ثلاثة مشاهد في سجل الرئيس الجديد
تاريخ النشر: 18th, December 2023 GMT
فوز السيسي بنسبة 89.6% يعني الثقة في القائد لاستكمال مشروعه الوطني في الفترة المقبلة
3 يوليو 2013.. و8 يونيو 2014.. والجمهورية الجديدة.. محطات رئيسية في مسيرة العمل الوطني
الشعب ينتظر تفعيل توصيات الحوار الوطني: سياسيًا - اقتصاديًا - اجتماعيًا خلال الفترة المقبلة
أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات اليوم الاثنين 18 ديسمبر نتيجة الفرز النهائي للانتخابات الرئاسية، حيث أعلن عن فوز الرئيس عبد الفتاح السيسي برئاسة الجمهورية لولاية جديدة بنسبة 89.
وأمام هذه النسبة من المشاركة، وهذا الفوز الذي استحقه الرئيس السيسي، نتوقف أمام ثلاثة مشاهد مهمة سيطرت على المشهد خلال السنوات الماضية والتي أدت إلى هذه النتائج المبهرة، وتحديدًا منذ الإعلان عن انحياز الجيش للثورة في 3 يوليو 2013، حيث تختصر هذه المشاهد حقائق ما جرى وترسم ملامح المستقبل المقبل.
المشهد الأول- لحظة الحسم:"لم يكن في يوم ما مخادعًا، كان صادقا ونزيهًا" هكذا كان يصفه المشير طنطاوي، ولمَ لا، وهو الذي يعرفه منذ أن كان ضابطا برتبة مقدم في الأمانة العامة لوزارة الدفاع ومسئولا عن أمن المعلومات؟
وعندما جاءت اللحظة التي تبوأ فيها مقعد القائد العام ووزير الدفاع، كان المشير طنطاوي أكثر الناس سعادة، كان يقول دومًا: «أنا مطمئن على الجيش وعلى الوطن». وعندما اختير رئيسًا للجمهورية، كان مشفقا عليه من خطورة المسئولية والتحديات التي تواجهها البلاد، لكنه كان على ثقة من أنه قادر على مواجهتها.
الرئيس عبد الفتاح السيسيلا زلت أتذكر السيسي بزيه العسكري وهو يقف وسط كوكبة من الرموز المصرية في الثالث من يوليو ليعلن انحياز القوات المسلحة لثورة الشعب المصري في الثالث من يوليو 2013، يومها قال في بداية البيان الذي ألقاه: «إن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم آذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطني وليس دورها السياسي على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وسوف تظل بعيدة عن العمل السياسي».
نعم كان ذلك موقفًا ثابتًا ومبدئيًا وعقائديًا لدى قواتنا المسلحة، أراد السيسي أن يعيد التذكير به في هذا اليوم التاريخي الحاسم. لقد تضمن بيان القائد العام في هذا اليوم التأكيد على عدد من الثوابت وإعلان حقائق ما جرى لتبقى شاهدًا أمام محاولات التزوير والتزييف، وكأنه يقرأ سيناريوهات المستقبل.
- قال السيسي: لقد استمرت القوات المسلحة انطلاقًا من رؤيتها الثابتة، أن الشعب الذي يدعوها لنصرته لايدعوها لسلطة أو حكم، وإنما يدعوها للخدمة العامة والحماية الضرورية لمطالب ثورته، وتلك هي الرسالة التي تلقتها القوات المسلحة من كل حواضر مصر ومدنها وقراها. وقال: لقد استوعبت بدورها هذه الدعوة وفهمت مقصدها وقدرت ضرورتها واقتربت من المشهد السياسي آملة وراغبة وملتزمة بكل حدود الواجب والمسئولية والأمانة، خاصة أنها بذلت خلال الأشهر الماضية جهودًا مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي وإجراء مصالحة وطنية بين كافة القوى السياسية بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ نوفمبر 2012. وأضاف: تقدمت القوات المسلحة أكثر من مرة بعرض تقدير موقف استراتيجي على المستويين الداخلي والخارجي تضمن أهم التحديات والمخاطر التي تواجه الوطن على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي ورؤية القوات المسلحة كمؤسسة وطنية لاحتواء أسباب الانقسام المجتمعي وإزالة أسباب الاحتقان ومجابهة التحديات والمخاطر للخروج من الأزمة.
