في ذكراها الخامسة وقف الحرب ومنع تمددها
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
في ذكراها الخامسة وقف الحرب ومنع تمددها
تاج السر عثمان بابو
1تهل علينا الذكرى الخامسة لثورة ديسمبر التي تتزامن مع الذكرى 68 للاستقلال من داخل البرلمان في 19 ديسمبر 1955، والبلاد تشهد حربا ضروسا بين الجيش والدعم السريع صنيعة الفلول التي أدت لنزوح الملايين ومقتل الآلاف وتدمير البنية التحتية للبلاد، وخلفت مآسٍ إنسانية كما هو الحال في التهديد بالمجاعة ونقص الدواء والعلاج وإغلاق المدارس والجامعات، واحتلال المنازل والمرافق العامة من الجنجويد والجيش ونهب محتوياتها، إضافة للخطر من إطالة أمد الحرب وتمددها لتشمل ولايات جديدة بعد الخرطوم ودارفور وكردفان، كما حدث في ولاية الجزيرة الأيام الماضية التي اندلعت فيها المواجهات وأدت لنزوح الآلاف من القتال الجاري في شرق مدينة مدني، وأثرت على المدينة وجهود الإغاثة، مما أدى لوقفها في الولاية، مما يتطلب مواصلة إعاثة وحماية النازحين، علما بأن ولاية الجزيرة استقبلت حسب الأمم المتحدة حوالي نصف مليون نازح، وأقام حوالي 86 ألف منهم في مدني، وفر منهم بعد القتال حوالي 15 ألف شخص خلال يومين، حسب الأمم المتحدة، هذا فضلاً عن خطورة تمدد الحرب لتصل ولايات القضارف وسنار وكسلا وبورتسودان المكتظة بالنازحين من داخل وخارج البلاد.
كل ذلك يفرض ضرورة تكثيف الجهود في الداخل لوقف الحرب، ومنع إطالة أمدها مما يهدد بالمزيد من الدمار والنزوح والمآسي الإنسانية التي خلفتها الحرب من أمراض ونقص في الغذاء والدواء والوقود وانقطاع خدمات الماء والكهرباء، وحالات التطهير العرقي والإبادة الجماعية في غرب دارفور، وحالات الاغتصاب والعنف الجنسي والاعتقالات وحالات التعذيب للمعتقلين بواسطة الجنجويد والجيش، كما بلغ عدد النازحين 6.8 مليون شخص داخل وخارج البلاد، وعدد القتلى أكثر من 12 ألف شخص، فضلاً عن خطورة تقسيم البلاد، وتمدد الحرب للبلدان المجاورة بحكم التداخل القبلي.
2كما أوضحنا سابقاً لم تكن ثورة ديسمبر حدثاً عفوياً، بل كانت تحولاً نوعياً لتراكم كمي طويل من المقاومة الباسلة لشعب السودان ضد نظام الإنقاذ الفاشي الدموي لحوالي 30 عاماً التي عبرت عنها الهبات والإضرابات والمظاهرات، والاعتصامات التي واجهها النظام بإطلاق الرصاص الحي مما أدى إلى مئات الشهداء كما حدث وسط الطلاب وأبناء البجا وكجبار والمناصير وهبة سبتمبر 2013 ويناير 2018، وشهداء التعذيب الوحشي في سجون وبيوت أشباح النظام، والآلاف المشردين من أعمالهم والمعتقلين، وضحايا التعذيب الوحشي في المعتقلات، والشهداء في حروب الإبادة في الجنوب حتى تم انفصاله، إضافة لقمع المرأة التي لعبت دوراً كبيراً في مقاومة نظام الإنقاذ الذي استهدفها، وفي جرائم الإبادة الجماعية في دارفور وجنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان، وثورة ديسمبر التي استشهد فيها المئات من الشباب والكنداكات، كل ذلك لم يفت في عضد جماهير شعبنا، التي ما زالت تواصل نضالها لوقف الحرب واستكمال مهام الثورة.
3كما جاءت ثورة ديسمبر رغم خصوصيتها على خطى تجربة الثورة المهدية وثورة اكتوبر 1964م وتجربة انتفاضة مارس- ابريل 1985 في السودان التي أوضحت أن الثورة تقوم عندما تتوفر ظروفها الموضوعية والذاتية التي تتلخص في:
– الأزمة العميقة التي تشمل المجتمع بأسره، ووصول الجماهير لحالة من السخط بحيث لا تطيق العيش تحت ظل النظام القديم.
– تفاقم الصراع داخل النظام الحاكم الذي يشمل الطبقة أو الفئة الحاكمة والتي تؤدي إلى الانقسام والصراع في صفوفها حول طريقة الخروج من الأزمة، وتشل أجهزة القمع عن أداء وظائفها في القهر، وأجهزة التضليل الأيديولوجي للجماهير.
