قتل الرهائن الثلاث يفاقم شكوك الإسرائيليين بإدارة نتانياهو
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
في مواجهة الضغط المتزايد من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، زاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو معارضته لما يراه هؤلاء الحلفاء رؤية لمستقبل غزة: أي حكومة مؤقتة تشرف على السلطة الفلسطينية ودولة فلسطينية في نهاية المطاف تعيش إلى جانب إسرائيل.
قواعد الاشتباك هذه لا يتم احترامها أو تنفيذها من قبل القوات الموجودة على الأرض
وكتب ستيفن إيرلانغر في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن نتانياهو الذي تحدث في مؤتمر صحافي بعد ساعات فقط من قتل الجيش الإسرائيلي 3 رهائن إسرائيليين كانوا يرفعون الراية البيضاء في غزة، مما تسبب بغضب في صفوف الإسرائيليين، بدا وكأنه يحاول تغيير الموضوع، من خلال مفاخرته بمنع قيام دولة فلسطينية في الماضي، وبأنه سيواصل فعل ذلك في المستقبل.
ويأمل نتانياهو في الاستمرار بالسلطة بعد الحرب، على رغم الغضب الشعبي من أن حماس جعلت من نفسها قوة عسكرية وغزت إسرائيل في عهده.
ومن أجل فعل ذلك، يخاطب الإسرائيليين بمن فيهم حزب الليكود بزعامته وشركاؤه في اليمين المتطرف، الذين يجادلون بأن حل الدولتين هو بمثابة وهم خطير.
Hostages Deaths Fuel Israelis’ Doubts About Netanyahu https://t.co/BdSbpnxqYU
— Steven Erlanger (@StevenErlanger) December 17, 2023
لكن مع استمرار الحرب من دون قرار، فإن أعداد القتلى تتصاعد، ولا يزال الكثير من الرهائن قيد الاحتجاز في غزة، بينما يزيد الحلفاء الغربيون من الانتقادات، وتبدو قبضة نتانياهو على السلطة أكثر اهتزازاً من أي يوم مضى.
ومن شأن تصرفات الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا الرهائن، عوض إنقاذهم، أن تعطي زخماً أكبر لأولئك الذين يقولون إن الحملة العسكرية المكثفة، تعرض المحتجزين للخطر، فضلاً عن الإساءة إلى سمعة إسرائيل.
وقالت راز بن عامي التي أطلقتها حماس خلال الهدنة الأخيرة بين الجانبين، للمتظاهرين في تل أبيب مساء السبت: "توسلت إلى مجلس الوزراء، وحذرنا جميعاً من أن القتال قد يؤذي الرهائن".
وأضافت بن عامي، التي لا يزال زوجها أوهاد محتجزاً في غزة: "لسوء الحظ، كنت على حق".
As I told @NYT @StevenErlanger “Netanyahu has some real substantive differences with Biden, but he’s playing rampant politics in the midst of intensive fighting, and it’s shameless...” It still *should* be shockinghttps://t.co/zxYni7HXHZ
>>
وحاول نتانياهو التصدي للدعوات المتزايدة من عائلات الرهائن، من أجل بذل جهد آخر لوقف إطلاق النار في غزة، من أجل إطلاق سراح 130 شخصاً أو نحو ذلك لا يزالون محتجزين لدى حماس وحلفائها.
وأكد نتانياهو في مؤتمره الصحافي أن "الضغط العسكري ضروري لإعادة الرهائن، وأيضاً لتحقيق النصر.. لولا الضغط العسكري، لم نكن لنتمكن من إنشاء إتفاق يؤدي إلى إطلاق 110 رهائن، وفقط من خلال الضغط العسكري المستمر سنتمكن من إطلاق جميع رهائننا".
وعلى رغم هذا الخطاب، فإن نتانياهو يتعرض لانتقاد على نطاق واسع في إسرائيل لأنه استغرق وقتاً حتى يعرب عن أسفه لمقتل الرهائن الثلاث.
Father of Israeli hostage shot by IDF, to Netanyahu's government: "You murdered my son twice. You let Hamas take my son on Oct. 7, and you killed my son on Dec. 14." pic.twitter.com/rbBB2KnWRP
— Shibley Telhami (@ShibleyTelhami) December 19, 2023
وكتب ناحوم بارنيع، أحد المعلقين الأكثر احتراماً في إسرائيل، أن الوفيات لم تكن مجرد مأساة، بل "جريمة حرب"، لأن "القانون الدولي واضح جداً في شأن هذه القضية".