يقول القائد العام: كان الأمل معقودًا على وفاق وطني يصنع خارطة مستقبل، ويوفر أسباب الثقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقق طموحه ورجاءه، ولكن خطاب الرئيس (مرسي) ليلة أمس وقبيل انتهاء مهلة( الـ 48 ساعة) جاء بما لا يلبي ويتوافق مع مطالب جموع الشعب، الأمر الذي استوجب من القوات المسلحة، استنادًا إلى مسئوليتها الوطنية والتاريخية، التشاور مع بعض رموز القوى الوطنية والسياسية والشباب دون استبعاد أو إقصاء لأحد.. حيث اتفق المجتمعون على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولية تحقق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك لا يقصى أحدًا من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والانقسام.
تلك كانت مقدمة سبقت إعلان القائد العام لخارطة المستقبل التي التزم بها وعمل على تنفيذها.
في البداية عرض عليه أن يتولى منصب «الرئيس المؤقت» لحين إجراء الانتخابات الرئاسية بعد إقرار الدستور، ولكنه رفض وبكل قوة، وأصرّ على تولي رئيس المحكمة الدستورية في هذا الوقت (المستشار عدلي منصور) لمهام الرئيس المؤقت.
كان هذا هو المشهد الأول في انطلاق المسيرة التي استمرت منذ عام 2013 وحتى اليوم.
المشهد الثاني- المسئولية:في الثامن من شهر يونية 2014 أدى المشير عبد الفتاح السيسي اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، كرئيس للجمهورية بحضور أعضاء الجمعية العمومية برئاسة المستشار أنور العاصي، رئيس المحكمة بالإنابة، وأيضًا حضور الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور وآخرين.
وقف الرئيس وسط الحاضرين، تقدم بخطوات واثقة، أدى القسم، بينما كان التليفزيون المصري يبث الحدث التاريخي على الهواء: «أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الوطن وأحافظ على سلامة أراضيه».
بعد انتهاء مراسم أداء اليمن الدستورية، توجه الرئيس الجديد برفقة المستشار عدلي منصور إلى قصر الاتحادية بحي مصر الجديدة، الذي شهد حفل التسلم والتسليم، وقام السيسي بالتوقيع على وثيقة تسلمه السلطة. كان الشعب المصري يتابع الحدث: مظاهر الاحتفالات الشعبية تنطلق في الشوارع والميادين، اتخذ الأمن المصري إجراءات قوية للحيلولة دون تحركات الإخوان الذين قالوا: «إنهم سيسعون إلى إفساد الاحتفال بتنصيب الرئيس الجديد».
كان السيسي قد حقق فوزًا كاسحًا في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر مايو من العام ذاته، لقد حصد أكثر من 96.91% من الأصوات الصحيحة، بينما لم يحقق منافسه حمدين صباحي سوى نسبة لا تذكر.
بعد أن أطلقت المدفعية 21 طلقة، وتم عزف السلام الوطني واستعرض الرئيس حرس الشرف، جاء موعد استقبال الرئيس لضيوفه من القادة العرب والأجانب.
وفي اليوم نفسه، كان موعدنا مع حفل التنصيب، توجهنا إلى قصر القبة، وجوه عديدة تمثل ألوان الطيف السياسي كافة، الدعوات شملت الجميع باستثناء أعضاء وقيادات الجماعة الإرهابية.
وقف الرئيس أمام الحشد الكبير يلقي كلمته، وجّه الشكر إلى الرئيس السابق عدلي منصور. تعهد أمام الشعب بأنه سوف يسهر على احترام الدستور وتعهد أيضًا بإنجاز الاستحقاق الثالث، وهو الانتخابات البرلمانية وأيضًا رعاية مصالح الشعب رعاية كاملة.
