كييف- لم تكن سنة 2023 بمجملها سهلة على أوكرانيا في ثاني سنوات الحرب الروسية المستمرة عليها منذ فبراير/شباط 2022 وعلى جبهات واسعة عدة، لكن السمة الأبرز لهذا العام كانت تعثر العمليات الأوكرانية المضادة التي حشدت لها كييف شهورا طويلة بمساعدة من تسميهم "الشركاء" الغربيين.

وبحجة تأخر المساعدات كما أكد مسؤولون، تأخر انطلاق هذه العمليات من الربيع -كما كان متوقعا- حتى أوائل يونيو/حزيران الماضي، ولم تستطع كييف استعادة إلا عشرات الكيلومترات المربعة في مواقع متفرقة من مقاطعتي دونيتسك وزاباروجيا جنوب شرق البلاد وهي -عمليا- مواقع لا تزال ساخنة رغم "التحرير" المعلن.

وهكذا، تبين أن الضجة التي أثارتها تلك العمليات قبل بدايتها كانت أكبر بكثير من أثرها على عكس عمليات العام الماضي، التي استعادت بموجبها كييف السيطرة شبه الكاملة على مئات الكيلومترات في مقاطعات خاركيف شرقا، وخيرسون وميكولايف جنوبا.

خبراء يقولون إن الاهتمام الأميركي الأوروبي تحول عن دعم كييف إلى دعم إسرائيل (رويترز) خسائر روسية

ومع ذلك، يرى إيفان ستوباك، الخبير العسكري في "المعهد الأوكراني للمستقبل" والمستشار السابق لشؤون الأمن العسكري في البرلمان الأوكراني، -في حديث مع الجزيرة نت- أن الإنجاز الأكبر الذي تحقق لبلاده يكمن في فشل كل محاولات روسيا الاستحواذ على أراض أوكرانية جديدة.

ويعتبر أن تحول روسيا إلى الدفاع وتقدمها مئات قليلة من الأمتار فقط لا يمكن أن يُحسب كنجاح لها، ولا أنْ يبرر حجم الخسائر التي لحقت بقواتها خلال هذه السنة.

وبحسب بيانات هيئة أركان القوات الأوكرانية، فإن موسكو خسرت نحو 235 ألف جندي خلال 2023، ليتجاوز الرقم حاجز 340 ألف جندي منذ بداية الحرب، لكن روسيا تنفي صحة هذه الأرقام وتشير في بياناتها إلى أرقام كبيرة تخص قتلى الجيش الأوكراني، تنفيها كييف.

ويبدو أن أوكرانيا استعاضت عن إخفاقاتها على الجبهات بتحول نحو قصف واسع ولافت لمواقع حساسة وحيوية في العمق الروسي خلال 2023، من بينها موسكو ومبنى الكرملين.

كما استمرت باستهداف طرق ومواقع لوجستية وقواعد عسكرية تسيطر عليها روسيا في "المقاطعات المحتلة"، بما فيها شبه جزيرة القرم، وخاصة قاعدة الأسطول البحري في سيفاستوبول.

ويقول الخبير إيفان ستوباك إن ذلك يضعف سيطرة موسكو على الأراضي الأوكرانية المحتلة شيئا فشيئا، ويمهد الطريق أمام تحريرها في المستقبل، حتى وإن كان بطيئا في حقيقة مجراه.

وعلى عكس السنة الماضية، تصدرت المُسيّرات الطائرة والمائية مشهد عمليات القصف والاستهداف بين الجانبين خلال 2023، وحلت بديلا من كم كبير من الصواريخ التي كانت تطلقها روسيا.

خلافات سياسية

يعود سبب ذلك -بحسب مراقبين كثر- إلى أن صواريخ موسكو المكلفة قلّت لديها، ولم تعد تصل بسهولة إلى أهدافها في كييف وغيرها من الأماكن، لا سيما بعد أن عززت أوكرانيا قدراتها بمنظومات دفاع جوية متطورة في 2023، أبرزها باتريوت الأميركية وآريس الألمانية.

وتجدر الإشارة إلى أن الدفاعات الجوية التي وُفّرت لأوكرانيا منذ مطلع العام، حتى وإن كانت سلطاتها تطالب بالمزيد، ساهمت -إلى حد كبير- في حماية العاصمة ومدن رئيسية أخرى من القصف الصاروخي الناجح.

كما أنها أمّنت محطات الطاقة وشبكاتها، فلم تشهد البلاد انقطاعا يذكر للكهرباء على نطاق واسع، مثلما حدث في أواخر السنة الماضية.

وعلى خلفية الحرب وإخفاقاتها، تكشفت خلال النصف الثاني من 2023 خلافات كبيرة بين القيادة السياسية والعسكرية في أوكرانيا، خاصة بين الرئيس فولوديمير زيلينسكي، ورئيس هيئة الأركان فاليري زالوجني.

سبب الخلافات، بحسب الخبير ستوباك، هو سوء التقدير والحسابات الإستراتيجية الخاطئة لمسار الحرب، ثم تبادل الاتهامات بين مؤسسات الرئاسة والدفاع التي كان من مؤشراتها إقالة وزير الدفاع، وحديث لا يتوقف عن حتمية إقالة زالوجني أيضا.

وتُضاف إلى ما سبق حقيقة تراجع الحماسة الأميركية الأوروبية في دعم أوكرانيا خلال النصف الثاني من 2023، وتوقعات بأن تتجه الأمور إلى الأسوأ في الفترة المقبلة.

