مع كل فاجعة، وعند أي كارثة أو مصيبة تحلّ بمنطقتنا العربية البائسة، يخرج علينا حفنة من «المُضَلِّلين»، بـ«أحاديث الإفك» التي يُصَدِّرونها للشعوب، بهدف السيطرة على العقول والأدمغة، وفقًا لنظرية التأطير «Framing Theory»، التي أصبحت أهم وسيلة لتمرير السياسات اللاحقة.
تلك النظرية تعتمد بوضوح على أن يَعْمَدَ سَارد القصة إلى التركيز على جانبٍ واحدٍ فقط من الحَدَث وإبرازه، في مقابل إغفال أو تَجاهُل أو طَمْس جوانب أخرى مهمة، بحسب السياسات والهوى والميول و«التعليمات».
للأسف، منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، لم نكن نتوقع على الإطلاق هذا «الرُّخْص» الموجود لدى بعض المؤسسات الإعلامية العربية، التي يُفترض فيها الحدّ الأدنى من المهنية، لنكتشفها على حقيقتها المؤسفة، حيث تفتقر إلى ميثاق الشرف.. أو حتى الحياد!
الأداء المخزي لتلك المؤسسات ـ التي يمكننا تسميتها بـ«ليكود الإعلام العربي» ـ وضعها في «ورطة مستنقع غزة»، بعد صمود المقاومة الفلسطينية، وما حققته من نتائج أليمة ومذلة في صفوف جيش «الاحتلال الإسرائيلي»، على مدار 73 يومًا.
لعل مشهدًا واحدًا فقط، أبرزته مؤسسات «ليكود الإعلام العربي» سواء أكانت صحفية أو تلفزيونية، وما يتبعهما من ذباب إلكتروني، كافٍ للدلالة على أنها تنتظر بترقب ما سيُسفر عنه العدوان الصهيوني البربري، بحق الأبرياء المدنيين في غزة، أملًا في استئصال المقاومة الفلسطينية.
مؤخرًا، لاحظنا بثّ مقاطع فيديو تُصوِّر فلسطينيين عَرَّاهم جيش الاحتلال من ثيابهم، لينقلهم بشاحنات مكشوفة أمام الكاميرات، في مشهد مؤسف تندى له نخوة الشهامة والكرامة الإنسانية، لتعلن بكل وقاحة أن مقاتلي حماس في قبضة الجيش «الإسرائيلي»، وهو الأمر الذي لم تتجرأ عليه أكبر مؤسسة صحفية «صهيونية» تطرفًا مثل «يديعوت أحرنوت»، التي كذَّبت الرواية العبرية ومَن يروجون لها، مؤكدة أن المقبوض عليهم من الفلسطينيين المدنيين العاديين!
ذلك الإعلام «العربي الليكودي»، لا يدَّخر جهدًا في تجميل صورة «الوَحْش الإسرائيلي»، وتشويه «الحَمَل الفلسطيني».. وما أحاديث الإفك والافتراءات إلا محاولات مفضوحة لخدمة الادعاءات الكاذبة لـ«الصهاينة»، وتحميل المقاومة مسئولية ما جرى للفلسطينيين من دمار شامل وإبادة جماعية وتهجير قسري!
بكل أسف، أصبحنا نعيش في زمن صناعة وإشاعة الكذب، بظهور مَن كان يُفترض أنهم أشقاء داعمون ومساندون، لكننا وجدناهم يُنَصِّبون أنفسهم قضاة وجلادين، ويتركون الظالم المحتل المجرم الذي يُهلك الحرث والنَّسل، لكنهم يحاسبون الضحايا!
أخيرًا.. هؤلاء «المُرْجِفون» أو «المتآمرون»، يقدمون بأريحية خدماتهم المجانية بصفتهم «أعوان الشيطان»، فلا يتوقفون عن نَسْج أحاديث الإفك وتصدير الافتراءات، كما لا تنتهي محاولاتهم المستمرة عن «استحمار» الشعوب، وتفريغ القضية العادلة من مضمونها.
فصل الخطاب:
يقول الراحل الدكتور عصمت سيف الدولة: «الصهيونية وحلفاؤها، يحاولون دون توقف، تحقيق (النصر النهائي)، فبدلًا من احتلال أرضنا جزءًا جزءًا، بدأوا في احتلال رؤوسنا فكرة فكرة».
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: صفقة تبادل الأسرى الصهيونية الكيان الإسرائيلي المحتل العدوان على قطاع غزة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء محمود زاهر الإعلام العبري طوفان الأقصى
إقرأ أيضاً:
المأزق الإسرائيلي / سوسن كعوش
#المأزق_الإسرائيلي
#سوسن_كعوش
صحفية فلسطينية مقيمة في لينان
أجبر طوفان السابع من أكتوبر/تشرين الأول العديد من الإسرائيليين على مغادرة منازلهم في الجنوب بالقرب من حدود غزة. كما أدى إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بشكل شبه مستمر في شمال الكيان المغتصب من قِبَل حزب الله إلى نزوح عشرات الآلاف. ويعيش الآن ما مجموعه أكثر 250 ألف إسرائيلي بعيداً عن منازلهم، إما في فنادق تدفع الحكومة تكاليفها أو مع عائلاتهم. ويشكل منح هؤلاء الناس الثقة بالعودة إلى منازلهم أولوية للحكومة الإسرائيلية، وتحدياً لقدرة رئيس وزراء الكيان الوفاء بوعوده المتكررة لإعادة هؤلاء إلى منازلهم.
