#يحدث_غداً د. هاشم غرايبه
لا يختلف اثنان، على أن ما بعد معركة الطوفان، لن يكون كما كان قبله، وهذا التغيير الجذري في كثير من المفاهيم، لن يكون مقتصرا على واقع أمتنا فقط، بل على العالم بأسره.
إن في ما حدث عبرة لأولي الألباب، فلم تمر أمتنا طوال تاريخها بحالة ضعف كالتي هي فيها الآن، مقارنة مع إمكانياتها الهائلة، لكنها وظفت في الترف والفسوق وسفاسف الأمور، ولم تستثمر في بناء القوة في زمن يسيطر فيه الأقوياء على كل شيء، ولا يتركون للضعفاء أي شيء، وبالمقابل عُطل العنصر الذي انفردت به الأمة وهو الجهاد.
على صعيد قضية الأمة الأولى، فقد تزامن تخاذل زعامات الأمة عن الانتصار لها، مع تخاذل مماثل ممن نصبوا أنفسهم ممثلين وحيدين للشعب الفلسطيني، فأوصلت الفلسطينيين الى وضع غير مسبوق من التفكك وانكسار الشوكة والهوان، فنكل بهم العدو وقعد أحرار العالم عن التضامن معهم.
هنا جاء الطوفان عندما استعيدت فريضة الجهاد، فأوقد الإيمان العزيمة في النفوس الخامدة، فهب المجاهدون، وصنعوا الملاحم البطولية.
هكذا إذن هي الهمم عندما تستنهض، تتجاوز النتائج الحسابات المادية، فتلاطم اليد المخرز، وتصبح اليد العارية أطول من تلك الممدودة بالسيف، فينهزم السيف وينتصر الجرح.
منذ بدأ صراعنا مع الغزاة الأوروبيين لفلسطين، ظلوا يستقوون علينا بضعاف الهمم من بيننا، نشروا فينا حب الدنيا والقعود في انتظار المنح والعطايا، أوهمونا أن فينا ضعفا وأن المعتدين جبابرة لا يهزمون، استزلموا منا كبراءنا والأمراء، اتخذوهم بطانة لهم وعلينا عونا، فأوضع هؤلاء فينا الخور والخذلان، وقالوا ليس لكم بهؤلاء حيلة فارهبوهم، واقبلوا تسلطهم عليكم، ولا تقاتلوهم فسوف تنهزموا، ولذلك نظموا عدة حروب صورية لم يكن فيها قتال ولم تحدث فيها مجابهة، فانسحبت جيوش جرارة كنا نعدها سياجا للوطن، وإذ بها قوات مدربة على حمايتهم، لم نرها يوما في ساحات الوغى، بل كانت أسودا على شعبها إن ثار على الحكام.
هكذا هو عدونا ..نمر من ورق ..صور مرسومة على جدران هواننا، وحكايات خرافية منسوجة في قيعان ذاكرتنا، قصد بها إرعابنا، لكي لا نقف بوجوههم، لأننا إن فعلنا وصمدنا ساعة ستتساقط قوتهم الموهومة وستتفتت كالسراب صور التفوق العسكري ، فحينما يلتقي اثنان وجها لوجه، لن تنفع التقنيات المتقدمة بل ستتغلب النفس المؤمنة التي لا تخشى الموت على تلك التي تحرص على الحياة.
هذه السلطة التي أقاموها في رام الله، هل يصدق غير البلهاء أنهم أوجدوها لمصلحة الفلسطينيين؟ ، هل يمكن أن ينشيء الغزاة كيانا يهدد وجود كيانهم!؟ ما لكم كيف تحكمون؟
إن قصة حل الدولتين هي بمثابة “اللهّاية” التي يضعونها في فم الطفل لكي يظن أنه بمصها سوف يجد الحليب الذي يجده في ثدي أمه الحقيقي، يستمر المسكين بالمص وهو ينتظر عبثا فلن تخرج منها قطرة حليب .. إن هي إلا لإسكاته فقط .. هكذا هي ملهاة العملية السلمية والمفاوضات العبثية، لشراء الوقت لحين صنع واقع جديد لملء الأرض بالمستوطنين.
ألان انكشف أن وظيفة السلطة هي إعادة اللهاية الى فم الطفل كلما بكى، لذلك ستكون أول الساقطين كمنتج أولي لهذا الطوفان الجارف للقمامات.
الساقط التالي سيكون مسلسل التطبيع، فلن يكون هنالك ذريعة لمن طبعوا أو الذين ينوونه، فلا أفادت تلك المعاهدات بتحقيق وهم السلام، فإن لم تحمِ هذه الاتفاقيات أطفال الأمة من جبروت القوة الصهيو – أمريكية .. فمن ستحميه!؟.
الساقط الثالث هو الوهم المصنوع للقوة التي لا تقهر، .. ها قد قهرت بأسلحة بدائية وبلا طائرات أو دبابات أو مدافع!.
الساقط الرابع هو المراهنة على الصداقة مع الغرب، اعتمادا على الديمقراطية الزائفة التي يتشدق بها، وعلى حقوق الإنسان المنافقة، وعلى الشرعية الدولية… لقد ثبت أن كل ذلك سراب زائف.
أما على الصعيد العالمي، فسوف ينكسر حاجز الخوف الذي صنعه سقوط الاتحاد السوفياتي، ويتعزز التحالف الشرقي المضاد للغرب، والمتكون من الصين وروسيا وكوريا الشمالية، ليتبدد عصر القطب الواحد.
