لورنس توبيانا -

كيفن بي غالاغر -

في عام 2021، أجرى صندوق النقد الدولي «مراجعة شاملة للمراقبة»، والتي دفعت نتائجها مجلسه التنفيذي إلى إصدار الأمر بوضع تغير المناخ في صميم عمليات المراقبة والاستشارات التي يقوم بها الصندوق. وسرعان ما أعقب ذلك وضع استراتيجية مناخية شاملة.

من خلال توصلها إلى الاتفاق على «الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة» في إطار مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين COP28)، حققت دول العالَـم تقدما حقيقيا في التصدي لتغير المناخ، ولكن لا يزال أمامنا كثير من العمل لحشد مستوى التمويل اللازم لتحويل هذا التعهد إلى واقع ملموس.

ويتعين على المنظمات الدولية -وخاصة صندوق النقد الدولي- أن تكثف جهودها في هذا الصدد. برغم أن صندوق النقد الدولي كان بطيئا نسبيا عند نقطة الانطلاق في سباق مكافحة تغير المناخ، فإنه تمكن من قطع خطوات كبرى تحت قيادة مديرته العامة كريستالينا جورجييفا، ولكن يتعين عليه أن يدفع قيادته للعمل المناخي إلى مسافات أبعد من ذلك كثيرا.

تشير تقديرات فريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بتمويل المناخ إلى أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية سوف تحتاج، من الآن وحتى عام 2030، إلى حشد 2.4 تريليون دولار سنويًا لمكافحة تغير المناخ، على أن يأتي تريليون دولار من هذا المبلغ من مصادر خارجية.

قد تبدو هذه التكلفة باهظة، لكنها لا تُـقـارَن بالتكاليف المترتبة على التقاعس عن العمل، الآن بالفعل، تعمل الأعاصير والفيضانات الشديدة في منطقة الكاريبي، والجفاف في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا وفي الأرجنتين، وحرائق الغابات في عدد كبير من الاقتصادات المتقدمة، على تغذية عدم الاستقرار وتتسبب في إحداث أضرار اقتصادية شديدة، بما في ذلك أزمات ميزان المدفوعات في بعض البلدان، ومع تكاثر الكوارث المرتبطة بالمناخ وازديادها حِـدّة، ترتفع تكاليف بناء المرونة والقدرة على الصمود والانتقال إلى مسارات تنمية منخفضة الكربون، في حين تتدنى قدرة البلدان على تغطية هذه التكاليف.

لتجنب هذه النتيجة، يستطيع صندوق النقد الدولي -المؤسسة المتعددة الأطراف الوحيدة المكلفة بتعزيز استقرار النظام المالي والنقدي الدولي، والتي تسعى إلى تسهيل التنمية الأطول أمدًا- أن يضطلع بدور بالغ الأهمية، ففي نهاية المطاف، تشكل تعبئة الموارد المالية والاستقرار المالي جوهر المهمة الموكلة إلى صندوق النقد الدولي.

مثله كمثل قسم كبير من النظام المالي، كان صندوق النقد الدولي بطيئا في إدراك حقيقة مفادها أن تغير المناخ قد لا يقل تأثيرا على مستوى الاقتصاد الكلي عن صدمات أسعار الفائدة، أو الحروب، أو الأزمات المالية في الاقتصادات المتقدمة، لكن هذا بدأ يتغير الآن، في عام 2021، أجرى صندوق النقد الدولي «مراجعة شاملة للمراقبة»، والتي دفعت نتائجها مجلسه التنفيذي إلى إصدار الأمر بوضع تغير المناخ في صميم عمليات المراقبة والاستشارات التي يقوم بها الصندوق، وسرعان ما أعقب ذلك وضع استراتيجية مناخية شاملة.

وفي العام الماضي، أنشأ صندوق النقد الدولي صندوق المرونة والاستدامة لمساعدة البلدان منخفضة الدخل، والبلدان متوسطة الدخل المعرضة للخطر، على تحمّل الصدمات المناخية، تضع هذه التدابير صندوق النقد الدولي في طليعة الكفاح ضد تعير المناخ. ولتعزيز هذا الموقف، يعمل الصندوق الآن على زيادة عدد الموظفين، وتحسين نماذجه في التعامل مع القضايا المرتبطة بالمناخ، وتحديث مشورته للبلدان، وتوفير مزيد من التمويل للفئات المعرضة للخطر بسبب تغير المناخ، ولكن وفقًا لتقييم أولي أجراه فريق العمل المستقل المعني بالمناخ والتنمية وصندوق النقد الدولي، يتعين على الصندوق أن يبذل قدرًا أعظم كثيرا من الجهد.في حين يشيد فريق العمل بالتقدم الذي أحرزه صندوق النقد الدولي مؤخرا، فإنه يحث المؤسسة على تنويع مشورتها السياسية بما يتجاوز ضرائب الكربون، ورغم أن تحديد سعر للأنشطة كثيفة الاستخدام للكربون يشكل أهمية دون أدنى شك -لزيادة الإيرادات الحكومية وتحفيز القوى الاقتصادية الفاعلة على خفض انبعاثاتها- فإنه ليس العلاج الشافي من كل داء، إذ تستحق سياسات تكميلية أخرى، مثل معايير الانبعاثات، والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والسياسة الصناعية الخضراء، النظر فيها هي أيضا.

