غزة- فرض النزوح القسري بفعل الحرب الإسرائيلية الضارية على قطاع غزة، ظروف حياة قاسية على الأطفال، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على القيام بمهام تتجاوز طفولتهم، من أجل مساعدة أسرهم على تدبر شؤونها اليومية.

يجلس الطفل أدهم نصير (13 عاما) أمام موقد بدائي بعدما يقضي وقتا طويلا في جمع بعض الأخشاب والكرتون لإشعال النار من أجل إعداد الخبز لأسرته، والتي تقيم في مدرسة الدوحة الثانوية بمدينة رفح أقصى جنوب القطاع.

نزحت أسرة نصير من منزلها في بلدة بيت حانون شمالي القطاع، مع اندلاع الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تحسبا من اعتداءات إسرائيلية اعتادتها هذه البلدة المتاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي، وأقامت لأسابيع في مدرسة ببلدة بيت لاهيا، قبل أن تضطر إلى النزوح مرة ثانية إلى مدينة رفح على الحدود مع مصر.

وتعرضت هذه البلدة لدمار واسع في مزارعها وبنيتها التحتية ومنازلها، ومن بينها منزل أسرة الطفل نصير. وعلى حداثة عمره يقول أدهم للجزيرة نت "أمنيتي العودة إلى بيت حانون وإعادة إعمار منزلنا المدمر".

الطفل أدهم نصير يقوم بإعداد الخبز لأسرته التي نزحت إلى مدينة رفح على الحدود مع مصر (الجزيرة) طفولة معذبة

في مثل الفصل الدراسي الذي تكاد جدرانه تطبق على أسرة أدهم وآخرين من أقاربه، كان يفترض أن يكون أدهم جالسا على مقعده يتلقى تعليمه في الصف الثامن الإعدادي، في واحدة من مدارس بلدته المدمرة، وبدلا عن ذلك وجد نفسه نازحا يعاني شظف العيش، ويشارك رجال أسرته المسؤولية في توفير احتياجاتها اليومية.

وأدرك أدهم مشاق العمل مبكرا، وقال "والله تعبت، تعبنا ومش لاقيين الأكل، بدنا نرجع إلى بيوتنا". وفيما يقوله ترجمة واقعية لتحذيرات منظمات دولية عن مجاعة تواجه 2.3 مليون فلسطيني، زهاء 85% منهم أجبروا على النزوح عن منازلهم، ووثقت وفاة أعداد منهم جوعا.

ورغم قساوة ما يكابده أدهم وأقرانه، باتت مشاهد هؤلاء الأطفال مألوفة في الشوارع والميادين العامة، وأمام أبواب مراكز الإيواء في المدارس الحكومية أو التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة رفح، يقفون على "بسطات" بيع متواضعة لتوفير مبالغ زهيدة تسهم في توفير بعض احتياجات أسرهم من سلع وبضائع باتت شحيحة في الأسواق.

ونفدت غالبية أصناف السلع والبضائع من المحال التجارية والأسواق التي تشهد ارتفاعا جنونيا في الأسعار جراء حصار مطبق تفرضه إسرائيل تزامنا مع الحرب المتصاعدة للشهر الثالث على التوالي. في حين تقول الأونروا إن "الإمدادات الإغاثية الواردة من معبر رفح البري مع مصر لا تفي سوى بـ5% فقط من احتياجات الغزيين".

العمل بدل المدرسة

وقبيل بزوغ أول خيوط النهار، يرافق الشقيقان أنس (12 عاما) ومحمود (10 أعوام) والدهما أيمن ريحان (36 عاما) نحو بسطة صغيرة أقامها باستخدام لوح خشبي قديم، بالقرب من مركز إيواء بمدرسة تابعة لأونروا، تقيم به أسرته المكونة من 5 أفراد، ولا تكفيها المساعدات الضئيلة.

يساعد أنس ومحمود والدهما أيمن في إعداد خبز يسمى شعبيا بـ"خبر الصاج"، وتجهيزه على موقد بدائي يعمل على نار الحطب، للتغلب على أزمة حادة في غاز الطهي. ويقول الابن الأكبر للجزيرة نت "أعمل مع أبي لتوفير احتياجات أهلي (..) أكل المدرسة ما يكفينا".

