قالت دار الإفتاء المصرية، إن استخلاص هيئة النِّسَب التأليفية من قارئٍ ما ورصد طريقته في التلاوة ثم تحويلها إلى صوت يصدر من المعازف هو أمرٌ مباحٌ في ذاته؛ لأنه يعدُّ تقليدًا لذلك الأداء أو حكايته بواسطة الآلة، وإن كنا نكرهه لأنه قد يجرُّ إلى الحرام.

في اليوم العالمي للعربية .. اعرف أهم خصائص لغة القرآن الكريم متى يجب قراءة سورة الواقعة للرزق؟ .

. احرص عليها قبل هذا الموعد

وقالت دار الإفتاء، في إجابتها على سؤال: حكم دراسة فنيات الصوت والأداء لتلاوة القرآن، بأن الجمع بين المعازف وبين تلاوة القرآن فمحرم شرعًا بإجماع الأمة، ومعلوم تحريمه بضرورة الدين، بالإضافة إلى اشتماله إلى إنقاص شأن القرآن في صدور الناس، والحط به إلى مستوى الكلام الفاسد السائر بين العباد، وهذا حرام، وفعله كبيرة، ويجب سد الذريعة حتى لا يُتوصَّل إليه ولو من غير المسلمين، وعليه: فلا بأس للسائلة أن تقوم ببحثها العلمي، مع مراعاة الشروط والضوابط اللازمة لذلك، وخلوه من أي صورة تُهيِّئه للاستعمال المحرم.

وذكرت دار الإفتاء، أنه من المقرر أن الالتزام بنسبة تأليفية معينة قد يكون بالصوت البشري، وقد يكون بآلات المعازف التي منها الوتري والنفخي والإيقاعي، ويجوز باتفاق العلماء أن يؤدي الإنسان بصوته ما يريد أن يؤديه على وفق تلك النغمات ذات النسب التأليفية؛ حيث إن العرب كانت تفعل ذلك في تغنيها بالشعر، وفي حداء الإبل، وفي هدهدة الأطفال، وفي التغني بمآثر القبائل وأيام العرب، أو بالمعاني كالمديح ومكارم الأخلاق والحب العفيف ونحوها.

ولقد ثبت في "صحيح البخاري" عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أنجشة كان يغني بالإبل فتهتز بشدة من حدائه، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَيْحَكَ يَا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالْقَوَارِيرِ» يعني: النساء.

وعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم دخل عندها غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيها، فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِها، وعِنْدَها جُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَقُولِي هَكَذَا، وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ» رواه البخاري وغيره.

وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب الصوت الحسن؛ فقال لعبد الله بن زيد الذي رأى الأذان في منامه: «قُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ؛ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي لله عنه. ورواه أبو داود بسند صحيح من طريق ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن أبي لبابة رضي الله عنه، وزاد فيه: قال أحد رواة الحديث: "فقلت لابن أبي مليكة: يا أبا محمد، أرأيتَ إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: يُحَسِّنُهُ ما استطاع".

وكان عليه الصلاة والسلام يقول: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد والدارمي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. زاد الدارمي والحاكم وغيرهما: «فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا».

وقد بلغ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك غايةَ الكمال؛ فقد روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ في العشاء بالتين والزيتون، فما سمعتُ أحسن صوتًا ولا قراءة منه».
وروى الترمذي في "جامعه" من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: "ما بعث الله نبيًّا إلا حسن الوجه حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجهًا وأحسنهم صوتًا".
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنُ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ»، وهو عند الطبري بسند صحيح بلفظ: «ما أذِنَ الله لشيء ما أَذِنَ لنبيٍّ حسنِ التَّرنُّمِ بالقرآن»، وأَذِنَ: أي استمع.