تتمثل نقيصة أخرى تعيب النهج الحالي الذي يتبناه صندوق النقد الدولي في أن نصيحته بشأن تخفيف آثار تغير المناخ لا تغطي سوى البلدان العشرين الأكثر إطلاقًا للانبعاثات الكربونية، وعلى أساس طوعي فقط، وهذا توجه يتسم بِـقِـصَـر النظر، خاصة أن أكبر المتسببين في الانبعاثات اليوم قد لا يكونون هم أنفسهم غدا.

في عموم الأمر، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يضمن أن جميع عمليات المراقبة والمشورة التي يقدمها فيما يتصل بتغير المناخ تؤدي إلى تحقيق مهمة أساسية واحدة: مساعدة البلدان الأعضاء على حشد تريليونات الدولارات اللازمة لتمويل التحول الأخضر بطريقة سليمة ماليا، وممكنة سياسيا، ومتوافقة مع هدف الاستقرار المالي.

من الأهمية بمكان أن يشمل هذا مساعدة البلدان على التأهب للصدمات المناخية والتعافي منها، وتحديد وتطوير بدائل قابلة للتطبيق للنشاط الاقتصادي والإيرادات المالية التي يوفرها الوقود الأحفوري حاليا. يُعَد صندوق المرونة والاستدامة إضافة تستحق الترحيب إلى مجموعة أدوات صندوق النقد الدولي، ولكن لا بد من تعزيزه، وينطبق الشيء ذاته على الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون (CCRT)، الذي يغطي مدفوعات خدمة الديون للدول الأكثر فقرًا وعُـرضة للخطر عندما تضربها كوارث طبيعية مأساوية أو أزمات الصحة العامة. في الوقت الحالي، يبلغ مجموع ديون البلدان المعرضة للمخاطر المناخية المستحقة لصندوق النقد الدولي نحو 40 مليار دولار، ومع ذلك فإن أغلب هذه البلدان غير مؤهلة حاليًا للاستفادة من الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون، الذي لا يملك سوى 100 مليون دولار تحت تصرفه. يجب أن يُمنح هذا الصندوق الوسائل اللازمة لتقديم مزيد من التمويل لعدد أكبر من البلدان. على نحو مماثل، يحتاج عدد أكبر من البلدان إلى إضافة «بنود الإيقاف المؤقت» في اتفاقيات قروض صندوق النقد الدولي -وهو ما تعهد البنك الدولي للتو بتنفيذه- حتى لا تضطر إلى سداد أقساط خدمة الديون في حين تكافح الصدمات المناخية. كما يجب أن تكون مواءمة برامج الإقراض الرئيسية مع اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 أولوية أساسية أخرى لصندوق النقد الدولي، وكذا الحرص على أن تراعي شروط قروضه على النحو الصحيح التكاليف المالية المترتبة على ملاحقة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في البلدان المثقلة بالديون.

توصلت أبحاث أجراها صندوق النقد الدولي إلى أن حِـزَم «التحفيز الأخضر» من شأنها أن تقدم دفعة كبرى للنمو. على نحو مماثل، أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة بروكنجز أن البلدان ستكون قادرة على تحقيق نمو أعلى وتحسين جدارتها الائتمانية، في حين تعمل على تعبئة التمويل الذي تحتاج إليه لمكافحة تغير المناخ، إذا عملت على نشر حزم التحفيز في أوقات الضائقة الاقتصادية.

كان التقرير الصادر مؤخرا عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على حق: فعندما يتعلق الأمر بالعمل المناخي الطموح، فإن التحرك إما أن يكون «الآن أو لن يحدث أبدا». ينبغي لصندوق النقد الدولي أن ينتبه إلى هذا التحذير وأن يزيد من طموحه فيما يتصل بحشد التمويل الذي يحتاج إليه العالم لمواجهة أزمة المناخ، فلا وجود لفرصة ثانية.

لورنس توبيانا سفيرة فرنسا السابقة لدى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والرئيسة التنفيذية لمؤسسة المناخ الأوروبية وأستاذة في معهد العلوم السياسية في باريس.

كيفن بي غالاغر أستاذ سياسة التنمية العالمية في جامعة بوسطن ومدير مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن.

