، في جوابه لوزير الحربية المصري حيدر باشا)

كان قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود في أواخر عام 1947م بمنزلة الرصاصة التي أطلقتها الدول الكبرى التي تبنَّت هذا القرار، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا وغيرهم، ضد الفلسطينيين الذين تعرضوا طوال ثلاثين عاما فيما بين عامي 1917-1947م لهجرات مليونية مخططة ومنظّمة لليهود من أوروبا بدعم وحماية القوات البريطانية التي كانت تحتل فلسطين وقتئذ.

وأمام هذه القرارات الجائرة، وما صاحبها من إنشاء الصهاينة لعصابات مسلحة مثل الإرغون والهاجاناه وغيرها، التي اعتادت على القيام بعمليات قتل وتهجير ضد السكان الفلسطينيين العُزَّل في طول البلاد وعرضها، وارتكابهم للمذابح وأشهرها دير ياسين وغيرها، قام الفلسطينيون والمتطوعون العرب من مصر وسوريا والأردن بإنشاء مجموعات للدفاع عن أرضهم طوال سنوات الاحتلال البريطاني. ولما كان قرار الإنجليز بإنهاء الانتداب على فلسطين في منتصف مايو/أيار 1948، قررت جيوش سبع دول عربية هي مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية واليمن أن تشارك المقاومين الفلسطينيين في مواجهة النكبة التي وقعت لهم.

الطريق إلى العملية "يؤاب"

وقد رصدنا تحقيق بعض قوات هذه الدول لنجاحات في بعض المعارك المهمة مثل القوات العراقية في جنين، وسلطنا الضوء على دور القوات المصرية ونجاحها في الأيام الأولى من الحرب في معارك جنوب فلسطين في النقب وقطاع غزة والمجدل وحتى عسقلان وبيت لحم وغيرها. كما حاولنا أن نُقيِّم الأسباب الحقيقية التي أدَّت في النهاية إلى فشل الجيش المصري والجيوش العربية الأخرى في تحقيق الهدف الأكبر وهو تحرير فلسطين من العصابات الصهيونية وهزيمة الدولة الإسرائيلية الناشئة وقتها.

والحقيقة أن قدرات الجيش المصري وقتها كانت هزيلة جدا بسبب الإهمال المتعمد من البريطانيين الذين كانوا لا يزالون يحتلون مصر، أو من الحكومات المتعاقبة ممن لم يأبهوا للجيش؛ إما بإيعاز من الإنجليز أنفسهم وإما خوفا من تغوُّل الجيش ودخوله المعترك السياسي. والنتيجة أن عتاد الجيش قُبيل دخوله إلى فلسطين في 15 مايو/أيار 1948 كان ناقصا ومتأخرا، فضلا عن صعوبة بل استحالة وجود إمداد قوي من الداخل أو الخارج لتعويض ما كانت تستهلكه القوات في المعارك وقتئذ. ولهذا السبب كان تقدم القوات المصرية بقيادة اللواء أحمد علي المواوي دون غطاء كافٍ من المدرعات، ناهيك بعدم وجود خطة واضحة للحرب وسير المعارك.

ولهذا السبب تعرضت القوات المصرية لخسائر كبيرة خصوصا في عملية "يؤاب" التي أطلقها الصهاينة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 1948، التي استطاعوا خلالها استعادة المجدل وبئر سبع ومعظم مناطق النقب من القوات المصرية، وبنجاح العملية "يؤاب" انقطع طريق اتصال الفالوجا بالشرق والغرب، وسيطرت إسرائيل على الطريق الساحلي الموصل بين أسدود وغزة، ولم يكن الموقف القتالي سيئا من هذا الوجه فقط، بل إن حالة القوات المصرية من حيث الإعداد والتجهيز كانت أسوأ، فمعدّات الفرسان كانت بالية، والمدفعية كانت غير كافية، وكثير منها تعرض للتلف، فضلا عن وجود نقص شديد في الذخيرة ونقص القوة البشرية[1].

