لحظة الحقيقة
د. فيصل محمد صالح
نحن الآن أمام لحظة نحتاج فيها أن نحتكم لضمائرنا وعقولنا
نحتاج أن نكون واقعيين وعمليين وحساسين تجاه معاناة مواطنينا، النازحين واللاجئين، الذين يلوذون الآن بأرض الله الواسعة بلا هدى أو هدف، وبمن يمكن أن يتعرض لها إذا استمرت هذه الحرب اللعينة
لا مجال الآن للأكاذيب والأوهام والأماني التي لا تقف على ساقين
لا لوم ولا شماتة، جنود وصغار ضباط الجيش فعلوا كل ما يستطيعون فعله، وقدموا أرواحهم ودماءهم ، كل من كانوا في الحاميات التي سقطت ظلوا داخل حامياتهم لأشهر بأحذية بالية ومهترئة، وبلا تموين كاف، ولا ذخيرة ليحاربوا بها، وبلا مرتبات، رغم هذا قاتلوا واستماتوا واستبسلوا
تركتهم قيادة الجيش عرضة للإهمال لسنوات وانشغلت بالحكم والسياسة والتآمر على الفترة الانتقالية، وبيزنس الشركات والمؤسسات التابعة للجيش والأمن، وهي تراقب الدعم السريع يجند الآلاف ويستقبل شحنات الاسلحة الثقيلة، ويحتل المواقع الاستراتيجية في العاصمة والولايات.
صيحة لا للحرب لم تكن نبوءة أو ضربا بالغيب، فصور ما خلفته الحرب في بلاد مجاورة لنا أو بعيدة مننا لا تزال ماثلة أمامنا، كانت دعوة لنوفر على أنفسنا المعاناة والموت والخراب. وعندما انطلقت لم يكن أحد يتصور الأوضاع الحالية، ولا يعرف نتيجة المعارك لأي طرف ستميل، لكنها تنطلق من إدراك أن هذه حرب لن ينتصر فيها أي طرف سوداني، وأننا كلنا سنكون خاسرين.
نعرف أن كتلة الاستمرار في الحرب كبرت وتضخمت بعد الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع ، وكان هدفها وقف الانتهاكات والجرائم بقوة الردع، لكن من الواضح بعد ثمانية أشهر من الحرب أن قوة الردع هذه لم تتوفر، بينما الانتهاكات والجرائم مستمرة، ما حدث في حنتوب ورفاعة ومدني معروف، والمخرج الوحيد هو وقف الحرب، وبالتالي السيطرة على عمليات النهب والسرقة والموت المجاني.
ينبغي العمل بسرعة وباستخدام كافة الوسائل لإيقاف هذه الحرب، وإنقاذ باقي المناطق التي لم يصلها الخراب
وآمل أن لا ينتقل العناد هذه المرة لقيادة الدعم السريع، وتظن أنها انتصرت بشكل نهائي ولا تحتاج للجلوس للتفاوض، هذا وهم، فهي لن تستطيع إدارة المناطق الواسعة التي تقع تحت سيطرتها، وستواجه مشاكل وصعوبات لا قبل لها بها ولا خبرة ولا استعداد للتعامل معها.
وإذا استمرت الجرائم والانتهاكات وعمليات السلب وأوصلت الناس إل معادلة أنهم لم يعودوا يملكون شيئا ايفقدونه ستواجه هذه القوات بمقاومة من نوع آخر
فلنتكاتف جميعا من أجل وقف الحرب والدخول في عملية تفاوض لسحب القوات من المناطق المدنية ومنازل المواطنين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ثم تنخرط القوى المدنية في الحوار حول مستقبل بلادنا وإقامة السلطة المدنية.
