الأردن يخوض معركة على حدود سوريا.. ماذا بعد تصعيد يتجاوز التهريب؟
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
لم تعد الحرب التي يواجهها الأردن على طول حدوده الشمالية مع سوريا مرتبطة بتهريب المخدرات وحبوب "الكبتاغون" فحسب، بل تطورت لتصل إلى حد عمليات عبور الأسلحة الأتوماتيكية والصاروخية، وإشعال مواجهات مباشرة لتحقيق الغرض على الأرض، وهو ما حصل يوم الاثنين.
وخاص الجيش الأردني منذ ساعات الفجر، حسب وسائل إعلام رسمية، اشتباكات مع مجموعات مسلحة "ضمن نطاق مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية"، مما أسفر عن إصابات بين صفوف قواته، كما قال الناطق باسم الحكومة، مهند المبيضين لقناة "المملكة".
وأضاف: "الجيش بمعركة وهناك إصابات"، مشيرا إلى أن "الأردن يخوض حربا نيابة عن دول المنطقة على حدوده الشمالية ضد ميليشيات المخدرات المدعومة من قوى إقليمية".
وتأتي المواجهات المذكورة بعد 4 محاولات أعلنت إحباطها عمّان في غضون أسبوع واحد فقط، أدت حادثة منها إلى مقتل جندي أردني، بعدما اشتبكت قوات من حرس الحدود مع مهربين حاولوا العبور من الجانب السوري إلى الأردني.
ورغم أن عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن قضية شائكة، ولم تفض اتصالات عمّان الأخيرة مع دمشق إلى أي حل يذكر بشأنها باتت تأخذ منحى تصاعدي وبالتدريج حتى تجاوزت النمط الذي كانت عليه سابقا، كما يقول مراقبون لموقع "الحرة".
ومن "أكف الحشيش" إلى الحبوب المخدرة وأشهرها "الكبتاغون" تطور نشاط المهربين من سوريا إلى الأردن بعد أغسطس 2023 إلى عمليات تهريب الأسلحة والذخائر والمتفجرات من نوع "tnt"، وهو ما أعلن عنه الجيش الأردني لأكثر من مرة.
وبينما استمرت عمليات الأردن في ضبط شحنات الحبوب والأسلحة، وصل خلال الأيام الماضية وبالتزامن مع التوترات الخاصة بحرب إسرائيل في غزة إلى نقطة مواجهة أو "معركة على الحدود"، وفق وصف الناطق باسم الحكومة الأردنية، المبيضين.
"هجوم على الحدود"ولأكثر من مرة زار الملك الأردني عبد الله الثاني الحدود الأردنية السورية، وأطلق سلسلة رسائل وتهديدات تتعلق بإصرار جيشه على مواجهة الحرب العابرة للحدود.
وفي أعقاب تحركات التطبيع العربي الأخيرة التقى وزير خارجيته أيمن الصفدي، مع مسؤولين في دمشق، وناقشوا قضايا عدة، على رأسها "التهريب العابر للحدود"، وصولا إلى اجتماع قادة الجيش والاستخبارات.
لكن هذه اللقاءات لم تفض إلى تطورات ملموسة على الأرض، وهو ما أشارت إليه أوساط أردنية مؤخرا.
ودائما ما تحمّل عمّان مسؤولية عمليات التهريب لميليشيات "تدعمها قوى إقليمية" في إشارة إلى إيران، وتقول في المقابل إن حالة التصاعد ترتبط بضعف السلطة في سوريا، وبغطاء توفره أطراف داخل "الجيش السوري".
ويوضح عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي أردني، أن ما تشهده الحدود بين الأردن وسوريا كان متوقعا، وأنه في الكثير من الأوقات سادت خشية من أن "تتحول الحدود الأردنية في لحظة معينة لمحطة استهداف".
وتتجاوز الاستهدافات الحالية من المجموعات المسلحة "نمط التهريب والعصابات الإرهابية التي اعتدنا عليها سابقا"، كما يقول السبايلة لموقع "الحرة".
ويضيف: "الاستهداف منذ فجر الاثنين هو هجوم على الحدود وليس عمليات تهريب. نحن نتحدث عن اشتباكات دامت ساعات طويلة وفي ظل استخدام قذائف صاروخية".
ومنذ 3 أعوام ومع انهيار الوضع الأمني في سوريا يحذّر الأردن من منطقة الحدود الجنوبية، ومحاولة المهربين إغراقه ودول الجوار بالمخدرات، وفق حديث الناطق باسم الحكومة لوكالة "عمون".
وأضاف أن التهريب تطور بعد 2018، واستمر خلال فترة وباء "كورونا"، مما دفع الجيش الأردني لتغيير قواعد الاشتباك في 2022.
