صحيفة أثير:
2025-04-02@10:11:33 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

مسقط-أثير
إعداد: الدكتور صالح بن سليمان الكلباني

درج العالم عامة والعربي خاصة على الاحتفاء في الثامن عشر من ديسمبر باليوم العالمي للغة العربيّة، ومن الجدير ذكره بادئ ذي بدء سبب تخصيص هذا اليوم للاحتفاء باللغة العربية قبل الحديث عن أصالتها وتأثيرها وتأثّرها بالحضارات الإنسانية في العالم؛ فخلال الدورة الستين للأمم المتحدة، أُصدِر قرار باعتماد اللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية في المنظمة ومؤسساتها، وفي الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العمومية صدر قرار في ديسمبر (1973) باعتماد العربية لغة رسمية ضمن لغات المنظمة.

وبغض النظر عن تاريخية اللغة ونشأتها، تعدُّ اللغة العربية إحدى اللغات السامية التي تعود لقرونٍ قبل الميلاد، ولقد كانت العرب وقبائلها في شبه الجزيرة العربية تحافظ على لهجاتها وفصاحتها حتى اندمج عرب الجزيرة مع غيرهم من الأجناس بسبب دخول تلك الأجناس إلى الإسلام وتزايد الاحتكاك الاجتماعي بها عامة، والحواضر الثقافيّة المعروفة آن ذاك خاصة، وتبعا لذلك رأى العرب الحاجة ماسة إلى حفظ اللغة من اللحن واندراس مفرداتها؛ حفاظا على عربيتهم التي يغارون عليها ويستقبحون تحريفها، واحترازا عن اللحن في القرآن الكريم، فنشأت المدرسة البصرية التي قعدت النحو؛ من أبي الأسود الدؤلي وابن أبي إسحاق، والخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه ومن أتى بعدهم في هذه المدرسة اللغوية النحوية. وتدرج الاهتمام بالعربية فنشأت نتيجة سعتها وتعدد العلماء والآراء مدارس بها مثل: الكوفية، والبغدادية والأندلسية والمصرية ولغة الشام والحجاز واليمن.

​ ولعله من الجيد الإشارة إلى أن اللغة وهي في مرحلة التقعيد والمعيارية كان قد أسهم فيها من غير العرب كثير، فسيبويه وهو صاحب أشهر كتاب(كتاب سيبويه) كان فارسيا، وكان ما كان من ساهمة الحضارات الأخرى التي نقل عنها اللغويون ما استأنسوا به، فتأثروا وأثّروا في الآخرين؛ ومن الإشارات في المحافل اللغوية هو استفادة النحاة من نحو وكتابة كل من: اليونان والهند والفرس والمجال لا يتسع لذكر تفاصيل هذا الامتزاج الثقافي والحضاري.

