الهجمات العسكرية في باب المندب تُهدد حركة التجارة البحرية.. وتوقعات بارتفاع تكلفة الشحن والتأمين على السفن
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
◄ الريامي لـ"الرؤية": "تأثير محدود" للتطورات العسكرية في باب المندب على مبيعات النفط الخليجي
◄ قناة السويس المصرية تنفي أي تأثير "حتى الآن" على حركة مرور السفن
◄ عشرات السفن حوّلت مسارها إلى رأس الرجاء الصالح بدلًا من قناة السويس
◄ 5 ملايين برميل من النفط الخليجي تمر عبر قناة السويس يوميًا
◄ توقعات بارتفاع أسعار المواد الأساسية غير النفطية خلال الفترة المُقبلة
الرؤية- مريم البادية
مع تصاعد الهجمات العسكرية في باب المندب ومنطقة البحر الأحمر، تتزايد المخاوف من تضرر حركة الملاحة العالمية، لا سيما مع استهداف العمليات العسكرية لسفن وناقلات تحمل النفط والغاز، الأمر الذي ينذر بعواقب سلبية على صادرات النفط الخليجية.
وتباينت آراء الخبراء حول مدى الضرر الذي قد يلحق باقتصادات الدول المصدرة للنفط جراء هذه التداعيات. وأعلن عدد من شركات الملاحة البحرية العالمية وقف مرور سفنها وناقلاتها عبر البحر الأحمر لتفادي احتمالية تعرضها لأي هجمات في مضيق باب المندب؛ حيث قالت شركة إنفنتور كيميكال تانكرز النرويجية المالكة لناقلة الكيماويات سوان أتلانتيك إن الناقلة أصيبت "بجسم" غير محدد خلال هجوم تعرضت له في البحر الأحمر أمس الإثنين، دون أن يسفر الحادث عن إصابة أحد من أفراد الطاقم.
قرارات شركات الملاحة
وأعلنت شركة بريتش بتروليوم، أمس الإثنين أنها علقت جميع عمليات النقل عبر البحر الأحمر مؤقتا بعد الهجمات التي شنتها القوات اليمنية التي تسيطر عليها جماعة "أنصار الله" (الحوثيين). وأضافت الشركة في بيان "سلامة وأمن موظفينا وأولئك الذين يعملون نيابة عنَّا تمثل أولوية لشركة بريتش بتروليوم". وتابع البيان: "في ضوء تدهور الوضع الأمني للشحن في البحر الأحمر قررت شركة بريتش بتروليوم تعليق جميع عمليات المرور عبر البحر الأحمر مؤقتًا".
أما شركة شحن الحاويات التايوانية إيفرجرين فقد أعلنت كذلك أمس أنها قررت التوقف مؤقتًا عن قبول البضائع الإسرائيلية بأثر فوري وأصدرت تعليمات لسفن الحاويات التابعة لها بتعليق الملاحة عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر. وأضافت إيفرجرين أن السفن الموجودة في الخدمات الإقليمية لموانئ البحر الأحمر ستبحر إلى المياه الآمنة القريبة وتنتظر إشعارا آخر، بينما سيتم إعادة توجيه سفن الحاويات التي من المقرر أن تمر عبر البحر الأحمر حول رأس الرجاء الصالح لمواصلة رحلاتها إلى الموانئ.
وإلى جانب ذلك، أعلن عدد من الشركات خلال الأيام القليلة الماضية، أنها تدرس أو قررت قرار إيقاف الشحن مؤقًتا عبر البحر الأحمر، حيث قالت مجموعة الشحن الفرنسية "سي إم.إيه- سي.جي.إم" إنها أوقفت مؤقتا جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر في أعقاب الهجمات على السفن التجارية في المنطقة. وقالت شركة شحن الحاويات الألمانية "هاباغ لويد" إنها تدرس ما إذا كانت ستوقف الإبحار عبر البحر الأحمر بعد ساعات من الإبلاغ عن تعرض إحدى سفنها لهجوم.
وقالت شركة "إيه.بي مولرميرسك " الدنمركية إنها ستوقف جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر وذلك في أعقاب "حادث وشيك" تعرضت له سفينتها ميرسك جبل طارق. وقالت الشركة إن السفينة استُهدفت بصاروخ أثناء سفرها من صلالة بسلطنة عمان إلى جدة بالمملكة السعودية.
