لجريدة عمان:
2025-04-13@03:18:12 GMT

أصبح حل «اللا دولة» أمرًا أكثر واقعية

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

استخدم المؤرخ السوري «قسطنطين زريق» كلمة «النكبة» عام 1948 في إشارة منه إلى ما تعرَّض له الفلسطينيون من تهجير قسري من أرضهم وبيوتهم لإقامة دولة إسرائيل الحديثة، وذلك في كتابه الذي صدر عام 1948 وحمل عنوان «معنى النكبة».

وقد التقيت قبل سنوات بالروائي اللبناني «إلياس خوري» في بيروت، وكان حينها يشغل منصب رئيس تحرير مجلة «الدراسات الفلسطينية» التي تصدر باللغة العربية، وأخبرني «خوري» أن نكبة عام 1948 لم تكن حينها خطة لحظية أو حدثا عابرا، بل هي جزء من عملية مخططة، وقال: «هي نكبة دائمة، أعني أن الكارثة ستكون مستمرة على الفلسطينيين».

ومنذ ذلك الحين، 1948، تحدث الكثير من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين عن منطق «الدولة الإسرائيلية»، التي تعتمد على طرد الفلسطينيين والعرب من المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط؛ لإنشاء دولة إسرائيلية يهودية عرقية ودينية، وهذا ما قصده «خوري» بالنكبة الدائمة على الفلسطينيين.

وفي 11 نوفمبر الماضي، تحدث وزير الزراعة الإسرائيلي «آفي ديختر» بكلام أثار دهشة الصحافة، حيث قال: «نحن الآن نواصل نكبة غزة»، وقال المدير السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي «شين بيت»: «نكبة غزة 2023.. ستنتهي بهذا الشكل».

وفي بداية شهر نوفمبر، استقبلت إذاعة «كول باراما» وزير التراث الإسرائيلي «أميهاي إلياهو»، وسأله المذيع عن إمكانية استخدام قنبلة نووية على غزة لتسويتها بالأرض والقضاء على كل شيء فيها، فأجاب الوزير بقوله: «هذه طريقة واحدة، والطريقة الثانية هي التوصل إلى ما يهم أهل غزة، وما يخيفهم، وما يردعهم،، إنهم حقا لا يخشون من الموت».

كما قال: إنه يجب على إسرائيل أن تحتل قطاع غزة بالكامل، وعند سؤاله ماذا عن الفلسطينيين؟ أجاب: «بإمكانهم الذهاب إلى إيرلندا، أو إحدى الصحاري، يجب أن يجد وحوش غزة الحل بأنفسهم».

نكبة غزة

لقد أصبح نهج الإبادة والانسلاخ من الإنسانية هو الأمر الطبيعي لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو»، الذي قام بتعليق عضوية وزير التراث الإسرائيلي «أميهاي إلياهو»، إلا أنه لم يحاسب وزير الدفاع الإسرائيلي «يوآف جالانت» الذي قال في وصفه للفلسطينيين بأنهم: «حيوانات بشرية»؛ لأن هذا الوصف يعبر عن المسؤولين الكبار في إسرائيل، الذين أصبحوا الآن يتحدثون بهذه اللغة.

يواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ «نكبة غزة»، في بداية الهجوم، وجهت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين بأن يتحركوا إلى جنوب قطاع غزة، على طول طريق صلاح الدين، الواقع بين الشمال والجنوب في منطقة يبلغ طولها 40 كيلومترا وتضم 2.3 مليون فلسطيني؛ وذلك لأنهم سيكثفون الهجوم على شمال غزة وخاصة مدينة غزة.

وفعلا انتقل حوالي 1.5 مليون من أهل غزة من الجزء الشمالي إلى الجنوب، وكرر الجيش الإسرائيلي كلامه بأن الجنوب ستكون منطقة آمنة، أما العدد الباقي من الفلسطينيين الذين بقوا في شمال غزة فقد تعرضوا لقصف مكثف لم يسبق له مثيل في أي وقت مضى، أكثر مما حدث في عام 2006، فالحرب الحالية شملت غارات جوية ضد مخيمات اللاجئين المزدحمة، مثل مخيمات جباليا.

