مخيم الفارعة- "هي لله، لا للسلطة ولا للجاه"، و"عليّ الصوت، المخيم ما بموت"، و"يا شهيد لا تعبس، بدك عسكر بنلبس"، و"يا جميل العموري (مؤسسة كتيبة جنين) جبنالك ورد الجوري"، كلها هُتافات صدحت بها حناجر آلاف المتظاهرين وهم يشيّعون 4 من شهداء مخيم الفارعة قرب مدينة طوباس شمال الضفة الغربية استشهدوا أمس الاثنين.

لم تكن مجرد هتافات، بل كلمات حملت رسائل كثيرة من بينها: الإخلاص واستنهاض المقاومة والانتصار لأرواح الشهداء والتغنّي بأمجادهم والسير على خطاهم، والانتقام لهم من عدوهم المشترك، الاحتلال الإسرائيلي.

صار مخيم الفارعة يشيع أبناءه الذين أصبحوا هدفا للاحتلال واقتحاماته المتصاعدة، وخلال أقل من أسبوعين استشهد 12 من أبناء المخيم، وسبقهم آخر بداية العام، معظمهم من المدنيين والأطفال، وكأن الاحتلال يريد قطع الطريق على حالة مقاومة انبعثت بالمخيم وتتوسع بين أزقّته وتؤرقه بضرباتها.

مقاومون يحملون شهداء مخيم الفارعة الذين سقطوا برصاص الاحتلال (الجزيرة) حالة انتفاض

وعايشت الجزيرة نت حالة الانتفاض بالمخيم خلال عملية التشييع، إذ خرج أبناء المخيم عن بكرة أبيهم يحملون الشهداء على الاكتاف ويجوبون بهم حاراته الضيقة، ويتقدمهم عشرات المقاومين الذين امتشقوا بنادقهم وأماطوا اللثام عن وجوههم دون إطلاق رصاصهم بالهواء، الذي ادخروه لوقت وهدف آخر، هو الاحتلال بلا شك.

شبان في مقتبل العمر، بل لم يتمتعوا من العيش فيه بشيء، بعد أن اختاروا درب النضال والدفاع عن مخيمهم وأهلهم، وانطلقوا في تشكيل "كتيبة مخيم الفارعة" أسوة بباقي المواقع والمخيمات الثائرة ضد الاحتلال، لا سيما بشمال الضفة.

تشابهوا في الزي والمظهر العام والانضباط، وحتى في الدخول بين مئات المشيعين والانسحاب بهدوء، ولا يظهرون إلا وقت الاشتباك وأثناء تشييع رفاقهم الشهداء.

سألنا مقاومين عن سر التصعيد الإسرائيلي واستهدافه مخيمهم ودلالات ذلك، فأجابنا واحد منهم عرَّف نفسه باسم "صابر" وقال، "الاحتلال أراد على عجل إنهاء حالة المقاومة بمخيم الفارعة، كي لا تتوسع وتمتد لتصبح ملهمة، كحالة طبيعية ووطنية ممتدة بين مخيمات الضفة".

وهذا الرقم الكبير بأعداد الشهداء خلال أيام فقط، يرى فيه "صابر" اعتداء شنَّه "عدو غاشم" لا يفقه المواجهة مع المقاومة التي أثخنت فيه الجراح، فراح يستهدف المدنيين والأطفال بقنصهم من أسطح البنايات، وإعدامهم مباشرة من مسافة صفر دون ذنب، وهو "لا يخرج بغير هذه الإنجازات"، يؤكد.

وبكل مرة يقتحم فيها الاحتلال المخيم "يخفق بالوصول لهدفه، وتظل المقاومة بخير، ومع كل شهيد يقتلوه ويظنون أن المقاومة تموت، يخرج مكانه عشرة، وتبقى المقاومة شوكة بحلق المحتل"، يضيف صابر.

مقاومة وطنية موحدة

لكن لماذا لم تفتَّ كل محاولات الاحتلال بعضد المقاومين بمخيم الفارعة؟ يجيب صابر، "حالتنا الوطنية المقاومة موحدة، ومع كل شهيد تنهض أكثر، ونحن لا نتبع فصيلا بعينه ولا نقاوم من أجل حزب أو نختلف مع آخر، وكلنا ندافع عن المخيم ومن أجل الوطن".

لكن أسبابا أخرى يرى عمر صبح، أحد قيادات المخيم، أنها أبرزت المقاومة بالمخيم وأحيتها بقوة بالرغم من عمرها الزمني القصير، مقارنة مع الحالة الممتدة بالضفة الغربية منذ عامين، أهمها أن مخيم الفارعة شكَّل أحد المواقع المتقدمة في المقاومة تاريخيا.