ولم يسبق لأيمن العمل في هذه المهنة، لكنه وجد فيها مصدرا للرزق، في ظل حاجة الناس لخبز جاهز، جراء النقص الشديد في الدقيق، وارتفاع أسعار المتوفر منه في السوق السوداء لنحو 12 ضعفا، وعدم قدرة غالبية تعاني الفقر الشديد على شرائه.

وتبدأ عملية إعداد الخبز من أيمن بالعجن والتقطيع والتكوير، وتنتقل إلى نجليه أنس ومحمود، ويتوليان فرد قطعة العجين لدوائر متوسطة الحجم، ومن ثم إنضاجها على الموقد، قبل عرضها للبيع على المارة، الذين تزدحم بهم شوارع مدينة رفح.

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 700 ألف نازح لجؤوا إلى هذه المدينة التي كان يقطنها أقل من 300 ألف قبل اندلاع الحرب.

ويقول محمود، ويحلم بدراسة الطب عندما يكبر، "المدرسة للتعليم مش للسكن (..) الحياة صعبة، ازدحام شديد وأمراض، وما في مياه للشرب والنظافة، والأكل قليل، وكله معلبات لا نعرف إذا كويسة أو لا".

الشقيقان أنس ومحمود ريحان يساعدان والدهما في صناعة خبز الصاج وبيعه لسكان رفح والنازحين إليها (الجزيرة) بائع المخبوزات

وليس بعيدا عن أسرة ريحان النازحة من جباليا في شمال القطاع، ينادي الطفل أحمد أبو عاصي (14 عاما) المارة مروجا لمخبوزات صنعتها أسرته النازحة من حي الزيتون بمدينة غزة، وتقيم هذه الأسرة (25 فردا) في منزل بالإيجار.

ويقول أحمد للجزيرة نت "جدي صاحب الفكرة، اشترى كيسا من الدقيق، والنساء يجهزن المعجنات (المخبوزات) في المنزل، وأحملها يوميا لبيعها في السوق من الصباح حتى المساء، كي نشتري بثمنها الخضار وأشياء أخرى ضرورية".

ويبدي أحمد رضا عما يحصّله يوميا من بيع المخبوزات، ويقول "أبيع يوميا كل الكمية التي تعدّها أسرتي.. البلد ما فيها حاجة، والناس بتأكل كل شيء بسبب الحرب والحصار".

الطفل أحمد أبو عاصي يبيع المخبوزات لمساعدة أسرته الكبيرة النازحة في رفح (الجزيرة)

وتفرض إسرائيل قيودا شديدة على شاحنات المساعدات التي ترد إلى القطاع من خلال معبر رفح البري مع مصر، تحول دون تدفقها بوتيرة أسرع وبكميات كافية، في الوقت الذي تواصل فيه إغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد، وتمنع توريد السلع والبضائع التجارية للقطاع الساحلي الصغير.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن آلاف النازحين الذين وصلوا إلى مدينة رفح يواجهون ظروفا شديدة الاكتظاظ بما يتجاوز 12 ألف شخص لكل كيلومتر مربع، ويقاسون أوضاعا غير إنسانية تصل حد المأساة.

ويحذر المرصد الحقوقي -ومقره جنيف- من مخاطر خطط إسرائيل تحويل التهجير القسري إلى أمر واقع، بما ينطوي عليه ذلك من ترك النازحين فريسة للأمراض والأوبئة والجوع بصورة متزايدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: مدینة رفح مع مصر

إقرأ أيضاً:

الجامعة العربية تدعو كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية لتحمل مسؤولياتها إزاء الحرب التي يشنها الإحتلال على المسيرة التعليمية بفلسطين

دعت جامعة الدول العربية، كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية والإعلامية لتحمل مسؤولياتها إزاء الحرب التي يشنها الإحتلال الإسرائيلي على المسيرة التعليمية في فلسطين، مؤكدة على أهمية الإستمرار في توفير الدعم العربي والدولي للعملية التعليمية بما يسهم في ضمان إستمرار تقدم المسيرة التعليمية وتحسين جودة التعليم لأبناء فلسطين.