خدمة بروجيكت سنيكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی الأمم المتحدة تغیر المناخ فی حین

إقرأ أيضاً:

خاص| هل طلبت مصر زيادة قرض صندوق النقد؟ د. محمد معيط يجيب

كتب- محمد عمارة:

قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية السابق، المدير التنفيذي للمجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، إن برنامج مصر مع الصندوق، بشأن منحها 8 مليارات دولار، معتمد وتم التفاوض والاتفاق عليه.

وأضاف د. معيط، في حوار خاص مع مصراوي يُنشر لاحقا: ما أقوله هو وجهة نظري الشخصية، أنا لست مسؤولا ولا أتحدث باسم صندوق النقد الدولي ولكنها مجرد تقديرات ووجهة نظري الشخصية.. البرنامج معتمد، وتم التفاوض عليه والاتفاق عليه، ويمضي في مساره، عملية زيادة الكوتة وحصة مصر، لها إجراءات وهو مسار آخر، وكي ينفذ، لازم يكون 85 % على الأقل من الدول أعضاء صندوق النقد الدولي قد وافقت عليه، وما زالت بعض الدول ترسل موافقتها حتى الآن.

وأضاف المدير التنفيذي للمجموعة العربية بصندوق النقد الدولي بشأن أنباء طلب مصر زيادة قيمة القرض: مصر لم تطلب زيادة قيمة تمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي، لكن فيه حاجة تانية اسمها صندوق الاستدامة والصلابة وهو يتعلق بتمويل أمور للتعامل مع قضايا تتعلق بالتحولات المناخية، ده وافق عليه مجلس المديرين التنفيذيين في جلسته الماضية بـتمويل 1.3 مليار دولار، إضافة إلى قيمة القرض الأصلي البالغة 8 مليارات دولارات.

وأوضح د. معيط: التمويل الخاص بالتغيرات المناخية والبالغ 1.3 مليار دولار، بتكون مدته أطول وتمويله أقل وميسر جدا، لكنه في النهاية يوفر تمويلا.

اقرأ أيضًا:

المتر يبدأ من 10 آلاف جنيه.. الإسكان تطرح 35 ألف شقة 15 إبريل المقبل

الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الـ6 أيام المقبلة وموعد انخفاض درجات الحرارة

ضوابط صحية مهمة للحجاج قبل السفر للسعودية.. تعرف عليها

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

الدكتور محمد معيط قرض صندوق النقد برنامج مصر مع الصندوق

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: تفاصيل مشاركة رئيس "النواب" في أعمال الجمعية الـ150 للاتحاد البرلماني الدولي الأخبار المتعلقة نشرة التوك شو| عودة نظام تقسيط توصيل الغاز للمنازل والموعد المتوقع بصرف أخبار

إعلان

هَلَّ هِلاَلُهُ

المزيد أخبار الأزهر للفتوى: صيام ست من شوال يعوِّضُ النّقصَ الذي حصل في صيام فريضة رمضان فتاوى الصيام ما حكم من لم يكمل صيام الست من شوال؟.. الدكتور أسامة قابيل يجيب نصائح طبية لو وزنك زاد في رمضان.. 8 مشروبات طبيعية تساعد على التخسيس بسبب دوره في "سيد الناس" مها الصغير تدافع عن نجلها: "نكبر بقى.. هو معوجش نصائح طبية احذر هذه العلامات.. تشير إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم

إعلان

أخبار

خاص| هل طلبت مصر زيادة قرض صندوق النقد؟ د. محمد معيط يجيب

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك الدولار يتراجع أمام الجنيه في منتصف التعاملات ليهبط من مستواه القياسي ارتدوا الكمامة.. الأرصاد تحذر المواطنين من الأتربة والرمال المثارة على 7 مناطق 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رمضانك مصراوي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • صندوق التقاعد يدعو المتقاعدين المولودين في أفريل إلى تجديد وثائقهم
  • دراسة: قدرة الأرض على تخزين المياه تتراجع بفعل تغير المناخ
  • خاص| هل طلبت مصر زيادة قرض صندوق النقد؟ د. محمد معيط يجيب
  • تغير المناخ يهدد زراعة الموز في أميركا اللاتينية
  • صندوق أوبك يعتمد تمويلات جديدة في الدول الشريكة
  • صندوق النقد الدولي: رسوم ترامب خطر كبير على الاقتصاد العالمي
  • الخطة الوطنية للتكيف.. البيئة: نستهدف رفع الوعي.. خبراء: خارطة طريق للعمل المناخي تحدد أولويات المشروعات والتركيز على قطاعات الأمن الغذائي والمياه والطاقة
  • بريطانيا وبولندا ودول الشمال الأوروبي تناقش إنشاء صندوق للدفاع
  • النقد الدولي: نناشد الولايات المتحدة وشركائها العمل على حل التوترات التجارية
  • مديرة صندوق النقد الدولي تحذر من مخاطر الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد العالمي