يقول الخبير في مركز "رازومكوف" للدراسات الإستراتيجية، فاسيل بوروشين -للجزيرة نت- إن "حرب روسيا على أوكرانيا أتعبت اقتصاد الغرب أكثر في العام المنقضي، التي أصابت بلدانه الرئيسية خيبة أمل أيضا من تعثر عملياتنا المضادة".

ويضيف أنه "لا يمكن أن نتجاهل أيضا تحول الاهتمام الأميركي الأوروبي عن دعم كييف، نحو دعم إسرائيل في حربها على قطاع غزة".

"انتعاش وإنجازات"

ورغم أن أنين اقتصاد أوكرانيا مستمر بسبب الحرب، واقترب عجز ميزانيتها من 40 مليار دولار في هذا العام بنحو نصف الميزانية، إلا أن حكومتها تتحدث عن "انتعاش وإنجازات" تحققت.

وقال رئيس الوزراء، دينيس شميهال، إن الناتج المحلي نما خلال 2023 بنسبة 3%، بعد أن هوى بنسبة قاربت 29% في السنة الماضية، وأشار إلى أن نسب التضخم تراجعت إلى حدود 8 و9% بعد أن وصلت إلى 26.6% في 2022.

وبالفعل، عززت العملة الوطنية "هريفنيا" قيمتها أمام الدولار، ليتراجع سعر صرفه من نحو 42 إلى حوالي 37.3 هريفنيا، لكن كثيرا من العامة يشككون بأرقام النمو والتضخم المعلنة، ويشكون تضاعف أسعار الخدمات الخاصة، وانتشار الغلاء في المحال والأسواق.

وأمام كل ما سبق، يفخر المسؤولون الأوكرانيون بزيارات ولقاءات واتصالات مكوكية مع القادة الأوروبيين انتهى بها العام، عنوانها بدء مفاوضات العضوية في الاتحاد الأوروبي.

ويؤكد المسؤولون أن الموقف الأوروبي وصل حد "الإجماع" على أهمية عضوية أوكرانيا بعد وفائها وتطبيقها كثيرا من الشروط والمعايير، بغض النظر عن ظروف الحرب، ومعارضة دولة المجر لهذا الأمر.

ويقول الخبير بوريشين، "يجب أن نعي أن قرار العضوية، سواء في الاتحاد الأوروبي أو حتى في حلف الناتو، سيكون سياسيا بالدرجة الأولى، مبنيا على حاجة الدول الأعضاء وحتى حجم استثمارها في دعم أوكرانيا الذي لم يكن قليلا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: خلال 2023

إقرأ أيضاً:

روسيا تعلّق على محاولة اغتيال ترامب.. و"صلة أوكرانيا"

قال الكرملين، الإثنين، إن ما قيل عن أن المشتبه به في محاولة اغتيال المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب له صلات بأوكرانيا يظهر أن "اللعب بالنار" له تبعات وعواقب.

ولدى سؤاله عما وصفها مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي بأنها محاولة فيما يبدو لاغتيال ترامب، قال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين: "ليس نحن من يجب علينا التفكير في ذلك بل أجهزة المخابرات الأميركية. على أي حال اللعب بالنار له عواقب".

وبدا أن التعليق يشير إلى دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا ضد روسيا.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" وقناة "فوكس نيوز" وشبكة "سي.إن.إن" نقلا عن مسؤولين في إنفاذ القانون أن المشتبه به يدعى رايان ويسليروث (58 عاما) من هاواي.

واحتوت حسابات شخصية على وسائل للتواصل الاجتماعي تحمل اسم روث على منشورات دعم واضح لأوكرانيا في حربها ضد روسيا.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنها أجرت مقابلة مع روث العام الماضي في إطار مقال عن الأميركيين الذين يتطوعون لمساعدة المجهود الحربي لأوكرانيا.

وقال للصحيفة إنه سافر إلى أوكرانيا وقضى فيها عدة أشهر في 2022 وكان يحاول تجنيد بعض الجنود الأفغان ممن فروا من حكم حركة طالبان في بلادهم للقتال في أوكرانيا.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ندّد بالحادث، وقال إن العنف السياسي ليس له مكان على الإطلاق.

وذكر زيلينسكي على منصة "إكس": "يسرني أن أسمع أن دونالد ترامب بخير ولم يصب بأذى. أطيب تمنياتي له ولأسرته".

ونجا المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية مما وصفها مكتب التحقيقات الاتحادي بأنها محاولة اغتيال ثانية، وتأكدت سلامته الإثنين، بعد أن رصد أفراد جهاز الخدمة السرية مسلحا قرب ملعب ترامب للغولف في ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا وأطلقوا النار عليه أمس الأحد.

مقالات مشابهة

  • ترامب: كان من الممكن أن نصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن أوكرانيا
  • مراسل «القاهرة الإخبارية»: أوكرانيا تخطط لضرب 30 مطارا عسكريا في روسيا
  • الناتو يترك للدول الأعضاء حرية اتخاذ القرار حول استخدام أوكرانيا للصواريخ بعيدة المدى ضد روسيا
  • روسيا: استهداف منشآت الطاقة الأوكرانية التابعة لنظام كييف
  • روسيا تعلن عن تدمير معاقل قوات كييف في كورسك
  • روسيا ترفع عدد قوات الجيش للمرة الثالثة خلال الحرب على أوكرانيا.. كم وصل؟
  • روسيا تعلّق على محاولة اغتيال ترامب.. و"صلة أوكرانيا"
  • أوكرانيا تحبط هجمات روسية في سماء كييف
  • بوريل: تقييد كييف بعدم ضرب عمق روسيا يزعزع الثقة في الاتحاد الأوروبي
  • روسيا تعلن القضاء على ٢٢١٥ أوكرانيا خلال ٢٤ ساعة.. تفاصيل