من مفارقات الفصائل الفلسطينية في حرب غزة!!
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
ليس من المبالغة في شيء القول بأن الكثير من المشكلات والمفارقات التي عانت وتعاني منها القضية الفلسطينية على مدى العقود الماضية وحتى الآن إنما وقعت مسؤوليتها على عاتق قيادات وحكومات عربية عملت بوعي من أجل توجيه القضية الفلسطينية في اتجاهات محددة في ظروف مختلفة ليس لخدمة القضية والشعب الفلسطيني ومصالحه الحقيقية، وإنما في الواقع لاستثمار الظروف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية لخدمة مصالحها هي في المقام الأول حتى وإن كان ذلك في ثوب الجماعات الفلسطينية بشكل أو بآخر، وقد ساعد على ذلك خاصة في العقود الماضية الخلافات السياسية والأيديولوجية الفلسطينية والانقسامات بين القوى والدول العربية المتنافسة والمتنازعة على القيام بدور الزعامة عربيا من ناحية، وحاجة الفصائل الفلسطينية إلى ربط نفسها بالقوى والأطراف القادرة على التمويل المالي والإمداد بالسلاح والتأثير عربيا وإقليميا لصالح الفصائل التي ترتبط بها بشكل أو بآخر، وقد أدى ذلك إلى خلط كثير من الأوراق الفلسطينية والعربية وظهور العديد من الفصائل والتنظيمات الفلسطينية لمجرد حجز مقعد على طاولة الاجتماعات التنظيمية على المستويات القيادية الفلسطينية للاستفادة منها لخدمة مصالحها أو بالأحرى لخدمة قياداتها على النحو الذي تريده هذه القيادات ذاتها أو تقتضيه ظروفها في وقت معين فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا وما حدث بعد هزيمة يونيو 1967 والخلافات حول قبول مصر القرار 242 وتشكيل جبهة الصمود والتصدي كان بالغ الوضوح في ذلك الوقت.
أولا، إنه من المؤكد أن تغيرات كثيرة وملموسة طرأت خلال العقود والسنوات الماضية وذلك نتيجة لمجمل التغيرات في أوضاع المنطقة وفي أوزان وقدرات التأثير التي طرأت على الظروف الخاصة بعمل وعلاقات وارتباطات الفصائل المختلفة وهو ما أثر بالضرورة على رؤية وتقييم كل فصيل لمواقفه وارتباطاته خاصة بعد التغييرات التي حدثت على مستوى القيادات ومدى التنسيق بينها ومواقفها من القضايا وقد أثر ذلك بالطبع على العلاقات بين الفصائل وعلى تقييمها ورؤيتها وأولويتها للقضايا والمواقف حيالها.
وإذا كانت التغيرات التي طرأت على قيادات الفصائل الفلسطينية -معظمها على الأقل بسبب الوفاة وبسبب تغير القيادات وبسبب تغير السياسات والتحالفات- قد انعكست بشكل أو بآخر على العمل والأداء على المستوى الفلسطيني فإنه ظهر بوضوح شديد بالنسبة لموقف المجتمع الفلسطيني من الوحدة والاندماج معا من ناحية والشروط التي ينبغي توفرها لتحقيق ذلك من ناحية ثانية، وإذا كان من الطبيعي أن يترك البعد الجغرافي بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية وكذلك حكم مصر لقطاع غزة حتى عام 1967 وحكم الأردن للضفة الغربية منذ ضمها له منذ عام 1950 حتى احتلال إسرائيل له عام 1967 أيضا إثره على غزة والضفة بفعل عوامل وأسباب عديدة ومتنوعة رغم أنهما معا يشكلان دولة فلسطين حسب خريطة تقسيم فلسطين التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1947. جدير بالذكر أن هذا الوضع المعقد بين الضفة الغربية والقطاع في ضوء التطورات منذ نهاية الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات جعلت من استعادة الوحدة بين الضفة وقطاع غزة هدفا وأملا غاليا للفلسطينيين يتطلعون إليه ويضعون الخطط والوثائق والخطوات لتحقيقه وللتغلب على العراقيل التي تقف في طريقه، يضاف إلى ذلك أن الجميع في الضفة وقطاع غزة تقريبا كان ولا يزال دوما على يقين من أن السبيل لتحرير فلسطين واستعادتها إنما يبدأ بتوحيد الضفة والقطاع وتوحيد إمكاناتهما في إطار الدولة الفلسطينية الموحدة.
