صحيفة أثير:
2025-07-08@07:47:14 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

مسقط-أثير
إعداد: الدكتور صالح بن سليمان الكلباني

درج العالم عامة والعربي خاصة على الاحتفاء في الثامن عشر من ديسمبر باليوم العالمي للغة العربيّة، ومن الجدير ذكره بادئ ذي بدء سبب تخصيص هذا اليوم للاحتفاء باللغة العربية قبل الحديث عن أصالتها وتأثيرها وتأثّرها بالحضارات الإنسانية في العالم؛ فخلال الدورة الستين للأمم المتحدة، أُصدِر قرار باعتماد اللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية في المنظمة ومؤسساتها، وفي الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العمومية صدر قرار في ديسمبر (1973) باعتماد العربية لغة رسمية ضمن لغات المنظمة.

وبغض النظر عن تاريخية اللغة ونشأتها، تعدُّ اللغة العربية إحدى اللغات السامية التي تعود لقرونٍ قبل الميلاد، ولقد كانت العرب وقبائلها في شبه الجزيرة العربية تحافظ على لهجاتها وفصاحتها حتى اندمج عرب الجزيرة مع غيرهم من الأجناس بسبب دخول تلك الأجناس إلى الإسلام وتزايد الاحتكاك الاجتماعي بها عامة، والحواضر الثقافيّة المعروفة آن ذاك خاصة، وتبعا لذلك رأى العرب الحاجة ماسة إلى حفظ اللغة من اللحن واندراس مفرداتها؛ حفاظا على عربيتهم التي يغارون عليها ويستقبحون تحريفها، واحترازا عن اللحن في القرآن الكريم، فنشأت المدرسة البصرية التي قعدت النحو؛ من أبي الأسود الدؤلي وابن أبي إسحاق، والخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه ومن أتى بعدهم في هذه المدرسة اللغوية النحوية. وتدرج الاهتمام بالعربية فنشأت نتيجة سعتها وتعدد العلماء والآراء مدارس بها مثل: الكوفية، والبغدادية والأندلسية والمصرية ولغة الشام والحجاز واليمن.

​ ولعله من الجيد الإشارة إلى أن اللغة وهي في مرحلة التقعيد والمعيارية كان قد أسهم فيها من غير العرب كثير، فسيبويه وهو صاحب أشهر كتاب(كتاب سيبويه) كان فارسيا، وكان ما كان من ساهمة الحضارات الأخرى التي نقل عنها اللغويون ما استأنسوا به، فتأثروا وأثّروا في الآخرين؛ ومن الإشارات في المحافل اللغوية هو استفادة النحاة من نحو وكتابة كل من: اليونان والهند والفرس والمجال لا يتسع لذكر تفاصيل هذا الامتزاج الثقافي والحضاري.

​ وبعد مرحلة التأسيس وفي عصور: صدر الإسلام والعصور الراشدية كان للعرب والعربية انفتاح أكثر مع الأمم الأخرى؛ لأن رقعة أراضي الإسلام اتسعت وشملت متحدثي لغات مختلفة، وكان إذ ذاك أن استفاد العرب من العقل اليوناني بنقل الفلسفة وعلوم المنطق عند أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس وغيرهم، واستفادوا من عقل الفرس بنقل العلوم وبالتأليف في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة، ومن عقل الهند بالترجمة عن الأدبيات الأسطورية وقصصها؛ ولعل كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه ابن المقفع أقربه إل القارئ البسيط.
​ وكان أن اعترف علماء تلك الحضارات بتأثير العربية ونجابتها، ولا أدل من إطالة المقال إنشاء أقسام للدراسات العربية وكراسي علميّة لها في مختلف جامعات العالم وتعلمها؛ فشيوع اللغة العربية في المجتمعات الأوروبية ونتيجة كثرة الإقبال على تعلمها جعل أحد رجال الدين النصارى في مجمع فينا 1311م يدعو إلى إنشاء ست مدارس لتعليم اللغات الشرقية في أوروبا، حتى أتت موجة المستشرقين ودارسي اللغة العربية لسبر أغوارها وإثبات شرفها وعمقها مثل (ميركس) في كتابه تاريخ صناعة النحو عند السريان والفرنسي (فليش)، والهندي فيرستيج، الذي قال بتأثر النحو العربي بالنحو اليوناني، وكارتر الإنكليزي الذي رفض تلك الفكرة ،وبروكلمان وجوتولد فايل وليتمان، فضلا عن جيرار تروبو الذي قدم بحثا أثبت فيه أصالة النحو العربي.
أما عن التأثير في الجانب الثقافي والاجتماعي فإن اللغة العربية تناسلت بالترجمة وبالعلاقات التجارية، أو تسللت إلى لغات كثيرة وأقوام عديدين، ومؤلفاتهم ودراساتهم كثيرة في ذلك نذكر منها كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) لسيغريد هونكه. والدراسات العلمية والمؤلفات والبحوث لم تنه حتى يومنا هذا؛ فما زلنا نرى حركة التناسل الثقافي بالترجمة إلى اللغات الأخرى ومنها قائمة على أشدها، ولعل فوز الكُتَّاب العرب بجوائز عالمية لدليل على مشاركة العربية في الإنتاج الثقافي والحضاري.