قناة السويس
وفيما يبدو أن قناة السويس المصرية قد تكون المتضرر الأكبر في حال لجوء شركات الشحن لسلوك طريق رأس الرجاء الصالح وعدم المرور من قناة السويس، رغم التكلفة المالية المرتفعة وزيادة الفترة الزمنية التي تستغرقها السفن للوصول إلى البحر المتوسط وأوروبا والأمريكيتين. غير أن الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس المصرية، قال في تصريحات إنَّ حركة الملاحة بالقناة لم تتأثر بالأحداث الجارية في البحر الأحمر، مؤكدًا انتظام الحركة في المجرى الملاحي الحيوي، وأنه يجري متابعة حركة الملاحة البحرية بالقناة والتوترات الموجودة الآن ونسبة تأثيرها على القناة. وأضاف المسؤول المصري أن هناك حوالي 55 سفينة مرت من رأس الرجاء الصالح خلال الفترة من 19 نوفمبر إلى 17 ديسمبر من إجمالي 2128 سفينة عبرت القناة، موضحًا أن المتوسط الخاص بالقناة مرور حوالي 72 إلى 74 سفينة في اليوم، لافتًا إلى أن القناة توفر على السفن من 9 إلى 14 يومًا بالمقارنة مع طريق رأس الرجاء الصالح؛ الأمر الذي يُقلل من التكلفة على السفن ووصول البضائع بصورة أسرع. وأوضح رئيس هيئة قناة السويس أن "قرار تحويل المسار ليس سهلًا"، ويستغرق وقتًا لنقل البضائع.
وقناة السويس المصرية أقصر ممر مائي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وتختصر المسار التجاري البحري بين كل من أوروبا وآسيا دون الحاجة إلى اتخاذ طريق أطول حول القارة الأفريقية. وتمر نحو 10% من تجارة النفط، و8% من تجارة الغاز المسال عبر قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام القادم من منطقة الخليج، وفقًا لبيانات وكالة "بلومبيرج" الأمريكية. كما يمر نحو 30% من حاويات الشحن في العالم يوميًا عبر قناة السويس- البالغ طولها 193 كيلومترًا- ونحو 12% من إجمالي التجارة العالمية من جميع السلع. وتصل حصة البضائع القادمة من جنوب القناة- العابرة من مضيق باب المندب- نحو 47% من حجم البضائع العابرة بقناة السويس، بحسب إحصاءات هيئة قناة السويس. فضلًا عن ذلك، تمر نحو 98% من البضائع والسفن القادمة من جنوب قناة السويس في مصر من خلال مضيق باب المندب باليمن.
تأثيرات محدودة
الخبير في أسواق الطاقة علي الريامي تحدث لـ"الرؤية" للتعقيب على هذه القضية؛ حيث قال إن معظم صادرات النفط والغاز تُنقل عبر السفن البحرية، ولذلك فإن أي إشكاليات في الملاحة الدولية تؤثر مباشرة على عمليات نقل النفط والغاز؛ مما يُنذر بمشاكل مُحتملة في الإمدادات العالمية. غير أنه أشار إلى أن النفط والغاز ليس القطاع الوحيد الذي سيتأثر بأي اضطراب في الملاحة البحرية، ولكن أيضا حركة البواخر والتجارة وغيرها.
ويرى الريامي أن هذه الاضطرابات القائمة حاليًا تقتصر على منطقة باب المندب، لذا يستبعد الخبير في أسواق الطاقة أن يكون هناك "أي نوع من المشاكل في الملاحة الدولية"، وأضاف: "لا أتوقع أن يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك".
وفيما يتعلق بصادرات النفط الخليجية، أوضح الريامي أن المنتجين الخليجيين لا يستخدمون الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر وباب المندب بشكل كبير، غير أنه كشف أن حجم النفط الذي يمر عبر باب المندب إلى قناة السويس ومن ثمَّ إلى أسواق أوروبا، يترواح بين 4- 5 ملايين برميل في اليوم، من إجمالي 100 مليون برميل تنتقل بين دول العالم يوميًا. وقال إن هذه الكمية ليست كبيرة، ولذلك يرى أن الأثر المحتمل "سيكون محدودًا بشكل أو آخر". لكن الريامي شدد على الأهمية اللوجستية لهذا الممر البحري لأنه يمثل منفذًا مُهمًا للدول الآوربية ودول البحر المتوسط التي تشتري النفط الخليجي عبر قناة السويس، وقبل ذلك قادمًا من باب المندب.