مقالات ذات صلة إلقاء قنبلتين ضوئيتين باتجاه منزل نتنياهو / شاهد 2024/11/17ولكن الإخفاقات الصهيونية جعلت من قضية استعادة الثقة أمراً صعباً للغاية، سواء من الناحية العسكرية أو النفسية. حيث يتعين إسرائيل أن تكون قادرة على هزيمة حماس وحزب الله أو ردعهما. ولكن “الهزيمة” و”الردع” لا زالا مفهومان بعيدان المنال، ويتعين على إسرائيل أن تقنع شعبها بأنهم آمنون. وهذا أمر صعب في ضوء عملية طوفان الأقصى عندما فشلت الاستخبارات الإسرائيلية في الكشف عن الهجوم والتحذير منه، وفشلت قوات الاحتلال الإسرائيلية في الدفاع عن المجتمعات القريبة من غزة.
في الجنوب القريب من غزة، سوف تتطلب استعادة الثقة هزيمة شاملة وواضحة لحماس؛ وفي الشمال، سوف يتطلب الأمر من حزب الله نقل المزيد من وحداته النخبوية “الرضوان” بعيداً عن حدود إسرائيل لضمان عدم وقوع هجوم مفاجئ. وقد تحتاج إسرائيل أيضاً إلى نشر أعداد كبيرة من القوات على كل جبهة وتزويد كل منطقة مأهولة بقدرات أكبر للدفاع عن النفس. ومثل هذه التدابير مكلفة وصعبة بشكل خاص بالنسبة لإسرائيل لأن قوتها العسكرية تعتمد على جنود الاحتياط، مما يجعل من الصعب الحفاظ على جيش كبير في حرب طويلة.
ما يزيد الأمر سوءاً هو أزمة الثقة في النظام السياسي. فقبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت إسرائيل مجتمعاً منقسماً إلى حد كبير، مع انقسامات حادة بين المجتمعات الدينية والعلمانية، والعرب الإسرائيليين واليهود الإسرائيليين، واليهود من الدول الأوروبية مقابل اليهود من الدول العربية. لقد عملت حكومة نتنياهو على زيادة انقسام البلاد من خلال جلب شخصيات من أقصى اليمين إلى الحكومة وتقويض استقلال القضاء. وبالفعل، يزعم بعض اليمينيين أن حماس هاجمت لأنها رأت أن إسرائيل ضعيفة بسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وفي ظني أنه قد تحدث كارثة محتملة لإسرائيل إذا ما حاولت توسيع رقعة الحرب مع حزب الله لأن من شأن ذلك دفع قوى أخرى للانخراط في صفوف المقاومة بشكل مباشر دفاعاً عن لبنان.
في مرحلة ما، سوف تنهي إسرائيل العمليات العسكرية عالية الكثافة في غزة وفي لبنان، إما لأنها دمرت المنازل وقتلت الأرواح البريئة، لكنها فشلت في تحقيق أهداف عدوانها على غزة ولبنان، أو لأن التكلفة في الأرواح والعملات ــ ومكانتها الدولية ــ أثبتت أنها باهظة للغاية. وعند هذه النقطة، ولتجنب التحول إلى قوة احتلال لسكان معاديين، ومنع الفوضى على حدودها مع غزة ولبنان، سوف تكون مجبرة على الجلوس في غرف المفاوضات السياسية مع حماس وحزب الله وإن كان بصورة غير مباشرة.
وعلى إسرائيل في مرحلة ما قادمة إجراء عدد من الترتيبات الأمنية والسياسية، ولكن خياراتها ضعيفة لمعالجة الوضع في غزة في اليوم التالي لإنهاء عدوانها. فهي لا تستطيع البقاء في غزة، والسلطة الفلسطينية – كخيار بديل عن حماس في غزة – فاسدة وليس لها شعبية، وأدت سياسات إسرائيل في الضفة الغربية إلى تقويض مصداقية السلطة الفلسطينية، كما أدى طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي إلى تآكل شعبيتها بشكل أكبر. ختلا أنها لا تستطيع إدارة الأمن في الضفة الغربية دون مساعدة إسرائيلية كبيرة.
لا يمكن التغلب على بعض هذه التحديات من دون خلق مشاكل وضغوط إضافية للكيان الصهيوني داخلياً وخارجياً. وأعتقد أن إسرائيل المتأزمة سوف تضطر إلى تقليص أهدافها في نهاية المطاف، والرضوخ لمنطق المقاومة التي لا يمكن لإسرائيل أو غيرها أن تقضي على عقيدة المقاومة لأن المقاومة فكرة والأفكار لا تموت.
وما الهجمات التي شنها الجيش الصهيوني باستخدام الأسلحة الحارقة الملقاة جوا في المناطق المدنية مؤخراً، والمحظورة دولياً مثل الفوسفور الأبيض، إلا دليلاً على مأزق هذا الكيان المصطنع الذي أربكه صمود واستمرار المقاومة.