وقال الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة في جامعة الدول العربية السفير سعيد أبو علي، في كلمته أمام لجنة البرامج التعليمية الموجهة إلى الطلبة العرب في الأراضي العربية المحتلة في دورتها 108، والتي أختتمت أعمالها اليوم، إن إجتماعنا يأتي بعد إنقطاع ما يقارب عام ونصف بسبب الظروف البالغة الصعوبة التي تمر بها القضية الفلسطينية والحرب الاسرائيلية التدميرية، كما يأتي بالتزامن مع أعمال القمة العربية والإسلامية الطارئة بالرياض والتي اتخذت مجموعة كبيرة من القرارات النوعية الهامة في إطار  التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، وتضامن دولنا العربية والإسلامية مع نضال الشعب الفلسطيني المشروع لنيل حقوقه كاملة بإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق رؤية حل الدولتين، ودعم الاعتراف بدولة فلسطين وحصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وكذلك التحرك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجميد عضوية إسرائيل.

وأضاف، إن القمة طالبت أيضا مجلس الأمن بإصدار بقرار ملزم لوقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً إلى قطاع غزة، مؤكدة أنه لا سلام مع إسرائيل قبل انسحابها من كافة الأراضي العربية المحتلة "حتى خط الرابع من يونيو 1967، مشيرا إن القمة أطلقت أيضا آلية التعاون الثلاثي بين كل من جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، لتنسيق المواقف المشتركة وسبل الدعم لمساعدة الشعب الفلسطيني بهدف تحقيق تقرير المصير له.

وأوضح الأمين العام المساعد، إن هذه الدورة تعقد بعد أكثر من 400 يوم من بدء العدوان على غزة، ولا تزال مشاهد المجازر والقتل والتدمير والتجويع خاصة في شمال غزة متواصلة، فقد أسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل وجرائم الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر 2023 عن تدمير واسع النطاق لكافة مقومات الحياة، أدى إلى سقوط أكثر من 180 ألف مواطن بين شهيد وجريح ومفقود، وإعتقال أكثر من 5200 مواطن، ونزوح 2 مليون داخليا، مع تدمير ما يقارب من 80% من المباني السكنية، حيث إرتكب جيش الإحتلال الإسرائيلي أكثر من 4000 مجزرة مروعة، واستخدام حوالي 90 ألف طن من المتفجرات، بالإضافة لما يتعرض له سكان القطاع من حرب تجويع قاتلة.

كما أشار، أن الوضع في الضفة الغربية المحتلة لا يقل خطورة وكارثية من حيث مواصلة الإحتلال الإسرائيلي التصعيد في تنفيذ سياساته العدوانية في مدينة القدس وكافة المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية، ما أسفر عن استشهاد حوالي 780 شهيد، واعتقال ما يقارب من 12 ألف مواطن مع تدمير ممنهج للبنية التحتية، في نفس الوقت الذي تواصل فيه عصابات المستوطنين المسلحة وبدعم مباشر من جيش الاحتلال ممارسة الإرهاب والاعتداءات المتواصلة في إطار سياسة الإحتلال الرسمية الممنهجة في حرق واقتلاع وتدمير للممتلكات، وفرض العزل والاغلاقات إلى تنفيذ الاعدامات الميدانية والتهويد وممارسة التمييز العنصري والتطهير العرقي والتهجير القسري، والتمدد الاستعماري وصولاً إلى ما أعلنه أمس رئيس وزراء الإحتلال ووزير ماليته بشأن الضم الرسمي والمعلن للضفة الغربية وتصفية القضية الفلسطينية.

