صحيفة أثير:
2025-07-06@21:21:22 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT

لغتنا العربية؛ هويتنا الحضارية وأمننا القومي

مسقط-أثير
إعداد: الدكتور صالح بن سليمان الكلباني

درج العالم عامة والعربي خاصة على الاحتفاء في الثامن عشر من ديسمبر باليوم العالمي للغة العربيّة، ومن الجدير ذكره بادئ ذي بدء سبب تخصيص هذا اليوم للاحتفاء باللغة العربية قبل الحديث عن أصالتها وتأثيرها وتأثّرها بالحضارات الإنسانية في العالم؛ فخلال الدورة الستين للأمم المتحدة، أُصدِر قرار باعتماد اللغة العربية واحدة من اللغات الرسمية في المنظمة ومؤسساتها، وفي الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العمومية صدر قرار في ديسمبر (1973) باعتماد العربية لغة رسمية ضمن لغات المنظمة.

وبغض النظر عن تاريخية اللغة ونشأتها، تعدُّ اللغة العربية إحدى اللغات السامية التي تعود لقرونٍ قبل الميلاد، ولقد كانت العرب وقبائلها في شبه الجزيرة العربية تحافظ على لهجاتها وفصاحتها حتى اندمج عرب الجزيرة مع غيرهم من الأجناس بسبب دخول تلك الأجناس إلى الإسلام وتزايد الاحتكاك الاجتماعي بها عامة، والحواضر الثقافيّة المعروفة آن ذاك خاصة، وتبعا لذلك رأى العرب الحاجة ماسة إلى حفظ اللغة من اللحن واندراس مفرداتها؛ حفاظا على عربيتهم التي يغارون عليها ويستقبحون تحريفها، واحترازا عن اللحن في القرآن الكريم، فنشأت المدرسة البصرية التي قعدت النحو؛ من أبي الأسود الدؤلي وابن أبي إسحاق، والخليل بن أحمد وتلميذه سيبويه ومن أتى بعدهم في هذه المدرسة اللغوية النحوية. وتدرج الاهتمام بالعربية فنشأت نتيجة سعتها وتعدد العلماء والآراء مدارس بها مثل: الكوفية، والبغدادية والأندلسية والمصرية ولغة الشام والحجاز واليمن.

​ ولعله من الجيد الإشارة إلى أن اللغة وهي في مرحلة التقعيد والمعيارية كان قد أسهم فيها من غير العرب كثير، فسيبويه وهو صاحب أشهر كتاب(كتاب سيبويه) كان فارسيا، وكان ما كان من ساهمة الحضارات الأخرى التي نقل عنها اللغويون ما استأنسوا به، فتأثروا وأثّروا في الآخرين؛ ومن الإشارات في المحافل اللغوية هو استفادة النحاة من نحو وكتابة كل من: اليونان والهند والفرس والمجال لا يتسع لذكر تفاصيل هذا الامتزاج الثقافي والحضاري.

​ وبعد مرحلة التأسيس وفي عصور: صدر الإسلام والعصور الراشدية كان للعرب والعربية انفتاح أكثر مع الأمم الأخرى؛ لأن رقعة أراضي الإسلام اتسعت وشملت متحدثي لغات مختلفة، وكان إذ ذاك أن استفاد العرب من العقل اليوناني بنقل الفلسفة وعلوم المنطق عند أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس وغيرهم، واستفادوا من عقل الفرس بنقل العلوم وبالتأليف في علوم التفسير والحديث والفقه واللغة، ومن عقل الهند بالترجمة عن الأدبيات الأسطورية وقصصها؛ ولعل كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه ابن المقفع أقربه إل القارئ البسيط.
​ وكان أن اعترف علماء تلك الحضارات بتأثير العربية ونجابتها، ولا أدل من إطالة المقال إنشاء أقسام للدراسات العربية وكراسي علميّة لها في مختلف جامعات العالم وتعلمها؛ فشيوع اللغة العربية في المجتمعات الأوروبية ونتيجة كثرة الإقبال على تعلمها جعل أحد رجال الدين النصارى في مجمع فينا 1311م يدعو إلى إنشاء ست مدارس لتعليم اللغات الشرقية في أوروبا، حتى أتت موجة المستشرقين ودارسي اللغة العربية لسبر أغوارها وإثبات شرفها وعمقها مثل (ميركس) في كتابه تاريخ صناعة النحو عند السريان والفرنسي (فليش)، والهندي فيرستيج، الذي قال بتأثر النحو العربي بالنحو اليوناني، وكارتر الإنكليزي الذي رفض تلك الفكرة ،وبروكلمان وجوتولد فايل وليتمان، فضلا عن جيرار تروبو الذي قدم بحثا أثبت فيه أصالة النحو العربي.
أما عن التأثير في الجانب الثقافي والاجتماعي فإن اللغة العربية تناسلت بالترجمة وبالعلاقات التجارية، أو تسللت إلى لغات كثيرة وأقوام عديدين، ومؤلفاتهم ودراساتهم كثيرة في ذلك نذكر منها كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) لسيغريد هونكه. والدراسات العلمية والمؤلفات والبحوث لم تنه حتى يومنا هذا؛ فما زلنا نرى حركة التناسل الثقافي بالترجمة إلى اللغات الأخرى ومنها قائمة على أشدها، ولعل فوز الكُتَّاب العرب بجوائز عالمية لدليل على مشاركة العربية في الإنتاج الثقافي والحضاري.

