صندوق النقد الدولي يجب أن يتولى قيادة تمويل العمل المناخي
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
لورنس توبيانا -
كيفن بي غالاغر -
في عام 2021، أجرى صندوق النقد الدولي «مراجعة شاملة للمراقبة»، والتي دفعت نتائجها مجلسه التنفيذي إلى إصدار الأمر بوضع تغير المناخ في صميم عمليات المراقبة والاستشارات التي يقوم بها الصندوق. وسرعان ما أعقب ذلك وضع استراتيجية مناخية شاملة.
من خلال توصلها إلى الاتفاق على «الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة» في إطار مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين COP28)، حققت دول العالَـم تقدما حقيقيا في التصدي لتغير المناخ، ولكن لا يزال أمامنا كثير من العمل لحشد مستوى التمويل اللازم لتحويل هذا التعهد إلى واقع ملموس.
ويتعين على المنظمات الدولية -وخاصة صندوق النقد الدولي- أن تكثف جهودها في هذا الصدد. برغم أن صندوق النقد الدولي كان بطيئا نسبيا عند نقطة الانطلاق في سباق مكافحة تغير المناخ، فإنه تمكن من قطع خطوات كبرى تحت قيادة مديرته العامة كريستالينا جورجييفا، ولكن يتعين عليه أن يدفع قيادته للعمل المناخي إلى مسافات أبعد من ذلك كثيرا.
تشير تقديرات فريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بتمويل المناخ إلى أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية سوف تحتاج، من الآن وحتى عام 2030، إلى حشد 2.4 تريليون دولار سنويًا لمكافحة تغير المناخ، على أن يأتي تريليون دولار من هذا المبلغ من مصادر خارجية.
قد تبدو هذه التكلفة باهظة، لكنها لا تُـقـارَن بالتكاليف المترتبة على التقاعس عن العمل، الآن بالفعل، تعمل الأعاصير والفيضانات الشديدة في منطقة الكاريبي، والجفاف في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا وفي الأرجنتين، وحرائق الغابات في عدد كبير من الاقتصادات المتقدمة، على تغذية عدم الاستقرار وتتسبب في إحداث أضرار اقتصادية شديدة، بما في ذلك أزمات ميزان المدفوعات في بعض البلدان، ومع تكاثر الكوارث المرتبطة بالمناخ وازديادها حِـدّة، ترتفع تكاليف بناء المرونة والقدرة على الصمود والانتقال إلى مسارات تنمية منخفضة الكربون، في حين تتدنى قدرة البلدان على تغطية هذه التكاليف.
لتجنب هذه النتيجة، يستطيع صندوق النقد الدولي -المؤسسة المتعددة الأطراف الوحيدة المكلفة بتعزيز استقرار النظام المالي والنقدي الدولي، والتي تسعى إلى تسهيل التنمية الأطول أمدًا- أن يضطلع بدور بالغ الأهمية، ففي نهاية المطاف، تشكل تعبئة الموارد المالية والاستقرار المالي جوهر المهمة الموكلة إلى صندوق النقد الدولي.
مثله كمثل قسم كبير من النظام المالي، كان صندوق النقد الدولي بطيئا في إدراك حقيقة مفادها أن تغير المناخ قد لا يقل تأثيرا على مستوى الاقتصاد الكلي عن صدمات أسعار الفائدة، أو الحروب، أو الأزمات المالية في الاقتصادات المتقدمة، لكن هذا بدأ يتغير الآن، في عام 2021، أجرى صندوق النقد الدولي «مراجعة شاملة للمراقبة»، والتي دفعت نتائجها مجلسه التنفيذي إلى إصدار الأمر بوضع تغير المناخ في صميم عمليات المراقبة والاستشارات التي يقوم بها الصندوق، وسرعان ما أعقب ذلك وضع استراتيجية مناخية شاملة.