​ وبعد مرحلة التأسيس وفي عصور: صدر الإسلام والعصور الراشدية كان للعرب والعربية انفتاح أكثر مع الأمم الأخرى؛ لأن رقعة أراضي الإسلام اتسعت وشملت متحدثي لغات مختلفة، وكان إذ ذاك أن استفاد العرب من العقل اليوناني بنقل الفلسفة وعلوم المنطق عند أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس وغيرهم، واستفادوا من عقل الفرس بنقل العلوم وبالتأليف في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة، ومن عقل الهند بالترجمة عن الأدبيات الأسطورية وقصصها؛ ولعل كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه ابن المقفع أقربه إل القارئ البسيط.
​ وكان أن اعترف علماء تلك الحضارات بتأثير العربية ونجابتها، ولا أدل من إطالة المقال إنشاء أقسام للدراسات العربية وكراسي علميّة لها في مختلف جامعات العالم وتعلمها؛ فشيوع اللغة العربية في المجتمعات الأوروبية ونتيجة كثرة الإقبال على تعلمها جعل أحد رجال الدين النصارى في مجمع فينا 1311م يدعو إلى إنشاء ست مدارس لتعليم اللغات الشرقية في أوروبا، حتى أتت موجة المستشرقين ودارسي اللغة العربية لسبر أغوارها وإثبات شرفها وعمقها مثل (ميركس) في كتابه تاريخ صناعة النحو عند السريان والفرنسي (فليش)، والهندي فيرستيج، الذي قال بتأثر النحو العربي بالنحو اليوناني، وكارتر الإنكليزي الذي رفض تلك الفكرة ،وبروكلمان وجوتولد فايل وليتمان، فضلا عن جيرار تروبو الذي قدم بحثا أثبت فيه أصالة النحو العربي.
أما عن التأثير في الجانب الثقافي والاجتماعي فإن اللغة العربية تناسلت بالترجمة وبالعلاقات التجارية، أو تسللت إلى لغات كثيرة وأقوام عديدين، ومؤلفاتهم ودراساتهم كثيرة في ذلك نذكر منها كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) لسيغريد هونكه. والدراسات العلمية والمؤلفات والبحوث لم تنه حتى يومنا هذا؛ فما زلنا نرى حركة التناسل الثقافي بالترجمة إلى اللغات الأخرى ومنها قائمة على أشدها، ولعل فوز الكُتَّاب العرب بجوائز عالمية لدليل على مشاركة العربية في الإنتاج الثقافي والحضاري.

وعلاوة على التناسل الثقافي والحضاري بالترجمة، فهو قائم بالتواصل البشري عن طريق البعثات العلمية وتعلم اللغات وتعليمها؛ وحدث في البلاد العربية أن أُنشأت المجامع العربية التي أخذت على عاتقها حمل أمانة اللغة فسارت تنشر العربية للمسلمين في ربوع العالم ولغير المسلمين أيضا، وبدأت تستقطب غير الناطقين بالعربية لتعلّمها في كنفها، فأنشأت الكليات والمعاهد التي تستقطب العالم إلى لتعلم العربية ليعرفوا كيف يفكر العربي وكيف يعيش وكيف يتعامل وما احتياجاته؟ ومن أمثلتها كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها أنموذجا ومن نماذج المجامع أيضا: مجمع الملك عبدالله، ومجمع الملك سلمان، ومجمع الإمارات وقطر وغيرها كثير. وكان لهذا التناسل الثقافي والحضاري مردود وتبادل اقتصادي وعلمي على الجميع من مختلف الحضارات.

بقي أن أشير في نهاية المقال إلى أن شرف العربية ينطلق من عموديته وأفقيته؛ فأما عموديته فلكون العربية لغة القرآن الكريم، وأما أفقيته لرسوخ قدم العربية بين اللغات الحيّة القديمة، ولا أدل على ذلك ما يجمعه المرويّ في المأثور: “أحب العربية لثلاث: لأنها لغة العرب ولغة القرآن ولغة سكان الجنان”.

وحريٌ بنا ونحن نحتفي بالعربية أن نجعلها مسألة مستقبيلة وأمنا قوميا عربيا كباقي الأمم، تكشف قوتنا وعوارنا، وإذا كان غير العربي يهتم ويهش إلى العربية فلعمري أن العربي والمسلم أحرى بذاك وأولى، وإن أنس لا أنس ما يُذكر عن المسابقة التي أقمتها هيئة الإذاعة البريطانية لأفضل قصيدة تقال في مدح الرسول الكريم ففاز بها شاعر سنغالي إذ قال:
هجرت بقاع مكة والهضابا * وودعت المنازل والرحابا
تخذت من الدجى يا بدر سترا * ومن رهبوت حلكته ثيابا
ومن عجب تسيء إليك أرض * نشأت فما أسأت بها شبابا
والمرء ما زال مخبوء تحت لسانه ولغته هويته وفكره وأمنه.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

مجانا.. اليوم الثقافي الياباني في مكتبة مصر العامة

كتب- محمد شاكر:

تنظم مكتبة مصر العامة الرئيسية بالدقي، برئاسة السفير عبد الرؤوف الريدي، فعالية "اليوم الثقافي الياباني" يوم الأربعاء 9 أبريل 2025، في تمام الساعة 12 ظهرًا، بقاعة الندوات في الطابق الثالث.

