سواليف:
2025-03-31@04:17:33 GMT

باب السياسة الموصد في غزة

تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT

#باب_السياسة #الموصد في #غزة – د. #منذر_الحوارات

بالحرب نشأت وعلى الحرب تعيش، هذا هو واقع الحال بالنسبة لإسرائيل فمنذ اليوم الأول لنشأتها وقبل ذلك بكثير كان طريقها الوحيد إلى الوجود هو السلاح والإرهاب وقتل الخصوم ومحاولة تدميرهم وتهجيرهم، وهذا يتكرر بعد الحدث العظيم في السابع من أكتوبر، والذي زعزع ثقة الدولة ببقائها وزعزع قناعتها بأن كل خططها السابقة في تدجين الفلسطينيين وزرع روح الاستسلام فيهم قد باءت جميعها بالفشل الذريع، لذلك كان قرارهم حاسماً بأنهم أمام خطر وجودي لا يحتمل التردد في مواجهة الخيارات المعقدة وكانت تتلخص إستراتيجيا بضرورة استعادة الهيبة وقوة الردع اللتين خسرتهما في لحظات.

هذا الطموح والهدف الكبير والذي لُخص في ثلاثة محاور رئيسة أولها القضاء على حماس والثاني تحرير الرهائن والثالث إيقاف الخطر القادم من غزة، لكن دون هذه الأهداف عقبات تكاد تكون مستحيلة، في مقدمتها قوة حماس المتمثلة في مقدرتها السحرية على الاختفاء من أمام أعين الأعداء مما يعطيها فرصة ذهبية للهجوم من مسافة صفر والاختفاء عن الأعين بسرعة البرق تحت الأرض بشبكة معقدة من الأنفاق المتشابكة، العقبة الكأداء الثانية هي ردع المدينة حيث كانت غزة القطاع والمدينة لغزاً محيراً لصناع القرار العسكري في دولة الاحتلال، فقد كانت أقبيتها وحواريها وتركيبتها السكانية المتعاضدة عنصر ردع كبيرا لقوات الاحتلال، لهذا السبب رأينا قوات الاحتلال الجوية تقوم بحملة تدمير لكل شيء يمت بصلة للحياة في المدينة، وطبقت فيها ما يعرف بطريقة جز العشب أملاً منها في أن تتخلص من الحاضنة الاجتماعية لحماس وتجعلها تثور عليها أو تهاجر خارج القطاع، وبالتالي تخسر حماس هذا العنصر، وهذا لم يحدث وليس من الواضح أنه سيحدث إذ أبدى الغزيون صموداً منقطع النظير، أما العقبة المهمة الأخرى فهي الرهائن المحتجزون لدى حماس، صحيح أن نتنياهو حاول التخلص من هذه الورقة بيد حماس باستخدام بروتوكول هنيبال، لكن وجود رهائن مزدوجي الجنسية حال دون رغبته هذه، إذ سرعان ما عادت هذه الورقة واحدة من أهم المؤثرات في اتخاذ القرارات العسكرية، وأصبحت مصدر أرق لحكومة الحرب الإسرائيلية.