وأوضح الريامي أن التأثير الأكبر سينعكس على أسعار السفن وخدمات الشحن، لا سيما ناقلات النفط والغاز، التي تسلك مسار باب المندب ثم قناة السويس؛ حيث من المتوقع أن ترتفع تكلفة النقل وكذلك التأمين على هذه السفن. واعتبر في الوقت نفسه أن إمدادات النفط العالمية قد تتفادى العبور من باب المندب، لسلوك مسارات ملاحية أخرى مثل طريق رأس الرجاء الصالح، رغم أنه تطيل أمد الرحلة البحرية لعدة أيام.
وأبرز الريامي جانبًا من تداعيات الوضع في باب المندب؛ حيث يوضح أن قرارات عدد من الشركات بوقف مرور سفنها من مضيق باب المندب سيُحدث أضرارًا اقتصادية كبيرة، منها ارتفاع أسعار المواد الأساسية غير النفطية، وهو أمر متوقع خلال الأيام المقبلة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تقلبات النفط تحت ضغط التوترات التجارية وزيادة الإنتاج .. وتوقعات بتراجع الأسعار حتى 2026
خلال الربع الأول
- متوسط خام نفط عُمان يتجاوز 75 دولارًا .. والإنتاج 987 ألف برميل يوميًا
- تراجع النفط في أبريل لأدنى مستوياته منذ 2021 وانخفض 11% مقارنة مع بداية العام
بعد استقرار ملموس في أسعار النفط خلال الفترة من عام 2022 إلى نهاية الربع الأول من العام الجاري، سيطرت حالة عدم اليقين على سوق النفط العالمية خلال أبريل الجاري، تحت تأثير تصاعد التوترات التجارية وفرض الرسوم الجمركية الأمريكية ومخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وتراجع حجم الطلب على النفط، كما تزامن تصاعد التوتر التجاري مع قرار مجموعة أوبك بلس ببدء تخفيف القيود على الإنتاج، الذي تضمن زيادة للإنتاج فاقت التوقعات.
وتشير الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن متوسط سعر خام نفط عُمان سجل 75.3 دولار للبرميل خلال الفترة من يناير إلى مارس من العام الجاري، مقارنة مع حوالي 80 دولارًا للبرميل خلال الفترة نفسها من عام 2024، وبلغ إجمالي الإنتاج 88.8 مليون برميل بمتوسط إنتاج يومي 987 ألف برميل، مع حجم صادرات يقترب من 75 مليون برميل خلال الربع الأول من العام الجاري.
وأدت المتغيرات الدولية الأخيرة إلى تراجع أسعار النفط في بداية أبريل الجاري إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2021، قبل أن تعاود الأسعار التعافي نسبيًا خلال الأسبوع الجاري، لكنها تبقى منخفضة بنسبة نحو 11 بالمائة مقارنة مع مستوى الأسعار في بداية العام.
ونظرًا للمتغيرات الحالية، تم خفض توقعات أسعار النفط العالمية خلال العام الجاري والعام المقبل، حيث أشارت وكالة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية جديدة، وتسريع مجموعة أوبك بلس لزيادة الإنتاج، يرفع احتمالية ارتفاع مخزونات النفط العالمية، وقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على أسعار النفط، ونتيجة لذلك، خفضت توقعاتها لسعر خام برنت الفوري بمقدار 6 دولارات للبرميل في عام 2025، و7 دولارات للبرميل في عام 2026، مقارنة بتوقعاتها الصادرة خلال شهر مارس الماضي، وتتوقع الوكالة أن يبلغ متوسط سعر برنت 68 دولارًا للبرميل هذا العام، و61 دولارًا للبرميل العام المقبل، كما اعتبر صندوق النقد الدولي في تقريره حول آفاق الاقتصاد العالمي الصادر خلال أبريل الجاري، أن تأثير النزاعات التجارية قد يقود لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وخفض الطلب على الطاقة، مرجحًا أن يصل متوسط سعر النفط إلى 66.9 دولار للبرميل في عام 2025، متراجعًا بنسبة 15.5 بالمائة عن العام السابق، وخفّض بنك جولدمان ساكس توقعاته لأسعار النفط لعام 2025 بنسبة 5.5 بالمائة لخام برنت، نظرًا لقرار أوبك بلس برفع الإنتاج في مايو، وفرض الرسوم الجمركية، متوقعًا أن يبلغ متوسط سعر خام برنت 69 دولارًا للبرميل بنهاية عام 2025، وأن يواصل التراجع إلى 62 دولارًا للبرميل في عام 2026، واعتبر البنك أن الخطر الأكبر على أسعار النفط يتمثل في مخاوف الركود، مع توقعه درجة أقل من التأثير نتيجة ارتفاع الإنتاج من قبل مجموعة دول أوبك بلس.