توقف المراقبون أمام كلمات الرئيس: «إنني رئيس لكل المصريين، لا تفريق بين مواطن وآخر، ولا إقصاء لأحد، فلكل مصري دوره الوطني، وأتعهد بأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه».
تحدث الرئيس في هذا الخطاب عن: «عزف جديد في تاريخ الدولة المصرية يدعم اقتصادًا عملاقًا ومشروعات وطنية ضخمة للدولة والقطاع الخاص واستثمارات مباشرة، كما أكد في المقابل على الحفاظ على حقوق الفقراء ومحدودي الدخل وتنمية المناطق المهمشة».
لم يكن الرئيس يغالي في كلماته عندما فتح صدره للجميع مع بداية عهده الرئاسي وقال: «أتطلع إلى عصر جديد يقوم على التصالح والتسامح من أجل الوطن، تصالح مع الماضي، وتسامح مع من اختلفوا من أجل الوطن وليس عليه، تصالح ما بين أبناء وطننا باستثناء من أجرموا في حقه أو اتخذوا من العنف منهجًا».
قال الرئيس: «أتطلع إلى انضمام كافة أبناء الوطن، كل من يرون مصر وطنًا لنبني سويًا مستقبلًا لا إقصاء فيه لمصري، وتحقيق العيش والحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية، أما من أراقوا دماء الأبرياء وقتلوا المخلصين من أبناء مصر، فلا مكان لهم في تلك المسيرة».
توقف الرئيس لثوانٍ معدودة، وقال بحسم: «أقولها واضحة جلية: لا تهاون ولا مهادنة مع من يلجأ إلى العنف، ومن يريدون تعطيل مسيرتنا نحو المستقبل الذي نريده لأبنائنا، لا تهاون ولا مهادنة مع من يريدون دولة بلا هيبة». وقال: «أعدكم بأن المستقبل القريب سيشهد استعادة الدولة المصرية لهيبتها على التوازي مع جهدنا جميعًا، أنتم وأنا لتحقيق الآمال والتطلعات».
لقد قدم الرئيس في خطابه المطول في هذا اليوم رؤيته الواضحة والمحددة للتحديات التي تواجه مصر، وسبل التصدي لها، قدم روشتة علاج ناجعة، ووعد بتحقيق المزيد من الطموحات وتحدث في هذا اليوم عن محاور التنمية للفترة المقبلة.
قال السيسي: إننا سنعمل من خلال محورين أساسيين أحدهما يدشن للمشروعات الوطنية العملاقة، مثل مشروع تنمية محور قناة السويس، وإنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، وتعظيم الاستفادة من الطاقة الشمسية لإنتاج هائل من الكهرباء.
أما المحور الآخر، فيختص بإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحقق انتشارًا أفقيًا في المناطق المحورية، ويوفر مدخلات بسيطة في مختلف مراحل العملية التصنيعية، بما يوفر العملات الصعبة وينهض بالمناطق المهمشة والأكثر فقرًا.
وتحدث الرئيس عن التنمية الزراعية، وقال: سيكون لها نصيب كبير من جهود التنمية في المرحلة المقبلة، وذلك من خلال عدة محاور أهمها مشروع ممر التنمية وما سيوفره من أراض صالحة للزراعة، فضلًا عن إعادة تقسيم المحافظات المصرية وخلق ظهير زراعي لكل محافظة، وتوفير فرص عمل جديدة فضلًا عن الاعتماد على الأساليب العلمية للري ومعالجة المياه.
تحدث الرئيس باسهاب عن خطته للنهوض بالصناعة وتطوير التعليم والارتقاء بالتعليم الفني، والصحة، وأكد أن هذه الخطة لن تؤتي ثمارها المرجوة أو تحقق نهوضًا شاملًا بالوطن دون أن تتواكب معها تنمية اجتماعية.
