الخطر الذي يُهدد الأردن
اليمين المتطرف الإسرائيلي يُشكل خطراً استراتيجياً على الأردن وعلى أمنه وهويته ومستقبله.
تريد إسرائيل حل مشاكلها على حساب دول المنطقة واستخدام القوة المفرطة لفرض هذه الحلول التي لا يمكن أن تقبل بها أية دولة عربية.
ينبغي تعليق العلاقات الدبلوماسية عبر طرد سفير إسرائيل واستدعاء السفير الأردني، لحين الحصول على التزامات وضمانات من إسرائيل بالتوقف عن تهديد الأردن.
تريد إسرائيل تنفيذ أجندة يمين متطرف لا تتوقف أطماعه فقط عند عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة بل يتطلع للتوسع والهيمنة وفرض نفوذه وإرادته على المنطقة كلها.
المطلوب من الأردن التصدي للمشروع الإسرائيلي التوسعي عبر المحاكم الدولية والأمم المتحدة، والتهديد بإلغاء اتفاقية السلام (وادي عربة 1994) التي طالب البرلمان عشرات المرات بإلغائها.
* * *
الحرب الإسرائيلية على غزة تشكل تهديداً بالغاً وحقيقياً للأردن ولأمنه واستقراره، وتهديدا لمستقبله وشكل نظامه السياسي، حيث تعمل إسرائيل على إحداث تغيير جذري واستراتيجي في المنطقة برمتها، وهذا التغيير إن حدث ونجحت في تنفيذه تل أبيب فمن المعلوم بالضرورة، أن الأردن سيكون أحد أبرز الخاسرين منه.
لا شك في أن النظام السياسي في الأردن يشعر بالقلق منذ بداية الحرب، ولا شك في أنه فهم مبكراً بأن اسرائيل لا تريد قتال حركة حماس وحدها، بل تريد حرباً تنتهي بتغيير استراتيجي كبير، يؤثر في المنطقة برمتها، ويؤثر في قضية فلسطين، ويحقق للإسرائيليين مكاسب جديدة تلبي مزيداً من أطماعهم.
إذ إن الإسرائيليين يريدون استغلال هذه الحرب وموجة الدعم الدولي لهم من أجل التحلل من فكرة الدولتين نهائياً، ومن أجل إحداث مزيد من التغيير على الأرض، الذي يجعل من المستحيل مستقبلاً إقامة أية دولة فلسطينية على أي مكان داخل المنطقة الواقعة بين النهر والبحر.
من الواضح أن الأردن قرأ وفهم هذا المشروع الإسرائيلي، ولذلك اتخذ موقفاً سياسياً غير مسبوق، لم يتخذ مثيلاً له من قبل في الحروب السابقة، لكن الأكيد هو أن الموقف الأردني لا يزال دون المستوى المطلوب، إذ إنه يقف عند مستوى التضامن مع فلسطين، ولا يرتقي الى مستوى التعامل مع تهديد للأمن القومي العربي والأمن الوطني المحلي والمصالح العليا للبلاد.
المشروع الذي يؤمن به رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو يقوم على خرافة تقول بأن الدولة الفلسطينية موجودة وقائمة، وهي التي في شرق نهر الأردن، وأن على الفلسطينيين أن يقبلوا بها لهم هناك، ولا يعترف، أو لا يريد نتنياهو أن يعترف، بأي حق فلسطيني أو وجود غربي النهر، ولو على شبر واحد من أراضي الضفة الغربية، وهذا ما يؤمن به الفريق الوزاري الذي يعمل مع نتنياهو أيضاً، بل إن أغلبهم غلاة ومتطرفون أكثر منه في هذا المجال.
ولذلك فإن التصريحات الأولى التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» كانت تصب في اتجاه «نكبة جديدة» و»تهجير» بما يكشف عن نواياهم ومشاريعهم. لم يتوقف الأمر عند التصريحات الإسرائيلية عن نكبة جديدة وعملية تهجير.
