عبد الله علوان.. صوت ميدان الذي لم ترهبه أصوات المدافع
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
"نحن بخير رغم المجازر.. لكن أمتنا ليست بخير".
(الصحافي الشهيد عبد الله علوان)
كان يعاتب الزمان لأن الدهر ألقى به على مقربة من أكناف القدس دون أن يجد طريقا للوصول إليه والصلاة فيه، ولم يكن ذلك أثقل عليه وأشدَّ مضاضة وألما من حرمانه من رؤية أرضه المحتلة والذهاب إليها، وأن يكون حظه منها النظر إلى صورها عبر الإنترنت، كما هو حال كل سكان قطاع غزة الممنوعين من زيارة المسجد الأقصى منذ أكثر من 20 عاما.
لكن فجأة غاب الصوت وبقي الأثر، واستُشهد صباح الاثنين 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري الزميل عبد الله علوان، المعلق الصوتي لدى صفحة ميدان التابعة لموقع الجزيرة نت، إثر قصف إسرائيلي بطائرة "إف-16" استهدف منزل عائلته في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، دون سابق إنذار. وكان "علوان" قد انضم إلى فريق "ميدان" منذ تأسيسه عام 2017، وحفر صوته في قلوب متابعي المقاطع المرئية التي أنتجها ميدان على مدار السنوات الفائتة، كما ساهم في التعليق الصوتي على عدد من الحلقات لصالح قناة الجزيرة.
الظهور الأخير.. نحن بخير لأننا أوجعنا هذا المحتلعقب الأيام الأولى لاندلاع "طوفان الأقصى"، خرج عبد الله بوجه شاحب، وعيون مُثقلة بالحزن والألم، لكن صوته بدا حاسما وهو يقول: "نحن بخير رغم المجازر، نحن بخير رغم الاستهداف المباشر للمواطنين، نحن بخير رغم استهداف البيوت على رؤوس ساكنيها، والمساجد على رؤوس مصليها، نحن بخير لأننا أوجعنا هذا المحتل وصمدنا وثبتنا وصبرنا وكسرنا شوكة هذا المحتل، لكن أمتنا الإسلامية والله ليست بخير".
(الفيديو الأخير لعبد الله علوان)
لم تكد تمضي أيام بعدها حتى بث عبد الله بعضا من آلامه الشخصية مع صوت محشرج بالدموع والأسى، وهو يرثي ابنة عمته التي استشهدت مع أبنائها جميعا في قصف إسرائيلي. ولكن رغم فجيعة مصابه، كان الشاب الثلاثيني صاحب اللحية المقطرة ببياض الشيب مؤمنا بأن غزة عنيدة بطبعها، وأنه مكتوب عليها ألا تسكن أو تستقر، ليس فقط خلال سنوات الاحتلال والحصار الإسرائيلي، وإنما منذ أمد بعيد. فرغم صغر حجمها وكثرة آلامها فإن القدر جعلها الملجأ الآمن والدرع الحصين لكل أرض فلسطين التاريخية، على اعتبار أنها آخر قلاع المقاومة في بحر مُظلم طغى عليه التطبيع والنسيان، ولو سقطت لعُدنا إلى عصور الظلام، كما قال "علوان" سابقا في منشور له على صفحته على "فيسبوك".
(بكاء علوان على استشهاد ابنة عمه مع أبنائها)
اعتاد عبد الله علوان في كل تغطية له أن يُنهي حديثه بجملة "نحن صامدون ثابتون رغم العدوان"، وكانت تلك الجملة آخر ما قاله في آخر ظهور له. ورغم وصفه لعدوان غزة بأنه مأساة لا يمكن لأمهر الأدباء والكُتّاب أن يصفوها، وأن كل الليالي تُشبه بعضها في المأساة والمعاناة، بل كل يوم يأتي أسوأ من الذي قبله، فإنه ظل ثابتا على موقفه رافضا النزوح والخروج من بيته والاستجابة لأوامر الاحتلال الذي أراد إخلاء شمال غزة، حتى صدق وعده، واستُشهد في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
(آخر منشور كتبه عبد الله علوان)
صحافي برتبة مُقاومأثناء معركة "سيف القدس" في مايو/أيار عام 2021، وهي المعركة التي أوجعت فيها المقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ردا على استمرار الاعتداءات بحق المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، لم يكتفِ علوان بالمقاطع المرئية والتسجيلات التي أنتجها لصالح ميدان والجزيرة أو أيٍّ من المنصات، بل مضى عبر صفحته يوجه متابعيه كيف يمكن أن يشاركوا في تلك الحرب.
"أخي المسلم العربي.. نحن في غزة نعيشُ مرار الحصار، واليوم نعيش مرار الحرب وما أصعبها، ربما أنت كغيرك من الملايين يرغبون لو أنهم يعيشون بيننا الآن يقاتلون معنا ويدافعون عنا، بإمكانك أن تكون معنا من خلال ثلاثة أمور: أول شيء أن تدعو الله -عز وجل- لنا أن يربط على قلوبنا، وأن يحقن دماءنا، الأمر الثاني أن تتحدث عن قضيتنا التي هي قضيتك وقضية كل مسلم على هذه الأرض، سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو الحوارات الميدانية، الأمر الثالث والأهم أيضا أن تدعم إخوانك المتضررين من خلال الدعم المادي، وذلك أيضا من خلال الصناديق التي تنشأ لهذا الغرض، بذلك تكون واقفا معنا وبيننا"، هكذا كتب علوان.
