لجريدة عمان:
2024-11-25@02:39:20 GMT

من مفارقات الفصائل الفلسطينية في حرب غزة!!

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

ليس من المبالغة في شيء القول بأن الكثير من المشكلات والمفارقات التي عانت وتعاني منها القضية الفلسطينية على مدى العقود الماضية وحتى الآن إنما وقعت مسؤوليتها على عاتق قيادات وحكومات عربية عملت بوعي من أجل توجيه القضية الفلسطينية في اتجاهات محددة في ظروف مختلفة ليس لخدمة القضية والشعب الفلسطيني ومصالحه الحقيقية، وإنما في الواقع لاستثمار الظروف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية لخدمة مصالحها هي في المقام الأول حتى وإن كان ذلك في ثوب الجماعات الفلسطينية بشكل أو بآخر، وقد ساعد على ذلك خاصة في العقود الماضية الخلافات السياسية والأيديولوجية الفلسطينية والانقسامات بين القوى والدول العربية المتنافسة والمتنازعة على القيام بدور الزعامة عربيا من ناحية، وحاجة الفصائل الفلسطينية إلى ربط نفسها بالقوى والأطراف القادرة على التمويل المالي والإمداد بالسلاح والتأثير عربيا وإقليميا لصالح الفصائل التي ترتبط بها بشكل أو بآخر، وقد أدى ذلك إلى خلط كثير من الأوراق الفلسطينية والعربية وظهور العديد من الفصائل والتنظيمات الفلسطينية لمجرد حجز مقعد على طاولة الاجتماعات التنظيمية على المستويات القيادية الفلسطينية للاستفادة منها لخدمة مصالحها أو بالأحرى لخدمة قياداتها على النحو الذي تريده هذه القيادات ذاتها أو تقتضيه ظروفها في وقت معين فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا وما حدث بعد هزيمة يونيو 1967 والخلافات حول قبول مصر القرار 242 وتشكيل جبهة الصمود والتصدي كان بالغ الوضوح في ذلك الوقت.

وبالرغم مما عانت منه الفصائل الفلسطينية على يد بعض الحكومات العربية من ضغوط وأشكال تنكيل عايرت به إسرائيل نفسها بعض الدول العربية أحيانا، إلا أنه كانت هناك حاجة للاعتماد المتبادل في كثير من الأحيان فالفصائل الفلسطينية محتاجة للاعتماد على حكومات ودول عربية يمكنها دعمها عند الحاجة والدول العربية أو بعضها في حاجة للعب الورقة الفلسطينية مع شعوبها لخدمة مصالحها من ناحية ثانية. وبمرور الوقت اشتد عود الفصائل الفلسطينية وأصبح بعضها سواء من داخل منظمة التحرير الفلسطينية أو خارجها قادرا على بناء مصالح مع دول إقليمية لخدمة مصالح خاصة بها في إطار حساباته الخاصة ومنافساتها مع دول عربية بعد أن طرأت تغيرات في حسابات القوة بين دول المنطقة وفي هذا الإطار تغيرت أنماط العلاقات بين بعض الفصائل الفلسطينية وبين بعض الدول العربية عما كانت عليه من قبل، ودخلت هذه العلاقات في حسابات المنافسات والصراعات السياسية في المنطقة بشكل غير مسبوق، وهو ما جعل بعض الأطراف الإقليمية يكتفي بما يمكن تسميته بدعم الكوفية الفلسطينية أو الاكتفاء برفع الشعارات عند الضرورة، وفي العقود والسنوات الماضية امتلك ياسر عرفات قدرات قيادية مكنته من الحفاظ على مكانة مؤثرة على مستوى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى مستوى قيادات الفصائل الفلسطينية والقيادات العربية والأجنبية والإقليمية والدولية الأخرى. وبعد رحيل عرفات وزيادة حدة الاستقطاب بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين حركتي الجهاد الإسلامي وحماس. وكذلك التغيرات التي حدثت على مستوى القيادات فيها واستمرار رفض انضمام حركتي حماس والجهاد لعضوية منظمة التحرير لأسباب معروفة ولها صلة مع أطراف إقليمية وتفضيلهما إدارة علاقاتهما مع الأطراف الأخرى دون ارتباط وثيق أو تام معها زاد في الواقع التباعد النسبي بين الجانين خاصة وأن مسألة العلاقة بين الضفة الغربية وغزة والخلافات حول اتفاق أوسلو كان ولا يزال نقطة جدل بين حماس والجهاد من ناحية وبين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من ناحية ثانية فضلا عن التراشق والانتقادات الإعلامية المتبادلة للمواقف السياسية لهما ولطبيعة العلاقة مع إسرائيل زاد من تعقيد العلاقة بين حماس والجهاد وبين منظمة التحرير. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى ما يلي:

