اللغة العربية جعلت فلسطين قضية حياتي.. المستعربة البلغارية مايا تسينوفا تروي ذكرياتها مع الجزيرة وحرب العراق
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
قالت المترجمة والأكاديمية البلغارية مايا تسينوفا إن "قضية فلسطين تدافع عن نفسها بنفسها، يكفي أن نعطيها الكلمة لتتحدث رغم أن العالم المعاصر يفضل أن يتناساها ويغض النظر عنها، وبهذه الطريقة جاء 7 أكتوبر/تشرين الأول ولم يكن بداية".
وأضافت المحاضرة في قسم اللغة العربية بجامعة صوفيا قسم الدراسات العربية والسامية في حديثها للجزيرة نت أن بداياتها الشخصية مع القضية جاءت في صيف 1976 عندما كانت في نهاية سنتها الأولى لدراسة اللغة العربية في جامعة صوفيا، وكانت تهتم بمتابعة أخبار مجزرة تل الزعتر وانشغلت عن الامتحانات الصيفية الجامعية بإقامة مهرجانات التضامن مع فلسطين ولبنان.
واعتبرت تسينوفا أن اللغة العربية جاءتها بـ"قضية حياتي أو قضايا حياتي"، مشيرة إلى أنها -باعتبارها مترجمة- تستخدم الكلمات بمعانيها الدقيقة، ونوهت بدور الترجمة والتثاقف في إقامة الجسور بين العرب والبلغار رغم أن البعض حريص على النأي والحياد، مضيفة "أحاول دوما إيجاد القيم الأخلاقية المشتركة، وأكثر ما يسعدني أن يقول لي أحد القراء إن العرب مثلنا تماما".
"سابع جار"واستذكرت تسينوفا عملها مترجمة للسفارة اللبنانية عندما كان السفير اللبناني يقول إن "الجار حتى سابع دار"، مشيرة إلى أن بلغاريا من جيران العالم العربي إلى جانب تركيا التي تقع بينهما، مبينة أن بلغاريا والعالم العربي جزء من حضارة البحر الأبيض المتوسط أو حضارة "شرق المتوسط"، كما كانت بلغاريا والعالم العربي جزء من دولة واحدة (في إشارة إلى التاريخ العثماني المشترك)، وكانت العلاقات قوية جدا "ومن لا يدرك الحاجة لاستعادة هذه العلاقات سيكون خاسرا خسارة كبيرة".
وترى تسينوفا -التي نقلت إلى البلغارية مختارات من أعمال جبران خليل جبران ومحمود درويش وأدونيس وغيرهم- أن الترجمة "عمل إبداعي وليست مهنة ولا يُعترف بها فنا"، مشيرة إلى أن الاستشراق في بلغاريا وليد الزمن الحديث أو المعاصر.
وأوضحت أن تدريس اللغة العربية انطلق في بلغاريا في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، لافتة إلى أن السبب يعود إلى أن بلغاريا لم تكن بلدا استعماريا وإنما وجدت نفسها في ظروف تاريخية جديدة تتمثل في استقلال المستعمرات السابقة، فسعت إلى توسيع دائرة الإمكانيات لإيجاد علاقات دولية مثمرة في كل المجالات.
وأشارت المترجمة -التي نقلت أعمال شعراء وأدباء عرب من فلسطين ومصر والكويت ولبنان والعراق وغيرهم- إلى أن أساتذة العربية في بلغاريا خريجو جامعات بغداد ودمشق وموسكو.
الجزيرة وحرب العراقوعن ذكرياتها مع الجزيرة وحرب العراق، قالت إنهم كانوا يعرفونها في الشارع، وعندما تذهب لشراء الخبز من المحلات كان الناس ينقلون لي دعمهم "ولم أكن أعرف كيف أنقل للجزيرة هذا الدعم من الناس العاديين".
وأوضحت "في 2003 كانت حرب واحتلال العراق، وكنت مكلفة من التلفزيون البلغاري الوطني الذي كان تعاقد مع الجزيرة و"سي إن إن" منذ مطلع الحرب للاعتماد على مراسلي القناتين العالميتين، وعلى أساس هذا الاتفاق كلفوني مع مترجمة من الإنجليزية أن أتابع نشرات الجزيرة لتغطية الحرب".
