طوب عمره 3 آلاف عام من بلاد الرافدين يكشف عن تغير قوة المجال المغناطيسي القديم للأرض
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
عثر العلماء على قوالب طوب عمرها 3000 عام مكتوب عليها أسماء ملوك بلاد الرافدين. ومن خلال دراسة هذا الطوب، اكتشف العلماء معلومات مهمة حول المجال المغناطيسي للأرض.
وكشفت دراسة جديدة شارك فيها علماء من جامعة كوليدج لندن، أن الطوب القديم المنقوش عليه أسماء ملوك بلاد الرافدين قد أعطى رؤى مهمة حول شذوذ غامض في المجال المغناطيسي للأرض منذ 3000 عام.
ويحتوي الطوب على قطع صغيرة من الحديد، وقد أثرت التغيرات في المجال المغناطيسي للأرض على قطع الحديد هذه.
وتصف الدراسة المنشورة في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences ، كيف انطبعت التغيرات في المجال المغناطيسي للأرض على حبيبات أكسيد الحديد داخل الطوب الطيني القديم، وكيف تمكن العلماء من إعادة بناء هذه التغييرات من أسماء الملوك المنقوشة عليه.
ويأمل الفريق أن يؤدي استخدام "المغناطيسية الأثرية"، التي تبحث عن بصمات المجال المغناطيسي للأرض في العناصر الأثرية، إلى تحسين تاريخ المجال المغناطيسي للأرض، ويمكن أن يساعد على تحديد أعمار القطع الأثرية بشكل أفضل، وهو ما لم يتمكنوا من فعله في السابق.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة، البروفيسور مارك الطويل من معهد الآثار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس: "نحن غالبا ما نعتمد على طرق التأريخ مثل التواريخ بالكربون المشع للحصول على إحساس بالتسلسل الزمني في بلاد الرافدين القديمة. ومع ذلك، فإن بعض البقايا الثقافية الأكثر شيوعا، مثل الطوب والسيراميك، لا يمكن عادة تأريخها بسهولة لأنها لا تحتوي على مواد عضوية. ويساعد هذا العمل الآن على إنشاء خط أساس مهم للتأريخ يسمح للآخرين بالاستفادة من التأريخ المطلق باستخدام المغناطيسية الأثرية".
إقرأ المزيد إيطاليا.. العثور على مدينة رومانية منسية بعد 1500 عامويتمتع كوكبنا بمجال مغناطيسي يتقلب بين الأضعف والأقوى. يترك هذا التغيير علامة خاصة على بعض المعادن الساخنة الحساسة للمجال المغناطيسي.
وأجرى العلماء تحليلا للبصمة المغناطيسية الكامنة في حبيبات معادن أكسيد الحديد المدمجة في 32 قطعة طوب طيني مصدرها المواقع الأثرية في جميع أنحاء بلاد الرافدين، والتي تتداخل الآن مع العراق المعاصر.
وتم تصنيع هذا الطوب منذ آلاف السنين، وقد انطبعت عليه القوة المغناطيسية للأرض في ذلك الوقت.
وكان كل قالب من الطوب مكتوب عليه اسم الملك الحاكم، ما سمح لعلماء الآثار بتحديد الفترات الزمنية المحتملة لكل منهم.
ومعا، قدم الاسم المطبوع والقوة المغناطيسية المقاسة لحبيبات أكسيد الحديد خريطة تاريخية للتغيرات في قوة المجال المغناطيسي للأرض.
وأخذ العلماء قطعا صغيرة من الأجزاء المكسورة من الطوب لقياس حبيبات أكسيد الحديد واستخدموا أداة خاصة تسمى "مقياس المغناطيسية" لقياسها بعناية. وهذه الطريقة أكثر دقة من التأريخ بالكربون المشع الذي يمكن أن يخبرنا بعمر شيء ما خلال بضع مئات من السنين فقط.
وفي عينات قليلة من قالب "نبوخذ نصر الثاني"، ثاني ملوك الإمبراطورية البابلية الحديثة (نحو 604 إلى 562 قبل الميلاد)، تغير المجال المغناطيسي للأرض بسرعة كبيرة. وهذا يدعم فكرة أن المجال المغناطيسي يمكن أن ترتفع شدته بسرعة.