وقال إنه يجب على الإسرائيليين أن يكونوا أكثر صرامة على أنفسهم، وأضاف: "نحن في حالة حرب الآن، وقلوبنا مع الجنود، لكن لا شيء يتحقق من الحب الأعمى".
وتحدث الخبير العسكري الإسرائيلي في جامعة إسرائيل المفتوحة ياغيل ليفي، عن "فجوة حقيقية بين قواعد الاشتباك الرسمية والممارسة في ساحة المعركة".
وقال إنه نظراً للخوف والإرهاق "أنا متأكد تقريباً من أن قواعد الاشتباك هذه لا يتم احترامها أو تنفيذها من قبل القوات الموجودة على الأرض".
وقد انتقد الرئيس جو بايدن فعلاً "القصف العشوائي" الإسرائيلي على غزة، وهو ما ينفيه الإسرائيليون.
وقال مدير مركز سياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز ناتان ساكس، والذي عاد لتوه من إسرائيل، إن نتانياهو يواجه أيضاً انتقادات بسبب ممارسة السياسة بشكل علني في خضم الحرب.
واعتبر ياغيل ليفي أن عمليات القتل جعلت المخاطر التي يتعرض لها الرهائن المتبقون "ملموسة جداً".
وقال إن هذا "أعطى دفعة لحركة تبادل الأسرى، ويمكن أن يدفع نتانياهو ووزراء آخرين إلى التفكير في دفع ثمن أعلى مقابل تبادل الأسرى".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل فی غزة
إقرأ أيضاً:
التجويع ليس وسيلة للتفاوض
قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «افعل ما تشاء»، ويبدو أن نتنياهو أخذ كلماته على محمل الجد.
أعادت إسرائيل فرض حصار شبه كامل على غزة، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية التي يحتاجها السكان بشكل يائس. الطعام والدواء والخيام والوقود، كلها ممنوعة من الوصول إلى القطاع المدمر بسبب القصف، حيث يحاول نحو مليوني فلسطيني البقاء على قيد الحياة وسط الأنقاض. ويواصل نتنياهو تضييق الخناق؛ فبعد أن قطعت إسرائيل آخر إمدادات الكهرباء إلى غزة يوم الأحد، تباطأت عمليات محطة تحلية المياه التي توفر مياه الشرب. مع انتشار الجوع، ولجوء السكان إلى العيش في الخيام أو المباني شبه المدمرة، وتناقص إمدادات المياه النظيفة والوقود، لم يعد بالإمكان القول: إن غزة على وشك الانهيار، بل إنها بالفعل انهارت في كثير من الجوانب.
تلجأ إسرائيل إلى تجويع غزة كتكتيك تفاوضي. وبدلا من المضي قدما في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار كما كان مقررا، يطالب نتنياهو الآن بتمديد المرحلة الأولى سبعة أسابيع إضافية.
من المنطقي أن يكون هذا الخيار الأفضل بالنسبة لنتنياهو؛ فتنفيذ المرحلة الأولى أسهل بكثير، حيث يتيح إطلاق سراح مزيد من الرهائن دون الدخول في تفاصيل أكثر تعقيدا، والتي تعد حساسة سياسيا بالنسبة له، مثل الانسحاب من غزة ووضع خطط لإنهاء الحرب. لكن حتى الآن، ترفض حماس الانصياع لهذا التغيير، مشيرة إلى أن إسرائيل تتراجع بشكل أحادي عن التزاماتها بموجب الاتفاق.
وكجزء من هذا الصراع القاسي، أعادت إسرائيل إغلاق قطاع غزة بالكامل، وحرمت سكانه من الطعام والمساعدات، مهددة بأن الحرب الشاملة قد تستأنف إذا لم توافق حماس على إطلاق المزيد من الرهائن.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي: «ستُغلق أبواب غزة، وستُفتح أبواب الجحيم» إذا لم يتم إطلاق سراح المزيد من الرهائن.
يبدو أن ترامب يؤيد هذا الأسلوب غير الأخلاقي. وبينما يترنح وقف إطلاق النار على حافة الانهيار، يتحمّل سكان غزة إرهاقًا جسديا ونفسيا في اختبار وحشي لإرادتهم.
