على وقع ما يصل إلينا من أخبار عن قطاع غزة وما يتعرّض له أهله من مجازر، فضلًا عن صدى العمليات التي يقوم بها "حزب الله" على امتداد جبهات المواجهة والاعتداءات الإسرائيلية المترافقة مع تهديدات يومية بـ "غزغزة" لبنان (نسبة إلى غزة)، نقترب ببطء ثقيل نحو عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة. إنها ازدواجية لا مثيل لها في المعايير بين معاناة أهل القرى الحدودية، الذين اضطروا لترك منازلهم إلى مناطق أكثر أمانًا وهدوءًا، وبين الذين يعيشون حياة شبه طبيعية من الناحية الأمنية في المدن والقرى البعيدة نسبيًا عن أصوات الصواريخ التي تستهدف أكثر من منطقة جنوبية.

هذا هو جوهر الصراع بين ثقافتي الموت والحياة.  
في الجنوب يسقط يوميًا شهداء لـ "حزب الله" وآخرون إعلاميون ومدنيون. في المدن والقرى البعيدة تضجّ الحياة وعجقة الطرقات استعدادًا للاحتفال بالأعياد. ويُحكى أن ثمن بطاقة بعض السهرات ليلة رأس السنة في بعض المطاعم المشهورة وصل إلى حدود الـ 1000 دولار أميركي للشخص الواحد، أي ما يوازي ضعف راتب العسكري أو الموظف في القطاع العام. وعلى رغم أجواء الحذر من احتمال إدخال لبنان في حرب لا يريدها، بل يرفضها بشدّة، فإن ما يقارب الـ 300 ألف لبناني يعملون في دول الخليج بدأوا يصلون تباعًا إلى الربوع اللبنانية لتمضية عطلة الأعياد بين الأهل والأقارب والأصحاب. فعلى هؤلاء الآتين إلى لبنان، ومعهم "فريش دولار"، يعّول أصحاب الفنادق والمطاعم والمقاهي لالتقاط أنفاسهم بعد فترة ركود، وبعد صيف شهد إقبال ما يقارب مليوني مغترب لبناني كان لهم الفضل في إنعاش الحركة الاقتصادية، وقد ضخّوا في الأسواق ما يقارب عشرة مليار دولار. 
فلو اكتفى لبنان بمساندة أهل القطاع معنويًا كما يفعل الآخرون، ولو لم يضطّر "حزب الله" على إشعال الحدود "دعمًا واسنادًا لشعبنا الصاد في غزة" وإلهاءً للعدو، لكان قصد لبنان أكثر بكثير من 300 ألف مغترب. هي جدلية قائمة في البلد بين من يؤيد حتى العظم ما يقوم به "حزب الله" في الجنوب، وهو أقل الايمان، تجاه ما يتعرّض له الفلسطينيون من مذابح متواصلة على أيدي العدو، وبين من يطالب بتحييد لبنان عن هذا الصراع والاكتفاء بدعم أهل غزة والضفة الغربية معنويًا، ورفع الصوت في كل المحافل الدولية والعربية انتصارًا لحق الشعب الفلسطيني بأن يعيش في دولة لها كيانها المستقل بحرية وكرامة وازدهار وبحبوحة.    
فمن قرّر من هؤلاء اللبنانيين الذين يعملون في الخارج أن يأتوا إلى بلدهم لتمضية فترة الأعياد في ربوعه وفي أفيائه يثبتون أنهم "مقاومون" بطريقة مختلفة عن المفهوم المتعارف عليه عمومًا. إنهم أكثر من فدائيين. هم مؤمنون بأن وطنهم هو على حقّ، وما دام هناك من يطالب بحقّه فلن يموت هذا الحق. فمن حقّ اللبنانيين أن يعيشوا بسلام وهدوء واستقرار. من حقّهم أيضًا أن يعيشوا بكرامة وعزة نفس. هم مرة جديدة يثبتون أن تعّلقهم بأرضهم وحبّهم لها يفوق أي اعتبار آخر.  
كان في استطاعة هؤلاء اللبنانيين أن يقصدوا أي مكان في العالم لتمضية عطلة الأعياد، لكنهم فضّلوا أن يقضوها مع الأهل والأقارب والأصحاب، حيث الدفء، وحيث كل شيء يذّكرهم بأن لهم ماضيًا وذكريات، وحيث سيكون لهم ولأولادهم مستقبل. 
من يعود إلى لبنان من الذين قست عليهم الظروف واضطروا على مغادرته ينتابهم شعور لا يمكن وصفه بأي كلام. وهو شعور لا يعرفه إلا الذين يعيشون بعيدًا عن وطنهم لألف سبب وسبب. إنه مزيج من الحنين المجبول بحبّ غير مقولب بأجندات مستوردة مواعيدها وغير المتطابقة مع المواعيد اللبنانية. 
هو عيد الميلاد محطّة فرح لا تخلو من صلاة عن أرواح من لن يكونوا جزءًا من هذه الفرحة، التي تبقى ناقصة بغياب من كانوا هم العيد ورمزه وبهجته. وعلى رغم كل هذا سيعيّد اللبنانيون، وستكون ذكريات الزمن الجميل محورًا أساسيًا لرمزية العيد.  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