وعلاوة على التناسل الثقافي والحضاري بالترجمة، فهو قائم بالتواصل البشري عن طريق البعثات العلمية وتعلم اللغات وتعليمها؛ وحدث في البلاد العربية أن أُنشأت المجامع العربية التي أخذت على عاتقها حمل أمانة اللغة فسارت تنشر العربية للمسلمين في ربوع العالم ولغير المسلمين أيضا، وبدأت تستقطب غير الناطقين بالعربية لتعلّمها في كنفها، فأنشأت الكليات والمعاهد التي تستقطب العالم إلى لتعلم العربية ليعرفوا كيف يفكر العربي وكيف يعيش وكيف يتعامل وما احتياجاته؟ ومن أمثلتها كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها أنموذجا ومن نماذج المجامع أيضا: مجمع الملك عبدالله، ومجمع الملك سلمان، ومجمع الإمارات وقطر وغيرها كثير. وكان لهذا التناسل الثقافي والحضاري مردود وتبادل اقتصادي وعلمي على الجميع من مختلف الحضارات.

بقي أن أشير في نهاية المقال إلى أن شرف العربية ينطلق من عموديته وأفقيته؛ فأما عموديته فلكون العربية لغة القرآن الكريم، وأما أفقيته لرسوخ قدم العربية بين اللغات الحيّة القديمة، ولا أدل على ذلك ما يجمعه المرويّ في المأثور: “أحب العربية لثلاث: لأنها لغة العرب ولغة القرآن ولغة سكان الجنان”.

وحريٌ بنا ونحن نحتفي بالعربية أن نجعلها مسألة مستقبيلة وأمنا قوميا عربيا كباقي الأمم، تكشف قوتنا وعوارنا، وإذا كان غير العربي يهتم ويهش إلى العربية فلعمري أن العربي والمسلم أحرى بذاك وأولى، وإن أنس لا أنس ما يُذكر عن المسابقة التي أقمتها هيئة الإذاعة البريطانية لأفضل قصيدة تقال في مدح الرسول الكريم ففاز بها شاعر سنغالي إذ قال:
هجرت بقاع مكة والهضابا * وودعت المنازل والرحابا
تخذت من الدجى يا بدر سترا * ومن رهبوت حلكته ثيابا
ومن عجب تسيء إليك أرض * نشأت فما أسأت بها شبابا
والمرء ما زال مخبوء تحت لسانه ولغته هويته وفكره وأمنه.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

هوية سوريا الحضارية… نسيج من التراث العريق

دمشق-سانا

تتجلّى في التراث السوري عناصر ومكونات ضاربة في العراقة والابتكار، تنتشر على مدى الجغرافيا السورية في كل زاوية ومكان، من أوابد شامخة وصناعات تقليدية أصيلة، إلى دبكات وغناء يصدح بالحياة، وحكايات تتوارثها الأجيال، وصولاً إلى حلويات ومطابخ متنوعة تُبهج الحواس، كل هذه المكونات معاً تُشكّل نسيجاً فريداً لهوية سوريا الحضارية العريقة.

وفي هذا التراث يتجلى غنى المجتمع السوري وتنوعه العرقي والثقافي والديني، ويسهم في تعزيز الهوية والانتماء، وهو ما أوضحه الباحث في التراث الدكتور إسماعيل ربداوي لـ سانا الثقافية، حيث أشار إلى غنى سوريا بالتراث المادي واللامادي، واللذين علينا أن نميز بينهما، كما نميز بين جسد الإنسان وروحه، فهما يعكسان معاً هوية سوريا وحضارتها التي يجب الحفاظ عليها والاعتزاز بها.

في درعا

يشير الدكتور ربداوي إلى أن المدرج الأثري في بصرى الشام بمحافظة درعا يندرج ضمن التراث المادي للمحافظة، إضافة إلى العديد من المعالم الدينية فيها، بينما يندرج فولكلور الدبكات واللباس وأغاني المجوز والهجيني، وأطباق كثيرة مثل المليحي، والرقاقة، وفطائر الكشك، والبندورة أو السبانخ، وخبز العيد، واللزاقيات ضمن التراث اللامادي للمحافظة.

