صحيفة أثير:
2024-09-16@11:48:46 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

مسقط-أثير
إعداد: الدكتور صالح بن سليمان الكلباني

درج العالم عامة والعربي خاصة على الاحتفاء في الثامن عشر من ديسمبر باليوم العالمي للغة العربيّة، ومن الجدير ذكره بادئ ذي بدء سبب تخصيص هذا اليوم للاحتفاء باللغة العربية قبل الحديث عن أصالتها وتأثيرها وتأثّرها بالحضارات الإنسانية في العالم؛ فخلال الدورة الستين للأمم المتحدة، أُصدِر قرار باعتماد اللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية في المنظمة ومؤسساتها، وفي الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العمومية صدر قرار في ديسمبر (1973) باعتماد العربية لغة رسمية ضمن لغات المنظمة.

وبغض النظر عن تاريخية اللغة ونشأتها، تعدُّ اللغة العربية إحدى اللغات السامية التي تعود لقرونٍ قبل الميلاد، ولقد كانت العرب وقبائلها في شبه الجزيرة العربية تحافظ على لهجاتها وفصاحتها حتى اندمج عرب الجزيرة مع غيرهم من الأجناس بسبب دخول تلك الأجناس إلى الإسلام وتزايد الاحتكاك الاجتماعي بها عامة، والحواضر الثقافيّة المعروفة آن ذاك خاصة، وتبعا لذلك رأى العرب الحاجة ماسة إلى حفظ اللغة من اللحن واندراس مفرداتها؛ حفاظا على عربيتهم التي يغارون عليها ويستقبحون تحريفها، واحترازا عن اللحن في القرآن الكريم، فنشأت المدرسة البصرية التي قعدت النحو؛ من أبي الأسود الدؤلي وابن أبي إسحاق، والخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه ومن أتى بعدهم في هذه المدرسة اللغوية النحوية. وتدرج الاهتمام بالعربية فنشأت نتيجة سعتها وتعدد العلماء والآراء مدارس بها مثل: الكوفية، والبغدادية والأندلسية والمصرية ولغة الشام والحجاز واليمن.

​ ولعله من الجيد الإشارة إلى أن اللغة وهي في مرحلة التقعيد والمعيارية كان قد أسهم فيها من غير العرب كثير، فسيبويه وهو صاحب أشهر كتاب(كتاب سيبويه) كان فارسيا، وكان ما كان من ساهمة الحضارات الأخرى التي نقل عنها اللغويون ما استأنسوا به، فتأثروا وأثّروا في الآخرين؛ ومن الإشارات في المحافل اللغوية هو استفادة النحاة من نحو وكتابة كل من: اليونان والهند والفرس والمجال لا يتسع لذكر تفاصيل هذا الامتزاج الثقافي والحضاري.

​ وبعد مرحلة التأسيس وفي عصور: صدر الإسلام والعصور الراشدية كان للعرب والعربية انفتاح أكثر مع الأمم الأخرى؛ لأن رقعة أراضي الإسلام اتسعت وشملت متحدثي لغات مختلفة، وكان إذ ذاك أن استفاد العرب من العقل اليوناني بنقل الفلسفة وعلوم المنطق عند أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس وغيرهم، واستفادوا من عقل الفرس بنقل العلوم وبالتأليف في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة، ومن عقل الهند بالترجمة عن الأدبيات الأسطورية وقصصها؛ ولعل كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه ابن المقفع أقربه إل القارئ البسيط.
​ وكان أن اعترف علماء تلك الحضارات بتأثير العربية ونجابتها، ولا أدل من إطالة المقال إنشاء أقسام للدراسات العربية وكراسي علميّة لها في مختلف جامعات العالم وتعلمها؛ فشيوع اللغة العربية في المجتمعات الأوروبية ونتيجة كثرة الإقبال على تعلمها جعل أحد رجال الدين النصارى في مجمع فينا 1311م يدعو إلى إنشاء ست مدارس لتعليم اللغات الشرقية في أوروبا، حتى أتت موجة المستشرقين ودارسي اللغة العربية لسبر أغوارها وإثبات شرفها وعمقها مثل (ميركس) في كتابه تاريخ صناعة النحو عند السريان والفرنسي (فليش)، والهندي فيرستيج، الذي قال بتأثر النحو العربي بالنحو اليوناني، وكارتر الإنكليزي الذي رفض تلك الفكرة ،وبروكلمان وجوتولد فايل وليتمان، فضلا عن جيرار تروبو الذي قدم بحثا أثبت فيه أصالة النحو العربي.
أما عن التأثير في الجانب الثقافي والاجتماعي فإن اللغة العربية تناسلت بالترجمة وبالعلاقات التجارية، أو تسللت إلى لغات كثيرة وأقوام عديدين، ومؤلفاتهم ودراساتهم كثيرة في ذلك نذكر منها كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) لسيغريد هونكه. والدراسات العلمية والمؤلفات والبحوث لم تنه حتى يومنا هذا؛ فما زلنا نرى حركة التناسل الثقافي بالترجمة إلى اللغات الأخرى ومنها قائمة على أشدها، ولعل فوز الكُتَّاب العرب بجوائز عالمية لدليل على مشاركة العربية في الإنتاج الثقافي والحضاري.