كان خطاب السيسي بمثابة دليل عمل للفترة المقبلة، وكان المصريون سعداء يحتفلون بالتنصيب على طريقتهم، بينما حاولت جماعة الإخوان الإرهابية تصعيد وتيرة العنف والإرهاب في أكثر من مكان في هذا اليوم، ولكن قوات الأمن تمكنت من إحباط الكثير من التحركات والمؤامرات، كانت روح التفاؤل هي السائدة وكان المصريون على ثقة من أنهم بدأوا مسيرتهم وانطلاقتهم.
المشهد الثالث- الجمهورية الجديدة:على مدى أكثر من تسع سنوات، بدأ الإعداد للجمهورية الجديدة التي تبنى على سابقتها ولا تهدمها كما قال الرئيس. لقد وضع ميثاقًا وطنيًا لتدشين هذه الجمهورية أساس قوامها المشاركة السياسية الجادة ودعم الاقتصاد الوطني والتأكيد على ثوابت الدولة المصرية وحماية الأمن القومي.
كانت الجمهورية الجديدة فكرة متعمقة في عقل الرئيس منذ أن تبوأ السلطة في الثامن من يونيو 2014. مضت الأيام والشهور والسنوات. بدأت القيادة السياسية في ترسيخ دعائم الأمن والاستقرار السياسي ومواجهة الإرهاب ثم تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والتنموي، حيث قامت الدولة بتنفيذ آلاف المشروعات في مختلف التخصصات: البنية التحتية - الصناعة - الزراعة - واستصلاح الأراضي وغيرها. وهو أمر دفع الكثير من الخبراء والمتخصصين إلى وصف ما تحقق على مدى السنوات الماضية بأنه إعجاز حقيقي على أرض الواقع.
وفي سبتمبر 2021 أطلق الرئيس السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ووضع لتنفيذها بكافة أطروحاتها الاستراتيجية والمستقبلية خمس سنوات تنتهي في سبتمبر 2026م، واحتوت هذه الاستراتيجية على أربعة محاور:
المدنية والسياسية - الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب - التثقيف وبناء القدرات.
وقد تلا ذلك دعوة الرئيس للحوار الوطني في أبريل عام 2022 وذلك بإشراك الشخصيات العامة والقوى السياسية ومختلف الأحزاب والشباب بهدف تحديد أولويات العمل الماضي في إطار ثلاثة محاور رئيسية هي: المحور السياسي والمحور الاقتصادي والمحور المجتمعي ومن خلال 19 لجنة فرعية.
إن الواقع يفرض نفسه. والحديث عن المشروعات والإنجازات والجوانب الاجتماعية والصحية والإصلاح التشريعي وغيرها من القضايا الملحة يحتاج إلى تفاصيل عديدة. هناك مشكلات وأزمات نعم. هناك تحديات تفرض نفسها. غير أن القراءة الموضوعية لوقائع ما جرى في السنوات التسع الماضية تقول: إننا أمام قائد وطني يعرف حقائق ما يجري ويعترف بمعاناة الناس، ويأمل في الخروج منها سريعًا. متابع جيد، يدرك أنه يخوض معارك على كافة الجبهات بثقة وإيمان. هو على يقين بالتأكيد أن الشعب العظيم الذي حافظ على دولته، وحدود بلاده لأكثر من سبعة آلاف عام لن يسمح للمتآمرين والفوضويين في الداخل والخارج بأن ينالوا من سلامة الوطن وأمنه واستقراره.
لقد أدرك المصريون، أمام التحديات التي يواجهونها على كافة الاتجاهات الاستراتيجية وتحديدًا الاتجاه الشمالي الشرقي، أنهم في حاجة إلى استمرار القائد الذي حقق وأنجز، وصدق معهم في وعوده، ولذلك شاركوا في الانتخابات بنسبة 66.8% من عدد الناخبني، وهى نســبة لم تحــدث فى تاريخ مصــر الانتخابى فى إطار انتخابــات تنافســية ســواء كانــت فــى انتخابــات البرلمان، أو رئاســة الجمهوريــة.