وأمام هذه الخسائر الفادحة، والموقف الميئوس منه، اقتُرح في بدايات شهر نوفمبر/تشرين الثاني سحب الجيش المصري من فلسطين إنقاذا للموقف، لا سيما بعد عزل لواء كامل (نحو 2000 ضابط وجندي) في منطقة الفالوجا، وانتقال التفوق البري والجوي إلى أيدي العدو. ولكن القيادة العسكرية في القاهرة خلصت إلى ضرورة بقاء القوات المصرية مع ما تعرضت له من خسائر حفاظا على ما تبقى من الأراضي، ورغم ذلك انسحبت القوات المصرية في نهاية الأمر إلى خط "غزة – العوجة"، وأمام هذه الخسائر قرر وزير الحربية حيدر باشا تغيير قيادة القوات المصرية في فلسطين، فقرر سحب اللواء أحمد علي المواوي وعيَّن بدلا منه اللواء أحمد فؤاد صادق.

اللواء أحمد صادق فؤاد كان للواء أحمد صادق باشا دور كبير في توسع الجيش المصري في الفاشر وأوغندا وأثيوبيا، وأصيب بالعديد من الجراح في تلك الحروب (مواقع التواصل)

ربما يتعين علينا أن نتوقف قليلا مع هذا الرجل الذي عُرف بمواقفه الوطنية والعسكرية اللافتة، حتى إنه كان إحدى ضحايا التآمر البريطاني مع حكومة الوفد الذي تسبب في سجنه لمدة عامين، ثم إحالته للتقاعد وهو لا يزال في رُتبة عميد عام 1942، قبل أن يُستدعى من جديد لقيادة القوات المصرية المنهزمة في فلسطين في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1948. فمَن يكون هذا القائد المنسي؟ وكيف استطاع أن ينقذ قطاع غزة المتبقي حتى يومنا هذا، ويرفض أوامر القيادة العسكرية في القاهرة بالانسحاب وترك نصف مليون فلسطيني في غزة يواجهون إبادة العصابات الصهيونية وإجرامها؟

إنه اللواء أحمد فؤاد صادق باشا، الذي منحه الملك فاروق رُتبة الباشوية بعد نجاحه الكبير في الحفاظ على قطاع غزة ومقاومة اليهود عند رفح وخان يونس والعريش، وهو النجاح الحقيقي للقوات المصرية في معارك فلسطين، وكان بفضل قيادة هذا الرجل أن بقي قطاع غزة على شكله الحالي منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، رغم الاحتلال الصهيوني له عام 1956 ثم عام 1967، قبل أن يخرج الصهاينة منه بعد عقود.

تعود أصوله إلى مركز زفتى بمحافظة الغربية في شمال مصر، وُلد في القاهرة في 1 سبتمبر/أيلول 1893 لأب مصري اسمه محمد صادق، وأم سودانية، وأتم دراسته الابتدائية بها، وتخرج في المدرسة الحربية من سلاح الفرسان سنة 1913، ثم التحق بصفوف الجيش المصري بالسودان لمدة سبع سنوات. وكان له دور كبير في توسع الجيش المصري في الفاشر وأوغندا وإثيوبيا، وأُصيب بالعديد من الجراح في تلك الحروب، وعاد إلى مصر سنة 1920، وفي عام 1940 دخل إلى الكلية الحربية لنيل درجة "أركان حرب". وحين أجبر الإنجليز الملك فاروق عام 1942 على تعيين حكومة الوفد برئاسة النحاس باشا، كان العميد أحمد فؤاد صادق من أكثر قادة الجيش دعما للملك ضد التدخل الإنجليزي الفج في السياسة المصرية، وتهديدهم القصر بالدبابات، وإجبارهم الملك على اتخاذ القرارات التي أرادوها[2].

22 ديسمبر/كانون الأول 1948م أطلق الصهاينة عملية "حوريب" ضد الجيش المصري لطرده نهائيا من فلسطين في ظل جمود موقف القوات العربية الأخرى (مواقع التواصل)

رغم ذلك، قرر النحاس باشا عزله من الجيش وحبسه لمدة 23 شهرا، ولما خرج من المعتقل قرر إحالته للتقاعد، فظل على المعاش بين عامي 1944 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 1948 حين بحثت قيادة الجيش في القاهرة وعلى رأسها حيدر باشا والملك فاروق وغيرهم عن شخص ذي خبرة توليه مهمة القوات المصرية في فلسطين مع الهزائم الثقيلة التي كانت قد تعرضت لها، فوقع الاختيار بالإجماع على اللواء أحمد فؤاد صادق، الذي قبل هذه المهمة بحماسة واشترط أن يدير المعارك وفق رؤيته الخاصة وبحرية كاملة بعيدا عن القيادة في القاهرة إلا في أضيق الحدود[3].