– وأخيراً، وجود القيادة الثورية التي تلهم الجماهير وتقودها حتى النصر.
4طرحت ثورة ديسمبر شعارات الحركة الوطنية والجماهيرية التي رفعتها بعد انفجارها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وثورة اكتوبر 1964 كما في:
– الحرية والديمقراطية والحياة المعيشة الكريمة، وتوفير حق العمل للعاطلين.
– العدالة والسلام ووقف الحرب والسيادة الوطنية.
– استعادة أموال وممتلكات شعب السودان المنهوبة.
– محاسبة الفاسدين الذين دمروا البلاد ومشاريعها الصناعية والزراعية والخدمية.
– قومية الخدمة المدنية والنظامية، وعودة المفصولين من الخدمة المدنية والنظامية.
– حل المليشيات (الكيزان والجنجويد، وجيوش الحركات)، وقيام الجيش القومي المهني الموحد.
وغير ذلك من الأهداف التي تم التوقيع عليها في ميثاق قوى الحرية والتغيير الموقع عليه في يناير 2019 الذي تم الانقلاب علية بالتوقيع على “الوثيقة الدستورية” المعيبة التي كرست الشراكة مع العسكر وقننت الجنجويد دستورياً، وحتى “الوثيقة الدستورية” كما أوضحنا سابقاً تم الانقلاب عليها، كما في التوقيع على اتفاق جوبا الذي تحول لمحاصصات ومناصب، وأخيراً تم إطلاق رصاصة الرحمة عليها بتدبير انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي وجد مقاومة جماهيرية كبيرة، وفشل حتى في تشكيل حكومة، وجاء الاتفاق الإطارى بتدخل إقليمي ودولي، الذي أدى للصراع بين الجيش والدعم السريع حول مدة دمجه في الجيش، وأشعل نيران الحرب الجارية حالياً، التي تتطلب مواصلة المقاومة الجماهيرية لوقفها ومنع تمددها وإطالة أمدها، واسترداد الثورة في ذكراها الخامسة.
alsirbabo@yahoo.co.uk
الوسومالاعتصامات الجيش الحرب الدعم السريع السودان العسكر النيل الأزرق تاج السر عثمان بابو ثورة ديسمبر كردفانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاعتصامات الجيش الحرب الدعم السريع السودان العسكر النيل الأزرق ثورة ديسمبر كردفان ثورة دیسمبر
إقرأ أيضاً:
مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
كمبالا: أحمد يونس: الشرق الأوسط: قبل معارك منطقة «جبل موية» بولاية سنار جنوب شرقي السودان خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم تكن «قوات الدعم السريع» قد خسرت معركة كبيرة منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023.
لكن خسائرها توالت بعد استعادة الجيش تلك المنطقة الاستراتيجية، وتراجعت مناطق سيطرتها تدريجياً في وسط وشرق البلاد، كما أصبح وجودها في العاصمة الخرطوم مهدداً. فهل تعني انتصارات الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وتراجعات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أن حرب «الجنرالَين» على وشك الانتهاء؟
يؤكد الجيش أنه حقق انتصارات كبيرة وألحق هزائم فادحة بـ«قوات الدعم السريع»، متوعداً باستمرار الحرب حتى القضاء عليها تماماً. من جانبها، تنفي «قوات الدعم السريع» تعرضها لهزائم، وتؤكد أنها انسحبت من المناطق التي دخلها الجيش من دون معارك، وذلك بسبب «تكتيكات قتالية جديدة»، مشيرة إلى عدم استطاعة الجيش توثيق الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي يتحدث عنها.
ولُحظ أن «قوات الدعم السريع» المنسحبة تتوجه إلى إقليمي دارفور وكردفان حيث الحاضنة الاجتماعية لتلك القوات، فيما يقول متحدثون باسمها إن «المناطق التي انسحبنا منها، انتزعناها من الجيش انتزاعاً في الأشهر الأولى من الحرب. احتفظنا بها لأكثر من عام ونصف العام، ثم تركناها برغبتنا، ونستطيع انتزاعها مرة أخرى متى ما أردنا ذلك». لكن مؤيدي الجيش يرون أن المعركة أوشكت على النهاية، بينما يؤكد مراقبون مستقلون أن «نهاية الحرب لا تزال بعيدة».
