بعد التوقعات بحدوث ركود.. الاقتصاد الأميركي في طريقه للخروج من الأزمة
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير الاثنين أن الاقتصاد الأميركي يُنهي العام الجاري في وضع أفضل بشكل ملحوظ، متجاوزا كل التوقعات المتشائمة.
وأشاد الاحتياطي الفدرالي الأميركي بتباطؤ التضخم في الولايات المتحدة، وأبقى معدلات الفائدة بين 5.25 و5.5 بالمئة في اجتماعه الأخير للعام الجاري، رغم أن المعركة في مواجهة ارتفاع الأسعار لم تحسم بعد، وفقا لوكالة "فرانس برس".
ووفقا للصحيفة، انخفض معدل التضخم إلى 3.1% بعد أن كان 9.1%. ويبلغ معدل البطالة 3.7%، ونما الاقتصاد بوتيرة جيدة في الربع الأخير. ومن المحتمل أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي قد انتهى من رفع أسعار الفائدة ويتطلع إلى إجراء تخفيضات في العام المقبل.
كما وصلت الأسواق المالية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق أو بالقرب منها، ومن الممكن أن يسجل مؤشر "ستاندرد آند بورز" 500 رقماً قياسياً جديداً أيضاً، الأسبوع الجاري.
وأكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم بأول، في مؤتمر صحفي، أن "التضخم انخفض منذ بلوغه الذروة بدون زيادة ملحوظة في البطالة. إنها أخبار جيدة للغاية"، لكنه اشار إلى أن "التضخم لا يزال مرتفعا للغاية" وأن "المسار لا يزال غير مؤكد".
وكانت حماسة باول الذي عادة ما يكون في غاية الحذر، مفاجئة، إلا انه لم يستبعد احتمال رفع معدل الفائدة أكثر إذا لزم الأمر.
واعتبرت خبيرة الاقتصاد لدى هاي فريكوينسي إيكونوميكس، روبيلا فاروقي، أن "الرئيس باول كان لديه لهجة متفائلة".
في الواقع، "انخفض معدل التضخم إلى ما دون توقعات الاحتياطي الفدرالي بكثير، مما يفتح الباب أمام احتمالات جديدة في 2024"، بحسب كريشنا غوها الخبير الاقتصادي في شركة "ايفركور"، المتخصصة في تقديم الخدمات المصرفية والاستثمارية.
وتمثل هذه القوة والاستقرار في الاقتصاد، التي تتحدى حتى العديد من التوقعات الأكثر تفاؤلاً، بحسب الصحيفة، تطوراً ملحوظاً بعد الأزمات الاقتصادية المتعددة والتي بدأت مع جائحة فيروس كورونا عام 2020 واستمرت من خلال ارتفاع التضخم الذي كان البنك الفيدرالي والبيت الأبيض بطيئين في إدراكه.
وأوضحت أن بنك الاحتياطي الفيدرالي والبيت الأبيض حاربا التضخم على مسارين مختلفين باستخدام أدوات مختلفة تماما. لكن الآن، يشير محافظو البنوك المركزية، ووزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، والخبراء الاقتصاديون للرئيس الأميركي، جو بايدن، بحذر إلى أن البيانات والتطورات التي تم رفضها باعتبارها مستحيلة تقريبًا حتى وقت قريب جدًا، قد تم تبريرها. وفي ديسمبر الجاري، وجهت وزيرة الخزانة توبيخا مباشرا على نحو غير عادي، حيث قالت للصحفيين إن الاقتصاديين الذين توقعوا أن انخفاض التضخم سيتطلب تسريح العمال على نطاق واسع، "الآن يرجعون في كلامهم".
وقالت يلين في حديث لـ "وول ستريت جورنال"، الأسبوع الماضي: "كان الكثير من الاقتصاديين يقولون إنه لا توجد طريقة لعودة التضخم إلى طبيعته دون أن ينطوي ذلك على فترة من البطالة المرتفعة أو الركود".
وأضافت: "قبل عام، أعتقد أن العديد من الاقتصاديين كانوا يقولون إن الركود أمر لا مفر منه ولم أشعر قط بوجود أساس فكري متين للقيام بمثل هذا التنبؤ".
لكن الصحيفة ترى أنه لا يزال هناك الكثير من الجدل حول كيفية تحقيق "الهبوط الناعم" للاقتصاد، وينكر البعض حدوث ذلك، أو أن باول أو يلين يستحقان الثناء.