وصل اللواء صادق إلى غزة، واستطاع أن يعيد الثقة بين القوات المصرية وأهالي غزة، وأيضا أن يتقرب من المتطوعين من الإخوان المسلمين الذين أبلوا بلاء كبيرا في تلك المعارك بقيادة الصاغ محمود لبيب وكامل الشريف وغيرهما. ومع حلول 22 ديسمبر/كانون الأول 1948 أطلق الصهاينة عملية "حوريب" أي "العين" ضد الجيش المصري لطرده نهائيا من فلسطين في ظل جمود موقف القوات العربية الأخرى. وقد بدأت تلك الخطة في أعقاب تحركات أصغر مثل احتلال مواقع حماية الطرق المصرية، وحشد القوات الصهيونية أمام تمركز القوات المصرية، فضلا عن عمليات خداع تكتيكي بهدف تحويل أنظار القوات المصرية عن الهدف الذي كان الصهاينة يخططون له.

اللواء صادق يرفض الانسحاب من غزة

كانت خطة الصهاينة تقضي بتطويق القوات المصرية من الشرق إلى الغرب حتى تصل إلى ساحل البحر بين "رفح" و"العريش" بهدف عزل هذه القوات عن غزة، وأيضا تقسيمها إلى مجموعات صغيرة ضعيفة يسهل القضاء عليها فيما بعد. وقد قاموا بهجوم مخادع على دير البلح وما جاورها من مواقع مثل "التبة 86″، وهي تبة إستراتيجية لأنها كانت تشرف على الطريق البرية والحديدية الواصلة بين غزة وخان يونس وأيضا العريش، الأمر الذي شغل القوات المصرية بقيادة اللواء صادق في الدفاع المستميت عنها. وبينما كان اليهود مدعومين بأسلحة ضخمة صدّرتها إليهم الولايات المتحدة وتشيكوسلوفاكيا رغم الحظر الذي أعلنته الأمم المتحدة حينئذ، كان تسليح وعتاد القوات المصرية ضعيفا.

قُدِّرت قوات اليهود المهاجمين عند التبة 86 بنحو ثلاثة آلاف جندي وضابط، يقودهم ضابط عسكري روسي مخضرم شهد له اللواء أحمد فؤاد صادق بالخبرة العسكرية والتضحية، فقد سقط قتيلا هو وأخوه مع مئات من القتلى الصهاينة الآخرين بفضل إحاطة القوات المصرية وقوات الإخوان المسلمين بقيادة كامل الشريف بهذه التبة من كل جوانبها، وقد ساروا بصورة دقيقة وفق الخطة التي وضعها لهم اللواء أحمد فؤاد صادق، حتى نجحوا في هزيمة الصهاينة[4].

رغم أوامر بالانسحاب، إلا أن اللواء أحمد فؤاد تمسك حتى آخر لحظة بالدفاع عن قطاع غزة بجانب الإخوان المسلمين، وقد نجح بالفعل في صد الهجوم الصهيوني عليها (مواقع التواصل)

في المقابل يرى المؤرخ عبد الوهاب بكر[5] أن هجوم اليهود على "التبة 86" لم يكن الهجوم الحقيقي، وإنما كان غرضه إشغال القوات المصرية تحت قيادة اللواء صادق في غزة عن الهدف الحقيقي، وأن الهجوم الأكبر انطلق بعد عدة أيام في ليلة 25-26 ديسمبر/كانون الأول 1948 عبر حركة التطويق الواسعة صوب "العسلوج – والعوجة (عوجة الحفير)" في النقب قريبا من بئر سبع. ففي هذا القتال انهارت الدفاعات المصرية، وأمام الهجوم الصهيوني انتزع اليهود جميع الأراضي الواقعة بين بئر سبع وعوجة الحفير، عن ذلك يقول المؤرخ عارف العارف: "وفي طريقهم للعوجا أبادوا الحاميات المصرية التي كانت ترابط في عسلوج والشريف وغيرها، ومَن لم يقتلوه من رجال هذه الحاميات أسروه، ومن لم يُقتل أو يؤسر راح يهيمُ على وجهه في تلك الصحراء الواسعة، حتى هؤلاء الفارين فإنهم لم يسلموا من أذى الطائرات اليهودية.. لقد دبّ الرعب في صفوف الجنود، وفقدت القيادة المصرية في بادئ الأمر سيطرتها عليهم، فراحوا يفرون"[6].

