صحافة الموبايل والذكاء الاصطناعى عنوان جديد ومثير لملتقى مهم أقامته الأكاديمية العربية وكلية اللغة والإعلام بالتعاون مع وزارة التضامن برعاية لأحد الشركات المهتمة بهذا المجال الإعلامى التقنى وتأتى أهمية هذا الملتقى العلمى من كونه يجمع بين العاملين فى مجال الإعلام والتكنولوجيا وبين الأكاديميين المتخصصين وحضور الجمهور المستهدف إلا وهو الشباب والجيل القادم وأثيرت عدة قضايا تتعلق بالخبر ودور الموبايل فى نقل الصورة والاستخدمات التقنية للذكاء الاصطناعى التى قد تخدع وتكذب وتنشر معلومات أو صورة خادعة وكيفية التعامل مع تلك الأخبار والصور الكاذبة من خلال تطبيقات تقنية، كما عرض البعض لأهمية وضرورة دراسة أخلاقيات الإعلام الجديد وإصدار قوانين رادعة حاسمة تتعامل مع كل ما يضر بالمجتمعات والدول عبر تلك التقنيات الحديثة وإصدار كود أخلاقى يتناسب مع ثقافة وقيم مجتمعاتنا العربية.
ولكن تبقى المشكلة الرئيسية ألا وهى فى خضم ماحدث بغزة، وتلك الحرب الوحشية والإبادة الجماعية التى تقوم بها أمريكا مع الكيان المحتل الغاصب وبمباركة من الغرب المستعمر وذلك الخذلان والصمت العربى.. نجد أن جميع التطبيقات والتقنيات والمنصات الحديثة، هى جزء من ذلك الاستعمار الأمريكى الغربى اقتصاديًا وسياسيًا، وأن هذا الاستعمار التقنى الجديد استطاع أن يسيطر على المحتوى والمضمون وكل ما يقدم ويعرض عبر جميع المنصات الحديثة، فإذا كانت المنصات الفضائية قد تدخلت فى نسيج المجتمعات العربية ونشرت وعرضت أعمالًا للأطفال والكبار، ودست ذلك السم فى عسل الترفيه والمتعة والفن بأسماء مدعية عن الحرية والديمقراطية والمدنية من أفلام ومسلسلات وكرتون وألعاب ومعظمها رسائل ضمنية للقوة والعنف والجنس والمثلية وهدم قيم الأسرة والدعوة إلى الاستقلالية والخروج عن المألوف وعن العادات والتقاليد التى هى بالية كما يدعون، واستطاعت تلك الأعمال أن تكون سلوكًا ونمطًا فى الحياة يتشبه بالغرب ويعتبره الملاذ والملجأ والنموذج الحى للحريات والديمقراطية والجنة الموعودة للحضارة والتقدم، ثم فوجئ الشباب والجيل الجديد بأننا مجرد أرقام فى منظومة خوارزميات سياسية واقتصادية وتقنية يتحكمون فيها من مجلس أعلى يحكم ويسيطر ويستعمر الشعوب.. فوجئ الجيل الجديد أن كل شبكات التواصل باختلافها لا تتبع معايير الغرب وحضارته وتقدمه المزعوم ولا ما يسمى بالحرية والمساواة والإخاء وإنما هذا المحتوى والمضمون يتحكم فيه من يملك التقنية والتطبيق، وكذلك من يعلن ويحول ويجمع المليارات والدولارات من خلال الإعلانات وما يتبعها.
نحتاج إلى منصات عربية وتطبيقات وتقنيات غير مملوكة لهذا الغرب الاستعمارى، كما علينا أن نعد كليات وأقسام اللغات والإعلام والحاسبات فى مشروعات قومية محلية وعربية لكتابة محتوى صادق نسجل من خلاله تاريخنا وحضارتنا وحياتنا ماضينا وحضارنا، ونعبر أيضاً عن جوهر المجتمع المصرى والعربى وفى ذات الوقت نعرض وننشر محتوى فنى وإخبارى ومعلوماتى وثقافى وسياسى اقتصادى يعكس ويصور طبيعة المجتمع وليس مجرد تقليد ومحاكاة للاستعمار الغربى لغويًا وثقافيًا وسياسيًا.. حتى اليوم نردد ذات المصطلحات الغربية عن الإرهاب على سبيل المثال فمن هو الإرهابى ومن هو المتحضر؟ هل من يقتل آلاف المئات من الأبرياء أمام أعين كل المنظمات الدولية لا يسمى إرهابيًا، بينما من يقاوم ويصمد ويدافع هو الإرهابى؟ ندرس ونبحث ونردد كل أكاذيبهم لأننا نستخدم ونستعمل كل منتجاتهم الإستهلاكية والعلمية والتقنية.. دعوة إلى التحرر من الاستعمار الجديد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أ د عزة هيكل الذكاء الاصطناعى وزارة التضامن
إقرأ أيضاً:
كيف تحولت السجون بالدولة الحديثة من وسيلة إلى عقاب؟
وحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع إسماعيل الناشف لبرنامج "العمارة والإنسان" الذي تناول "عمارة السجون"، فإن مفهوم العقاب قديما كان مشهدا يراه الجميع من خلال إحضار المجرم إلى ساحة مركزية وتعذيبه جسديا أمام الجميع.