كما أن حرب الاحتلال شاملة وتصيب كل الفلسطينيين، فضلا عن أن الشباب المقاوم متحمس ويرفض اجتياحات الاحتلال اليومية، يقول عمر صبح للجزيرة نت.

ويضيف المتحدث ذاته "لمخيم الفارعة باع وتاريخ طويل في مقاومة الاحتلال وعدم السكوت على ظلمه، لا سيما وأن سجن الفارعة الأشهر خلال الانتفاضة الأولى في 1987، كان الاحتلال يقيمه فوق أرض المخيم".

وأشار عمر إلى أسباب أخرى جعلت عود مقاومة مخيم الفارعة يشتد ويصلب سريعا ما جعلها هدفا للاحتلال، وهو أن هناك حاضنة شعبية لهم، وأن كل شباب المخيم يتخذونهم أنموذجا.

وسياسيا، يضيف عمر "وُلد هذا الجيل بعد اتفاق أوسلو، وهو فاقد الثقة بكل العملية السياسية وترهات المفاوضات، وفقد الأمل بالعملية السلمية -أيضا- وتوجّه للخيار الأمثل، المقاومة".

شباب مخيم الفارعة أسسوا كتيبة أسوة بباقي المخيمات الثائرة ضد الاحتلال خاصة بشمال الضفة الغربية (الجزيرة) جيل متعطش للمواجهة

ويتفق زيد سرحان أحد القيادات الإسلامية بمخيم الفارعة مع عمر صبح، ويقول، إن حالة المخيم تصاعدت أكثر مع الحرب على قطاع غزة، وتأثرت بها، لكن خصوصيته تكمن بابتعاده -بحكم موقعه الجغرافي- عن مواقع المقاومة الأخرى بمدن الضفة. ويضيف "ولذا يتعطش دائما لمواجهة الاحتلال، وهذا ما جعل الشهيد براء الأمير أحد قادة المقاومة بمخيم الفارعة يشارك بأكثر من موقع بمخيمات جنين ونابلس وطولكرم".

كما أن كتيبة المخيم، يقول زيد، لا تتشكل من فصيل معين ولا تنضوي تحت أي إطار، وهذا ما يجعل الاحتلال يطلب أكثر من 20 مقاوما بالاسم، ويضع بعضهم على قائمة التصفية.

من جهته، يؤكد باسل منصور عضو لجنة التنسيق الفصائلي بمحافظة طوباس ومخيم الفارعة، أن الحالة الوطنية بالمخيم عالية جدا ولا يمكن كسر شوكتها، بل ازداد ارتفاع منسوبها، خاصة أن المخيمات كانت ولا تزال بؤرا للثورات وملهمة لها، وهي تعيش ظلما وقهرا تاريخيا بفعل تهجير الاحتلال أهلها في 1948.

وبحالة مخيم الفارعة المقاومة، يقول باسل للجزيرة نت، "هي عمل وطني حر وشريف وصادق وأمين، يوحده الميدان بغض الطرف عن انتمائه الحزبي".

ويضيف أن ما يضير الاحتلال أن وضعية المقاومة نُقلت للمخيم سريعا، وتأثر بها كثيرون من الجيل الشاب الذي استعد للفداء بروحه وكل شيء، لا سيما إن وجد بيئة ثورية حاضنة ووطنية.

وظهر هذا الجيل الذي تحدث عنه باسل منصور واقعا، وهو يصطفّ محتشدا ليرى الشهداء من قرب ويشارك بتشييعهم، ويحاكي المقاومين بظهوره وهو يرتدي لثام المقاومين وعصبات رؤوسهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مخیم الفارعة

إقرأ أيضاً:

عشرات الشهداء في مجزرتين بجباليا البلد واليرموك

أفادت مصادر طبية للجزيرة باستشهاد 61 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة منذ فجر اليوم الخميس، 46 منهم بمدينة غزة وشمال القطاع.

وأوضحت المصادر استشهاد 15 فلسطينيا في قصف استهدف منزلا يؤوي نازحين في دوار حلاوة بجباليا البلد شمالي قطاع غزة.

وأكد مراسل الجزيرة استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على مبنى سكني في منطقة اليرموك بمدينة غزة.

كما قالت مصادر طبية -لوكالة لأناضول- إن 7 قتلى وعددا من المصابين وصلوا إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة، جراء القصف الذي أصاب أحد المباني السكنية.

استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة آخرين في غارة إسرائيلية على مبنى سكني في منطقة اليرموك بمدينة #غزة#حرب_غزة #الأخبار pic.twitter.com/PNuGSCA9rF

— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 24, 2025

وأوضح شهود عيان أن القصف استهدف عدة طوابق في بناية سكنية بمنطقة اليرموك وسط المدينة، مما أسفر عن دمار واسع في المكان.

وأشار الشهود إلى أن فرق الدفاع المدني والطواقم الطبية تواصل أعمال البحث والإنقاذ، في محاولة لانتشال مفقودين من تحت الأنقاض.

من جهته، أكد الناطق باسم الدفاع المدني في غزة للجزيرة، أن الاحتلال ارتكب مجزرتين في أقل من 12 ساعة في جباليا، مؤكدا أن هناك شهداء مايزالون تحت الأنقاض في جباليا.

إعلان

كذلك أوضح الناطق باسم الدفاع المدني أن هناك 4 شهداء من طواقمهم في منطقة اليرموك، قائلا "شاهدنا آثار حرق واضحة على جثامين الشهداء مؤكدا أن "غارات الاحتلال استهدفت آليات رفع الأنقاض التي دخلت من مصر أخيرا".

اللحظات الأولى بعد قصف طيران الاحتلال منزلاً على مفترق حلاوة في جباليا البلد، شمال قطاع غزة. pic.twitter.com/cDOixQKLUl

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) April 24, 2025

وفي وقت سابق اليوم، أفاد مراسل الجزيرة باستشهاد اثنين وإصابة آخرين في غارة على منزل يؤوي نازحين في جباليا البلد شمالي القطاع.

ويأتي ذلك بعد أن استشهد أمس ما لا يقل عن 10 فلسطينيين، في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي عائلات نازحة في مدينة غزة، وفقًا للسلطات الصحية المحلية.

وأفاد مسعفون بأن الغارة الجوية الإسرائيلية على مدرسة يافا في حي التفاح بمدينة غزة، أشعلت أيضًا النار في الخيام والفصول الدراسية التي لجأت إليها العائلات النازحة.

وظلت النيران مشتعلة في بعض الأثاث المحترق بعد ساعات من الهجوم، في حين كان الناس يفتشون في الفصول الدراسية وساحة المدرسة بحثًا عن بعض متعلقاتهم.

وكانت مصادر طبية أفادت للجزيرة -أمس الأربعاء- باستشهاد 40 فلسطينيا في غارات إسرائيلية متواصلة على مناطق عدة في غزة، مشيرة إلى أن أطفال القطاع في أشد مراحل سوء التغذية.

وأوضح مدير مستشفى التحرير في مجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا أن أطفال قطاع غزة في أشد مراحل سوء التغذية وتصعب متابعتهم طبيا بسبب نقص الأدوية العلاجية وحليب الأطفال.

وأكد أن استمرار منع الإمدادات الغذائية والدوائية يدل على أن أطفال قطاع غزة أمام مشهد خطير وكارثي، مشيرا إلى أن انعدام التغذية المناسبة والأدوية للأمهات الحوامل ينعكس بشكل خطير على المواليد، خاصة الأطفال الخدج.

واليوم، أعلنت وزارة الصحة في غزة خروج مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفال عن الخدمة، إذ يواصل الاحتلال الإسرائيلي استهداف المستشفيات ضمن حرب الإبادة المستمرة في القطاع، في حين أعلنت جمعية الإغاثة الطبية نفاد المستلزمات الطبية في مخازنها.

إعلان

ويترافق ذلك مع مواصلة إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرب إبادة في غزة خلّفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح فلسطيني -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • فلسطين.. قوات الاحتلال تقتحم حارة المحجر في مخيم نور شمس شرق طولكرم
  • عشرات الشهداء في مجزرتين بجباليا البلد واليرموك
  • تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة وارتفاع حصيلة الشهداء إلى 30 منذ فجر اليوم
  • ماذا يعني وضع إسرائيل بوابات حديدية على مداخل مخيم جنين؟
  • الاحتلال يقتل طفلا ويطبق الحصار على مخيم جنين
  • أم بلال تستذكر ابنها الذي أخفته دبابة الاحتلال بمخيم المغازي
  • تجمع عوائل الشهداء الفلسطينيين: تصريحات عباس طعنة لشعبنا واساءة للشهداء
  • عشرات الشهداء والجرحى في قصف متواصل على القطاع منذ الفجر
  • من مخيم إلى مخيم.. السلطة الفلسطينية تعتزم إنشاء مراكز إيواء لنازحي الضفة
  • لجان مقاومة صالحة تكشف عن عمليات قتل وتعذيب واعتقالات واسعة بواسطة الدعم السريع