وعلاوة على التناسل الثقافي والحضاري بالترجمة، فهو قائم بالتواصل البشري عن طريق البعثات العلمية وتعلم اللغات وتعليمها؛ وحدث في البلاد العربية أن أُنشأت المجامع العربية التي أخذت على عاتقها حمل أمانة اللغة فسارت تنشر العربية للمسلمين في ربوع العالم ولغير المسلمين أيضا، وبدأت تستقطب غير الناطقين بالعربية لتعلّمها في كنفها، فأنشأت الكليات والمعاهد التي تستقطب العالم إلى لتعلم العربية ليعرفوا كيف يفكر العربي وكيف يعيش وكيف يتعامل وما احتياجاته؟ ومن أمثلتها كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها أنموذجا ومن نماذج المجامع أيضا: مجمع الملك عبدالله، ومجمع الملك سلمان، ومجمع الإمارات وقطر وغيرها كثير. وكان لهذا التناسل الثقافي والحضاري مردود وتبادل اقتصادي وعلمي على الجميع من مختلف الحضارات.

بقي أن أشير في نهاية المقال إلى أن شرف العربية ينطلق من عموديته وأفقيته؛ فأما عموديته فلكون العربية لغة القرآن الكريم، وأما أفقيته لرسوخ قدم العربية بين اللغات الحيّة القديمة، ولا أدل على ذلك ما يجمعه المرويّ في المأثور: “أحب العربية لثلاث: لأنها لغة العرب ولغة القرآن ولغة سكان الجنان”.

وحريٌ بنا ونحن نحتفي بالعربية أن نجعلها مسألة مستقبيلة وأمنا قوميا عربيا كباقي الأمم، تكشف قوتنا وعوارنا، وإذا كان غير العربي يهتم ويهش إلى العربية فلعمري أن العربي والمسلم أحرى بذاك وأولى، وإن أنس لا أنس ما يُذكر عن المسابقة التي أقمتها هيئة الإذاعة البريطانية لأفضل قصيدة تقال في مدح الرسول الكريم ففاز بها شاعر سنغالي إذ قال:
هجرت بقاع مكة والهضابا * وودعت المنازل والرحابا
تخذت من الدجى يا بدر سترا * ومن رهبوت حلكته ثيابا
ومن عجب تسيء إليك أرض * نشأت فما أسأت بها شبابا
والمرء ما زال مخبوء تحت لسانه ولغته هويته وفكره وأمنه.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

برنامج موهبتي.. ينير المجمع الثقافي بالمواهب الشابة

انطلقَ الحفلُ الطُلابيُّ لبرنامجِ "موهبتي" على خشبة المجمّعِ الثَقافيِّ، والذي تُنظِّمُهُ دائرةُ التَعليمِ والمَعرفةِ في أبوظبي، بالتعاونِ معَ دائِرةِ الثقافةِ والسياحةِ- أبوظبي، وتمَّ استعراضُ المَواهِبِ الفَنيَّةِ لطُلابٍ في مجالاتِ الغناءِ والمَسرحِ والبَاليه والموسيقى والفنونِ الشعبيةِ


أطياف متنوعة اعتبرَت البَرنامجَ مِنصةً مِثاليةً لاستعراضِ المَواهِبِ الفَنيَّةِ والتى ركَّزَ عليهَا البَرنامجُ منذُ انطلاقهِ عامَ 2017.

وقد أثمر التَعاونَ بينَ دائِرةِ الثَقافةِ والسياحةِ- أبوظبي ودائرةِ التَعليمِ والمعرفةِ  في دعمِ المَواهِبِ الفنيَّةِ النَاشئةِ في الإمارةِ واستكشافِها إلى جانِبِ تَزويدِهَا بالدعمِ اللازِمِ لإثراءِ حِسِّها الإبداعيِّ ورُؤيتِهَا الفَنيةِ وإلهامِ تلكَ العُقولِ الصَغيرةِ .. لمُتابعةِ شَغَفِها.

أخبار ذات صلة المصرف المركزي يفرض عقوبة مالية على بنك عامل في الدولة "الأعمال الخيرية العالمية" تطلق حملتها الجديدة لكفالة 5 آلاف يتيم

قدّم برنامج "موهبتي" هذا العام مجموعة متنوعة من الموسيقى والغناء والعروض الحية.. إلى جانب الثقافة والإرث الإماراتي.

 

برنامج "موهبتي".. ينير المجمع الثقافي بمجموعة من المواهب الشابة

تقرير: ندى الزعابي#مركز_الاتحاد_للأخبار pic.twitter.com/2nO4Et8Tpe

— علوم الدار - مركز الاتحاد للأخبار (@oloumaldar) September 15, 2024

المصدر: الاتحاد - أبوظبي

مقالات مشابهة

  • برنامج موهبتي.. ينير المجمع الثقافي بالمواهب الشابة
  • رئيس المجلس العربي للمياه: ‏التحديات التي نواجهها هائلة ولكنها ليست مستعصية على الحل
  • الحزب القومي يبارك العملية النوعية للقوات المسلحة التي استهدفت يافا المحتلة
  • «الدبيبة» يدعو لمعالجة المعوقات التي تواجه المعهد القومي لعلاج الأورام
  • الإمارات تقود جهود تطوير نماذج اللغات الكبيرة في المنطقة
  • أين المدقق اللغوي عن ضبط لسان المذيع؟!
  • مجلة القافلة تحتفي بحضور الإبل الثقافي في حمى نجران
  • تجديد شهادة الأيزو في إدارة الجودة لمركز اللغات والترجمة بجامعة القاهرة
  • بيلاروس تتعرض للترويس الثقافي.. مدارس البلاد تستبدل اللغة البيلاروسية بالروسية
  • مرمى العربية بلا حارس