والذي يتحصل من الأدلة -كما يقول الحافظ في الفتح- أنَّ حُسن الصوت بالقرآن مطلوب، ومن جملة تحسينه أن يراعى فيه قوانين النغم؛ فإن الصوت الحسَن يزداد حُسنًا بذلك، وإن خرج عنها أثَّر ذلك في حُسْـنه، وغير الحَسَن ربما انجبر بمراعاتها ما لم يخرج عن شرط الأداء المعتبَر عند أهل القراءات، فإن خرج عنها لم يفِ تحسين الصوت بقُبح الأداء اهـ.
ولقد وضع المسلمون أسماء لتلك النسب التأليفية كما وضعوا تمامًا أسماء لبحور الشعر العربي، وذلك بالاستقراء ونحت المصطلحات، فسموا: البياتي والنهاوند والحُجاز والصبا إلى غير ذلك، كما سموا الشعر: الطويل والمديد والبسيط إلى غير ذلك.
فقراءة القرآن بلحون العرب سنة متبعة ترقق القلوب وتعين على الفهم والخشوع كما هو مُشَاهَد معروف لدى قراء المسلمين وعوامهم شرقًا وغربًا سلفًا وخلفًا.
أما المعازف والضرب بالآلات فجمهور الفقهاء على أنه منهي عنه؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعـالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [لقمان: 6]. وبقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ﴾ [النجم: 61] على مذهب من فسره بالغناء. وبما روي عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ الأَشْعَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ وَاللهِ مَا كَذَبَنِي، سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ، يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» أخرجه البخاري في "الصحيح".
وذهب كثير من المحققين إلى أن الضرب بالمعازف ما هو إلا صوت: قبيحه قبيح وحسنه حسن، وأن الآيات القرآنية ليس فيها نهي صريح عن الغناء المعروف ولا عن المعازف المشهورة، وأن الحديث إنما يعني أن تجتمع هذه المفردات في صورة واحدة، والحِرُ هو الزنا، والحرير محرم على الرجال، فالمقصود النهي عن الترف وليس المقصود خصوص الغناء.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء التلاوة القرآن النبی صلى الله علیه وآله وسلم ی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه ال ق ر آن ه وآله ى الله ع

إقرأ أيضاً:

الإفتاء: من المستحب زيارة الأقارب والأرحام والأصدقاء

قالت دار الإفتاء المصرية إن من المستحبّ شرعًا أن يزور الإنسان الأقارب والأرحام والأصدقاء، وأن يجاملهم في أفراحهم، ويواسيهم في أحزانهم، ويقف بجوارهم أثناء مرضهم؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، بِأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ» "صحيح مسلم".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن عَادَ مَرِيضًا أَو زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ: أَن طِبتَ وَطَابَ مَمشَاكَ وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلًا» "سنن الترمذي".

وزيارة الأقارب والأصدقاء مستحبة ما لم يُفْرِط الإنسان فيها؛ حتى لا يملّ أهل البيت من الزائر؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «زُر غِبًّا، تَزدَد حُبًّا» "المعجم الأوسط"، فالمراد من الحديث أنَّ الإقلال من الزيارة يجعل النفس تشتاق لرؤية الشخص ومقابلته والجلوس معه.

ومن المقرر شرعًا أنَّ صلة الرحم ليست مكافأة على معروف، ولا جزاء على إحسان، وإنَّما هي واجب ديني وإنساني حثت عليه الشرعية الإسلامية.


وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ۝ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: 33- 34].

ويقول صلوات الله وسلامه عليه سيدنا محمد: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» رواه البخاري.


وورد في "صحيح مسلم" جاء رجل إلى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فقال: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ.." فامتدحه صلوات الله وسلامه عليه وحثه على التزامه وعدم العدول عنه، وفي "صحيح ابن حبان": «ومَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَجَلِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».


وقد أمر الله سبحانه وتعالى بطاعة الوالدين؛ قال تعالى: ﴿ ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)﴾ [الإسراء: 23.

وورد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي في "سننه" واللفظ له، والإمام أحمد في "مسنده"، ومعنى التوقير المأمور به في هذا الحديث الشريف أن يُعطيَ الإنسان لِذَوِي الشرف والمنزلة حقَّهم؛ بما يتناسب مع أقدَارِهم، سواء كان هذا الشرف وتلك المكانة لنحو سِنٍّ أو عِلمٍ أو غير ذلك.

مقالات مشابهة

  • «لا يرد فيها دعاء».. ما هو وقت ساعة الإجابة في يوم الجمعة؟
  • ما هو فضل الصلاة على النبي يوم الجمعة؟.. «خيرٌ في الدنيا والدين»
  • حكم تخصيص بعض الأيام والليالي بالعبادة
  • فضل الدعاء قبل صلاة الجمعة
  • حكم تسمية الأشخاص باسمي "طه وياسين"
  • بيان فضل إماطة الأذى عن الطريق
  • الإفتاء: من المستحب زيارة الأقارب والأرحام والأصدقاء
  • الإفتاء تكشف عن سيرة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
  • حقوق الطفل في الإسلام.. الإفتاء توضح
  • الضوابط المطلوبة في المؤذن للصلاة .. تعرف عليها