وفي العام الماضي، أنشأ صندوق النقد الدولي صندوق المرونة والاستدامة لمساعدة البلدان منخفضة الدخل، والبلدان متوسطة الدخل المعرضة للخطر، على تحمّل الصدمات المناخية، تضع هذه التدابير صندوق النقد الدولي في طليعة الكفاح ضد تعير المناخ. ولتعزيز هذا الموقف، يعمل الصندوق الآن على زيادة عدد الموظفين، وتحسين نماذجه في التعامل مع القضايا المرتبطة بالمناخ، وتحديث مشورته للبلدان، وتوفير مزيد من التمويل للفئات المعرضة للخطر بسبب تغير المناخ، ولكن وفقًا لتقييم أولي أجراه فريق العمل المستقل المعني بالمناخ والتنمية وصندوق النقد الدولي، يتعين على الصندوق أن يبذل قدرًا أعظم كثيرا من الجهد.في حين يشيد فريق العمل بالتقدم الذي أحرزه صندوق النقد الدولي مؤخرا، فإنه يحث المؤسسة على تنويع مشورتها السياسية بما يتجاوز ضرائب الكربون، ورغم أن تحديد سعر للأنشطة كثيفة الاستخدام للكربون يشكل أهمية دون أدنى شك -لزيادة الإيرادات الحكومية وتحفيز القوى الاقتصادية الفاعلة على خفض انبعاثاتها- فإنه ليس العلاج الشافي من كل داء، إذ تستحق سياسات تكميلية أخرى، مثل معايير الانبعاثات، والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والسياسة الصناعية الخضراء، النظر فيها هي أيضا.
تتمثل نقيصة أخرى تعيب النهج الحالي الذي يتبناه صندوق النقد الدولي في أن نصيحته بشأن تخفيف آثار تغير المناخ لا تغطي سوى البلدان العشرين الأكثر إطلاقًا للانبعاثات الكربونية، وعلى أساس طوعي فقط، وهذا توجه يتسم بِـقِـصَـر النظر، خاصة أن أكبر المتسببين في الانبعاثات اليوم قد لا يكونون هم أنفسهم غدا.
في عموم الأمر، يتعين على صندوق النقد الدولي أن يضمن أن جميع عمليات المراقبة والمشورة التي يقدمها فيما يتصل بتغير المناخ تؤدي إلى تحقيق مهمة أساسية واحدة: مساعدة البلدان الأعضاء على حشد تريليونات الدولارات اللازمة لتمويل التحول الأخضر بطريقة سليمة ماليا، وممكنة سياسيا، ومتوافقة مع هدف الاستقرار المالي.
من الأهمية بمكان أن يشمل هذا مساعدة البلدان على التأهب للصدمات المناخية والتعافي منها، وتحديد وتطوير بدائل قابلة للتطبيق للنشاط الاقتصادي والإيرادات المالية التي يوفرها الوقود الأحفوري حاليا. يُعَد صندوق المرونة والاستدامة إضافة تستحق الترحيب إلى مجموعة أدوات صندوق النقد الدولي، ولكن لا بد من تعزيزه، وينطبق الشيء ذاته على الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون (CCRT)، الذي يغطي مدفوعات خدمة الديون للدول الأكثر فقرًا وعُـرضة للخطر عندما تضربها كوارث طبيعية مأساوية أو أزمات الصحة العامة. في الوقت الحالي، يبلغ مجموع ديون البلدان المعرضة للمخاطر المناخية المستحقة لصندوق النقد الدولي نحو 40 مليار دولار، ومع ذلك فإن أغلب هذه البلدان غير مؤهلة حاليًا للاستفادة من الصندوق الاستئماني لاحتواء الكوارث وتخفيف أعباء الديون، الذي لا يملك سوى 100 مليون دولار تحت تصرفه. يجب أن يُمنح هذا الصندوق الوسائل اللازمة لتقديم مزيد من التمويل لعدد أكبر من البلدان. على نحو مماثل، يحتاج عدد أكبر من البلدان إلى إضافة «بنود الإيقاف المؤقت» في اتفاقيات قروض صندوق النقد الدولي -وهو ما تعهد البنك الدولي للتو بتنفيذه- حتى لا تضطر إلى سداد أقساط خدمة الديون في حين تكافح الصدمات المناخية. كما يجب أن تكون مواءمة برامج الإقراض الرئيسية مع اتفاق باريس للمناخ لعام 2015 أولوية أساسية أخرى لصندوق النقد الدولي، وكذا الحرص على أن تراعي شروط قروضه على النحو الصحيح التكاليف المالية المترتبة على ملاحقة أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في البلدان المثقلة بالديون.