وهكذا سقطت كامل أراضي النقب في أيدي الصهاينة، وكان الطريق إلى سيناء مفتوحا أمامهم، فراحوا يطلقون صرخاتهم قائلين "كاديما كايرو" أي "إلى الأمام إلى القاهرة"، وتمكنوا في تلك الأثناء من أسر ضابطين كبيرين من قوات الجيش المصري برتبة لواء، وترك الجنود أسلحتهم وسياراتهم، وسُدَّت الطريق على البقية في الخلف التي كان كثير منها مشحونا بالأسلحة والمعدات والبنزين، وسقط كل هذا غنيمة في أيدي اليهود. ورغم محاولة القوات المنسحبة أن تقيم خط دفاع عن منطقة "أبو عويقيلة"، وهي الآن منطقة الحسنة وسط سيناء، فإن اليهود كانوا أسرع فنسفوا الجسر الواقع على مقربة من المكان واحتلوا المنطقة، وعند احتلالهم "أبو عويقيلة" انقسموا إلى قسمين؛ قسم اتجه صوب طريق الإسماعيلية واستطاعوا الوصول حتى مطار كان يستخدمه الإنجليز على بُعد 108 كم من الإسماعيلية[7]، ولعله مطار المليز أو البردويل، ولكن الطيران المصري استطاع إبادة هذه القوات بصورة تامة.

أما القسم الآخر فقد اتجه صوب العريش واقتربوا من مطار المدينة وفي الوقت ذاته بدأوا يهجمون على غزة ورفح، وكان للطيران العسكري المصري دور في صد قسم كبير من هذا الهجوم على العريش ورفح. وقد فطن اللواء صادق أن هجوم اليهود على العريش والحسنة ومطار المليز العسكري كان خداعا قُصد منه سحب القوات المصرية من رفح وغزة لدعم المواقع المصرية في سيناء، وقد جاءته بالفعل الأوامر من حيدر باشا وزير الحربية تطالبه بترك غزة حتى قبل أن يبدأ اليهود بهجومهم على التبة 86 في غزة، وذلك في 23 ديسمبر/كانون الأول.

انتهت حرب 48 التي قادتها مصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان والسعودية واليمن ضد الصهاينة بإخفاقها في الهدف الأساسي وهو طرد الصهاينة، وإعادة الأرض المغتصبة للفلسطينيين (مواقع التواصل)

ولكن اللواء أحمد فؤاد صادق رفض تلك الأوامر وأرسل إليه قائلا: "ازاي (كيف) أنسحب وأسيب (أترك) ربع مليون من إخواني أهل غزة كالفراخ (الدجاج) يذبحهم اليهود وينتهكون أعراضهم؟ أتريدني أن آخذهم معي إلى العريش؟ أم أدافع عن رفح؟ كلا لن أنسحب مهما كانت النتيجة". وهذا الاعتراف ذكره اللواء صادق لمؤرخ فلسطين عارف العارف في القاهرة في سنة 1954، قائلا له: "بلى وربّك فقد خالفتُ الأمر ولم أنسحب، ولو انسحبتُ لتمكن اليهود من استعمال طريق رفح لمهاجمتي.. فإن وجود الجيش المصري على تلك الطريق كان خطأ حربيا، إذ ليس للجيش المرابط عليها إذا ما ضُرب إلا أن يختار أحد المخرجين البحر أو التسليم، ولهذا كان الأنسب أن يتخذ جيشنا بدلا منها طريق غزة – بئر سبع. وهذا ما فعله القائد الإنجليزي اللورد اللنبي في الحرب العالمية الأولى، أما نحن فقد أخطأنا إذ لم نكترث لبئر السبع ولم نعد العُدَّة للدفاع عنها"[8].