وعلاوة على التناسل الثقافي والحضاري بالترجمة، فهو قائم بالتواصل البشري عن طريق البعثات العلمية وتعلم اللغات وتعليمها؛ وحدث في البلاد العربية أن أُنشأت المجامع العربية التي أخذت على عاتقها حمل أمانة اللغة فسارت تنشر العربية للمسلمين في ربوع العالم ولغير المسلمين أيضا، وبدأت تستقطب غير الناطقين بالعربية لتعلّمها في كنفها، فأنشأت الكليات والمعاهد التي تستقطب العالم إلى لتعلم العربية ليعرفوا كيف يفكر العربي وكيف يعيش وكيف يتعامل وما احتياجاته؟ ومن أمثلتها كلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها أنموذجا ومن نماذج المجامع أيضا: مجمع الملك عبدالله، ومجمع الملك سلمان، ومجمع الإمارات وقطر وغيرها كثير. وكان لهذا التناسل الثقافي والحضاري مردود وتبادل اقتصادي وعلمي على الجميع من مختلف الحضارات.

بقي أن أشير في نهاية المقال إلى أن شرف العربية ينطلق من عموديته وأفقيته؛ فأما عموديته فلكون العربية لغة القرآن الكريم، وأما أفقيته لرسوخ قدم العربية بين اللغات الحيّة القديمة، ولا أدل على ذلك ما يجمعه المرويّ في المأثور: “أحب العربية لثلاث: لأنها لغة العرب ولغة القرآن ولغة سكان الجنان”.

وحريٌ بنا ونحن نحتفي بالعربية أن نجعلها مسألة مستقبيلة وأمنا قوميا عربيا كباقي الأمم، تكشف قوتنا وعوارنا، وإذا كان غير العربي يهتم ويهش إلى العربية فلعمري أن العربي والمسلم أحرى بذاك وأولى، وإن أنس لا أنس ما يُذكر عن المسابقة التي أقمتها هيئة الإذاعة البريطانية لأفضل قصيدة تقال في مدح الرسول الكريم ففاز بها شاعر سنغالي إذ قال:
هجرت بقاع مكة والهضابا * وودعت المنازل والرحابا
تخذت من الدجى يا بدر سترا * ومن رهبوت حلكته ثيابا
ومن عجب تسيء إليك أرض * نشأت فما أسأت بها شبابا
والمرء ما زال مخبوء تحت لسانه ولغته هويته وفكره وأمنه.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: اللغة العربیة

إقرأ أيضاً:

نادي طاقة يكرّم المتفوقين في مسابقة الإبداع الثقافي العاشرة

نظّم نادي طاقة ممثلاً باللجنة الشبابية حفلاً تكريمياً في جمعية المرأة العمانية بطاقة، لتكريم المتفوقين في مسابقة الأندية للإبداع الثقافي على مستوى النادي في نسختها العاشرة. وتضمّنت المسابقة عشرة مجالات مختلفة تشمل الشعر الفصيح والشعر الشعبي والمناظرات والفنون التشكيلية والتصوير الضوئي والموسيقى والإنشاد والابتكار وريادة الأعمال، إضافة إلى مسابقة الألعاب الإلكترونية والتعليق الرياضي.

وألقى الدكتور سالم بن سهيل العوائد، رئيس اللجنة الشبابية بنادي طاقة، كلمة أكد فيها أن الإبداع ليس مجرد كلمات تُكتب أو أشعار تُلقى، بل هو روح تبني الإنسان وتعزز قيم الانتماء والعطاء والمثابرة. وأوضح أن المسابقة تمثل نافذة للاطلاع على الطاقات الواعدة وصناعة مستقبل أكثر إشراقاً، مباركاً لجميع المشاركين على جهودهم ومتمنياً لهم المزيد من النجاح.

وفي الحفل، قام محمد بن حسن سعيد العوائد، نائب رئيس نادي طاقة وراعي الحفل، بتكريم الأوائل في مختلف المجالات، حيث حصل مسلم بن سعيد سالم المعشني على المركز الأول في الشعر الفصيح، فيما نال سعيد بن محاد عيسى المعشني المركز الأول في الشعر الشعبي، وفازت فاطمة بنت سهيل محاد المعشنية بالمرتبة الأولى في المناظرات، بينما حصل الخطاب بن أحمد علي صعر على المركز الأول في التصوير الضوئي.

أما في الموسيقى، فقد حقق هادي بن محمد علي كشوب المركز الأول، وحصل البراء بن عامر سهيل العوائد على المركز الأول في الإنشاد، فيما نال أحمد بن محمد سهيل المعشني المركز الأول في الابتكار وريادة الأعمال، وتصدر فيصل بن محمد مسعود العوائد مجال التعليق الرياضي.