والآن وبعد إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات عن فوز الرئيس السيسي بنسبة 89.6% من مجموع الأصوات أصبحنا أمام واقع جديد، ورؤية مستقبلية لست سنوات مقبلة، يسعى القائد من خلالها إلى جني ثمار ما تحقق على أرض الواقع لينعكس ذلك على حياة المصريين، هذا الشعب العظيم الذي تحمّل الكثير من المعاناة على مدى فترات التاريخ المختلفة، لكنه أبدا لم يفقد إيمانه بالحاضر والمستقبل.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية 2024 السيسي مصطفى بكري القوات المسلحة القائد العام فی هذا الیوم عدلی منصور من خلال أکثر من رئیس ا
إقرأ أيضاً:
ما الرسائل التي حملها ممثل الرئيس الروسي للجزائر؟
الجزائر– حملت زيارة نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف إلى الجزائر دلالات عدة عن طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة مع ظهور مؤشرات توتر غير معلن خلال الأشهر الماضية على خلفية وجود قوات فاغنر الروسية ونشاطها في مالي.
ووصف بوغدانوف علاقات بلاده بالجزائر بالجيدة وعلى مستوى إستراتيجي، مؤكدا أن اللقاء الذي جمعه رفقة نائب وزير الدفاع الروسي إيونوس بيك إيفيكوروف، بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس أركان الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، ووزير الخارجية أحمد عطاف، لم يناقش فقط العلاقات الثنائية بل الأحوال في المنطقة ومنطقة الساحل إلى جانب تبادل الرؤى والنصائح، مشيرا إلى استعداد روسيا لمواصلة اللقاءات والتعاون مع الجزائر بما في ذلك النقاش السياسي.
وتأتي زيارة المسؤول الروسي إلى الجزائر بالتزامن مع تقارير إعلامية حول سحب روسيا عتاد عسكري متطور من قواعدها في سوريا ونقله إلى ليبيا بعد أيام من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، وعقب تجديد الجزائر دعوتها بمجلس الأمن إلى انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين والمرتزقة الذين يفاقم وجودهم حدة التوترات ويهدد سيادة ليبيا.
الجانبان الجزائري والروسي ناقشا العلاقات الثنائية وعددا من الملفات الإقليمية والدولية (الخارجية الجزائرية) تنشيط بعد فتوريقول أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية محمد عمرون إن زيارة ممثل الرئيس الروسي إلى الجزائر تُعد "مهمة" إذا ما وضعت في سياقها الإقليمي والدولي الذي يشهد عدة تطورات، منها سقوط نظام الأسد، والأوضاع في غزة، والحرب الأوكرانية الروسية المتواصلة، إلى جانب الوضع المتأزم في منطقة الساحل الأفريقي.
ويؤكد عمرون، في حديثه للجزيرة نت، أن الزيارة تعد مهمة أيضا بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين كونها اتسمت بالفتور الأشهر الماضية لاعتبارات عديدة، من بينها وجود قوات فاغنر الروسية في شمال مالي.
وتطرق إلى العلاقات التاريخية التقليدية بين الجزائر وروسيا في جميع المستويات السياسية والدبلوماسية وحتى العسكرية، مما يجعل روسيا "بحاجة إلى التشاور مع شركائها الموثوقين مثل الجزائر بخصوص التطورات في سوريا، وهو ما سيرفع حالة البرودة والفتور عن العلاقات الجزائرية الروسية".
إعلانواعتبر أن انعقاد الدورة الرابعة للجنة المشتركة الجزائرية الروسية فرصة لترميم الثقة بين الجانبين بعد فترة من الفتور، والتباحث حول واقع منطقة الساحل، ورفع التنسيق والتشاور وتبادل الرؤى في ما يتعلق بمجمل الملفات.
رسائل وتوضيحاتوأشار أستاذ العلاقات الدولية والخبير في القضايا الجيوسياسية إلى أن ممثل الرئيس الروسي قد حمل دون شك مجموعة من الرسائل من الرئيس بوتين إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، تضاف إلى قضايا التعاون وكيفية تقريب وجهات النظر، وتتعلق بتقديم تفسيرات وتوضيحات من الجانب الروسي، خصوصًا فيما يتعلق بمنطقة الساحل، والاستماع للرؤية الجزائرية في هذا السياق.