وتابعت "كان لدينا 3 نشرات كل يوم نستعرض من دقيقة لدقيقتين إيجازا يضم أهم ما ورد في القناتين حول تطورات الحرب"، وأضافت "كنت تقريبا أعيش ليلا ونهارا مع الجزيرة لأكون مستعدة، ليس فقط لترجمة ما يظهر في الشاشة فور ظهوره، ولكن لأعرف ما هو الأهم على مدى الـ24 ساعة".
ووصفت تسينوفا أحداث تلك الحقبة التي كانت تترجم تغطيتها بأنها "إحداث مؤلمة جدا، وأعتقد أني توقفت عن المتابعة عندما رأيت الصورة المباشرة من كاميرا قبعة أحد جنود أميركا في الدبابة الأولى التي تدخل بغداد بدون أي مقاومة وكأنهم داخلون مصيفا.. كانت مؤلمة جدا".
وأضافت بتأثر "استشهد أحد المراسلين أثناء العمل.. طارق أيوب رحمه الله".
الترجمة إبداع لا مهنةوعن صعوبات الترجمة بين البلغارية والعربية، قالت إن "الصعوبات تقليدية، مثل أي لغة أخرى، والإبداع عمل صعب لكن لا يوجد نص غير قابل للترجمة، فكل شعوب العالم تعيش الواقع نفسه رغم الفوارق، وبالتالي كل ما يحدث على الأرض قابل للتعبير عنه بأي لغة من لغات العالم".
وأشارت المترجمة -التي درست الأمثال العربية ونشرت عنها- إلى أنها تكون سعيدة عندما يرى قراء البلغارية التشابه بين ثقافتهم والعرب، وتابعت "لدينا أصدقاء في صوفيا أسسوا مهرجان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينار) للتثاقف والتقارب بين الشعوب، وفي كل سنة يختارون محورا للمهرجان".
وقالت "في إحدى السنوات كان المحور هو السينما النسائية، فسألوني إن كان يمكنني قراءة قصائد لنساء شاعرات عربيات لمدة ربع ساعة قبل عرض الفيلم، وافقت وكنت سعيدة جدا، وبعد القراءة سألني الحضور: كيف يمكننا أن نقرأ هذه النصوص؟".
وتابعت "توجهت إلى السفير الفلسطيني وقلت له: نحن مدينون للقارئ البلغاري، وهناك اهتمام ونحن معنيون بتلبيته، وهكذا صدر كتاب "وحشة اسمها وطن"، وهو مختارات لـ40 أديبة فلسطينية عن الاغتراب بين فلسطينيي الداخل والمخيمات والشتات، حيث السير بدون هوادة باتجاه الوطن وإيجاد هذا الوطن في النفوس والقلوب".
وأهدت تسينوفا المختارات الأدبية للكاتبات الـ40 واعتبرتها محاولة لـ"إعادة تركيب الوحشة في الطريق إلى صنع الوطن"، وكانت قد ترجمت عام 1994 مختارات أخرى من الشعر الفلسطيني المعاصر لأسماء اختارها اتحاد الكتاب الفلسطينيين تضمّن 25 شاعرا فلسطينيا، بينهم 3 شاعرات.
وتابعت تسينوفا حديثها عن الترجمة لشعراء وشاعرات عرب قائلة "في الدوحة التقيت بصدفة خير من ألف ميعاد الشاعرة الكويتية سعدية مفرح واكتشفنا تقاربنا وكأننا نشأنا معا، وترجمت نماذج من شعرها إلى البلغارية قبل عشرات السنوات ولم أكن أعرف كيف أوصلها إليها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: اللغة العربیة مع الجزیرة إلى أن
إقرأ أيضاً:
اختراق الإخوان للحركة الطلابية.. تاريخ من استغلال قضية فلسطين واللعب على المشاعر الدينية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظرت جماعة الإخوان الإرهابية بحقد شديد للكتلة الطلابية فى الجامعة المصرية، وتربصت بها فى وقت مبكر، لما لهؤلاء الطلاب من أهمية كبيرة، فهم وقود الثورات، والمحزون النشط لأي حزب سياسي قوي، والرقم الأصعب فى أى معادلة سياسية.
وبحسب وصف الراحل فكرى أباظة فإن التنظيمات الطلابية كانت جيش الوفد، لذا أرادت الجماعة الوليدة آنذاك أن تدخل عالم الجامعة وتخترق صفوف الطلبة وتسحبهم إلى عالمها لينقضوا على حزب الوفد، الحزب الشعبى الأقوى أمام الملك وضد الإنجليز.
