الأزهر: الحفاظ على لغتنا مسؤولية وطنية.. واعوجاج اللسان لا يدل على التحضّر
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
صرح الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، بأنَّ المحافظة على اللغة العربية والهوية، مسؤولية دينية ووطنية ومجتمعية تقع على عاتق الجميع كل في مكان عمله وتخصصه، كل في حدود قدراته وإمكانيته، ومن الواجب علينا أن نحافظ على ديننا وعقيدتنا وهويتنا، ولابد من الانتباه لمحاولات تذويب الهوية، من خلال العمل الجاد على تقوية مناعتنا الحضارية، والاحتفاء بلغة القرآن والعناية بها، مؤكدًا أنها مفتاح هويتنا، وأن الاعتزاز بها اعتزاز بالهوية، وخدمتها خدمة للدين والوطن.
أكّد الدكتور الضويني، خلال كلمته باحتفالية «مجمع اللغة العربية الأردني»، بـ«اليوم العالمي للغة العربية»، وبمناسبة مرور مائة عام على تأسيسه، أن الأزهر قد اعتنى باللغة العربية منذ تأسيسه عناية كبيرة، فأنشأ لها كليات وأقسام تحمل اسمها، وتُنبئ عن رسمها، ومراكز تدرب على اتقانها، وكيانات ترغّب الأعاجم فيها، ومن ذلك: كليات اللغة العربية بمحافظات مصر، وأقسام اللغة العربية في بعض الكليات الأخرى، ومركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية، وكلية العلوم الإسلامية الوافدين، فضلاً عن كثير من الفعاليات التي تؤكد الهوية اللغوية للأمة، قائلا: «سيظل الأزهر الشريف الحارس الأمين على علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية، بالتعاون مع أهل الخير والعطاء».
واستكمل «الضويني»، حديثه بأن الأمة الإسلامية ميزها الله بأجلّ عقيدة، وأفصح لسان، وأعظم هوية، مؤكدًا أن المحافظة على العقيدة واللسان والهوية مطلب شرعي، وواجب وطني، ومسؤولية مجتمعية، فاللغة العربية أحد أركان هوية الأمة؛ والمحافظة عليها من الدين، كما أن العلاقة بين اللغة والدين وبين اللغة والهوية لا تنفصم عراها.
وقال وكيل الأزهر، إنَّه من الواجب على كل مسلم أن يزود عن اللغة بقلبه حبًا لها، وبلسانه تعلمًا ونطقًا بحروفها وبلاغتها، وأن يزود نفسه ما استطاع من الثقافة العربية والإسلامية، وأن يكون على وعي بما تتعرض له اللغة والدين والهوية من هجمات شرسة، مشددًا على ضرورة الانتباه لصراع قديم متجدد، وصفه بالصراع «الخفية أدواته، الخطيرة آثاره!»، وهو صراع الألسنة واللغات، لافتًا إلى أن الحديث عن «الصراع اللساني» ليس من قبيل المبالغة أو التهويل، حيث إن اللغة هي أحد أهم مكونات الهوية، ومن أهم عوامل البناء في مختلف الحضارات والثقافات، وأول ما يعنى الغزاة المحتلون هو محوها، ومن ثم فإن الصراع اللغوي صراع وجود وهوية.
وانتقد وكيل الأزهر غياب الفصاحة العربية عن ألسنة كثيرة من أبنائنا، موضحًا أن السبب في ذلك هو انشغالهم عنها بلغات أعجمية، إذ يتعمد الغرب إلى إقحام بضع الكلمات الأجنبية بين الحين والآخر في حديثهم بلا داع أو مبرر، وكأنما يرون أن اعوجاج اللسان العربي غاية التحضر والرقي!، موضحا أن المشكلة ليست في استعارة بعض ألفاظ من لغات أخرى، وإنما الأسى من أن يدور في فم المتكلم العربي لسان غيره، وأخشى أن يسكن دماغه عقل غيره!، حتى وصل الأمر إلى أن يصبح المتكلم نسخة مشوهة؛ فلا هو اعتز بلغته فأجراها على لسانه، ولا هو أتقن بهذه الكلمات المستعارة لغة غيره.
ولفت وكيل الأزهر إلى أنه لا يرفض أو يعارض تعلم اللغات؛ مؤكدًا أن تعلمها يتيح للأجيال الناشئة جسور ومعابر يصلون بها إلى ثقافات مغايرة، واختتم حديثه بتمنيه للامة الدراية والاطلاع بلغات العالم، بشرط أن لا يكون ذلك على حساب لغتنا العربية، مؤكدًا أنه من الواجبات الضرورية أن نتأمل التحديات التي تواجه اللغة العربية؛ لنعمل على معالجتها.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: اللغة العربية الأزهر تعليم اللغة العربية الهوية اللغة العربیة وکیل الأزهر مؤکد ا أن
إقرأ أيضاً:
ندوة «الإعلام والهوية الوطنية» توصي بتشريعات تضمن التوازن بين الأصالة والانفتاح
أكّدت ندوة «الإعلام والهوية الوطنية.. استراتيجيات تعزيز القيم»، التي نظّمتها جمعية الصحفيين العمانية بمسرح الجمعية اليوم، برعاية معالي الدكتور عبدالله بن محمد السعيدي، وزير العدل والشؤون القانونية، على أهمية وجود استراتيجية وطنية شاملة تتبناها الجهات المسؤولة، تُعنى بتفعيل دور الإعلام بمختلف وسائله لتعزيز السمت العُماني، لاسيما في المجال الدرامي لما له من أثر عميق في تشكيل الوعي المجتمعي وترسيخ القيم الوطنية.