يقول الدكتور ماجد جابر، وهو طبيب طوارئ من غزة تحدثتُ إليه: «أي كمية من المساعدات تُمنع عن غزة هي بمثابة حكم بالإعدام».
منزله دُمر جراء القصف، وهو الآن ينام في خيمة مكشوفة تتسرب إليها مياه الأمطار في الشتاء. قبل وقف إطلاق النار، كان نقص الطعام شديدا لدرجة أنه فقد 18 كيلوجرامًا من وزنه، حتى إنه شاهد بعض مرضاه يموتون بسبب مضاعفات سوء التغذية.
يقول الدكتور جابر: «كنت أُعاني من الجوع الشديد بنفسي. هل أعتقد أن ذلك قد يحدث مجددا؟ نعم، أعتقد ذلك».
وبعد حديثي معه، قرأت تقريرًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية يفيد بأن الرهائن المحررين مؤخرًا فقدوا وزنًا كبيرًا، وعانوا من مشكلات صحية بسبب شرب المياه الملوثة. كانت هذه التفاصيل متطابقة تمامًا مع ما كنت أسمعه من الفلسطينيين في غزة، مما لا يثير الدهشة، لكنه يبرز الجنون الكامن في نهج إسرائيل: تجويع غزة لإجبار حماس على إطلاق سراح الرهائن يعني، بطبيعة الحال، تجويع الرهائن أيضا.
يبدو أن مأساة غزة باتت تغيب أكثر فأكثر عن إدراك العالم. المشهد الكارثي لمعاناة الناس يتلاشى في الخلفية، ثم يظهر مرة أخرى عندما تزداد الأمور سوءًا. تحتجز حماس 59 إنسانًا كرهائن، أحياء أو أمواتًا، كوسيلة ضغط وحيدة لديها. أما سكان غزة، فقد وجدوا أنفسهم عالقين في هذا القطاع الصغير لعقود.
قد يبدو من غير المجدي الإشارة إلى ذلك وسط حرب مليئة بالفظائع، لكن التجويع المتعمد للمدنيين هو جريمة حرب، تمامًا كما أن احتجاز المدنيين كرهائن هو جريمة حرب. من المؤكد أن القادة الإسرائيليين يدركون هذه القوانين. ففي النهاية، كان الحصار شبه الكامل لغزة بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 من الأدلة التي استخدمت في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مما أدى إلى إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت.
عندما بدأت التحذيرات من مجاعة وشيكة تتسرب من غزة، أنكرت إسرائيل بغضب تقارير المنظمات الإنسانية وبعض السياسيين الأمريكيين الذين أشاروا إلى أن إسرائيل تمنع المساعدات، ملقية اللوم على الأمم المتحدة، وحماس، وأطراف أخرى. لكن في عهد ترامب، يبدو أن إسرائيل لم تعد بحاجة حتى إلى تقديم أعذار. فمنذ 7 أكتوبر، أصبح الجنود والمستوطنون الإسرائيليون أكثر جرأة في معاقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث قتلوا المئات، وهجّروا عشرات الآلاف، وتحدثوا علنًا عن ضم الأراضي. وفي الوقت نفسه، ومع ضغط داعمي ترامب من الإنجيليين على الحكومة الإسرائيلية للاستيلاء على كامل الضفة الغربية، رفعت الإدارة الأمريكية العقوبات عن المستوطنين المتطرفين.
سألت الكاتب الغزي يسري الغول عمّا إذا كان الناس من حوله يخشون استئناف القصف. كانت إجابته صادمة: «الناس لا يهتمون إذا ما عادت الحرب أم لا، لأنهم يشعرون بأنهم فقدوا كل شيء. لقد فقدوا منازلهم، فقدوا عائلاتهم، الأطفال، النساء، الأزواج. لذا يقول الناس: (حسنًا، فليحدث ما يحدث، إذا عادت الحرب وقتلتنا، فلا فرق)».
ثم أضاف بحزن: «نحن لا نعيش حياةً طبيعيةً، نحن نعيش في الجحيم».