يقدم الحدث تجربة فريدة للجمهور لاستكشاف جوانب مختلفة من الثقافة اليابانية، من خلال أنشطة تفاعلية تشمل: كتابة الأسماء باليابانية، حيث يمكن للزوار التعرف على طرق الكتابة اليابانية وتدوين أسمائهم بالحروف اليابانية، الزي الياباني التقليدي، حيث سيتمكن الحاضرون من تجربة وارتداء الزي التقليدي والتقاط الصور التذكارية، الألعاب اليابانية، وهي فرصة رائعة لخوض تجربة ممتعة من خلال ممارسة الألعاب التراثية اليابانية.

الفعالية مفتوحة للجمهور مجانًا، وتدعو المكتبة جميع المهتمين بالثقافة اليابانية لحضور هذا الحدث المميز والاستمتاع بتجربة تعليمية وترفيهية فريدة من نوعها.

اقرأ أيضًا:

"ملابس خريفية".. الأرصاد تحذر المواطنين وتعلن تفاصيل طقس العيد

فرص عمل في الإمارات.. 6 مهن مطلوبة والتقديم لمدة 5 أيام- رابط

المفتي: اختلاف رؤية الهلال بين الدول أمر طبيعي

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

مكتبة مصر العامة عبد الرؤوف الريدي اليوم الثقافي الياباني

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

إعلان

هَلَّ هِلاَلُهُ

المزيد دراما و تليفزيون استفتاء مصراوي 2025.. منافسة قوية بين علي البيلي وكريم الحرز على "أفضل طفل" جنة الصائم هبة عوف تحذّر من مظاهر سلبية بين الفتيات في صلاة العيد سفرة رمضان ما تأثير الإفراط في البسكويت و الشاي بالحليب أول يوم العيد؟ دراما و تليفزيون مسلسل فهد البطل الحلقة 29.. القبض على "بدارة" بتهمة تحريضها على قتل "فهد" متنوعة الإفتاء تحسم حكم صيام المسافر من السعودية إلى مصر بعد إعلان الرؤية

إعلان

أخبار

مجانا.. "اليوم الثقافي الياباني" في مكتبة مصر العامة

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك بالدليل.. أستاذ فلك بجامعة منهاتن: مصر الأصح علميًا وشرعيًا في رؤية هلال عيد الفطر "ملابس خريفية".. الأرصاد تحذر المواطنين وتعلن تفاصيل طقس العيد 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رمضانك مصراوي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يُطلق برنامج (شهر اللغة العربية) في مملكة إسبانيا
  • «مصطفى بكري» لـ العربية الحدث: إسرائيل هدفها تفكيك الجيش المصري ومن حق مصر الحفاظ على أمنها القومي
  • برلمانية تكشف أبرز الرسائل التي أطلقتها القوي السياسية والشعبية حفاظاً علي أمننا القومي
  • مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يشارك في (معرض بولونيا الدولي للكتاب 2025) في جمهورية إيطاليا
  • باحث ألماني: تعلّمت العربية لأنني أردت الهروب من ضيق الأفق في أوروبا
  • الخرطوم هي العاصمة العربية التي هزمت أعتى مؤامرة
  • من أوكرانيا إلى فلسطين.. العدالة التي تغيب تحت عباءة السياسة العربية
  • عيد مبارك بكل اللغات... شبكة يورونيوز تتقدم لكم بأسمى التهاني بمناسبة عيد الفطر
  • مجانا.. اليوم الثقافي الياباني في مكتبة مصر العامة
  • المدرسة النحوية مؤسسة أوقفها أمير مملوكي لتدريس علوم اللغة العربية