كما لم يتوقف الأمر عند العدوان على غزة، التي انطلق منها مقاتلو حركة حماس، وإنما سرعان ما شنت قوات الاحتلال أوسع حملة اعتقالات واجتياحات وقتل وتعذيب وتنكيل بالفلسطينيين في الضفة الغربية، رغم أن الضفة لم تكن مصدر عملية «طوفان الأقصى» ولا هي جزء منها، وإنما هو عدوان شامل يستهدف تغيير الوضع القائم في الأراضي الفلسطينية كافة.
ثمة أطماع إسرائيلية واضحة بارتكاب جريمة تهجير جديدة تنتهي بانتقال أعداد كبيرة من فلسطينيي غزة إلى مصر، وأعداد ربما أكبر من فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن، وهذا في السيناريو يشكل في نهاية المطاف تهديداً كبيراً للأردن، وخطراً بالغاً على الهوية الأردنية.
فضلاً عن أن الأردن الذي استقبل أعداداً ضخمة من اللاجئين السوريين والعراقيين خلال السنوات الأخيرة لا يستطيع لا من الناحية الاقتصادية ولا الاجتماعية ولا السياسية أن يستقبل موجة جديدة من اللاجئين، إذ إن أي موجة لجوء جديدة قد تؤدي الى توترات اجتماعية وسياسية – لا قدر الله – في البلاد التي تنعم بحالة من الاستقرار والأمان، على الرغم من ضائقتها الاقتصادية.
تريد إسرائيل حل مشاكلها على حساب دول المنطقة، وتريد استخدام القوة المفرطة لفرض هذه الحلول التي لا يمكن أن تقبل بها أية دولة عربية، والأهم من ذلك أن إسرائيل تريد أن تنفذ أجندة اليمين المتطرف الذي لا تتوقف أطماعه فقط عند عرقلة قيام دولة فلسطينية مستقلة، بل هو يتطلع الى التوسع والهيمنة وفرض نفوذه وإرادته على المنطقة بأكملها، وهذا اليمين يُشكل خطراً استراتيجياً على الأردن وعلى أمنه وهويته ومستقبله.
والمطلوب من الأردن لدرء هذا الخطر عنه أن يتصدى للمشروع الإسرائيلي التوسعي عبر اللجوء للمحاكم الدولية، واللجوء إلى الأمم المتحدة، ومن ثم التهديد بإلغاء اتفاقية السلام (وادي عربة 1994) التي طالب البرلمان عشرات المرات بإلغائها، أو في أضعف الإيمان تعليق العمل بالاتفاقيات التجارية والاقتصادية مع دولة الاحتلال، وتعليق العلاقات الدبلوماسية عبر طرد سفير تل أبيب واستدعاء السفير الأردني، وذلك لحين الحصول على التزامات وضمانات من إسرائيل بالتوقف عن تهديد الأردن الذي هو في خندق واحد اليوم مع الفلسطينيين جنباً الى جنب في هذه المعركة.
*محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الأردن التهجير إسرائيل قضية فلسطين المشروع الإسرائيلي اليمين المتطرف تهديد الأردن الذی ی
إقرأ أيضاً:
سياسي عراقي يكشف أسباب الزيارات المكوكية التي تشهدها العاصمة بغداد
بغداد اليوم - بغداد
كشف السياسي العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر، اليوم الأحد (15 كانون الأول 2024)، عن أسباب الزيارات المكوكية التي تشهدها العاصمة العراقية بغداد منذ أيام.
وقال حيدر لـ"بغداد اليوم"، إن "ما يشهده العراق من زيارات مكوكية من والى العاصمة بغداد، واهمها زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن واجتماعه برئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، تتمحور حول نقطة جوهرية واحدة فقط وهي؛ أن يضبط العراق نفسه فيما يخص الملف السوري فلا يتصرف خارج المألوف أو يشذ عن إجماع دول الجوار والمنطقة والمجتمع الدولي".
وأضاف، أنه "لهذه الرسالة المحورية سبب واضح جدا وهو أن بغداد تتعرض لضغط مهول من قبل ايران لإعادة النظر بقرار اغلاق الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، لإعادة تكرار تجربة المقاومة التي قادتها وقتها الحليفتين المقربتين لبعضهما طهران ودمشق على الأراضي العراقية عندما غزت الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا العراق واسقطتا نظام صدام حسين".