الوسومالحقيقة فيصل محمد صالح مستشفى رفاعة ود مدنيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحقيقة مستشفى رفاعة ود مدني
إقرأ أيضاً:
إذا غابت الحكمة حضر الخراب
إذا غابت الحكمة حضر الخراب
حيدر المكاشفي
والله إن المرء ليحار في أمر بوم الخراب وغربان الدمار هؤلاء الناعقين مع الحرب وضد دعاة ايقاف الحرب ووقف الدماروالقتل ووضع حد للمعاناة المتطاولة التي يكابدها الناس جراء الحرب، فهذا البوم وهذه الغربان لا تملك شيئا غير النعيق والزعيق وتلويث الاجواء بإثارة الفتن والشحناء والبغضاء ونفخ كير الحرب المفضية للخراب والدمار والفرقة والشتات، ليس لديهم فكرا ناضجا يقدمونه ولا رؤية سديدة يطرحونها، ولا بديلا نافعا يحتجون به، ولا حكمة مفيدة ينطقون بها، انهم خلو من كل ذلك ما عدا مقدرتهم الفائقة على بذل الشتائم وابتذال القضايا وممارسة الخصومة بنذالة، ولا غرابة فكل إناء بما فيه ينضح، واناؤهم ملئ بالاحقاد والاحن والضغائن والغبائن العنصرية، ورؤوسهم خاوية من اية قدرات تحتاجها متطلبات قيادة البلاد بحنكة، وسياسة امور العباد باللباقة والكياسة وادارة الشأن العام بعقلية رجال الدولة المحترمين وليس عنتريات الموتورين والمتوترين والمهووسين والمهجسين، ولو سئلوا الآن ما بديلكم لوقف الحرب بدلا عن حافة الهاوية التي توشك البلد ان تتردي فيها، لحاروا جواباً نافعاً ولقالوا هي الحرب وكفى و(بل بس) مع انهم ليسوا من رجالها، وهذا لعمري انما هو فعل الغربان التي قال فيها الشاعر (لو كان الغراب دليل قوم مرّ بهم على جيف الكلاب)، انهم يريدون ان يقودوا الناس إلى هذا المصير، ثم من بعد ان ينداح الدمار ويعم الخراب يستمتعوا مثل البوم بالجلوس على الاطلال والخرائب والتمتع بالنظر لمشاهد الدماء والدموع والاشلاء والجثث، مصداقاً لقول الشاعر الشعبي (كايس للخراب تهدم ولا هماكا، رحمن العباد خيب جميع مسعاكا، يصرف ربنا شر الحروب واياكا) ولكنهم للاسف بعد ان اعمت العنصرية المنتنة والخصومة السياسية الفاجرة بصائرهم يحسبون انهم يحسنون صنعا وهنا تصدق فيهم الآية الكريمة (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض قالوا إنما نحن مصلحون إلا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)..
يكفي للانخراط في صفوف المنادين بوقف الحرب وانهاء معاناة السودانيين ومناصرتهم، انهم في هذه المرحلة على الاقل يفتحون كوة للتفاؤل بأن الحكمة الغائبة لابد ان تعود، فعندما غابت الحكمة نعق الغراب وحضر الخراب، وتزايد اعداد المطالبين بوقف الحرب وانهاء عذابات الناس يوما بعد يوم، تؤشر إلى أن من كانوا مغيبين بدأوا يدركون خطورة المماحكة والمخاطر الماحقة المحدقة بالبلاد، وهذا وحده سبب كاف ليناصروا دعاة وقف الحرب، فالاهم الان هو البحث عن الحكمة الغائبة حتى الآن واستعادتها، الحكمة المطلوبة لحل أيما مشكلة أو قضية عن طريق التفاوض والتراضي وليس أي أسلوب اخر غيرها، فتلك هي خبرة البشرية ودرس التاريخ وسنته الماضية، فلا أقل من أن نعتبر بها، ولهذا سنظل دعاة سلام ووئام وتلاق وطني، ولن نسعى بالفتنة مثل
(الفاتيات والحكامات) ندعو لشحن النفوس وشحذ الأسلحة لمزيد من القتل والدمار على غرار (وسّع قدها) حتى يعم الخراب كل الأنحاء والأرجاء، فحاجة البلاد الآن إلى حكماء يطببون جراحها وليس (حكامات) يزيدون حريقها..
الوسومحرب السودان مستقبل السودان وقف الحرب