ومن جانبها، أوضحت وكالة الطاقة الدولية أنه على المدى القصير قد يشهد الطلب على النفط تراجعًا بسبب تباطؤ الاقتصاد في الصين وزيادة حجم الإمدادات، وبشكل عام سيواصل الطلب على النفط التباطؤ بشكل كبير في السنوات المقبلة مع التحول العالمي نحو السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، ورجحت الوكالة أن المعروض العالمي من النفط قد يتجاوز الطلب بنحو 600 ألف برميل يوميًا هذا العام، وقد يزيد الفائض بمقدار 400 ألف برميل يوميًا مع تسريع مجموعة أوبك بلس الإلغاء التدريجي لتخفيضات الإنتاج، وأشارت الوكالة في تقريرها لشهر أبريل إلى أنه بعد فترة من الهدوء النسبي، شهدت أسواق النفط العالمية تقلبات حادة جراء إعلان الرسوم الجمركية التجارية في بداية أبريل الجاري، حيث هبطت أسعار النفط الخام القياسية إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات، وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت بأكثر من 15 دولارًا للبرميل، لتصل إلى أقل من 60 دولارًا للبرميل، لكنها عاودت الارتفاع بعد تأجيل تطبيق بعض الرسوم الجمركية وبدء مفاوضات حول الرسوم الجمركية.
وفي حين تم إعفاء واردات النفط والغاز والمنتجات النفطية المكررة من الرسوم الجمركية التي أعلنتها الولايات المتحدة، إلا أن المخاوف تظل من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى عودة التضخم للتفاقم وإبطاء النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي التأثير سلبًا على أسعار النفط، وستكون التطورات مرتبطة بالمسار الذي تتخذه المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة والعديد من الدول حول الرسوم الجمركية، كما أن زيادة الإمدادات أو توازنها يبقى مرتبطًا بقرارات مجموعة أوبك بلس ورؤيتها للمستويات الملائمة من الإنتاج. وبينما كان تسريع زيادة الإنتاج أحد العوامل التي أسهمت في تراجع أسعار النفط، إلا أنه يمكن النظر لتوقيت القرار في ضوء ظروف وعوامل متعددة قادت لتفضيل مجموعة أوبك بلس هذا التوقيت لبدء زيادة الإنتاج، فقد حققت سياسات أوبك بلس نجاحًا في الحفاظ على استقرار الأسعار والسوق النفطية خلال السنوات الثلاث الماضية، وجاء قرارها بزيادة الإنتاج بعد تأجيل بدء تخفيف القيود على الإنتاج عدة مرات خلال العام الماضي، ولذلك تضمّن قرار أوبك بلس المضي قدمًا في خطة رفع إنتاج النفط بزيادته بمقدار 411 ألف برميل يوميًا في مايو، لكن المجموعة أكدت دائمًا التزامها بالحفاظ على مستويات سعرية للنفط مواتية للمنتجين والمستهلكين، وأنها ستواصل سياستها في تحديد مستويات الإنتاج وفق التطورات الاقتصادية العالمية والمتغيرات في السوق النفطية.
من جانب آخر، فإن زيادة الإنتاج من قبل أوبك بلس يمكن ألا تؤدي فعليًا لزيادة ملموسة في حجم الإمدادات في حال التزام المنتجين بالحصص المتفق عليها، وأيضًا في حال عدم ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ويُعد الانخفاض الكبير في أسعار النفط مؤثرًا على إنتاج النفط الصخري، حيث ترى الشركات المنتجة أن تحقيق جدوى من الإنتاج يتطلب أن يكون متوسط سعر البرميل 65 دولارًا أمريكيًا.