إقرأ المزيد العثور على مقابر قديمة "غير عادية" بالقرب من القطب الشمالي!وقال البروفيسور ماثيو هاولاند من جامعة ولاية ويتشيتا، المؤلف الرئيسي للدراسة: "من خلال مقارنة القطع الأثرية القديمة بما نعرفه عن الظروف القديمة للمجال المغناطيسي، يمكننا تقدير تواريخ أي قطع أثرية تم تسخينها في العصور القديمة".
وكان على كل قالب من الطوب اسم الملك الحاكم مكتوبا عليه، وقد قام علماء الآثار بتقدير الوقت الذي حكم فيه هؤلاء الملوك. ومن خلال النظر إلى اسم أكسيد الحديد وقوته المغناطيسية، أنشأ العلماء نوعا من الخريطة توضح كيف تغير المجال المغناطيسي للأرض بمرور الوقت.
واكتشف العلماء وقتا غريبا يسمى "الشذوذ الجيومغناطيسي للعصر الحديدي المشرقي"، والذي حدث في نحو عام 1050 إلى 550 قبل الميلاد في المنطقة التي تُعرف الآن بالعراق.
وكان المجال المغناطيسي للأرض قويا بشكل غير عادي خلال هذه الفترة، لكن العلماء غير متأكدين من السبب.
وقالت المؤلفة المشاركة البروفيسور ليزا توكس من معهد سكريبس لعلوم المحيطات: "إن المجال المغناطيسي الأرضي هو أحد أكثر الظواهر غموضا في علوم الأرض. إن البقايا الأثرية القديمة لثقافات بلاد الرافدين الغنية، وخاصة الطوب المنقوش عليه أسماء ملوك معينين، يوفر فرصة غير مسبوقة لدراسة التغيرات في شدة المجال بدقة عالية، وتتبع التغييرات التي حدثت على مدى عدة عقود أو حتى أقل".
المصدر: Interesting Engineering
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: آثار اكتشافات الارض معلومات عامة معلومات علمية المجال المغناطیسی للأرض بلاد الرافدین
إقرأ أيضاً:
مسجد «الخور» بمسقط .. التاريخ القديم والمدرسة النظامية
مساء الجمعة من الأسبوع الماضي: 25 أكتوبر، نظَّم «مركز الندوة الثقافي» ببهلا، ندوة حول التعليم في مدرسة «مسجد الخُوْر» بمسقط خلال العقود الماضية، حين كان مدرسة تُشْرِفُ عليها الحكومة، خُصِّص لها مدرِّسون لتعليم الطلاب علوم العربية والشريعة، نحوًا وفقهًا وعقيدةً، ودروسًا في شرح الحديث النبوي، وقراءةً في كتب التفسير، وغيرها من المعارف التي يدرسها الطلاب، ليصبحوا بعد ذلك معلمين أو أئمة مساجد، وبعضهم يواصل تعليمه، فيصبح قاضيًا أو أي من المناصب الدينية الرَّفيعة.
وكانت الندوة بالنسبة لي فرصة للتعرُّف على الرَّعيل الأول من المعلمين، الذين حملوا مشاعل العلم، والجيل السابق من الدارسين في علوم العربية والشريعة الإسلامية بمسجد الخور أو «مسجد الشُّهداء» كما يطلق عليه، وفي هذه المقال أحاول الاقتراب من التاريخ القديم للمسجد، ذي المكانة التاريخية في مدينة مسقط، ثم من حيث كونه مدرسة نظامية، امتدت عقودًا من السنين.
وواضح من تسمية المسجد أنه بُنِيَ بمحاذاة البحر، في ذراع من اليابسة يطلق عليها «خُوْر»، كان مرفأ للسفن يقصدها الصيادون والبحارة والنواخذة، ويطلق عليه أيضًا اسم «مسجد الشُّهداء»، فبحسب الروايات أن المسجد بُني في البقعة التي أقيمت فيها الصلاة على جثامين شهداء معركة تحرير مسقط، التي دارت رحاها بين اليعاربة والبرتغاليين، في تلك البقعة المباركة بُنيَ المسجد في زمان ما، ويوصف بأنه مسجد صغير، في صحنه الداخلي أسطوانة واحدة ترفع السقف، ومحاط بفناء واسع من الخارج.