فكرى أباظةوحول ظروف نشأة جماعة الإخوان، رأى المفكر الراحل طلعت رضوان، أن الجماعة تمثل بامتياز نموذجا للوعي الزائف والحل السحري لعودة المحتل الأجنبي، ويعتقد "رضوان" أن نمو الوعي القومي في أعقاب ثورة المصريين 1919 شكلَّ خطرًا كبيرا على الوجود الإنجليزي في مصر، ما دفع المحتل للبحث عن حلول سحرية لمواجهة مثل هذا الوعي بوعي بديل زائف يمكن تغذيته لضمان وجودهم وشعورهم بالأمان، فكان الحل في دعم جماعة الإخوان لتمكين شعارات الانتماء للدين بدلا من الانتماء للوطن الذي يسهل معه الجمع بين كل طوائف الشعب في هدف واحد.
طلعت رضوانكرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى، واستغلت التجمعات الطلابية لبث أفكارها، وتجنيد الطلاب الذين جاءوا للجامعة من مناطق بعيدة، لضمان انتشار أفكارهم لكل مكان في ربوع الوطن، خاصة وأن هؤلاء الطلبة هم الذين يتولون الوظائف والمناصب في الدولة.
وفى الوقت الذى نادى فيه طلاب حزب الوفد مثلا بالعودة لدستور ١٩٢٣ ورفض دستور ١٩٣٠، فإن أعضاء الجماعة يتظاهرون أنه لا دستور إلا القرآن، وهى محاولة لضرب الحركة الوطنية التى تحرز مكتسبات وترفض التفريط فيها، لصالح نقل المعركة إلى ساحة أخرى وأن تكون المعركة حول القرآن فتضيع المكتسبات، وتخطو الحركة الوطنية مع الجماعة آلاف الخطوات إلى الوراء.
وفى اللحظة التى يهتف فيها الطلبة للوفد أو للحياة النيابية بتنوعها نلاحظ طلاب الإخوان يرفعون شعار حسن البنا المؤسس والمرشد الأول للجماعة وهو «لا للحزبية»، وهو شعار يروجه لضرب الحياة الحزبية وقطع الطريق أمام أى مكتسبات ديمقراطية لتكون فى صالح الحزب الواحد.
والملاحظ لتاريخ الجماعة، فإن مرشدها الأول نادى بحل الأحزاب، وهي المتنفس الصحي للمشاركة في الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية، إنما نادى بحلها لصالح الحزب الواحد، والملاحظ أيضا حاليا أن الجماعة انقلبت على أفكار مؤسسها، وأصبح للجماعة حزب أو أكثر في كل دولة، وهو المنطق النفعي الذي تعمل به الجماعة الإرهابية دائما.
استغلال القضية الفلسطينية
ويستطيع المراقب لنشاط وتاريخ الجماعة أن يلمس انتهازيتها ببساطة وطريقها لتخريب الجامعات وتفريغها من دورها العلمى والوطنى وإبطال مفعولها وتحويل طلابها لكتائب غاضبة وحاقدة مستعدة للمشاركة فى المظاهرات وتنفيذ مطالب الجماعة لاستغلالهم فى الصفقات السياسية، وللمزيد من الأضواء حول طريق جماعة الإخوان فى اللعب بمشاعر الطلبة وتحويل قضاياهم لقضايا شكلية، ومن معركة حول تحرير الوطن والنهوض به إلى معركة حول استعادة الخلافة ونصرة الإسلام، والتكريس فى ذهن الجموع باستمرار أن هناك قوى تتربص باستمرار بالإسلام لتقضى عليه مما تجعله مستعدا ومتحمسا للمشاركة فى الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، فى تجاهل تام للأوطان التى تسقط سريعا بمثل هذه الأفكار فى يد هذه الجماعات المتطرفة والعميلة.
فى كتابه «الإخوان أحداث صنعت التاريخ»، يعترف مؤرخ جماعة الإخوان محمود عبد الحليم أن تأثيرهم فى طلاب الجامعة كان محدودا للغاية وغير مقنع، فالطلبة لم يستجيبوا للشعارات الكاذبة التى أطلقتها الجماعة حول ما أسموه بـ«الفكرة الإسلامية» وهو مصطلح يحبذون استخدامه للتعبير عن مجمل أفكار ومشروع الجماعات الإسلاموية.
يحكى عبدالحليم، أنه بمشاركة آخرين توجهوا لإدارة كلية الزراعة وكان طالبا بها، للمطالبة بتجديد فرش المُصلى للطلبة لما بها من حصير متهالك.