وذكرت أنه على سبيل المثال، لم يأت الكثير من الانخفاض في التضخم من أسعار الفائدة المرتفعة التي أقرها بنك الاحتياطي الفيدرالي، بل من سلاسل التوريد التي قامت بتصفية الأعمال المتراكمة وتراجع أسعار الطاقة.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال العديد من الجمهوريين يتهمون بنك الاحتياطي الفيدرالي وإدارة بايدن بتفاقم التضخم المرتفع في العام الماضي، وهي أسرع زيادات في الأسعار منذ أربعة عقود، وبتدخلات السياسة النقدية التي تلت ذلك.
ويقولون إنه رغم أن الأسعار لن ترتفع بهذه السرعة بعد الآن، لكنها لا تزال مرتفعة، وقد أدت الزيادات المرتفعة في أسعار الفائدة إلى جعل حلم ملكية المنازل بعيد المنال بالنسبة للملايين، وهي نقطة حديث رئيسية للحزب الجمهوري قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: بنک الاحتیاطی الفیدرالی لا یزال
إقرأ أيضاً:
الفيدرالي والصندوق والبنك في مرمى نيران ترامب
أثناء فترته الرئاسية الأولى، اتبع دونالد ترامب نهجا خفيفا نسبيا في التعامل مع بنك الاحتياطي الفيدرالي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي. فقد استمال الاحتياطي الفيدرالي بهدف تشجيعه على خفض أسعار الفائدة، لكنه لم يطالب المجلس بـ«توضيح قراراته للبيت الأبيض وإلا فإنه يجازف بتهديد استقلاليته بشكل جدي».
في البنك الدولي، عمل ترامب على تعيين ديفيد مالباس لكنه عدا ذلك ترك المؤسسة دون مساس. وأبقى على ديفيد ليبتون، وهو مستشار للديمقراطيين، في منصبه كثاني أكبر مسؤول في صندوق النقد الدولي، وهو تعيين كان تقليديا من اختصاص الرؤساء الأمريكيين. عَـكَـسَ إحجام ترامب عن التحرك ضد الاحتياطي الفيدرالي إدراكه لحقيقة مفادها أن الأسواق المالية ستتفاعل سلبا مع رئيس يعبث بالشؤون النقدية.
من الواضح أن ترامب كان مُـهتما بالأسواق المالية، حيث كان يقيس نجاحه علنا وفقا لمسار أسعار الأسهم. من جانبه، خَـدَمَ صندوق النقد الدولي غرضا مفيدا.
فبفضله بات من الممكن إحالة المشكلات الباهظة التكلفة في الأسواق الناشئة، والتي كانت الحال لتنتهي بها في حضن وزارة خزانة ترامب، إلى الصندوق. أما البنك الدولي فكان ببساطة أكبر وأشد تعقيدا من أن يفهمه أحد، ناهيك عن كبح جماحه، كما تعلم مالباس على نحو لا يخلو من همّ وكرب.
قد تكون هذه المرة مختلفة. فلم يعد ترامب يهتم بالأسواق المالية، أو هكذا يبدو الأمر. فهو يذكرها بشكل أقل.
وعلى الرغم من انخفاض مؤشرات الأسهم بشكل حاد، وخاصة في الأسبوع الأخير، فإن ذلك لم يردعه عن تدمير وظائف حكومية مهمة. ومن الواضح أن نهجا أكثر راديكالية يجري توظيفه الآن في تفكيك المؤسسات. بعد أن أغلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سيكون من المخالف للبديهة أن يؤيد ترامب استمرار مشاركة الولايات المتحدة في البنك الدولي، وهي منظمة أكبر حجما في مجال منح المساعدات. والانسحاب من البنك مع البقاء في صندوق النقد الدولي سيكون من ذلك النوع من أنصاف الحلول الغريبة التي يتجنبها ترامب في ولايته الثانية حتى الآن. فمثله كمثل البنك، يدرج صندوق النقد الدولي المرونة المناخية في برامج الإقراض التي يقدمها.
قد يشير صندوق النقد الدولي إلى حقيقة مفادها أنه يدير قرضا ضخما مستحقا للحكومة الأرجنتينية، التي يقودها صديق ترامب، خافيير ميلي.
لكن المشروع 2025، الذي يزودنا بخريطة طريق ترامب في ولايته الثانية، لا يخفي رغبة الولايات المتحدة في الانسحاب من مؤسستي بريتون وودز. وقد وقّع ترامب بالفعل أمرا تنفيذيا يكلف وزير خارجيته وسفيره إلى الأمم المتحدة بإجراء مراجعة لجميع «المنظمات الحكومية الدولية» لتحديد المنظمات التي ينبغي للولايات المتحدة أن تنسحب منها.