ويقول الخبير العسكري اللواء المتقاعد، مأمون أبو نوار، إن عمليات التهريب زادت "رغم أن الأردن عمل كثيرا لسوريا".
وقد "حافظ على وحدتها وأعادها إلى الحضن الوطن العربي، وعمل على تخفيف تداعيات قانون قيصر"، في إشارة من أبو نوار للنظام السوري.
ويضيف لموقع "الحرة": "المملكة في المقابل لم تتوقف الهجمات ضدها"، و"تأتي الحرب المتواصلة عليها اليوم وسط وضع حساس جدا، كون الأردن يعيش توترات تفرضها الحرب في غزة".
"نقل فوضى"وتتهم الحكومات العربية والغرب النظام السوري بإنتاج مادة الأمفيتامين المخدرة المعروفة باسم "الكبتاغون"، التي تدر أرباحا كبيرة وتنظيم تهريبها إلى الخليج مرورا بالأردن كنقطة عبور رئيسية.
ومنذ أكثر من عامين يشعر الأردن بالقلق بسبب الانفلات الأمني في جنوب سوريا، إذ كرر اتهامات واشنطن بأن ميليشيات موالية لإيران تحميها وحدات من الجيش السوري تدير شبكات تهريب بمليارات الدولارات.
لكن هجمات الاثنين، وتصاعد عمليات التهريب لتشمل الأسلحة والذخائر في غضون أسبوع، تشي بأن إشكالية الأردن مع الحدود الجنوبية لسوريا باتت تتجاوز "خطر الكبتاغون".
ويشير الخبير العسكري أبو نوار إلى الحشود التي دفعت بها الميليشيات المدعومة من إيران مؤخرا إلى حدود الأردن مع العراق، وإلى صواريخ تم إطلاقها أيضا وتم التصدي لها في الأجواء الأردنية.
ويقول: "يحاولون نقل الفوضى إلى الأردن. لماذا لا يحاربون إسرائيل من سوريا ولبنان؟. لماذا يحشدون على حدود الأردن؟".
ويضيف: "حدود الأردن غير مستباحة. هو قوي جدا وله الوسائل والأهم من ذلك جيشه العربي وحرس الحدود".
ويوضح الباحث السبايلة أن "الأردن بات يواجه استعدادا من نمط ميليشيوي يرغب في خلق نقاط ساخنة على الحدود"، مضيفا: "في حال استطاع أن يوجه رسالة بأن عمّان مستهدفة كونها حليفة للولايات المتحدة".
ويتابع الباحث أن "الهجمات والعمليات الحالية تثبت فكرة محاولة إيجاد نقطة ساخنة جديدة، مع تغيير أولويات المنطقة للتخفيف في مناطق معينة أو البحث عن الإشغال بهذه الطريقة".
ما خيارات عمّان؟تمتد الحدود السورية الأردنية لمسافة 375 كيلومترا، وسبق أن نفذ الأردن ضربة جوية استهدفت شخصا يتهم بتجارة المخدرات في جنوب سوريا، ويدعى مرعي الرمثان.
وكانت هذه الضربة الأولى من نوعها، ورغم أن عمّان لم تتبنها رسميا، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أردنيين في مايو 2023 قولهم إن الخطوة الأردنية تعد بمثابة "رسالة إلى دمشق".
ويعتقد راين بوهل، وهو باحث أميركي في شؤون الشرق الأوسط بأن "التصعيد الحالي على حدود الأردن مدفوع جزئيا بما يحدث في غزة والضفة الغربية".
ويقول لموقع "الحرة": "قد يحاول بعض هؤلاء المهربين إعادة إمداد المسلحين هناك. وعلى الأردن واجب منع الأسلحة".
ويشير الباحث السوري في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، نوار شعبان، إلى أن "عملية ضبط الحدود صعبة جدا".
ويقول لموقع "الحرة": "علينا أن نتصور مدى صعوبة الضبط في منطقة تشهد هشاشة أمنية مخيفة من جهة ومع ودجود وجود قوة رسمية موالية للعصابات من جهة أخرى".
الباحث السوري يتحدث عن "عصابات متمكنة في جغرافيا الجنوب السوري، ولها حلفاء من ميلشيات إيرانية وميليشيا حزب الله"، وأن "الكل يعمل تحت غطاء النظام السوري".
ويضيف: "مهما حاول الجانب الأردني ضبط الحدود سيصل إلى نتيجة عدم القدرة على إغلاق الثغرات.. المسافة الحدودية طويلة ومن يقوم بالاستهداف عصابات متمرسة.. القضية تحتاج لتعاون دولي".
ويوضح الباحث الأردني السبايلة أن "الخيار الوحيد هو الذي يحدده الجيش الأردني".
ويقول: "من الواضح أن رسالته ستكون في الأيام المقبلة حازمة".