لا أستطيع التخلص من الشعور المرعب بأن غزة تختفي أمام أعيننا. المباني تُدمر، والجثث تُدفن تحت الأنقاض، وكل مرة يُقتل فيها صحفي غزي، تُغلق نافذة أخرى كنا نطل منها على الحقيقة. ثم يأتي ترامب فجأة بخطته «لامتلاك» غزة، مقترحًا بناء منتجعات على رفات الموتى، وتحويل الأرض إلى «جنة سياحية» عبر التطهير العرقي. ولكن، جنة لمن؟
قال ترامب: «للشعوب حول العالم». ولكن ليس، على ما يبدو، لشعب غزة.
ميجان ك. ستاك كاتبة مقالات رأي ومؤلفة. عملت مراسلة في الصين، روسيا، مصر، إسرائيل، أفغانستان، وعلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. كان كتابها الأول، الذي يوثق حروب ما بعد 11 سبتمبر، من بين المرشحين النهائيين لجائزة الكتاب الوطني في فئة الكتب غير الروائية.قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: «افعل ما تشاء»، ويبدو أن نتنياهو أخذ كلماته على محمل الجد.
أعادت إسرائيل فرض حصار شبه كامل على غزة، ومنعت دخول المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية التي يحتاجها السكان بشكل يائس. الطعام والدواء والخيام والوقود، كلها ممنوعة من الوصول إلى القطاع المدمر بسبب القصف، حيث يحاول نحو مليوني فلسطيني البقاء على قيد الحياة وسط الأنقاض. ويواصل نتنياهو تضييق الخناق؛ فبعد أن قطعت إسرائيل آخر إمدادات الكهرباء إلى غزة يوم الأحد، تباطأت عمليات محطة تحلية المياه التي توفر مياه الشرب. مع انتشار الجوع، ولجوء السكان إلى العيش في الخيام أو المباني شبه المدمرة، وتناقص إمدادات المياه النظيفة والوقود، لم يعد بالإمكان القول: إن غزة على وشك الانهيار، بل إنها بالفعل انهارت في كثير من الجوانب.
تلجأ إسرائيل إلى تجويع غزة كتكتيك تفاوضي. وبدلا من المضي قدما في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار كما كان مقررا، يطالب نتنياهو الآن بتمديد المرحلة الأولى سبعة أسابيع إضافية.
من المنطقي أن يكون هذا الخيار الأفضل بالنسبة لنتنياهو؛ فتنفيذ المرحلة الأولى أسهل بكثير، حيث يتيح إطلاق سراح مزيد من الرهائن دون الدخول في تفاصيل أكثر تعقيدا، والتي تعد حساسة سياسيا بالنسبة له، مثل الانسحاب من غزة ووضع خطط لإنهاء الحرب. لكن حتى الآن، ترفض حماس الانصياع لهذا التغيير، مشيرة إلى أن إسرائيل تتراجع بشكل أحادي عن التزاماتها بموجب الاتفاق.
وكجزء من هذا الصراع القاسي، أعادت إسرائيل إغلاق قطاع غزة بالكامل، وحرمت سكانه من الطعام والمساعدات، مهددة بأن الحرب الشاملة قد تستأنف إذا لم توافق حماس على إطلاق المزيد من الرهائن.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، الأسبوع الماضي: «ستُغلق أبواب غزة، وستُفتح أبواب الجحيم» إذا لم يتم إطلاق سراح المزيد من الرهائن.
يبدو أن ترامب يؤيد هذا الأسلوب غير الأخلاقي. وبينما يترنح وقف إطلاق النار على حافة الانهيار، يتحمّل سكان غزة إرهاقًا جسديا ونفسيا في اختبار وحشي لإرادتهم.
يقول الدكتور ماجد جابر، وهو طبيب طوارئ من غزة تحدثتُ إليه: «أي كمية من المساعدات تُمنع عن غزة هي بمثابة حكم بالإعدام».
منزله دُمر جراء القصف، وهو الآن ينام في خيمة مكشوفة تتسرب إليها مياه الأمطار في الشتاء. قبل وقف إطلاق النار، كان نقص الطعام شديدا لدرجة أنه فقد 18 كيلوجرامًا من وزنه، حتى إنه شاهد بعض مرضاه يموتون بسبب مضاعفات سوء التغذية.
يقول الدكتور جابر: «كنت أُعاني من الجوع الشديد بنفسي. هل أعتقد أن ذلك قد يحدث مجددا؟ نعم، أعتقد ذلك».