توصلت أبحاث أجراها صندوق النقد الدولي إلى أن حِـزَم «التحفيز الأخضر» من شأنها أن تقدم دفعة كبرى للنمو. على نحو مماثل، أظهرت دراسة أجرتها مؤسسة بروكنجز أن البلدان ستكون قادرة على تحقيق نمو أعلى وتحسين جدارتها الائتمانية، في حين تعمل على تعبئة التمويل الذي تحتاج إليه لمكافحة تغير المناخ، إذا عملت على نشر حزم التحفيز في أوقات الضائقة الاقتصادية.
كان التقرير الصادر مؤخرا عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على حق: فعندما يتعلق الأمر بالعمل المناخي الطموح، فإن التحرك إما أن يكون «الآن أو لن يحدث أبدا». ينبغي لصندوق النقد الدولي أن ينتبه إلى هذا التحذير وأن يزيد من طموحه فيما يتصل بحشد التمويل الذي يحتاج إليه العالم لمواجهة أزمة المناخ، فلا وجود لفرصة ثانية.
لورنس توبيانا سفيرة فرنسا السابقة لدى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والرئيسة التنفيذية لمؤسسة المناخ الأوروبية وأستاذة في معهد العلوم السياسية في باريس.
كيفن بي غالاغر أستاذ سياسة التنمية العالمية في جامعة بوسطن ومدير مركز سياسات التنمية العالمية بجامعة بوسطن.
خدمة بروجيكت سنيكيت
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صندوق النقد الدولی الأمم المتحدة تغیر المناخ فی حین
إقرأ أيضاً:
وزير المياه يناقش حلولاً جديدة لمواجهة التغير المناخي في جلسة عالمية
شمسان بوست / سبأنت
شارك وزير المياه والبيئة المهندس توفيق الشرجبي، اليوم، على هامش مؤتمر قمة المناخ الدولي (COP29) في العاصمة الأذربيجانية باكو، في الجلسة رفيعة المستوى الخاصة ببناء الشبكات لتعزيز السلام والقدرة على الصمود في البيئات المعرضة لتغير المناخ، التي نظمتها مؤسسة اودي العالمية.
وأكد وزير المياه والبيئة، أن الجمهورية اليمنية عازمة على مواصلة جهودها مع دول العالم لمواجهة تداعيات تغير المناخ.. مشددا على أهمية ايجاد حلول شاملة للأزمة المناخية تشمل الجميع باعتبار الانتقال العادل جزء من اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ واتفاق باريس للمناخ.
وأشار الشرجبي، الى ان اليمن شهدت 6 أعاصير في 6 سنوات، واثرت السيول والفيضانات خلال عام واحد على 30 بالمائة من الأراضي الزراعية في بلد يعتمد الى حد كبير على الزراعة، وهو ما يجعلها من أكثر البلدان تأثراً بالتغيرات المناخية.
وشدد الوزير الشرجبي، على أهمية تسهيل الوصول للتمويلات المناخية لأغراض التكيف في البلدان الأكثر تضرراً من المناخ والتي باتت تواجه تهديدات وجودية بسبب الأثار المتفاقمة للتغيرات المناخية والتي تتسبب في زيادة حدة النزاعات والصراعات، وتقويض الاستقرار العالمي.
ودعا الحكومات والمنظمات الدولية إلى التحرك لسد الفجوة التمويلية، من خلال تسهيل وزيادة التمويل المخصص للتكيف مع تغير المناخ، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وبناء القدرات في الدول النامية، ودعم الخطط الوطنية للدول النامية والأقل نموا، ومساعدتها على التكيف و الانتقال نحو الطاقة المتجددة والاقتصاد الاخضر .