وفي الحقيقة فإنه لا أحد يجزم بتاريخ بناء المسجد، ثمة رأي قرأته للباحث ناصر السعدي، نشرته وكالة الأنباء العمانية، أن بعض الروايات تشير إلى أنه بُني على أنقاض المسجد، الذي هُدم إبَّان وصول القائد البرتغالي «البوكيرك» مسقط عام 1507م، وروايات أخرى تقول: إن بناءه أعيد بعد طرد البرتغاليين على يد الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي عام 1650م، وعرف حينها بمسجد «الشُّهداء».
وموثَّق تاريخيا أنَّ غزو البوكيرك الجائر للسواحل العمانية، كان بين العامين المتتالين: 1507 و1508م، بعنصرية مقيتة وحقد أسود على الإسلام، فدمَّر المدن البحرية الممتدة من قلهات وحتى صحار، بما فيها مسقط، ولعل موقع «مسجد الخُوْر» الحالي، كان ذاته الموقع القديم للجامع الذي هُدِم، وحتى نرسم في خيالنا صورة عن ذلك المسجد الجامع الذي هدمه البوكيرك، نقرأ ما ورد عنه من وصف مفرط في الجمال والأسى، اقتبسته في كتابي «وحي المحاريب»، نقلا عن المجلد الأول، من السجل الكامل لأعمال البوكيرك، ص182، يقول: (أمَرَ البوكيرك ثلاثة من حاملي المدافع بأن يقطعوا بالفؤوس دعامات المسجد، وكان واسعًا جميل البناء، مشيدًا في غالبه بالأخشاب التي نحتت نحتًا متقنا جميلا، وبه أعمال تجصيص في جزئه العلوي، فقُطِعت الدعامات، حتى انهار البناء، وأشعلوا النيران فيما تبقى من المسجد، فأتت عليه كله، ولم تترك شيئًا).
بل إن كاتب المذكرات، وهو الابن غير الشرعي للبوكيرك، أمْعَن في تصوير الأسى أكثر، حين كتب: (لقد كانت النيران عنيفة ذات لهب، لم تترك منزلا ولا مبنى إلا أتت عليه، وأتت على المسجد الذي كان واحدًا من أجمل المساجد التي رأيناها على الإطلاق).
وبلا شك أن مسقط خسرت في عام 1507م جامعًا فخمًا، يعود تاريخ بنائه إلى عهود سابقة، أما موقع ذلك الجامع المنكوب، فلا أحسبه إلا ذاته الذي بني فيه «مسجد الخُوْر» الحالي، ألا يمكن أن يكون أولئك الشُّهداء، هم أنفسهم الذين راحوا ضحية محرقة البوكيرك، لحظة دفاعهم عن المدينة والجامع الفخم قبل خمسة قرون؟!.أما المسجد باعتباره مدرسة نظامية حديثة، فإن الندوة أقيمت تحت رعاية الشيخ محمد بن عبدالله بن زاهر الهنائي، بمشاركة كل من: الشيخ أحمد بن سعود السيابي أمين عام مكتب الإفتاء، والدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية باحثة ومحاضرة في التاريخ، وسند بن حمد المحرزي باحث بدائرة المخطوطات، أناب عنه في تقديم ورقته الباحث سليمان الهميمي، بدأت الندوة بتقديم من خالد الشكيلي، ثم كلمة افتتاحية ألقاها خميس بن راشد العدوي رئيس المركز، تحدث فيها عن استعداد «مركز الندوة الثقافي» ببهلا، إلى دراسة المدارس العلمية في عُمان، تلك التي اهتمت بها الحكومات السابقة، وأشار إلى أن مدرسة «مسجد الخُوْر» حَريٌ بها أن تستمر، وتُنقل إلى مكان آخر.
وتحدثت الدكتورة بدرية النبهانية عن «المدارس الدينية في عمان قبل عام 1979م، مدرسة الخور نموذجًا»، لتفتح نافذة تطل على مساحة منسية من التعليم الديني في عُمان، ففي ورقتها قالت: إن «مسجد الخُوْر» شكَّل حضورًا في تاريخ الحركة العلمية في عمان، وهناك عوامل ساهمت في ظهوره كمدرسة دينية، لعل أبرزها هجرة العلماء من الداخل للعاصمة مسقط، فيستقرون فيها، ويتولى بعضهم القضاء والتدريس في «مسجد الخُوْر»، منهم الشيخان محمد بن أحمد الكندي، وابن عمه الشيخ سعيد بن ناصر الكندي (1936م)، اللذَيْن خرجا من نزوى، ثم قام بالتدريس فيه إمام المسجد الشيخ سليمان بن محمد الزدجالي، وكذلك الشيخ حمد بن عبيد السليمي (ت: 1971م).