لكن هذه الفكرة تغيرت مع سيطرة النظام الرأسمالي، الذي يحاول -كما يقول الناشف- إعداد أشخاص يمكنهم الانخراط في سوق العمل بشكل منضبط، واعتمد بشكل أساسي على تطوير ثلاث منظومات أساسية هي: العائلة، والعمل، والسجن.
وقد تحدث للبرنامج عن فكرة السجن التي قال إنها نبعت من رغبة الدولة أو النظام في تعزيز فكرة الرقابة من خلال السيطرة.
رقابة الجدرانلذلك، فقد تطور تصميم السجون بهدف إلحاق أكبر قدر ممكن من العقوبة بنفسية المجرم من خلال الجدران، كما قال المفكر والمصلح الاجتماعي الإنجليزي جيرمي بنثام (1748-1832).
اللافت أن هذا المصلح الاجتماعي بنثام كان صاحب واحدة من أكثر أفكار دهاء في فلسفة السجون، حيث صمم سجن بانوبتيكون الذي تحوّل لاحقا إلى متحف.
ففي سجن بانوبتيكون الذي صمم بشكل دائري، كانت غرف المساجين كلها تطل على ساحة مركزية، وضع بنثام وسطها برج مراقبة مضاءً طيلة الوقت بحيث لا يتمكن السجناء من رؤية الحارس الموجود بداخله.
إعلانوبهذه الطريقة، تحولت الرقابة إلى فعل ذاتي يقوم به المسجون نفسه لأن خشيته من الحارس -غير الموجود أساسا في برج المراقبة- منعته من التفكير في القيام بأي عمل مخالف.
وبحسب الناشف، فقد كان البناء هو البطل في هذا السجن الذي صممه بنثام، لأن برج المراقبة كان هو الشيء الذي تم إخضاع السجناء به، وجعلهم يراقبون أنفسهم بأنفسهم.
تغيّر معنى العقاب
ويعتبر سجن بنثام هذا دليلا على التحوّل من فكرة التعذيب العلني للمجرم الذي كان سائدا في العصور الوسطى، إلى فكرة العزل وتنفيذ العقاب بعيدا عن أعين الجماهير والتي اعتمدتها الدولة الحديثة، كما يقول الناشف.
وبناء على ذلك، فقد تغير شكل الرقابة داخل السجون عما كان عليه في السابق، وهو ما طبقته الدولة في مختلف المؤسسات بما فيها المدارس التي يتم تصميمها على نحو يعزز فكرة المراقبة لدى الطلاب.
فمع عجز الدول عن مراقبة كافة مواطنيها وحاجتها الماسة لمراقبة الناس من أجل إخضاعهم، كان لزاما عليها أن تجد فلسفة تتجاوز من خلال هذه العقبة، وكانت فكرة الإيهام التي ابتكرها بنثام في سجنه هي الحل السحري بالنسبة لها.
وقد تجاوز بانوبتيكون كونه سجنا إلى كونه فكرة تم تكرارها بطرق مختلفة منها على سبيل المثال ترسيخ فكرة أن مكالمات الهاتف مراقبة لحظة بلحظة رغم أنها قد لا تكون كذلك، كما يقول البرنامج.
مجموعة من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال (غيتي) الحبس الانفراديلكن السجون بشكلها المجرد كمبانٍ وجدران ومعاملة ظلت واحدة من أكثر العلامات تعبيرا عن شكل الدولة، وقد قال الكاتب والفيلسوف الروسي الكبير فيودور ديستويفسكي في روايته الشهيرة "مذكرات من بيت الموتى" إن درجة تحضر أي مجتمع يمكن معرفتها بمجرد الدخول إلى سجونها.
ولم يكن حديث ديستويفسكي مجرد خيال كاتب، لكنه كان نتاج تجرية حقيقية عاشها الرجل عندما تم وضعه لمدة 8 أشهر في أحد سجون سيبيريا الباردة بتهمة الانتماء لجماعة فكرية مخالفة للدولة، وهناك كتب روايته سالفة الذكر.
إعلانوداخل هذ السجن، عاش الكاتب الروسي الكبير تجربة الحبس الانفرادي التي ابتكرها الإصلاحيون المتدينون بحجة منح السجين فترة للاختلاء بنفسه والاعتراف بذنبه، لكن هذا النوع من الحبس لا يعدو كونه درجة أكثر قسوة من التعذيب.
ففي هذا الحبس، يمارس السجانون ما يسمى بالصمت العقابي ضد السجين الذي لا يجد من يتحدث معه حتى إنهم يحاولون ارتداء أحذية لا تصدر صوتا خلال الحركة حتى يمنعوه من أي نوع من أنواع الاستئناس.
وعندما أراد ديستويفسكي وصف هذا الشعور، قال إنها مرحلة تتحطم فيها الروح بين الجدران انتظارا للإعدام أو للعفو، وإن السجون تمتص الإنسان وتخذله.
ولم يكن ديستويفسكي وحده الذي تحدث عن السجون، فقد وصف الرئيس البوسني السابق علي عزت بيغوفيتش الحبس الانفرادي بأنه "محدودية في المكان وفائض في الزمان". وهي حالة قد تصل بالإنسان إلى مرحلة الهلاوس والانفصام عن الواقع، كما يؤكد الطبيب النفسي همام يحيى.
16/12/2024