كما أوصت الندوة بضرورة صياغة سياسات وتشريعات إعلامية تضمن تحقيق التوازن بين الأصالة والانفتاح الواعي، بما يسهم في دمج المجتمع العُماني في العالم المعاصر دون التفريط بجذوره الثقافية، وأكدت على أهمية دراسة الآثار الاقتصادية والرقمية التي تهدد الثقافة الوطنية، مع البحث عن حلول مبتكرة للتقليل من تداعياتها السلبية.
وفي سياق دعم الحراك الثقافي، دعت الندوة إلى رعاية المبدعين وصنّاع المحتوى، وتمكينهم من تجسيد الهوية العمانية عبر محتوى رقمي مستدام يعزز مكانة سلطنة عمان الثقافية عالميًا، وشددت على ضرورة إشراك الشباب في تنفيذ أهداف «رؤية عمان 2040»، لا سيما في مجالات الهوية والمواطنة والتراث والثقافة الوطنية.
كما طالبت الندوة بـتكثيف الحملات الإعلامية والإعلانية التي تبرز مضامين الهوية الوطنية، إلى جانب تزويد المجتمع بالمعلومات الكافية لتعزيز قيم المواطنة والانتماء الوطني، مع ضرورة رصد التحديات المجتمعية والعمل على التصدي للأفكار الدخيلة التي تهدد نسيج المجتمع العُماني.
ومن أبرز التوصيات التركيز على تعليم الأطفال والناشئة الهوية العمانية بأساليب تربوية حديثة وإبداعية، والحرص على إجراء دراسات أكاديمية معمقة لتوضيح ملامح الهوية الوطنية، فضلاً عن ضرورة إعادة توجيه المناهج التربوية لترتكز على مهارات التربية الذاتية، وبناء شراكات مجتمعية فاعلة بين المؤسسات التربوية والإعلامية، بعيدًا عن الفعاليات الشكلية، بما يضمن دمج الهوية الوطنية في الحياة اليومية للمجتمع.
وأكدت الندوة أن الإعلام التربوي الهادف يشكل خط الدفاع الأول في معركة الهوية، مما يستوجب تحفيز المؤسسات الإعلامية على إنتاج محتوى متجدد يعزز الثوابت الوطنية.
وقال الدكتور محمد بن مبارك العريمي، رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية: إنّ الهوية الوطنية ليست شعارًا يُرفع، ولا كلمات تُردد فحسب، بل هي روحٌ نابضة تسري في وجدان كل مواطن عماني، تُجسد أصالة القيم التي تربى عليها، وتعكس عمق ارتباطه بتاريخه العريق وتراثه الأصيل.
وأشار إلى أن الهوية الوطنية ليست كيانًا جامدًا أو ثابتًا، بل هي كائن حي يتفاعل مع متغيرات الزمن، يستمد من الماضي جذوره العميقة، ومن الحاضر زخمه، ويتأهب للمستقبل بروح متجددة دون أن يفقد أصالته.
وأوضح العريمي أن الإعلام والمؤسسات التربوية والثقافية يقع على عاتقها دور محوري في تعزيز هذه الهوية، وترسيخها في عقول الأجيال؛ لتظل صمام الأمان في مواجهة التحديات الثقافية والفكرية والاجتماعية.
وأكد العريمي أننا نعتز بهويتنا التي تمزج بين الإرث التاريخي العريق والانفتاح الواعي على العالم، مما جعل سلطنة عمان أنموذجًا مشرقًا للتسامح والتعايش مع مختلف الثقافات دون أن تتنازل عن أصالتها أو تذوب في تيارات التغيير السريعة.
وأضاف أن العولمة رغم ما تتيحه من فرص للتواصل والانفتاح أصبحت تمثل تحديًا خطيرًا للهوية الوطنية، خاصة مع تدفق قيم ومفاهيم وافدة تتعارض مع موروثاتنا الأصيلة.
وبيّن أن الإعلام الغربي والمنصات الرقمية الحديثة تسعى أحيانًا إلى تطبيع أفكار دخيلة لا تتسق مع قيمنا الأخلاقية والاجتماعية، مما يفرض على الجميع تعزيز الوعي الوطني وتحفيز جهود الإعلام الوطني لبناء خطاب إعلامي قوي وواعٍ.