في دمشق

ويتابع ربداوي: في دمشق العاصمة، تندرج قلعتها وأبوابها وحاراتها وأسواقها ومعالمها الدينية ضمن التراث المادي، بينما تندرج العراضة الدمشقية، واللباس الدمشقي، والأطباق الكثيرة والغنية، والوردة الدمشقية، ضمن التراث اللامادي، وتطول القائمة.

في حلب

الحال نفسه مع الشهباء، حيث يضيف ربداوي: تندرج قلعة حلب وحاراتها القديمة، وأسواقها، ومعالمها الدينية ضمن التراث المادي، بينما تندرج القدود الحلبية، وصابون الغار، ورقصات كثيرة منها السماح، ومطبخ غني جداً، وتطول القائمة في التراث اللامادي للمدينة.

في حماة

تندرج نواعيرها وحاراتها القديمة ضمن قائمة التراث المادي، بينما تُعد الأطباق اللذيذة من التراث اللامادي، مثل طبق حلاوة بالجبن، والأمثلة كثيرة.

الحفاظ على التراث مسؤولية الجميع

هذا التراث الغني والعريق يحتاج إلى الحفاظ عليه، وتقع على عاتق الجميع مسؤولية كبيرة في هذا الصدد، حيث يؤكد الدكتور ربداوي أن ثمة جهداً حكومياً يجب أن يُبذل من أجل توثيقه بشكل كامل في منظمة اليونيسكو، للحفاظ عليه من السرقة، والتشويه، والطمس، إضافة إلى ضرورة إضاءة المؤسسات الإعلامية العامة والخاصة على جميع التفاصيل التراثية بشقيها المذكورين أعلاه.

ويختتم ربداوي حديثه بالقول: الجهد الأخير في الحفاظ على التراث السوري يقع على عاتقنا نحن، فعلينا دون شك أن نثمّن تراثنا بكل ما نملك، وأن نعتز به، وعلينا أن نكتب ونتحدث عنه قدر الإمكان، وأن نسلط الضوء عليه في كل مكان وزمان.

التراث السوري هوية سوريا الحضارية 2025-07-06Belalسابق إنهاء مشروع تخفيف خطر الفيضان في قرية السعن بحماة انظر ايضاً تفعيل العمل لتسجيل البروكار في التراث السوري خلال محاضرة في ثقافي أبو رمانة

دمشق-سانا تناولت المحاضرة، التي أقامها المركز الثقافي العربي في أبو رمانة اليوم، بعنوان “البروكار الدمشقي …

آخر الأخبار 2025-07-06التحول الرقمي في المؤسسات… محاضرة لوزارة الأشغال العامة والإسكان السورية 2025-07-06وزير الطاقة السوري يتفقد واقع عمل مصفاة حمص 2025-07-06اندلاع بؤر جديدة للنيران بقسطل معاف في ريف اللاذقية 2025-07-06المؤرخ محمود السيد… سوريا مهد العقاب وموطن شعار العزة في العالم 2025-07-06الإدمان… الآثار الجسدية والنفسية وطرق العلاج 2025-07-06وزارة الثقافة السورية تبحث مع الاتصالات سبل توظيف التحوّل الرقمي في عملها 2025-07-06سحب عينات مائية من المسابح في دمشق للتأكد من مطابقتها للمعايير الصحية 2025-07-06جهود كبيرة للدفاع المدني السوري لمنع امتداد النيران إلى محمية الفرنلق باللاذقية 2025-07-06سوريا وقطر تبحثان سبل تعزيز العلاقات الثنائية 2025-07-06وزير الخارجية يبحث مع سفير سلطنة عمان في سوريا سبل تعزيز العلاقات بين البلدين

صور من سورية منوعات لأول مرة منذ قرن… سكان باريس يسبحون في نهر السين 2025-07-06 دراسة تحذر: لا توجد “كمية آمنة” لتناول اللحوم المصنعة 2025-07-04
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • قرار عاجل من التعليم بشأن منهج اللغة العربية المطور للمرحلة الابتدائية
  • برنامج لتأهيل منسوبي “سار” غير الناطقين بـ”العربية”
  • “لمسات الإبداع”.. معرض لـ 19 فنانة سورية في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة في دمشق
  • ماريانا ماسا: كيف حررت الترجمة اللغة العربية من كهوف الماضي وقادتها إلى الحداثة؟
  • الذكاء الاصطناعي.. أمل اللغات المهددة
  • هوية سوريا الحضارية… نسيج من التراث العريق
  • قسم العربية بجامعة البترا يحصد أول اعتماد أردني لبرامج الأكاديمية لمدة 4 سنوات
  • الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية بالجزائر.. آفاق واعدة لحركية صاعدة
  • جامعة برج العرب التكنولوجية توقع بروتوكول تعاون مع الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة
  • «الثقافي العربي» في الشارقة يستضيف جورج غريغوري