كان لسلاح الطيران المصري دوره الكبير في ضرب تقدم القوات الصهيونية في العريش ورفح، ورغم ذلك حاولوا إعادة التطويق، ولكن في 7 يناير/كانون الثاني 1949 أعلن مجلس الأمن الهدنة، وضغطت أميركا وبريطانيا على إسرائيل للانسحاب وإيقاف إطلاق النار وإنهاء العملية "حوريب". واعتبارا من 13 يناير/كانون الثاني دخلت مصر وإسرائيل في مفاوضات الهدنة بجزيرة رودس، وهكذا انتهت حرب 1948 التي قادتها مصر والعراق والأردن وسوريا ولبنان والسعودية واليمن ضد الصهاينة بإخفاقها في الهدف الأساسي وهو طرد الصهاينة، وإعادة الأرض المغتصبة للفلسطينيين، وذلك بعدما كان الجيش المصري متفوقا في الأيام الأولى للقتال ثم تراجع دوره وتقلص حتى بلغ به الحال إلى الهزيمة[9].

ومع هذه الهزيمة وآثارها السياسية والنفسية على الداخلينِ الفلسطيني والمصري فيما بعد؛ فإنه يُحسب للواء أحمد فؤاد صادق رفضه للأوامر التي صدرت إليه من وزير الحربية المصري حيدر باشا بالانسحاب من قطاع غزة في ذروة هذه الأحداث، وتمسكه حتى آخر لحظة بالدفاع عن قطاع غزة بجانب الإخوان المسلمين. وقد نجح بالفعل في صد الهجوم الصهيوني عليها، الأمر الذي جعل الملك فاروق ينعم عليه برُتبة الباشوية عند رجوعه إلى القاهرة عقب ذلك، ومن الغريب أن سيرة هذا الرجل لم يتناولها أحد -فيما وقفنا عليه- بالتأليف وسبر أغوار شخصيته بصورة مفصّلة.

___________________________________________

المصادر

[1] عبد الوهاب بكر: الجيش في حرب 48 ص132، 133. [2] عارف العارف: السابق ص808، 809. [3]  محمد صابر عرب: 4 فبراير 1942 [4] عارف العارف: السابق ص801، 802. [5] عبد الوهاب بكر: السابق ص136. [6] عارف العارف: نكبة فلسطين والفردوس المفقود ص804. [7] عارف العارف: السابق نفسه. [8] عارف العارف: السابق ص802، 803. [9] الحرب في أرض السلام ص433- 466.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دیسمبر کانون الأول القوات المصریة فی الإخوان المسلمین مواقع التواصل الجیش المصری الملک فاروق فی القاهرة فلسطین فی فی فلسطین قطاع غزة الأول 1948 التی کان فی تلک

إقرأ أيضاً:

ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟

ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.

ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.

هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.

فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.

لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.

أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.

وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟

في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.

إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.

لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

مقالات مشابهة

  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • السلطان هيثم.. القائد الذي يصنع عُمان الجديدة
  • جوميز المسؤول.. تعليق ناري من إسلام صادق على هزيمة الزمالك أمام المصري
  • أحمد موسى: اعلام دولة الاحتلال يقر بأن الجيش المصري الأقوى بالمنطقة
  • القوات المسلحة الليبية ترسل مساعدات إنسانية إلى إسبانيا
  • والي الخرطوم يتفقد الدفاعات الأمامية في أمبدة وغربي كرري ويقف على عودة الحياة في المناطق التي تطهيرها من التمرد
  • مكتب الدفاع بالسفارة المصرية في روما يستقبل الشباب المصري لتسوية المواقف التجنيدية في ديسمبر 2024
  • "اوعى تستخف أو تسخر من غيرك".. نَصيحُ الرئيس القائد لأبناء القوات البحرية
  • اللواء سمير فرج: العالم الآن يخشى الجيش المصري ويخاف من ردة فعله
  • السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا وأمن مصر أمانة في رقبتكم