(فيديو لعبد الله خلال معركة سيف القدس عام 2021)
لطالما هيّجت الأحداث ثائرة الفلسطيني المقاوم والصحفي الغاضب، وحين لمس تضاؤل الاهتمام العربي إبان القصف الإسرائيلي ضد غزة في مايو/أيار الماضي، باح علوان بما أثقل صدره قائلا: "هل وقعت غزة فيما وقعت فيه الثورة السورية من غياب التفاعل والتضامن الشعبي العربي مع الأحداث التي تشهدها؟ لا شك أن حجم التفاعل العربي مع العدوان الصهيوني على غزة ليس كما كان في السابق، كنا في الماضي نرى المظاهرات في الميادين والمنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أما اليوم فالأمر مختلف كثيرا، والسبب طبعا يعود لأن الحدث كلما تكرر يصبح طبيعيا عند الجمهور مهما كان قاسيا وفاجعا.. هذا تماما ما حدث في الثورة السورية".
(تعرُّض منطقة بيت عبد الله علوان لقصف أثناء ظهوره في بث مباشر عام 2021)
شأنه شأن الكثير من أهل غزة، كان صوت الغارات الإسرائيلية جزءا من حياة علوان اعتاد التكيف معه وممارسة حياته، حتى إنه عندما تعرض محيط بيته للقصف ذات مرة عام 2021، وكان حينئذ في بث مباشر يدافع عن القضية الفلسطينية، لم يلبث ثواني معدودات حتى أكمل حديثه، كأنما ألِف ما يعيشه، ولم تعد ترهبه أصوات المدافع.
ما الذي فعلته غزة ؟
ألم تجمع العرب والمسلمين من جديد
ألم تجعل فلسطين هي حديث العالم اجمع على مدار ٣٠ يوماً
ألم تدمر صورة الجيش الذي لا يقهر
ألم تجعل مدينة تل ابيب التي هي مركز دولة الكيان "ملطشة" لصواريخها تدكها كل لحظة
لقد فعلت غزة ما لم تستطع ان تفعله دول عظمى
— المعلق الصوتي عبد الله علوان (@Elwan200099) November 5, 2023
(آخر تغريدة كتبها عبد الله علوان)
بيد أن تلك الغارات نالت منه في نهاية المطاف، كما نالت من قبله من الآلاف من أهل غزة الصامدين والصابرين. استُشهد عبد الله علوان، لتصل بذلك حصيلة الشهداء الصحفيين الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال الحرب المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 97 صحفيا، بحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إلى جانب أكثر من 19 ألف شهيد و52 ألف مصاب، معظمهم من النساء والأطفال. ترجَّل الفارس إلى جوار ربه، لكن صوته سوف يبقى حيا ليخبرنا أن فلسطين لا تزال حية، وأن أهلها صامدون رغم المجازر والصعوبات.
(وثائقي عن "فلسطين تحت المجهر | إسرائيل والدروع البشرية" بصوت عبد الله علوان)
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: من خلال عام 2021
إقرأ أيضاً:
القوات الروسية تسيطر على بلدة جديدة في دونيتسك
أعلنت روسيا، اليوم الثلاثاء، مع مرور 1000 يوم على بدء عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، سيطرتها على بلدة جديدة في شرق هذا البلد قرب كوراخوفيه في منطقة على الجبهة تحرز فيها قواتها تقدما في مواجهة الجيش الأوكراني.
وقالت وزارة الدفاع الروسية في تقريرها اليومي عن المعارك "بفضل عمليات هجومية حررت" القوات الروسية "بلدة نوفوسيليديفكا" في منطقة دونيتسك ضمن إقليم دونباس.
وقالت وزارة الدفاع: "وحدات من مجموعة قوات المركز، نتيجة للأعمال الهجومية النشطة، حررت بلدة نوفوسيلديفكا في جمهورية دونيتسك الشعبية".
وأوضح البيان أن "وحدات من قوات مجموعة الغرب الروسية قامت بتحسين الوضع على طول خط المواجهة، واستهدفت القوى البشرية والمعدات التابعة للقوات الأوكرانية، في مناطق عدة في مقاطعة خاركوف، وتم صد 3 هجمات مضادة وفقدت القوات الأوكرانية أكثر من 510 عسكريا، وعددا من المدافع، وتدمير ومحطة حرب إلكترونية إنكلاف-إن".
وأضافت الوزارة: "سيطرت وحدات من مجموعة الشرق على مواقع أكثر فائدة، واستهدفت القوى البشرية والمعدات التابعة للقوات الأوكرانية، في مناطق عدة في دونيتسك، وتم صد هجوم مضاد وبلغت خسائر العدو ما يصل إلى 140عسكريًا، وتم وتدمير مستودع ذخيرة، وعدد من المدافع".
وتابع بيان الوزارة: "تمكنت وحدات من مجموعة الجنوب بتحسين الوضع على طول خط المواجهة، واستهدفت القوى البشرية والمعدات التابعة للقوات الأوكرانية، في مناطق عدة في دونيتسك، وبلغت خسائر القوات الأوكرانية ما يصل إلى 550 عسكريًا ودبابة و8 مركبات وعددا من المدافع الميدانية، ومحطة للحرب الإلكترونية".