وفي أواخر الشهر الماضي - نوفمبر- وبعد خمسة أسابيع من القصف الوحشي على شمال غزة، كثفت إسرائيل هجماتها الجوية على ثاني أكبر مدينة في غزة، وهي مدينة خان يونس، إضافة إلى بدء عملية برية على المناطق التي يجب أن تكون آمنة حيث وجهت إسرائيل المدنيين الفلسطينيين إلى التوجه إليها ليحتموا بها، وبعد مرور الأسبوع الأول من ديسمبر الحالي حاصرت الدبابات الإسرائيلية مدينة خان يونس، وبدأت الطائرات الإسرائيلية بقصف بعض القرى الصغيرة في جنوب غزة.

فبعد أن وجهوا نحو 1.8 مليون فلسطيني للذهاب إلى جنوب غزة، بدأوا في قصف ذلك الجزء، وقبل ذلك رفضت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية الكافية إلى أهل غزة، وهذا ما يعني أن تسعة من بين كل عشرة من أهل غزة يعيشون بلا طعام لعدة أيام متواصلة، وذلك وفق ما نُقل إلى الأمم المتحدة «برنامج الغذاء العالمي» من أن الكثير لم يأكلوا منذ 10 أيام.

أجبرت هذه الحرب عددا كبيرا من أهلي غزة للتوجه نحو الحدود المصرية، وتعميقا للنكبة الدائمة في ذلك الجزء من الأرض الفلسطينية المحتلة بدأت إسرائيل بعدوانها على الضفة الغربية.

وفي 18 أكتوبر، قبل أن تتحرك القوات الإسرائيلية إلى خان يونس بمدة طويلة، نشر الجيش الإسرائيلي تغريدة يوجه فيها سكان غزة بالتحرك نحو المنطقة الإنسانية «المواصي»، وبعد ثلاثة أيام وجَّه الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين للتحرك من «جنوب وادي غزة» نحو «المواصي»، ليحتشد عدد كبير في هذه البقعة الصغيرة «8.55 كيلومتر مربع»، ويجدون بأنها بلا خدمات أساسية، بما في ذلك شبكة الإنترنت، إضافة إلى أن الجيش الإسرائيلي يُطلق أسلحته من مكان قريب.

وقال أحد الفلسطينيين «محمد غانم» الذي كان يعيش قرب مستشفى الشفاء شمال غزة: «المواصي منطقة ليست إنسانية ولا حتى آمنة».

يأمل الفلسطينيون في جنوب غزة أن يخرجوا من هذه الحرب بأمان قبل أن تجدهم القنابل الإسرائيلية، اليوم وصل عدد الشهداء إلى أكثر من 18000 شهيد، وكتب أحد أصدقاء الفلسطينيين في رسالة نصية: «حتى إذا تركنا منازلنا، وذهبنا إلى المنفى، سوف نُقتل هناك».

لقد أرسل الرسالة بعد أن تأكد أن عدد الفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم منذ السابع من أكتوبر أكبر من عدد الذين طردوا في نكبة 1948، «هذه النكبة الثانية»، قال لي ذلك وهو بالقرب من الحدود بين غزة ومصر.

تصويت الإبادة

دعت الكثير من الجهات إلى وقف النار، جراء الهجوم الإسرائيلي المروع على الفلسطينيين منذ الأسبوع الثاني من أكتوبر، فقد استخدمت إسرائيلي قوة نارية - ممولة من الدول الغربية وخاصة المملكة المتحدة والولايات المتحدة- بشكل عشوائي ضد شعب يعيش في ازدحام في مناطق غزة.

لتملأ صور العنف والقصف والدمار والضحايا كافة مواقع التواصل الاجتماعية، وحتى الأخبار بثت تلك الكارثة، فلم يكن بوسعها تجاهل ما يحدث، وقد دحضت هذه الصور والمقاطع كل الحجج الإسرائيلية وحجج الداعمين لهم في تبرير أفعالهم.