لا تستطيع دولة الاحتلال الادعاء بعد شهرين ونصف من التدمير أنها حققت أيا من أهدافها المعلنة، رغم أنها تُصر صباح مساء أن الحرب مستمرة حتى تحقيق تلك الأهداف التي تأبى التحقق وحتى الهدف المخفي حيناً والمعلن أحياناً بتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم لا يتحقق ولا يبدو أنه قابل للتحقيق بسبب مقدرة الغزيين المذهلة على فهم الأهداف الإستراتيجية لعدوهم، ورغم أن إسرائيل تتمتع بغطاء عسكري وسياسي كامل من قبل الولايات المتحدة والعالم الغربي، بينما حماس في العراء السياسي، بل تخلى عنها محورها الذي اعتمدت عليه سابقاً، وهي الآن لا تعتمد على شيء سوى قدرتها على البقاء في ساحة المعركة ومناجزة العدو بينما كل الغطاءات السياسية أصبحت خاوية بلا قيمة، هذا الوضع يجعل حماس تستميت في الدفاع عن حقها في البقاء كفصيل فلسطيني يقاتل لأجل حرية شعبه لا كمنظمة إرهابية كما تريد إسرائيل وأميركا لصق هذه التهمة بها.
لكن الملفت للنظر والمثير للدهشة أنه برغم فشل القوة الإسرائيلية في تحقيق أهدافها على الأرض، إلا أن نتنياهو يتصرف ويضع الشروط كمنتصر بدون مبرر واضح، اللهم إلا إذا اعتبر أن تدمير مدينة وقتل سكانها، وجلهم من الأطفال والنساء، وتهجيرهم انتصار، يكون فعلاً من هذا المنظور قد حقق انتصاراً مؤزراً وهذه شيم الجبناء، لقد عاد من جديد يرفض كل الحلول السابقة وينكر على الفلسطينيين حقهم السيادي في إقامة دولتهم ويرفض بملء فيه حل الدولتين ويتنصل من أوسلو وكل الاتفاقات السابقة، لقد قرر فجأة أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء خمسة وثلاثين عاما، إلى الحكم المباشر للفلسطينيين وربما يعيده عقله المصاب بلوثة الحكم إلى صيغة الأرض الخالية كي يبرر لنفسه البقاء السياسي، فالبحث عن انتصار وإن كان وهمياً جعله يوصد كل الأبواب المؤدية إلى الحلول، ويحاول بكل وسيلة إطالة أمد الحرب بل ولا ضير من توسيعها إذا كان بالمستطاع، لأن كل يوم حرب إضافي هو يوم للبقاء، وكل قطرة دم فلسطينية هي أكسير لحياته السياسية، وكل بيت مهدم وشارع مكسر ومستشفى مدمّر هي الشرايين التي تمده بطاقة البقاء، لأن هذه كلها هي الوسائل التي تضخ الشعبية وتفتح طريق البقاء لأي سياسي إسرائيلي، لكن الواقع على الأرض يشير إلى أن كل هذا الصلف الإسرائيلي في طريقه للانكسار، وهذا الأمر ليس ببعيد.

مقالات ذات صلة في إصلاح التعليم .. التعليم بالبهجة والسعادة! 2023/12/18

الغد

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: غزة

إقرأ أيضاً:

تعقيدات الخطوة المقبلة من هدنة غزة

تقف مصر حائرة أمام الخطوة المقبلة من الهدنة المنتظرة في قطاع غزة، بعد أن نشرت وكالات أنباء دولية معلومات عن مقترح جديد قدمته القاهرة للخروج من الطريق المغلق الذي فرضته إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة، وكلتاهما لم تتعامل مع المقترح حتى الآن بطريقة واعدة، وجاء رد حركة حماس فضفاضاً ومشيراً إلى التعاطي مع أي خطوة تقود إلى وقف الحرب.

يحتاج المقترح المصري إلى حملة علاقات عامة دولية ومساندة عربية واضحة، ومع أنه لم يتم الإعلان عن محتواه كاملاً، إلا أن فحواه تؤدي إلى الإفراج عن جميع الأسرى لدى حماس تدريجياً، وفقاً لجدول زمني محدد تلتزم به، ينتهي بوقف طويل لإطلاق النار وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة، وابتعاد حماس عن إدارة القطاع وتمكين السلطة الفلسطينية من ممارسة دورها.

ويتقاطع المقترح المصري في بعض جوانبه مع مقترح سابق قدمه المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، ولم يكتب له النجاح لأنه جاء مبتورا وبلا أفق سياسي يربطه بصفقة تبادل الأسرى السابقة ومراحلها الثلاث ولم ينفذ منها سوى المرحلة الأولى، وتجاهل وقف الحرب وخروج قوات الاحتلال.