كما طالبوا بإنشاء مساجد فى الكليات وأولها كلية الآداب، وغير المطالبة بالمساجد تمسك الإخوان بالحديث باستمرار عن القضية الفلسطينية فوجدوا التفاتا شديدا من الطلبة وغير مسبوق مما دفعهم إلى الإطالة والتمسك بموضوع فلسطين لما وجدوه فيها من حيلة وخدعة تنطلى على الطلبة، وهو ما يلفت إليه مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم بقوله إن الإخوان اختصروا كثيرا من الوقت لمجرد أن رددوا هتافات من أجل فلسطين، ولم تختصر فى رأيه الزمن لانتشار الإخوان داخل الجامعة فحسب بل وفرت عليهم الكثير من الخطب والمحاضرات التعريفية.
وقال: «لو ١٠٠ خطيب راح يشرح معانى الفكرة الإسلامية والإخاء والجهاد للناس لما كان له تأثير مثل خطب الجمعة عن بيع فلسطين وواجب إنقاذها وجمع التبرعات لها».
وقفزا إلى الأمام، تاركين مرحلة التأسيس مع حسن البنا وطلاب الجامعة فى مرحلة مبكرة، لنلاحظ بعض الأمور التى استقرت وتكرست بشدة فى ذهن أعضاء الجماعة وهى سحب بساط الطلبة من تحت أقدام أى فكر وطنى أو قومى لصالح فكر يبحث عن القضايا التى لا طائل منها، وهى حماسية وتلعب على المشاعر وليست حقيقية أبدا، فلقد عملت على المطالبة بإنشاء أماكن للصلاة وهتفت فى قضية فلسطين لأنها اكتشفت أن مثل هذه الأمور تزيد من التفاف الطلاب حولها وتختصر لها الوقت اختصارا.
استغلال الطلبة في الصراعات والمؤامرات
حاولت جماعة الإخوان أن تحرج الرئيس جمال عبدالناصر بإطلاق الشائعات وبثها بين الطلبة وبين الفئات الشعبية المحبة للزعيم ناصر، فقالت إنه جعل الإنجليز يحتفظون بقاعدة عسكرية في السويس لضمان عودتهم، ووقفوا يبثون الشائعات ضده أثناء المفاوضات مع الإنجليز، فكانوا ضد الجلاء، وادعوا أنهم يفضلون الكفاح المسلح.
ثورة 30 يونيو ساهمت في تخليص مصر من اختراق الإرهابية للجامعات
ووسط الصراع الدائر بين الجماعة من ناحية وبين الضباط الأحرار من ناحية، جرى تجنيد واستغلال الطلبة ضد المشروع الناصري آنذاك، ولم يشغلهم أن يطلقوا المزيد من الأكاذيب والشائعات لضمان إحراج ناصر أو الوصول إلى السلطة.
شرح علي عشماوي، قائد التنظيم الخاص والمنشق عن الجماعة لاحقا، في كتابه "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" كيفية استغلال الجماعة لمفاوضات الجلاء من أجل إحراج ناصر، قائلا: "الواقع أن اختلاف الإخوان في هذا الأمر (يقصد الجلاء) كان نابعًا من إحساسهم بخروج عبدالناصر ومن معه على قيادتهم، وقد تم اختيار هذا الموضوع ليكون سببا للصدام لما له من ثقل وطني في حس الناس، مما يعطي للإخوان تأييدًا شعبيًا في صدامهم مع رجال الثورة".
وأضاف: "بدأت المنشورات توزع على الإخوان في الشُعب وفي أماكن تجمعهم تشرح الخلاف من وجهة نظر الإخوان، فقد كانوا يرون أن احتفاظ الإنجليز بقاعدة قناة السويس هو بيع للقضية وأن الإخوان يفضلون الكفاح المسلح".
في مذكرات عشماوي، يلاحظ القارئ الشائعات التي أطلقتها الجماعة بعد مظاهرات عابدين فبراير 1954، منها أن الحكومة تنوي اغتيال المرشد العام، فوضعت الجماعة حراسة له.