كما حذر من الحملات الفكرية التي تبث عبر وسائل الإعلام الغربية الحديثة، والتي تستهدف تقويض الروابط الأسرية، وإضعاف القيم الإسلامية والأخلاقية، ومحاولة تشويه التاريخ العُماني العريق بحجة الحداثة والتطور.
وختم العريمي كلمته بالتأكيد على أن بناء إعلام وطني صلب وقادر على حماية الهوية الوطنية أصبح ضرورة لا تحتمل التأجيل، مشددًا على أهمية تقديم محتوى إعلامي هادف ينمي الوعي ويرسخ الانتماء الوطني بين صفوف الناشئة.
الجلسة الأولى
دور الإعلام في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القيم
اُستعرض في الجلسة الأولى محور (دور الإعلام في تشكيل الهوية الوطنية وتعزيز القيم) جوانب متعددة حول دور الإعلام في دعم الهوية الوطنية، حيث تحدث المكرم الدكتور صالح بن محمد الفهدي، عضو مجلس الدولة ورئيس مركز قيم، عن أهمية تعزيز السمت العماني والهوية الثقافية المتفردة.
كما تناولت الدكتورة ريا بنت سالم المنذرية، عميدة شؤون الطلاب بجامعة السلطان قابوس، أهمية التعليم والإعلام في بناء الإنسان العُماني، مؤكدة على تكامل الأدوار بين الإعلام والتربية لترسيخ الهوية الوطنية لدى الأجيال.
بدوره، أشار الدكتور سيف بن ناصر المعمري، رئيس المجموعة البحثية للتربية على المواطنة بجامعة السلطان قابوس، إلى أهمية المحتوى الثقافي والتاريخي باعتباره عنصرًا جوهريًا في بناء الهوية، داعيًا إلى توظيف الإعلام لتعزيز الوعي بالتراث العُماني وقيمه الراسخة.
وسلط الدكتور سيف بن سالم الهادي الضوء على تأثيرات العولمة الثقافية، محذرًا من مخاطر التداخل الثقافي العشوائي على الهوية الوطنية، ومؤكدًا على دور الإعلام العُماني في تحصين المجتمع ضد هذه التأثيرات من خلال خطاب إعلامي مستنير.
واتفقت الجلسة على أن الإعلام العُماني يمثل أداة حيوية لإبراز السمات الثقافية العمانية للأجيال الجديدة، وضمان الاستمرارية الثقافية رغم تحديات العصر الحديث.
الجلسة الثانية
كما ناقشت الجلسة الثانية محور (التحديات والفرص في مواجهة التغيرات العالمية)
حيث استعرضت المكرمة الدكتورة عائشة بنت حمد الدرمكية عضوة مجلس الدولة، رئيسة قسم الدراسات اللغوية والعامة بالجامعة العربية المفتوحة، التهديدات الثقافية التي تواجهها الهوية الوطنية نتيجة التأثيرات الإعلامية الغربية، مشيرة إلى ضرورة تعزيز الحصانة الفكرية والثقافية لدى المجتمع العماني.
وتناول المكرم الدكتور محمد بن سعيد الحجري رئيس اللجنة الاجتماعية والثقافية بمجلس الدولة التحديات التكنولوجية، لافتًا إلى أن التعامل مع الثورة الرقمية يجب أن يتم بحذر وذكاء، لضمان استخدام التكنولوجيا في دعم الهوية لا في تفتيتها.
وأشار الدكتور زكريا بن خليفة المحرمي طبيب وكاتب وباحث عماني إلى أهمية المواءمة الذكية بين الحفاظ على الخصوصية الوطنية والانفتاح على العالم، بحيث يتمكن العماني من التفاعل مع الحداثة دون التخلي عن جذوره الثقافية.
فيما عرج الدكتور محمد بن مبارك العريمي رئيس جمعية الصحفيين العمانية على مخاطر وسائل الإعلام الأجنبية، مشددًا على ضرورة إنتاج محتوى إعلامي محلي متجدد ومنافس قادر على التصدي للثقافات الوافدة.
وختمت الدكتورة حنان بنت محمود أحمد باحثة في الهوية الوطنية بمداخلة حول تعزيز الانتماء الوطني من خلال الإعلام التربوي، داعية إلى تبني مبادرات وطنية متكاملة لغرس قيم المواطنة لدى الأجيال الصاعدة.
وشددت الجلسة على أن مواجهة التحديات الإعلامية تتطلب توحيد الجهود الوطنية، وإيجاد خطاب إعلامي يعزز الأصالة ويواكب الحداثة.
وعلى هامش أعمال الندوة، افتتح معرض للصور جسّد جوانب متعددة من الثقافة العمانية، واستعرض ملامح التاريخ والتراث العريق لسلطنة عمان، مساهمًا في تعزيز الوعي بأهمية الهوية الوطنية، وضرورة حمايتها من الذوبان وسط العولمة.