وتناولت ورقة سند المحرزي الفترة التي عمل فيها سماحة الشيخ أحمد الخليلي، مُدرِّسًا في هذا المسجد، استفاد الباحث من حوار أجراه مع الشاعر هلال بن سالم السيابي، باعتباره تلميذًا درس في المسجد خلال فترة شبابه مدة أربع سنوات، وأن المنهج المقرر كانت كتب الشيخ نورالدين السالمي؛ «جوهر النظام»، و«بهجة الأنوار»، و«شرح طلعة الشمس»، و«شرح مسند الإمام الربيع بن حبيب»، و«تلقين الصبيان» مع «ملحة الإعراب» في علم النحو، أما وقت الدراسة فيبدأ في الصباح الباكر وحتى وقت صلاة الظهر، وفي المساء بعد صلاة العصر.
وكان مسك الختام للشيخ أحمد بن سعود السيابي، سرد ذكرياته عن تعليمه في «مسجد الخُوْر»، حينما كان في عمر ستة عشر عامًا، وتعلمه على يد الشيخ الضرير الربيع بن المر بن نصيب المزروعي (ت: 1982م)، وهو من أهالي قرية الحَزْم بالرُّستاق، استقدمه السيد أحمد بن إبراهيم البوسعيدي ناظر الداخلية (ت: 1981م)، للتعليم في عهد السلطان سعيد بن تيمور آل سعيد (حكم: 1932 - 1970م)، كما كان السيد أحمد يتولى شؤون «مسجد الخُوْر»، نظرًا لمكانته الدينية والأسرية، فعيَّن الشيخ الربيع بن المر المزروعي، ثم بعد ذلك التحق سماحة الشيخ أحمد الخليلي بعد مقدمه من زنجبار، وتم تعيينه مُدرسًا في المسجد.
وذكر الشيخ أحمد أن الدراسة في «مسجد الخُوْر» انتظمت على ثلاثة مستويات، الأول يعلِّم فيه أحد خريجي المدرسة، وكان الأستاذ حمد بن خلفان الرَّواحي يقوم بهذه المهمة، والمستوى الثاني يعلِّم فيه الشيخ الربيع بن المر، واتخذ من «ملحة الإعراب» بشرح الشيخ بُحْرُق الحضرمي، و«مدارج الكمال» للشيخ السالمي منهجًا في النحو والفقه، أما سماحة الشيخ الخليلي فكان يعلِّم «جوهر النظام» و«طلعة الشمس» و«مشارق أنوار العقول»، وفي المساء يقرأ شيئًا من «شرح مسند الإمام الربيع بن حبيب»، و«تفسير الكشَّاف» للزمخشري، كان عددنا ستين طالبًا، وفي العام الدراسي 1973 - 1974م، ألغيت الدراسة في «مسجد الخُوْر»، لإعادة بنائه كما هو عليه الآن، ليتناثر منا العقد النظيم.
لقد مضى على إغلاق «مدرسة مسجد الخُوْر» نصف قرن، تغيَّرت خلاله أحوال الزمان والمكان، فأما ذلك السِّرْب من التلاميذ، فقد أصبحوا شيوخًا، وذابوا في معترك الحياة، وأما المسجد فبقيت قبابه تعانق زرقة السماء، وتُشكِّل مع «قصر العلم العامر»، وصفحة البحر، والجبل الشبيه بمنحوتة عظيمة، وقلعتي «الجلالي» و«الميراني»، لوحة تبهج الناظرين، وستظل منارته تذكِّر بالأمس الغابر، وهي تصيخ السَّمع إلى اصطفاق الموج، أو يلامسها النسيم المتهادي، ويختزن المكان أحلام فتية صغار، كانوا يأمُّون المسجد، وشيوخًا بذلوا أعمارهم في التعليم على ضوء القناديل.