المفكر طلعت رضوان: الجماعة نموذج للوعي الزائف والحل السحري لعودة المحتل الأجنبي
تحدث عشماوي تفصيليا عن خطة الصدام ومؤامرة الإخوان لتنفيذ انقلاب دموي يطيح بمجلس القيادة يتمثل في: أولا، تأمين الجيش عن طريق بعض الإخوان الذين كانوا في الخدمة ولا يعلم بهم عبدالناصر، وكان على هؤلاء واجب تحييد الجيش فقط والتأكد من عدم تحرك وحدات أخرى لقمع الحركة الشعبية المخططة. ثانيا، القبض على بعض الشخصيات المهمة والتي لها ثقل عند الصدام، وإذا لم يتمكن من القبض عليهم هناك خطة بديلة لاغتيالهم. ثالثا، قيام جميع الإخوان على مستوى الجمهورية بالاستيلاء على أقسام البوليس والمباني المهمة كلٌ في حدوده مستعينا بأقل عدد من الإخوان المدربين. رابعا، تقوم المجموعات الوافدة إلى القاهرة بالانضمام إلى إخوان القاهرة في عملية الاستيلاء على المباني الحكومية ذات التأثير مثل مبنى الإذاعة، أقسام البوليس، قطع الطرق المؤدية من ثكنات الجيش إلى داخل القاهرة، قطع الطرق الداخلة إلى القاهرة من جهة الإسماعيلية. خامسًا، حصار الطلبة بعد مظاهرات مسلحة للقصر الجمهوري والاستيلاء عليه.
وفي النقطة الأخيرة تجدر الإشارة لانتفاخ الجماعة بعد المظاهرات التي وقفت أمام قصر عابدين ولم تهدأ إلا بعد استعانة الرئيس محمد نجيب بعبدالقادر عودة، أحد قيادات الجماعة، الذي لمحه في الصفوف يلوح بقميص ملوث بالدماء، هذه الحادثة أشاعت وسط الإخوان أن هذه اللحظة كانت فرصة للانقضاض على القصر وإلقاء القبض على مجلس قيادة الثورة، ومن ثم الانفراد بالسلطة، ما سيجعلهم يفكرون بجدية في استعادة هذه الفرصة مجددا.
توحش طلبة الإخوان
وبالقفز إلى مرحلة السبعينيات نلاحظ فى كتاب «عبد المنعم أبو الفتوح شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر» لمؤلفه حسام تمام، فإن أبو الفتوح يحقد لكون الجامعة فى هذه الفترة كانت مليئة بالتيارات القومية والناصرية واليسارية، هى التى تسيطر على الجامعات واتحادات الطلاب فيها وكانت أفكار هذه التيارات خاصة اليسارية بمثابة الصدمة لى ولأمثالى من الشباب البسيط المتدين.
ويروج أبو الفتوح فى شهادته لهذه الصدمة، ويزعم أن هذه التيارات كانت تتعمد العداء للإسلام والسخرية منه وسبه ومثل هذه التهم التى هى من عادة جماعة الإخوان أن تلصقها بأى تيار مخالف لها مهما كان موقفه من الدين، فيقول إن "مجلات الحائط التى يعلقها اتحاد الطلاب تنتقد الإسلام وتخوض فيه بجرأة". وهذا الزعم أيضا يؤيد فكرة تجييش الشباب لما يسمونه بنصرة الإسلام وما هو إلا هجوم على أحزاب مخالفة أو عقد صفقات سياسية.
ويعترف أبو الفتوح أن اللقاء بين تيار الإسلاميين فى الجامعة وشباب التيارات الأخرى ينتهى بفوز الشباب، فيوضح: «كان أن تصادمنا مع اليساريين والشيوعيين فى حوارات كنا الذين ننال الهزيمة فيها غالبا نظرا لثقافتنا القليلة السطحية وعدم خبرتنا بالحوار والجدل النظرى فلم تكن لدينا القدرة على الرد أمام القضايا التى يثيرها هؤلاء الطلاب المثقفون المدربون جيدا على مثل هذه المناقشات».
من ضمن اعترافات أبو الفتوح، ما قاله عن اللجنة الفنية: «هدفنا من الترشح للجنة الفنية والفوز بها هو إيقاف المنكر والانحلال الذى تبثه بين الطلاب ومن ثم عطلنا عملها بمجرد أن فزنا بها، ولا أتذكر لها نشاطا يذكر لسنوات حتى بدأنا وقتها بالأناشيد الثورية والجهادية».
وهكذا فقد كرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى والعلمى لصالح الجماعة التى انطلقت لتمكين مشروعها التدميرى لا فى الجامعة فحسب، بل فى الوطن ككل وفى كامل المنطقة، وهو ما استطاعت مصر أن تتخلص منه مع ثورة الثلاثين من يونيو فى العام ٢٠١٣، كى تستعيد عافيتها مجددا بعيدا عن فصيل متواطئ لا يرضى بغير الخراب والتدمير.