وقال أبو علي، إن القرار الإسرائيلي بقطع العلاقات مع وكالة "الأونروا" ضاربا بعرض الحائط جميع الأعراف والمواثيق والقرارات الدولية والقانون الدولي الإنساني، بهدف تصفية قضية اللاجئين وشطب حق العودة وإلغاء أنشطتها ودورها بالعنوان السياسي، مؤكدا أن مواصلة الإحتلال تقويض ولاية الأونروا لن يغير من الوضع القانوني للوكالة التي تتمتع بتفويض دولي بناء على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وطالب الأمين العام المساعد، المجتمع الدولي بدوله وهيئاته المتعددة وخاصة مجلس الامن التدخل المباشر والفوري، وإتخاذ التدابير العملية اللازمة لتوفير نظام حماية دولي في الأرض الفلسطينية لوضع حداً لاستمرار هذا العدوان الممنهج والانتهاكات الجسيمة لقواعد وأحكام وقرارات الشرعية الدولية، فقد كان قطاع التعليم وكل مكوناته في مقدمة القطاعات التي تعرضت للاستهداف الإسرائيلي التدميري، ما أسفر عن كارثة كبيرة بحجم الخسائر البشرية والمادية التي طالت مكونات التعليم كافة كما تداول وبحث مؤتمركم، فهناك أكثر من 30 ألف طفل/ة ما بين شهيد وجريح وسط تدمير 93% من أبنية القطاع التعليمي، فيما تعرضت 70% من مدارس الأونروا الـ200 للقصف والتدمير، وتم قصف 4 مبان من كل 5 مبان مدرسية، وكذلك تدمير 130 من المباني والمنشآت الجامعية كما حرم أكثر من 750 ألف طالب/ة من حقهم في مواصلة تعليمهم في مدارسهم، وجامعاتهم.

وقال الأمين العام المساعد، إنه منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، توقفت العملية التعليمية في كافة الجامعات والمدراس والمراكز التعليمية والتدريبة، وتحول عمل المدراس من أماكن تعليمية إلى مراكز إيواء يستخدمها السكان النازحين الذين هُجروا من منازلهم قسراً، ومع ذلك لم تتوان قوات الإحتلال عن استهداف هذه المدارس والمنشآت وهي مكتظة بالنازحين، لتوقع المئات من الشهداء والمصابين، حتى وإن كانت المدرسة أو المنشأة تتبع لهيأة دولية كالأمم المتحدة وترفع علمها، حيث مازال واقع حال التعليم في القدس، تحت وطأة سياسات الأسرلة والتهويد، ومحاربة المناهج الفلسطينية وتحريفها، في معركة مستمرة ومتجددة مع بداية كل عام دراسي جديد، لفرض مناهج الإحتلال الإسرائيلي، والذي يستوجب تدخل المعنيين من دول وهيئات ومنظمات رسمية وأهلية الالتفات لمدى التحريض والعنف ومستوى مضامين العنصرية بالمناهج الإسرائيلية، التي تشكل انتهاكاً جسيماً وخطيراً للمواثيق الحقوقية الدولية، وانتهاكاً للاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خاصة معاهدة جنيف الرابعة وما فيها من نصوص حيال الوضع التعليمي في البلاد المحتلة.

كما أكد الأمين العام المساعد، أن هذه الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية شكلت حافزاً لمضاعفة أسباب الصمود والإصرار الفلسطيني على تطوير والعملية التعليمية وحمايتها، لتحقيق المزيد من النجاحات والإنجازات.

يذكر أن الإجتماع عقد برئاسة وكيل مساعد للشؤون التعليمية بوزارة التربية والتعليم أيوب عليان، وممثلي عن إتحاد إذاعات الدول العربية، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الالكسو" بالإضافة إلى وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين "الأونروا".

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأمريكي يحذر من من سلوكيات الحوثيين ويقول إن استراتيجيتهم بدأت في الانهيار
  • الأمم المتحدة: أطفال لبنان يواجهون أكثر فترات الحرب دموية
  • أحمد حسين: الحرب الإعلامية التي تمارسها الميليشيا عن تحركاتها في الأطراف الشرقية لمدينة الفاشر محاولة “
  • مقترح للبرلمان البريطاني يمكن الفلسطينيين من لم شمل أسرهم في غزة
  • من غزة إلى لبنان: معاناة الأطفال التي لا تنتهي بين نارين
  • الجامعة العربية تدعو كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية لتحمل مسؤولياتها إزاء الحرب التي يشنها الإحتلال على المسيرة التعليمية بفلسطين
  • الاحتلال يواصل قصف النازحين.. وغارات مكثفة جنوب مدينة غزة (شاهد)
  • أميركا.. السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة
  • أبراج تلعب دور الضحية ولا يتحملون مسؤولية أفعالهم.. هل شريكك منها؟
  • الأمم المتحدة: طرفا الصراع في السودان وحلفاؤهما يتحملون مسؤولية العنف