هل يصمد وقف النار بين حزب الله وإسرائيل؟.. تقريرٌ يُجيب

ذكر موقع "الإمارات 24"، أنّ سيث جاي. فرانتزمان الزميل مساعد في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأميركية، تناول وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، والذي بدأ في أواخر تشرين الثاني 2024 بعد أكثر من عام من الصراع المكثف.

وسلط فرانتزمان، مؤلف كتاب "حرب السابع من تشرين الاول: معركة إسرائيل من أجل الأمن في غزة"، الضوء على تحديات الحفاظ على وقف إطلاق النار والديناميكيات الجيوسياسية وإمكانية تجدد الصراع. وأوضح الكاتب في مقاله بموقع مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، أن التأخير في انسحاب إسرائيل واستمرار وجود حزب الله في جنوب لبنان يعقّد الوضع. وأكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار، لكنه شدد على أن الأمن يظل أولوية غير قابلة للتفاوض. لذا، في الوقت عينه، واصلت القوات الإسرائيلية عملياتها بالقرب من الحدود، وصادرت الأسلحة وفككت البنية التحتية لحزب الله.

ولا يزال حزب الله، على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبدها خلال الصراع، قوة فعالة. فقد استغلت الجماعة تاريخياً فراغ السلطة في جنوب لبنان، كما رأينا بعد انسحاب إسرائيل في عامي 2000 و2006.

وحذر فرانتزمان من أن عودة حزب الله إلى المنطقة قد تقوض وقف إطلاق النار.

بالإضافة إلى ذلك، واجه دعم إيران لحزب الله انتكاسات بسبب سقوط نظام الأسد في سوريا، والذي سهّل في السابق نقل الأسلحة إلى الجماعة.

وتناول فرانتزمان أيضاً السياق الإقليمي الأوسع، بما في ذلك جهود الحكومة اللبنانية الجديدة لتحقيق الاستقرار في البلاد.

وأوضح الكاتب أن الحفاظ على وقف إطلاق النار في لبنان يتماشى مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل، خاصة أن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس ترامب تسعى إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي وتعزيز جهود التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

ومع ذلك، يرى الكاتب أن نجاح وقف إطلاق النار يتوقف على قدرة الحكومة اللبنانية على فرض سيطرتها على جنوب لبنان ومنع إعادة تسليح حزب الله. إن سقوط نظام الأسد وتولي قيادة لبنانية جديدة ووقف إطلاق النار في غزة كلها عوامل تخلق مجتمعة فرصة لاستمرار وقف إطلاق النار في لبنان إلى ما بعد فترة الستين يوماً الأولية.

ولفت الكاتب النظر إلى الطبيعة الهشة لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، مشيراً إلى التفاعل المعقد بين العوامل العسكرية والسياسية والإقليمية.

وفي حين يوفر وقف إطلاق النار هدنة مؤقتة من الصراع، فإن قابليته للاستمرار على المدى الطويل تعتمد على قدرة كل من إسرائيل ولبنان على معالجة المخاوف الأمنية الأساسية ومنع عودة حزب الله إلى الظهور. (الامارات 24)

مقالات مشابهة

  • أكثر من 50 دعاء عن بداية شهر جديد
  • وصول أكثر من 30 أسيرا فلسطينيا إلى رام الله
  • مصر تشيد بجهود ميقاتي خلال فترة الشغور الرئاسي في لبنان
  • الرئيس اللبناني يشدد على ضرورة إعادة الأسرى اللبنانيين الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال الحرب
  • عبدالعاطي يلتقي برئيس حكومة لبنان ويشيد بنجاحه في إدارة الفترة الانتقالية
  • هل تنجح المعارضة في تفجير الخلاف بين الثنائي والعهد؟
  • سلاح الجو الإسرائيلي يقصف أهدافا لحزب الله في البقاع
  • مقاومون يستهدفون قوات الاحتلال شمال غربي جنين
  • هل يصمد وقف النار بين حزب الله وإسرائيل؟.. تقريرٌ يُجيب
  • لماذا يجمِّل المغتربون المصريون واقعهم الصعب في الخارج؟