تعلم القاهرة أنه لا فرق كبيراً في المردود النهائي بين إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب وسلفه جو بايدن ولم تكن نسخة الأخير أفضل حالاً من سابقه، ويكمن الفرق في أن ترامب مستعجل ويهدد كالعادة، بينما بايدن كان يمرر كلاماً ناعماً ممتداً وغير مؤثر أو حاسم، لذلك فالمقترح المصري المتداول والقائم على الإفراج عن خمسة أسرى كل أسبوع راعى هذه المسألة وسعى ليكون عملياً عبر نظرة شمولية أكبر.

ولا أحد في المنطقة العربية يريد وقفاً مؤقتاً جديداً لإطلاق النار في غياب أي أفق سياسي وأمني، وهو ما عملت على تضمينه القاهرة، بمساندة بعض الدول العربية.

المشكلة في التعقيدات التي تكتنف الخطوة المقبلة من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل وحماس. فواشنطن في استعجال وتريد أن ترى طحيناً سريعاً في غزة، يتماشى مع مزاج الرئيس دونالد ترامب الذي ينحاز إلى رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتانياهو، ويسعى لرؤية غزة أخرى، بصيغة اقتصادية جيدة، تفتح مجالاً استثمارياً له.

ولن يتحقق هذا الهدف مع وجود مقاومة فلسطينية واحتكاكات إسرائيلية يومية تتحول إلى حروب على فترات متقاربة. ولن يحدث دون التوصل إلى وقف طويل لإطلاق النار، وتمهيد الطريق نحو حل نهائي للقضية الفلسطينية، وهو ما يصبو إليه مقترح القاهرة الذي يلتقي في نهاية المطاف مع الخطة المصرية التي أقرتها القمة العربية الطارئة لإعادة إعمار غزة في الرابع من مارس الجاري، الأمر الذي فهمته إسرائيل، وجعلها لا تبدي ترحيباً به أو تقبل بالتعاطي معه بجدية سياسية.

يهرب نتانياهو إلى الحرب من أجل حل جزء معتبر من التناقضات الداخلية في حكومته، ونجح في تمرير الموازنة المالية بسهولة يوم الثلاثاء بعد أن أعاد وزير الشؤون الأمنية السابق إيتمار بن غفير إلى الحكومة، الذي اشترط استئناف الحرب على غزة، والتي تحقق لنتانياهو أيضا جملة من الأهداف، أبرزها التغطية على صدامه مع رئيس الشاباك المقال، والمستشارة القضائية لحكومته المقالة أيضا، وتأكيد أن الحرب هي الأداة الوحيدة لإعادة الأسرى، فضلاً عن الشروع في تنفيذ مخطط التهجير بعد إنشاء إدارة خاصة للمغادرين من الفلسطينيين ملحقة بوزارة الدفاع.

يصعب أن يتحقق كل ذلك إذا تم القبول بهدنة أو وقف طويل لإطلاق النار، وهو ما تعلمه مصر عندما طرحت مقترحاً، أرادت منه العودة إلى المفاوضات، ومنح زخم للشق السياسي حول غزة على حساب العسكري، وجر الإدارة الأمريكية إلى ما يدور في المنطقة عقب انهماكها في مفاوضات روسيا وأوكرانيا، ووضع الحرب على القطاع في بؤرة الضوء، لأن كثرة الأزمات وتفريعاتها ينسي بعضها بعضا.

بالنسبة لحماس، أبدت مرونة في التخلي عن إدارة قطاع غزة وهي تفهم أن المطلوب منها إطلاق الأسرى دفعة واحدة والتعهد بنزع سلاحها تماماً، وهي مشكلة سياسية أكثر منها عسكرية، فالمرونة التي أبدتها الحركة بشأن الإدارة ملتبسة، حيث تخرج تصريحات من بعض قادتها تفيد بالتراجع عنها ونزع السلاح، وتعلم إسرائيل والعالم كله أن حماس بلا معدات عسكرية تمكنها من القيام بتهديد حقيقي لأي جهة.