أولا، إنه من المؤكد أن تغيرات كثيرة وملموسة طرأت خلال العقود والسنوات الماضية وذلك نتيجة لمجمل التغيرات في أوضاع المنطقة وفي أوزان وقدرات التأثير التي طرأت على الظروف الخاصة بعمل وعلاقات وارتباطات الفصائل المختلفة وهو ما أثر بالضرورة على رؤية وتقييم كل فصيل لمواقفه وارتباطاته خاصة بعد التغييرات التي حدثت على مستوى القيادات ومدى التنسيق بينها ومواقفها من القضايا وقد أثر ذلك بالطبع على العلاقات بين الفصائل وعلى تقييمها ورؤيتها وأولويتها للقضايا والمواقف حيالها.

وإذا كانت التغيرات التي طرأت على قيادات الفصائل الفلسطينية -معظمها على الأقل بسبب الوفاة وبسبب تغير القيادات وبسبب تغير السياسات والتحالفات- قد انعكست بشكل أو بآخر على العمل والأداء على المستوى الفلسطيني فإنه ظهر بوضوح شديد بالنسبة لموقف المجتمع الفلسطيني من الوحدة والاندماج معا من ناحية والشروط التي ينبغي توفرها لتحقيق ذلك من ناحية ثانية، وإذا كان من الطبيعي أن يترك البعد الجغرافي بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية وكذلك حكم مصر لقطاع غزة حتى عام 1967 وحكم الأردن للضفة الغربية منذ ضمها له منذ عام 1950 حتى احتلال إسرائيل له عام 1967 أيضا إثره على غزة والضفة بفعل عوامل وأسباب عديدة ومتنوعة رغم أنهما معا يشكلان دولة فلسطين حسب خريطة تقسيم فلسطين التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 1947. جدير بالذكر أن هذا الوضع المعقد بين الضفة الغربية والقطاع في ضوء التطورات منذ نهاية الخمسينيات وحتى نهاية الستينيات جعلت من استعادة الوحدة بين الضفة وقطاع غزة هدفا وأملا غاليا للفلسطينيين يتطلعون إليه ويضعون الخطط والوثائق والخطوات لتحقيقه وللتغلب على العراقيل التي تقف في طريقه، يضاف إلى ذلك أن الجميع في الضفة وقطاع غزة تقريبا كان ولا يزال دوما على يقين من أن السبيل لتحرير فلسطين واستعادتها إنما يبدأ بتوحيد الضفة والقطاع وتوحيد إمكاناتهما في إطار الدولة الفلسطينية الموحدة.

ثانيا، إنه بالرغم من أهمية وضرورة توحيد الضفة والقطاع ضمن الدولة الفلسطينية التي يؤيدها المجتمع الدولي والأمم المتحدة في إطار حل الدولتين وتعارضه إسرائيل ومؤيدوها الذين تراجع عددهم بشكل واضح منذ حرب السابع من أكتوبر الماضي، فإن المشكلة الحقيقية تكشف عن نفسها عندما يتم الاقتراب من تناول مسألة مستقبل قطاع غزة ومستقبل الحكم فيه ومن يمكن أن يتولى حكمه فهذه مسألة ملغومة في الواقع إلى حد بعيد. ومن المؤكد أنه سيترتب عليها مشكلات كثيرة أعدت لها إسرائيل وتعمل من أجل استغلالها لإحداث مزيد من الأضرار لقطاع غزة وللفلسطينيين ولمستقبل الدولة الفلسطينية ولحل الدولتين الذي لا تتمناه إسرائيل حسب تصريحات نتانياهو وحكومته الأكثر تشددا كما وصفها الرئيس الأمريكي بايدن ذاته مؤخرا. ومنذ آخر انتخابات فلسطينية جرت في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 2007 فازت فيها حماس عملت وتعمل حماس من أجل دعم وجودها وقوتها وسيطرتها على القطاع معتمدة على قوة عناصرها من ناحية وعلى الضعف النسبي للشرطة التابعة لحركة فتح خاصة في ظل تضعضع قواها وسيطرتها بكل السبل في القطاع نظرا لملاحقة عناصر حماس لعناصر فتح والضغط عليها ومن ثم حدوث احتكاكات لأسباب لا قيمة لها في السيطرة على غزة أحيانا كثيرة من ناحية ثانية، وفي ضوء ذلك فان حماس لن تسمح لفتح بالسيطرة على غزة لا بشكل مباشر ولا بشكل غير مباشر أيضا، خاصة أن إسرائيل تريد القضاء على حماس تماما ولكنها لن تتمكن من ذلك على الأرجح.