فلنعد النظر مرة أخرى في وسائل قوتنا، إن بأيدينا الكثير، فالسارق جبان مهما تدجج بالسلاح.
إن الحق وصاحبه إثنان، والظالم مهما تجبر مفرد، وسيتخلى عنه داعموه عندما يحسوا بجدية صاحب الحق.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: يحدث غدا
إقرأ أيضاً:
“لقاء الأربعاء”
خطاباته ليست ككل الخطابات، بلاغته تتجاوز حدود اللغات، قريبٌ إلى القلب كأنّه القلب، مندمجٌ مع الروح حتى تحار أيهما الرّوح! هل أنت روح الخطاب أم أن الخطاب روحك أنت!
هل استمعت إليه أم أنك استمعت إليك، لسانه هو أم لسانك أنت، قلبه هو أم قلبك أنت، أم أن السّيّد دائمًا، دائمًا وحسب، دائمًا ولا أقل:
صوت الأمة، وقلب الأمة، وروح الأمة!
على هذا النحو، فسماحة السّيّد عبدالملك الحوثي- دائمًا- لا يتحدث بالنيابة وإنّما بالإصالة: عنه، وعن اليمن، وعن العرب!
عن كافة المسلمين في هذه الأرض، وعن كل الأحرار في أرجاء الدنيا!
دائمًا.. ولأنّ قائد القلوب يتحدّث إلى كلّ القلوب وعنها! لأنّ خطاباته إليها ومنها! فهي تتجاوز الحدود نافذةً إلى كلّ قلبٍ حر.. كلّ روحٍ متّقدة، كلّ هامةٍ مرفوعة، وكلّ ضميرٍ حي!
لهذا فهي، وبالطبع، تتجاوز كلّ الحدود من أقصى الأمّة إلى أقصاها!
وخطاباته دائمًا تصل إلى قلوبنا! لأنها- ببساطة- تخرج من قلوبنا! هي صوت قلوبنا إلى العالم، وموقف قلوبنا من الدنيا!
ولهذا فكلّ خطابٍ، بحدّ ذاته، مناسبة! لحظته لحظةٌ فارقة! لحظةٌ يتحد فيها الكلّ بالكلّ، ويعبّر فيها الجميع عن الجميع!
ولهذا فصوته مزاج قلوب كلّ المستضعفين، تطرب معه أرواحهم محبّةً.. قوّةً، وكرامة! وتنهار منه قلوب المستكبرين خوفًا.. ضعفًا، ومهانة!
لهذا أيضًا، دائمًا، وبعد كلّ خطابٍ تقف قلوبنا صفًّا، قوّتها ريحٌ وكرامتها سحاب:
ها.. أيها العالم! ليكن بعد هذا الخطاب ما يكن لأننا- ما لم يكن خطابنا هكذا- لم نكن! ولأن الشعوب التي ترضى بالذّل كأنّها لم تكن! ولأننا إذا لم نقم بهزّ أركان الدنيا كُرمى لعيون قلوبنا في غزة فليت أنّنا لم نكن، ولأنّ أمريكا، لولا حكّام الذّل المكلّلين بالعار، لم تكن!
ها.. يا صوتنا! مرحبًا وبعد التّحيّة!
نودّ إخبارك أنّنا لطالما بحثنا عنك، في الأركان وبين الزوايا، لطالما هربنا من واقعنا إلى التاريخ المجيد وإلى المحكيّات الغابرة، ولطالما حاولنا انتزاع الصوت منها إلى ما شاء الله! لطالما ولطالما! وفي كلّ «طالما» لم نكن نسمع لأصواتنا- قبل اليوم- صدى!
كنّا نصرخ عبر المدى «واعزّاه» فلا يرجع الصّدى!
تذهب وفودنا إلى أعماق التّاريخ فلا ترجع، ونرسل أصواتنا إلى حُكّام الذّل فلا تُسمع!
ننفخ حكامنا لنا فينتفخون علينا، نحصد لهم كلّ ما في قلوبنا من عنفوان، فيجمعون ما حصدناه وينثرونه في الهواء، ثمّ يركعون على أبواب أمريكا بقلبٍ مستكينٍ وفرائص مرتعدة!
ألا تبّت يدا كلّ حاكمٍ ذليل، وكلّ مُترَفٍ عميل، وكلّ موقفٍ هزيل، وكلّ وجوهٍ بلا ماء، وكلّ حياةٍ بلا كرامة!
لهذا فنحن اليوم- من أقصى الأمة إلى أقصاها- نحتفي بصوتنا إذ نسمعه شجيّا، ينضح بالكرامة والعزّة والشرف- كلّ الشّرف- صادقًا، واضحًا بلا لبسٍ، نديّا.
نحتفي بكرامتنا كما ينبغي، وبشرفنا لا ينقص قيد أنملة، نحتفي ورسالتنا إلى التاريخ واضحة:
فلتتذكّر أيّها التّاريخ، هذا الجيل جيّدًا،
فلتستمع إلى خطابات الشاب، هذا، كما ينبغي!
فلتقل.. لكلّ من يمرّون على صفحاتك ذات يوم:
لقد مرّ على هذه الصفحة جيلٌ لم يمت،
وحينما ذهب إلى الله، لم يذهب ورأسه محنيّة!
وفي صبيحة الأربعاء القادم، في الزاوية ذاتها بإذن الله..
يبقى لنا حديث.