قد يتعثر البنك والصندوق في غياب المشاركة من جانب الولايات المتحدة. وعلى عكس حالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لا تستطيع إدارة ترامب تغيير الأقفال أو فصل حسابات الموظفين على البريد الإلكتروني.
ولا يستطيع أعوان إيلون ماسك الذين تنقصهم الخبرة أن يتخطوا حراس الأمن في أي من المؤسستين. علاوة على ذلك، تُـعَـد مساهمة الولايات المتحدة النقدية في البنك الدولي صغيرة ــ 2.8 مليار دولار فقط في عام 2024. يمول البنك نفسه بشكل أساسي من خلال إصدار سندات مدعومة بالإيمان والائتمان الكامل من جانب أعضائه.
وكما هي الحال مع الحرب الدائرة في أوكرانيا، بوسع الدول الأوروبية أن تزيد من مساعداتها. ومن الممكن أن تتيح ضماناتها للبنك مواصلة الاقتراض في أسواق رأس المال الدولية.
الحق أن التزامات الولايات المتحدة المالية تجاه صندوق النقد الدولي، من خلال الحصص والترتيبات الجديدة للاقتراض، أكثر ضخامة، في حدود خُمس موارد الصندوق. مرة أخرى، سيكون لزاما على بلدان أخرى أن تزيد جهودها.
قد تشمل هذه البلدان الصين، لأن انسحاب الولايات المتحدة من المفترض أن يجعل من الممكن إصلاح الحصص والتصويت في صندوق النقد الدولي، وهو الهدف الذي سعت الصين إلى تحقيقه طويلا وعرقلته الولايات المتحدة مرارا وتكرارا.
سوف يكون الخاسر الرئيسي في الحالتين الولايات المتحدة ذاتها. فسوف يُنَظر إلى أمريكا على أنها تحرم البلدان النامية من مساعدات مالية مهمة إذا انسحبت من البنك الدولي. وفي حالة صندوق النقد الدولي، ستفقد الولايات المتحدة قناة للتأثير البنّاء على السياسات الاقتصادية والمالية التي تنتهجها بلدان أخرى.
قوة ناعمة أقل في كل مجال. وسوف يكون وضع الاحتياطي الفيدرالي أشد سوءا في أقل تقدير. ونحن نشهد بالفعل أولى علامات تجدد التضخم بسبب تعريفات ترامب الجمركية والتخفيضات الضريبية المقترحة. عند مرحلة ما، لن يكون ترامب قادرا على إلقاء اللوم على إدارة الرئيس السابق جو بايدن عن التضخم، وعلى هذا فإنه سيلقي باللوم على الاحتياطي الفيدرالي.
وقد بدأت سياساته الفوضوية بالفعل تقوض ثقة المستهلكين، وهذا كفيل بخلق خطر الركود.
وعندما يتحقق الركود، سيلقي ترامب باللوم على الاحتياطي الفيدرالي لامتناعه عن خفض أسعار الفائدة بسرعة أكبر. أكد القائم بأعمال المدّعي العام في إدارة ترامب على سلطة الرئيس على «مجموعة متنوعة من الوكالات المستقلة».
وبوسع رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول اللجوء إلى المحكمة إذا تحرك الرئيس لإقالته وزملائه أعضاء مجلس الإدارة بإجراءات موجزة.
لكن ترامب لا يُظهِر أي ميل للذهاب إلى المحاكم. وهو قادر على تعيين رئيس جديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي يتلقى الأوامر من البيت الأبيض. وبوسعه أن يرسل أتباع «ماسك»، مدعومين بمارشالات الولايات المتحدة، للاستيلاء على أنظمة الحاسوب في بنك الاحتياطي الفيدرالي.
قبل شهرين، كانت مثل هذه السيناريوهات لتبدو بالغة الغرابة. ولكن ليس بعد الآن. قد تتفاعل الأسواق المالية بشكل سلبي وعنيف. وعند هذه النقطة، سوف يتبين لنا بشكل قاطع ما إذا كان ترامب يبالي برأيهم.
باري آيكنجرين أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومستشارٌ سياسيٌّ كبيرٌ سابقٌ في صندوق النقد الدولي.
ألّف العديد من الكتب، منها كتاب «في الدفاع عن الدين العام».
خدمة بروجيكت سنديكيت