ثالثا، ونظرا لأن إسرائيل تعلم الخلافات بين فتح وحماس ولأن حماس تعارض سياسات فتح وتعاونها مع إسرائيل، ومن ثم تعلم صعوبة التعاون الحقيقي بين فتح وحماس فإن من المفارقات الغريبة أن أكبر فصيلين فلسطينيين غير قادرين على التعاون معا لصالح القضية الفلسطينية ومصالح شعبيهما ومن المؤسف أنه برغم الحديث عن قيمة توحيد الجهود بين فتح وحماس فإنه ليس هناك تعاون ولا حتى اتصالات بين الفصيلين منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي ولو لحفظ ماء الوجه على الجانبين. ويعني ذلك ببساطة أن الحديث عن تعاون بين السلطة الفلسطينية وبين فتح وأمريكا لحكم غزة سيشكل بالضرورة وصفة للاقتتال بين الفصيلين وإكمال الإجهاز على قوتهما بأيديهما وإعادة السيناريو الأفغاني بعد انسحاب القوات الروسية من أفغانستان وليس مصادفة أن يؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي أنه سيحارب فتح بعد القضاء على حماس كما يزعم.

د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الفصائل الفلسطینیة الضفة الغربیة منظمة التحریر بین الضفة على مستوى بین فتح

إقرأ أيضاً:

أول بيان من حماس عقب اقتحام بن غفير للحرم الإبراهيمي

قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير للحرم الإبراهيمي في الخليل يمثل "انتهاكًا خطيرًا ويأتي ضمن مشاريع التهويد التي تتهدد مقدساتنا في الضفة الغربية والقدس".

أضافت الحركة في بيان لها أن "هذه الإجراءات الاستفزازية الخطيرة تستدعي من شعبنا في الضفة الانتفاض للتصدي لمشاريع الاحتلال ومستوطنيه، الذين يسعون لفرض أمر واقع في الحرم الإبراهيمي وكافة المقدسات الإسلامية".

أشارت حماس إلى أن "سياسات الاحتلال الهادفة لتغيير الطابع الديني والتاريخي للمقدسات الإسلامية لن تمر دون رد"، داعية جميع القوى الوطنية والإسلامية إلى تصعيد المقاومة الشعبية في وجه الاحتلال ومخططاته.

وشددت الحركة على أن "الشعب الفلسطيني لن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه الانتهاكات المتكررة، وسيبقى الحرم الإبراهيمي والقدس عنوانًا للصمود والمقاومة حتى دحر الاحتلال وإفشال مخططاته التهويدية".

مقالات مشابهة

  • مقتل 10 جنود إسرائيليين في كمين نصبته الفصائل الفلسطينية في غزة
  • الفصائل الفلسطينية: أوقعنا 10 جنود للاحتلال الإسرائيلي بين قتيل وجريح
  • بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
  • الفصائل الفلسطينية تقضي على قوة هندسية للاحتلال.. وتستهدف ناقلة جند
  • مستشار للسوداني: لا دليل على انطلاق عمليات الفصائل من العراق تجاه إسرائيل
  • لابيد: حكومة إسرائيل تطيل أمد الحرب بلا داع وحان وقت التحرك
  • حماس تدعو أبناء الضفة للانتفاض
  • أول بيان من حماس عقب اقتحام بن غفير للحرم الإبراهيمي
  • السلطة الفلسطينية تتهم إسرائيل بتشجيع المستوطنين على الإرهاب
  • هل سويسرا محايدة حقا تجاه القضية الفلسطينية؟