وانطلقت مسيرات الاحتجاج التي ضمت عشرات الملايين في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في الدول الداعمة لإسرائيل، فقد واجهوا بشجاعة حكوماتهم التي حاولت تظليل الرأي العام بأن المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين هي مظاهرات معادية للسامية، ولكن باءت محاولاتهم بالفشل.

كان هذا الادعاء - المظاهرات المؤيدة لوقف إطلاق النار والتضامن مع غزة أنها معادية للسامية - محاولة مضحكة في توظيف معاداة السامية في هذه الحرب، ولكن هذا التوظيف لا يعمل كما تريد تلك الحكومات، بل تزايدت الدعوات العالمية لوقف إطلاق النار بشكل واسع، الأمر الذي أدى فعلا إلى الضغط على الحكومات للتحرك.

في الثامن من ديسمبر الحالي قدمت دولة الإمارات قرارا وصف بأنه «موجز وبسيط وحاسم» لوقف إطلاق النار في غزة، كما جاء في كلمة مأخوذة من سفير الإمارات لدى الأمم المتحدة محمد عيسى أبو شهاب.

واستشهد الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو جوتيريش» بالمادة 99 من الميثاق الذي يتيح له التشديد على أهمية الحدث من خلال ما يعرف بـ«الدبلوماسية الوقائية»، وقد استخدم هذا الخطاب ثلاث مرات فقط في السابق، أثناء النزاعات في جمهورية الكونجو عام 1960، وفي إيران عام 1979، وفي لبنان عام 1989، وقد أيَّد ما يقرب من 100 دولة عضو في الأمم المتحدة القرار، ويقول «أنطونيو جوتيريش»: إنه يُطلب من شعب غزة أن يتحركوا كالكرات البشرية دون أدنى وسائل الانتقال، ولا أدنى حماية للبقاء على قيد الحياة»، ويضيف: «لا يوجد مكان آمن في غزة».

وصوت على القرار 13 عضوا في المجلس، بما في ذلك فرنسا، إلا أن المملكة المتحدة امتنعت عن التصويت، وواحد فقط رفع يده لاستخدام حق النقض ضد القرار، إنه نائب السفير الأمريكي «روبرت وود».

وبعد أربعة أيام من القرار، طرح المصريون في 12 ديسمبر نفس القرار بشكل تقريبي، وذلك في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال رئيس الجمعية «دينيس فرانسيس» -وهو من دولة ترينيداد وتوباغو- قال: «لدينا أولوية واحدة، واحدة فقط، هي إنقاذ الأرواح، أوقفوا هذا العنف حالا»، وكان التصويت على القرار هائلا، فقد صوتت 153 دولة لصالح القرار، وصوتت 10 دول فقط ضده، وامتنعت 33 دولة عن التصويت.

وأعتقد أنه من المهم ذكر الدول التي صوتت ضد قرار وقف إطلاق النار، وهي النمسا، جمهورية التشيك، جواتيمالا، إسرائيل، ليبيريا، ميكرونيزيا، ناورو، بابوا غينيا الجديدة، باراجواي، والولايات المتحدة.

وامتنعت العديد من الدول الأوروبية -من بلغاريا إلى المملكة المتحدة- عن التصويت، لكن الأمور تبدو معقدة، فحتى أوكرانيا لم تصوت مع إسرائيل بهذا القرار، بل امتنعت عن التصويت.