ويدور في الوقت الحالي كلام عن "ضربات استباقية وقائية، ونقاط أصبحت تشكل تهديدا على الأردن".
ويضيف السبايلة: "لابد من توجيه رسالة حازمة. الجيش سيقرر وبعد هجوم اليوم سيكون هناك طريقة تعامل مختلفة ورسائل أوضح".
ويرى الخبير العسكري، أبو نوار، أن "الجيش الأردني سيمنع نقل الفوضى إلى داخل أراضي المملكة"، وأن "كل قراراته مبنية على الأمن القومي وسيستمر بذلك في إطار الدفاع عن النفس".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: عملیات التهریب الجیش الأردنی حدود الأردن إلى الأردن على الحدود على حدود
إقرأ أيضاً:
معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة
البلاد – الخرطوم
مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، وسط استمرار المعارك بين الجيش وميليشيا الدعم السريع، أعلنت القوات المسلحة السيطرة على مناطق رئيسية جنوب غربي أم درمان أمس (الأربعاء). وبينما قلل وزير خارجية السودان من نتائج إعلان قائد ميليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي، تشكيل حكومة موازية في السودان، متوقعًا أن يقتصر الاعتراف بها على 3 أو 4 دول حول العالم، تتوالى التحذيرات الأممية والدولية من مخاطر استمرار التصعيد في ظل أوضاع كارثية في البلاد التي أنهكتها الحرب.
وأفاد الجيش في بيان أن قوات العمل الخاص نفّذت عمليات نوعية في منطقة قندهار، حيث ضبطت معدات عسكرية وطائرات مسيّرة وأموالًا مزوّرة، مؤكدًا تطهير المنازل والمنشآت في الأحياء الغربية.
وتأتي هذه التحركات في وقت باتت فيه الغالبية العظمى من ولاية الخرطوم تحت سيطرة الجيش، باستثناء جيوب متفرقة للدعم السريع، ما يعزز موقع القوات النظامية تمهيدًا لتحول ميداني أكبر قد يبدأ في إقليم دارفور.
وفي هذا السياق، تشهد مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، حالة من الاستنفار العسكري والاستعدادات المتزايدة لمعركة وشيكة وصفها مراقبون بـ “الحاسمة”، في ظل حديث متزايد عن حشد قوات الدعم السريع أعدادًا كبيرة من المقاتلين حول المدينة. وفي المقابل، عزز الجيش السوداني واللجان الأهلية الدفاعات في الفاشر، وسط تحذيرات أممية من أن أي تصعيد كبير في الإقليم قد يؤدي إلى مجازر وجرائم تطهير عرقي جديدة، على غرار ما شهدته مناطق أخرى من دارفور في فترات سابقة.
سياسيًا، لا تزال الخطوة التي أعلنها حميدتي بشأن تشكيل حكومة موازية موضع تشكيك واسع، إذ قلل وزير الخارجية السوداني، علي يوسف، من أهمية تشكيل الحكومة الموازية التي أعلن عنها قائد ميليشيا الدعم السريع. حيث أشار إلى أن هذا الإعلان لن يلقى اعترافًا دوليًا، وأنه من غير المحتمل أن تتجاوز الدول التي ستعترف بها 3 أو 4 دول حول العالم. وبحسب الوزير، فإن هذا الإعلان سيزيد من تعقيد الأوضاع، ولن يساهم في إيجاد حل سلمي للنزاع، وهو استمرار لأخطاء الميليشيا المتمردة.
على الجانب الإنساني، تزداد الأوضاع سوءًا. إذ تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن نحو ثلثي السكان – أي أكثر من 30 مليون شخص – باتوا بحاجة عاجلة للمساعدات، بينهم 16 مليون طفل، بينما يعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وتقول منظمة الهجرة الدولية إن الحرب دفعت السودان إلى “حافة الهاوية”، فيما يؤكد مفوض اللاجئين أن البلاد “تنزف بصمت” في ظل تجاهل عالمي.
ووفق تقارير متطابقة، نزح أكثر من 13 مليون شخص داخليًا، وعبر حدود السودان نحو 3.8 ملايين لاجئ إلى دول مجاورة تعاني أصلًا من هشاشة اقتصادية وأمنية.
وتدرك القوى الدولية أن الحكومة الموازية التي أعلن عنها حميدتي لن تقدم حلولًا حقيقية للوضع في السودان، بل قد تزيد من تعقيد الأزمة وتقسيم البلاد بشكل غير مسبوق. ومع استمرار المعارك، يبقى العالم مدعوًا للتحرك العاجل لإنقاذ المدنيين السودانيين وتجفيف منابع دعم ميليشيا الدعم السريع، حيث أثبتت الأحداث في الشرق الأوسط أن المنطقة ستكون أفضل بدون الميليشيات.