استراتيجية جديدة
ويقول المحلل السياسي، الجميل الفاضل، إن تقدم الجيش ليس سوى «جولة من جولات الحرب التي لا تبدو لها نهاية قريبة»، موضحاً أنه «من المتوقع أن تتخذ الحرب طابعاً أكثر عنفاً ودموية، لكن ليس في المناطق التي استردها الجيش، بل في مناطق رخوة في خاصرة الحاضنة الشعبية للجيش».
وأشار الفاضل إلى التصريح الأخير من قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو، الذي طالب فيه قواته بعدم التأثر بفقدان بعض المناطق مؤخراً، وأنه ينبغي عليهم التركيز على مناطق جديدة سيسيطرون عليها. وأضاف الفاضل: «يبدو أن (قوات الدعم السريع) ستتبع استراتيجية جديدة، تتخلى فيها عن تكتيك الانتشار الواسع في البلاد. كما أن هجمات المسيّرات خلال الفترة السابقة تشير إلى مناطق المعارك المرتقبة، فبينما تتراجع في الخرطوم، نشهد تقدمها في مناطق أخرى غرب البلاد بالاشتراك مع (قوات عبد العزيز الحلو)».
وتوقع عدد من المحللين أن تنتقل الحرب من العاصمة إلى أقاليم غرب البلاد، وأن «تتخذ شكلاً أعنف إذا تم تشكيل حكومة موازية في تلك المناطق، وإدخال أسلحة نوعية وإضافة إمكانات حربية جديدة، مما سيغير من خريطة الحرب على الأرض».
معارك العاصمة
ميدانياً، تدور معارك «كسر عظم» في مدن العاصمة المثلثة - الخرطوم وأم درمان وبحري - حيث يحقق الجيش تقدماً لافتاً، ففي منطقة شرق النيل بمدينة بحري، يقترب الجيش وحلفاؤه من جسر «المنشية» الرابط بين شرق النيل ووسط مدينة الخرطوم، بعد أن استعاد معظم منطقة «الحاج يوسف»؛ وهي من أهم معاقل «قوات الدعم السريع» منذ بداية الحرب.
غير أن حدة المواجهات انخفضت في الخرطوم وأم درمان مع بداية شهر رمضان المبارك، فقد تراجعت العمليات في معظم خطوط التماس بين الطرفين المتحاربين، وبقيت مناطق السيطرة كما هي دون تغيرات كبيرة. ويقول شهود إن الجيش ما زال يسيطر على أحياء في جنوب غربي الخرطوم حتى جسر «الحرية» والمنطقة الصناعية، بينما لا تزال «قوات الدعم السريع» تسيطر على أحياء أخرى في جنوب الخرطوم؛ بما فيها القصر الرئاسي ومنطقة «جنوب الحزام»، ومقر القيادة الاستراتيجية التابعة للجيش و«مطار الخرطوم»، والجزء الشرقي من مقر القيادة العامة للجيش.
وفي أم درمان، وسع الجيش من مناطق سيطرته لتشمل بعض الأحياء الجنوبية والغربية من المدينة، خصوصاً منطقتَي أم بدة والفتيحاب، لكن المعارك على حدود المنطقتين تحوّلت إلى كر وفر، من دون تقدم لمصلحة أحدهما.
معارك الغرب
أما في شمال إقليم كردفان بوسط غربي البلاد، فقد حقق الجيش انتصارات باستعادة السيطرة على مدينتَي أم روابة والرهد، وتمكن من الوصول إلى أطراف مدينة الأُبيّض؛ كبرى مدن الإقليم، وفتح الطريق البرية الرابطة بينها وبين وسط البلاد. إلا إن الجيش مُني بهزيمة كبيرة حين حاول التقدم شرقاً باتجاه مدينة بارا، وأعلنت «قوات الدعم السريع» أنها «دحرت القوات المهاجمة وألحقت بها هزائم كبيرة في الأرواح والعتاد»، ولم يصدر تعليق من جانب الجيش.
وتأثرت العمليات العسكرية في ولاية النيل الأزرق بالتحالف الذي نشأ بين «قوات الدعم السريع» وقوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان - تيار عبد العزيز الحلو»، فقد استطاعت القوتان معاً السيطرة على عدد من مناطق الولاية المتاخمة لجمهورية جنوب السودان، وأصبحت القوات المشتركة بينهما تهدد حاضرة الولاية؛ مدينة الدمازين.
ووقّعت قوى سياسية وحركات مسلحة، على رأسها «حركة عبد العزيز الحلو»، مع «قوات الدعم السريع» في 22 فبراير (شباط) بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقاً سياسياً يهدف إلى توحيد العمل السياسي والعسكري ضد الجيش وحلفائه من أنصار النظام السابق، بالإضافة إلى تشكيل حكومة في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»؛ لمنافسة الحكومة التي يقودها الجيش وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.