والدليل أن قوات الاحتلال عادت إلى غزة في غضون ساعات قليلة بلا مقاومة، والهدف معنوي لدى حركة تريد القول إن حرب إسرائيل لم تكسر ظهرها، وسياسي لدى نتانياهو الذي يريد القول إن حماس استسلمت تحت الضغط العسكري ولا سبيل سواه للتعامل مع الفلسطينيين ما يشي بأن المقترح المصري يتم وأده قبل إعلانه رسميا.

قُذف بالمقترح وسط أمواج متلاطمة كنوع من جس النبض، وعلى أمل أن يجد كفكرة دعما أو قبولا من الأطراف المعنية فيتم تعديل بعض جوانبه، لكن المشكلة التي تواجهه ذات أبعاد معقدة، ويصعب تفكيكها ما لم يحدث تحول جوهري في أدبيات الصراع الراهن، كأن يتسع نطاق المظاهرات في إسرائيل وتسقط حكومة نتانياهو، أو يمارس الرئيس الأمريكي ضغطا عليه يجبره على التعامل مع المقترح المصري، أو تقدم حماس تنازلات غير مسبوقة إذا اشتدت تظاهرات غزة بما يفوق قدرتها على الاحتواء.

ومن غير المتوقع التعويل على حدوث أي من هذه المحددات بمستوياتها المختلفة، ما يجعل المقترح المصري مجمدا، وقد تنحصر أهميته في محاولة سد جزء مؤقت من فراغ سياسي ملأته إسرائيل بزيادة درجات القوة العسكرية، وسوف تزداد اتساعا مع بطء أو إهمال الإدارة الأمريكية لما يجري في غزة، وطالما تمضي خطة نتانياهو في الحرب بلا مفاجآت ستكون الأبواب مغلقة أمام الاجتهادات الساعية لوقفها، حيث وصل الموقف العام إلى ذروته، ويحتاج إلى استدارة نوعية كبيرة من إحدى الجهات الثلاث المؤثرة بقوة في المشهد، أي إسرائيل وحماس والولايات المتحدة.

قبل أن تقدم مصر مقترحها، من المؤكد أنها استطلعت رأي هذه الجهات، ولو لم تجد قبولا نسبيا لما طرحته أصلا، وأكد ظهوره بشكل غير رسمي وجود عقبات أو ممانعات أمام نجاحه، ويشير تمريره إلى وسائل الإعلام إلى أن القاهرة تواصل دورها السياسي وسط كل هذا الانسداد، وأن هناك نافذة يمكن الولوج منها إلى هدنة، مؤقتة أو طويلة.

وإذا وجد هذا المقترح تعقيدات، فإن مقترحا ثانيا وثالثا قد يجد فرصة لتجاوزها، فمن الصعوبة أن يظل الانسداد معلقا لأجل غير مسمى ويدفع فلسطينيو غزة ثمنا باهظا.

مقالات مشابهة

  • حماس توافق على مقترح بالتهدئة.. وإسرائيل تقدم بديلا
  • كيف علق البرغوثي على التظاهرات في غزة ؟
  • هل تؤسس ثورة غزة ضد حماس للسلام؟
  • عيد الفطر في مصر.. بين طقوس الاحتفال ومعادلات السياسة والمجتمع
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تستأنف الحرب حتى النهاية ولن تتوقف
  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل ستواصل الحرب حتى النهاية ولن تتوقف
  • حماس: المحادثات مع الوسطاء تتكثف لإنهاء حرب غزة
  • إعادة إعمار غزة..مصير مجهول وسط الدمار والأزمات
  • حماس: نأمل أن تشهد الأيام القليلة القادمة انفراجة حقيقية في مشهد الحرب
  • تعقيدات الخطوة المقبلة من هدنة غزة