ثانيا، إنه بالرغم من أهمية وضرورة توحيد الضفة والقطاع ضمن الدولة الفلسطينية التي يؤيدها المجتمع الدولي والأمم المتحدة في إطار حل الدولتين وتعارضه إسرائيل ومؤيدوها الذين تراجع عددهم بشكل واضح منذ حرب السابع من أكتوبر الماضي، فإن المشكلة الحقيقية تكشف عن نفسها عندما يتم الاقتراب من تناول مسألة مستقبل قطاع غزة ومستقبل الحكم فيه ومن يمكن أن يتولى حكمه فهذه مسألة ملغومة في الواقع إلى حد بعيد. ومن المؤكد أنه سيترتب عليها مشكلات كثيرة أعدت لها إسرائيل وتعمل من أجل استغلالها لإحداث مزيد من الأضرار لقطاع غزة وللفلسطينيين ولمستقبل الدولة الفلسطينية ولحل الدولتين الذي لا تتمناه إسرائيل حسب تصريحات نتانياهو وحكومته الأكثر تشددا كما وصفها الرئيس الأمريكي بايدن ذاته مؤخرا. ومنذ آخر انتخابات فلسطينية جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2007 فازت فيها حماس عملت وتعمل حماس من أجل دعم وجودها وقوتها وسيطرتها على القطاع معتمدة على قوة عناصرها من ناحية وعلى الضعف النسبي للشرطة التابعة لحركة فتح خاصة في ظل تضعضع قواها وسيطرتها بكل السبل في القطاع نظرا لملاحقة عناصر حماس لعناصر فتح والضغط عليها ومن ثم حدوث احتكاكات لأسباب لا قيمة لها في السيطرة على غزة أحيانا كثيرة من ناحية ثانية، وفي ضوء ذلك فان حماس لن تسمح لفتح بالسيطرة على غزة لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر أيضا، خاصة أن إسرائيل تريد القضاء على حماس تماما ولكنها لن تتمكن من ذلك على الأرجح.
ثالثا، ونظرا لأن إسرائيل تعلم الخلافات بين فتح وحماس ولأن حماس تعارض سياسات فتح وتعاونها مع إسرائيل، ومن ثم تعلم صعوبة التعاون الحقيقي بين فتح وحماس فإن من المفارقات الغريبة أن أكبر فصيلين فلسطينيين غير قادرين على التعاون معا لصالح القضية الفلسطينية ومصالح شعبيهما ومن المؤسف أنه برغم الحديث عن قيمة توحيد الجهود بين فتح وحماس فإنه ليس هناك تعاون ولا حتى اتصالات بين الفصيلين منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي ولو لحفظ ماء الوجه على الجانبين. ويعني ذلك ببساطة أن الحديث عن تعاون بين السلطة الفلسطينية وبين فتح وأمريكا لحكم غزة سيشكل بالضرورة وصفة للاقتتال بين الفصيلين وإكمال الإجهاز على قوتهما بأيديهما وإعادة السيناريو الأفغاني بعد انسحاب القوات الروسية من أفغانستان وليس مصادفة أن يؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي أنه سيحارب فتح بعد القضاء على حماس كما يزعم.
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الفصائل الفلسطینیة الضفة الغربیة منظمة التحریر بین الضفة على مستوى بین فتح
إقرأ أيضاً:
أول بيان من حماس عقب اقتحام بن غفير للحرم الإبراهيمي
قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير للحرم الإبراهيمي في الخليل يمثل "انتهاكًا خطيرًا ويأتي ضمن مشاريع التهويد التي تتهدد مقدساتنا في الضفة الغربية والقدس".
أضافت الحركة في بيان لها أن "هذه الإجراءات الاستفزازية الخطيرة تستدعي من شعبنا في الضفة الانتفاض للتصدي لمشاريع الاحتلال ومستوطنيه، الذين يسعون لفرض أمر واقع في الحرم الإبراهيمي وكافة المقدسات الإسلامية".
أشارت حماس إلى أن "سياسات الاحتلال الهادفة لتغيير الطابع الديني والتاريخي للمقدسات الإسلامية لن تمر دون رد"، داعية جميع القوى الوطنية والإسلامية إلى تصعيد المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال ومخططاته.
وشددت الحركة على أن "الشعب الفلسطيني لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الانتهاكات المتكررة، وسيبقى الحرم الإبراهيمي والقدس عنوانًا للصمود والمقاومة حتى دحر الاحتلال وإفشال مخططاته التهويدية".