ويأتي هذا التكريم في إطار حرص نادي طاقة على دعم المواهب الشابة وتشجيعها على الإبداع والمشاركة في الفعاليات الثقافية والفنية، بما يسهم في تنمية قدرات الشباب وتعزيز الحراك الثقافي في الولاية.

... والحمراء تحتفي بالمبدعين في المسابقة

احتفل نادي الحمراء الرياضي الثقافي في قاعة النادي بتكريم المجيدين على مستوى النادي في مسابقة الأندية للإبداع الثقافي لعام 2025، وذلك تحت رعاية سعادة الشيخ جمال بن أحمد العبري، عضو مجلس الشورى ممثل ولاية الحمراء. استهل الحفل عامر بن علي العبري، رئيس اللجنة الشبابية، بكلمة أشار فيها إلى أن مسابقة الأندية للإبداع الثقافي تُعد منصة رائدة لإبراز طاقات الشباب المبدعين في المجالات الأدبية والفنية والتقنية، وأن المسابقة شهدت مشاركة واسعة من مختلف الفئات العمرية، مما يعكس الوعي الكبير بأهمية صقل المهارات وتعزيز الإبداع. وأضاف "العبري": "إن هذا التكريم هو ثمرة تخطيط دقيق وتنفيذ متميز، وهو دليل على التزامنا بتوفير بيئة محفزة للشباب للتعبير عن مواهبهم وإبراز إبداعاتهم." ودعا الشباب المبدعين إلى مواصلة العمل والاجتهاد، والمشاركة في كل فرصة تتيح لهم صقل مواهبهم وإظهار قدراتهم، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي. بعد الكلمة، استمتع الحضور بوقفة بصرية مميزة مع عرض مرئي بعنوان "كنوز الحمراء" سلط الضوء على جماليات ولاية الحمراء وتاريخها العريق، وعرض آخر بعنوان "قصة جسد" استعرض محطات من مسابقة الأندية للإبداع الثقافي في الولاية، عكس جهود الشباب وتفاعلهم الإبداعي. وقدمت فقرة إنشادية من أداء المنشد عبدالله بن سعيد الناعبي من مدرسة الشيخ ماجد بن خميس العبري، وأختتم الحفل بتكريم راعي الحفل المجيدين في مسابقتي البحث العلمي والقصة المصورة، بالإضافة إلى المجيدين في مسابقة الأندية للإبداع الثقافي بولاية الحمراء. وجاءت نتائج مسابقة البحث العلمي كما يلي: المركز الأول من نصيب ريان بنت علي بن سعيد الخيارية عن بحثها "أثر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على القيم والأخلاق لدى طلبة البكالوريوس في سلطنة عمان"، والمركز الثاني حصلت عليه زينب بنت يوسف الهاشمية عن بحثها "دور التعليم الرقمي في تعزيز القيم والأخلاق". وفي مسابقة القصة المصورة، فازت بالمركز الأول مريم بنت محمد الناصرية، وحصل على المركز الثاني زياد بن عبدالله الهطالي، بينما جاءت في المركز الثالث ميار بنت حمد العبرية. أما نتائج مسابقة الأندية للإبداع الثقافي فكانت في مجال الشعر الفصيح حصلت على المركز الأول أروى بنت منيب العميرية، وفي الشعر الشعبي فازت شوق بنت عامر الدرعية بالمركز الأول، وفي الإنشاد حلّ أولاً عبدالله بن سعيد الناعبي، أما في المناظرات "التناظر الفردي" فقد جاءت سارة بنت غمن العبرية في المركز الأول. وفي الخط العربي، حصلت غيد بنت عبد الباسط العبرية على المركز الأول، وفي التصوير الضوئي فازت اليمامة بنت عبد الله العبرية بالمركز الأول، وفي الموسيقى نال ليث بن مظفر الهنائي المركز الأول. وفي التعليق الرياضي تمكن محمد بن سليمان العبري من الحصول على المركز الأول، فيما كانت مسابقة الابتكار وريادة الأعمال من نصيب سلطان بن أحمد الريامي.

مقالات مشابهة

  • هوية سوريا الحضارية… نسيج من التراث العريق
  • قسم العربية بجامعة البترا يحصد أول اعتماد أردني لبرامج الأكاديمية لمدة 4 سنوات
  • الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية بالجزائر.. آفاق واعدة لحركية صاعدة
  • جامعة برج العرب التكنولوجية توقع بروتوكول تعاون مع الغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة
  • «الثقافي العربي» في الشارقة يستضيف جورج غريغوري
  • نادي طاقة يكرّم المتفوقين في مسابقة الإبداع الثقافي العاشرة
  • جامعة الأمير مقرن توقِّع اتفاقية لتعليم العربية للناطقين بغيرها واستقطاب الطلاب الدوليين
  • أمل الحجار: هجِير ليس مجرد فيلم .. بل تجربة سعودية تعكس هويتنا | خاص
  • الدار للتعليم تتصدر جهود تعزيز تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية والمفاهيم الاجتماعية في مرحلة رياض الأطفال
  • مختصة: يمكن للطفل اكتساب 5 لغات في المراحل المبكرة