وبخصوص إذا ما حملت هذه الزيارة تطمينات للجزائر، يقول إن الجزائر أثبتت عدة مرات أنها قادرة على حماية أمنها القومي بنفسها، مما يجعل مسألة التطمينات الروسية فيها نوع من المبالغة.
وأشار إلى أن الجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تُستبعد من ترتيبات منطقة الساحل لاعتبارات كثيرة، كما أن الرؤية الجزائرية القائمة على ضرورة الحوار والتعاون، ورفض التدخلات العسكرية، ورفض اللجوء إلى القوة لحل الأزمات، تعتبر في كثير من الأحيان رؤية صائبة، مما يجعل روسيا مطالبة بالتنسيق بشكل أكبر مع الجزائر.
من جانبه، توقع الخبير في القضايا الجيوسياسية والأمنية وقضايا الهجرة، حسان قاسمي، أن يكون ملف فاغنر قد طوي نهائيا بعد ردود الفعل القوية للطرف الجزائري على نشاط القوات الروسية في مالي، مؤكدا أن روسيا بلد حليف للجزائر، ولو كان هناك عدم توافق في بعض الأحداث التي تطورت على حدود الجزائر.
قواعد روسية بليبياواعتبر قاسمي، في حديثه للجزيرة نت، أن الأخبار المتداول لوسائل إعلام غربية حول نقل القواعد العسكرية الروسية بسوريا إلى ليبيا هي محاولات مغرضة لنقل الصراع إلى ليبيا، لعدم وجود لتهديد مباشر للقواعد العسكرية الروسية في سوريا، مع إمكانية تطور الصراعات الجيوسياسية في المستقبل.
إعلانومع ذلك، اعتبر أن نقل روسيا المحتمل لقواعدها العسكرية من سوريا إلى ليبيا لا يمكن أن تشكل تهديدا لأمن الجزائر كونها ليست عدوا لها، مما يفرض التنسيق والتشاور مع الجزائر بالموضوع إلى جانب الأطراف الأخرى على غرار السلطة الليبية ومصر.
وقال الخبير حسان قاسمي إن التطورات التي حدث في مالي مع وجود قوات فاغنر الروسية هناك لا يمكن أن تتكرر في ليبيا.
ويرى المحلل السياسي علي ربيج أن موقف الجزائر واضح جدًا فيما يخص القواعد العسكرية في منطقة الساحل أو في منطقة المغرب العربي بشكل عام، كونها رفضت أن تكون هناك قواعد عسكرية على ترابها، أو في ليبيا أو تونس أو مالي، لتأثير مثل هذه التجارب على أمن البلدان بتحولها لمدخل مباشر للانتشار العسكري للقوات الأجنبية.
ويقول ربيج، في حديثه مع الجزيرة نت، إن موقف الجزائر ثابت فيما يتعلق بالقواعد العسكرية، مما قد يجعله أحد النقاط الخلافية بينها وبين روسيا، التي ربما ترغب في إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، معتبرا أن هذا قد يزيد التوتر بين الجزائر وروسيا، وبين أي دولة أخرى تريد إقامة قواعد عسكرية في المنطقة.
بالنسبة للرسائل التي قد يحملها الطرف الروسي بالنسبة للجزائر في القضية الليبية، اعتبر أنها لن تخرج عن محاولة إقناع الجزائر لتغيير موقفها، فروسيا لا يمكنها التنازل عن وجودها في ليبيا.
وأشار إلى أن الجزائر ستبقى صامدة ومتمسكة بموقفها كونها تؤمن بنظرية واحدة، وهي أنه "لا يمكن الخروج من الأزمة الليبية إلا عن طريق جلوس الأخوة الليبيين معًا، والليبيين فقط، لإجراء حوار ومفاوضات وتقديم تنازلات فيما بينهم من أجل التوصل إلى حل يفضي إلى إجراء انتخابات دون تدخل أجنبي".