إن استخدام حق «الفيتو» الأمريكي في مجلس الأمن، والأصوات المعارضة في الجمعية العامة، تُعتبر في الواقع تأييدًا لما يسمى «النكبة الدائمة» للشعب الفلسطيني، وفكرة عدم وجود دولة لهم، هذا القرار سيفهم بهذا الشكل في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في منطقة «المواصي» حيث تتزايد الهجمات العسكرية، بل أيضًا في التظاهرات التي قد تحدث في أماكن مختلفة من العالم من نيويورك إلى غاية جاكرتا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الجیش الإسرائیلی إطلاق النار عن التصویت نکبة غزة شمال غزة أهل غزة

إقرأ أيضاً:

انطلاق مناورات "الأسد الإفريقي" بمشاركة أكثر من 30 دولة (صور)

تستعد القوات المسلحة الملكية، بشراكة مع القوات المسلحة الأمريكية، لتنظيم تمرين « الأسد الإفريقي » في نسخته الواحدة والعشرين، وذلك خلال الفترة الممتدة من 12 إلى 23 ماي 2025، بكل من أكادير، طانطان، تزنيت، القنيطرة، بنجرير وتيفنيت.


وتجدر الإشارة إلى أن التحضيرات لهذا التمرين قد انطلقت في وقت سابق، والتي احتضن آخرها مقر قيادة المنطقة الجنوبية بأكادير، من 24 إلى 28 فبراير المنصرم، حيث عُقد اجتماع التخطيط النهائي لهذا الحدث العسكري الهام، بمشاركة ممثلين عن مختلف الدول المعنية. وقد باشرت القوات المسلحة الملكية وضع اللمسات الأخيرة إيذاناً بانطلاق التمرين، وذلك من خلال تعبئة الموارد البشرية وتحضير الوسائل اللوجستية المقررة.

ويُعد تمرين « الأسد الإفريقي » من أكبر المناورات العسكرية في القارة الإفريقية، كما يُشكل محطة بارزة لتعزيز التعاون وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة للدول المشاركة، لا سيما في مجالات التكوين والتدريب المشترك، مما يُسهم في تطوير قابلية التشغيل البيني على المستويات العملياتية، والتقنية، والإجرائية.

وينتظر أن تشهد نسخة هذا العام مشاركة القوات المسلحة الملكية ونظيراتها الأمريكية، إلى جانب أكثر من 30 دولة مشاركة أو ملاحِظة من أوربا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ومنطقة الشرق الأوسط.


ويتضمن تمرين « الأسد الإفريقي » عدة أنشطة عملياتية، تشمل تدريبات ميدانية وتكتيكية برية، وبحرية، وجوية تُنفذ نهارًا وليلًا، إلى جانب تمارين للقوات الخاصة والإنزال الجوي، وتمرين مشترك لتخطيط العمليات لفائدة ضباط هيئات الأركان، في إطار « فريق العمل  » (Task Force)، هذا وستعرف الدورة 21 لتمرين الأسد الإفريقي أنشطة موازية ذات طابع إنساني واجتماعي.

وتهدف مناورات « الأسد الإفريقي 2025 » إلى تعزيز التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة، وتطوير التشغيل البيني وتقوية قدرات التدخل في سياق متعدد الجنسيات، وذلك بغية تعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 50,933 شهيدًا
  • انطلاق مناورات "الأسد الإفريقي" بمشاركة أكثر من 30 دولة (صور)
  • أمين الأطباء العرب: محاولات لاستعادة دور الاتحاد منذ أكثر من 18 عامًا
  • الجيش الإسرائيلي يلغي رحلات لإسرائيليين إلى داخل سوريا بسبب تقييم أمني
  • الأمم المتحدة: سلوك إسرائيل في غزة يهدد وجود الفلسطينيين
  • تهجير الفلسطينيين خط أحمر لن نسمح بتجاوزه.. رسائل مصرية قوية خلال منتدى أنطاليا.. "الخارجية": جهود يومية مستمرة لوقف إطلاق النار.. محللون: مصر تتحرك وفق خطط واقعية ومدروسة.. وتواجه التحديات
  • أردوغان: إسرائيل دولة إرهاب ولن نسمح بالمساس بأمن سوريا
  • إسرائيل تُطوّق الفلسطينيين بـالسور الحديدي في الضفة الغربية
  • ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 50.886 شهيدًا
  • الإعيسر: الحكومة السودانية لم ترسل أي مبعوث إلى دولة إسرائيل