وبعد حديثي معه، قرأت تقريرًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية يفيد بأن الرهائن المحررين مؤخرًا فقدوا وزنًا كبيرًا، وعانوا من مشكلات صحية بسبب شرب المياه الملوثة. كانت هذه التفاصيل متطابقة تمامًا مع ما كنت أسمعه من الفلسطينيين في غزة، مما لا يثير الدهشة، لكنه يبرز الجنون الكامن في نهج إسرائيل: تجويع غزة لإجبار حماس على إطلاق سراح الرهائن يعني، بطبيعة الحال، تجويع الرهائن أيضا.
يبدو أن مأساة غزة باتت تغيب أكثر فأكثر عن إدراك العالم. المشهد الكارثي لمعاناة الناس يتلاشى في الخلفية، ثم يظهر مرة أخرى عندما تزداد الأمور سوءًا. تحتجز حماس 59 إنسانًا كرهائن، أحياء أو أمواتًا، كوسيلة ضغط وحيدة لديها. أما سكان غزة، فقد وجدوا أنفسهم عالقين في هذا القطاع الصغير لعقود.
قد يبدو من غير المجدي الإشارة إلى ذلك وسط حرب مليئة بالفظائع، لكن التجويع المتعمد للمدنيين هو جريمة حرب، تمامًا كما أن احتجاز المدنيين كرهائن هو جريمة حرب. من المؤكد أن القادة الإسرائيليين يدركون هذه القوانين. ففي النهاية، كان الحصار شبه الكامل لغزة بعد هجوم 7 أكتوبر 2023 من الأدلة التي استخدمت في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، مما أدى إلى إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت.
عندما بدأت التحذيرات من مجاعة وشيكة تتسرب من غزة، أنكرت إسرائيل بغضب تقارير المنظمات الإنسانية وبعض السياسيين الأمريكيين الذين أشاروا إلى أن إسرائيل تمنع المساعدات، ملقية اللوم على الأمم المتحدة، وحماس، وأطراف أخرى. لكن في عهد ترامب، يبدو أن إسرائيل لم تعد بحاجة حتى إلى تقديم أعذار. فمنذ 7 أكتوبر، أصبح الجنود والمستوطنون الإسرائيليون أكثر جرأة في معاقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث قتلوا المئات، وهجّروا عشرات الآلاف، وتحدثوا علنًا عن ضم الأراضي. وفي الوقت نفسه، ومع ضغط داعمي ترامب من الإنجيليين على الحكومة الإسرائيلية للاستيلاء على كامل الضفة الغربية، رفعت الإدارة الأمريكية العقوبات عن المستوطنين المتطرفين.
سألت الكاتب الغزي يسري الغول عمّا إذا كان الناس من حوله يخشون استئناف القصف. كانت إجابته صادمة: «الناس لا يهتمون إذا ما عادت الحرب أم لا، لأنهم يشعرون بأنهم فقدوا كل شيء. لقد فقدوا منازلهم، فقدوا عائلاتهم، الأطفال، النساء، الأزواج. لذا يقول الناس: (حسنًا، فليحدث ما يحدث، إذا عادت الحرب وقتلتنا، فلا فرق)».
ثم أضاف بحزن: «نحن لا نعيش حياةً طبيعيةً، نحن نعيش في الجحيم».
لا أستطيع التخلص من الشعور المرعب بأن غزة تختفي أمام أعيننا. المباني تُدمر، والجثث تُدفن تحت الأنقاض، وكل مرة يُقتل فيها صحفي غزي، تُغلق نافذة أخرى كنا نطل منها على الحقيقة. ثم يأتي ترامب فجأة بخطته «لامتلاك» غزة، مقترحًا بناء منتجعات على رفات الموتى، وتحويل الأرض إلى «جنة سياحية» عبر التطهير العرقي. ولكن، جنة لمن؟
قال ترامب: «للشعوب حول العالم». ولكن ليس، على ما يبدو، لشعب غزة.
ميجان ك. ستاك كاتبة مقالات رأي ومؤلفة. عملت مراسلة في الصين، روسيا، مصر، إسرائيل، أفغانستان، وعلى الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك. كان كتابها الأول، الذي يوثق حروب ما بعد 11 سبتمبر، من بين المرشحين النهائيين لجائزة الكتاب الوطني في فئة الكتب غير الروائية.