وتابع، أن "هذا الهدف الذي تعمل على تحقيقه طهران لم يعد خافياً على أحد، فلقد أكد عليه المرشد الايراني في خطابه الأخير الذي شرح فيه ما جرى وسيجري في سوريا متوعداً بتكرار تجربة المقاومة العراقية لمنع أي نفوذ للولايات المتحدة في سوريا بعد سقوط حليفه الأسد".
وأردف، أن "الهدف السامي من وجهة نظر طهران لا يمكن أن يتحقق الا إذا قرر العراق فتح حدوده مع سوريا، فهي المنفذ الوحيد لعبور المتطرفين اليها والبدء بمشروع المقاومة كما كانت".
وأكد أن "العراق من جانبه يعرف ان تراجعه عن قرار اغلاق حدوده مع سوريا بمثابة تهور واللعب بالنار، خاصة وان انقرة تراقب من كركوك الى زاخو، فيما اشترطت واشنطن على بغداد لالتزامها بما أعلن عنه الرئيس بايدن الأسبوع الماضي من أنه سيحمي (العراق والاردن واسرائيل) من أي تطورات سلبية في سوريا قد تضر بهم، اشترطت على بغداد ان تلتزم بالتعليمات اذا كانت تنتظر مساعدتها من أي مخاطر محتملة سواء من قبل انقرة أو تل أبيب أو الإرهاب".
وتابع السياسي العراقي المقيم في واشنطن، أنه "حتى الميليشيات يبدو لي أنها تعلمت الدرس واستوعبت التجربة وأصغت لنداء العقل والمنطق الذي أطلقه الوطنيين بمختلف توجهاتهم وخلفياتهم فأخفت سهامها في أكنانها وتلاشت عن الساحة ولو الى حين على امل ان يقنعها القائد العام للقوات المسلحة بالدستور والقانون وفتوى المرجع الاعلى بوجوب تسليم سلاحها الى الدولة وتفكيك تنظيماتها المسلحة والاندماج بمؤسسات الدولة والعمل بمبدأ (العراق أولا)".
لكن رئيس المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية علي الصاحب، يرى في الزيارات المكثفة للمسؤولين الأجانب إلى العاصمة العراقية دلالة على أهمية العراق ودوره المحوري في حل الأزمات التي تشهدها المنطقة والعالم بصورة عامة.
وقال الصاحب لـ "بغداد اليوم" السبت (14 كانون الأول 2024)، إن "العاصمة بغداد شهدت خلال الايام القليلة الماضية زيارات مكثفة لعدد من المسؤولين الأجانب آخرها يوم أمس وزير الخارجية الامريكي وهذا ما يدل على أهمية العراق ويؤكد دوره المحوري في حل الأزمات التي تشهدها المنطقة والعالم بصورة عامة".
وأضاف، أن "العراق اتخذ في الكثير من الازمات التي مرت على المنطقة موقف الحياد وهذا ما عزز دوره الإقليمي والدولي وجعله عنصرا أساسيا في حل الإشكاليات عبر الأطر الدبلوماسية والسياسية ونتوقع أن العراق سيكون فاعلا ومؤثرا في المنطقة والعالم خلال المرحلة المقبلة بعد نجاحاته في العلاقات الخارجية".
وكان وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، قد وصل الى العاصمة بغداد، يوم الجمعة (13 كانون الأول 2024)، في زيارة غير معلنة، التقى خلالها برئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني.
وبحسب المكتب الاعلامي لمكتب رئيس مجلس الوزراء، فأن السوداني شدد خلال اللقاء "على ضرورة تمثيل كل مكونات الشعب السوري في إدارة البلاد لضمان تعزيز استقرارها، كما أكد أنّ العراق ينتظر الأفعال لا الأقوال من القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا".
وأكد السوداني بحسب البيان "ضرورة عدم السماح بالاعتداء على الأراضي السورية، من أي جهة كانت، وشدد على أنّ ذلك يمثل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة".